مجلة الرسالة/العدد 147/القصص
→ سهرة أبريل | مجلة الرسالة - العدد 147 القصص [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 27 - 04 - 1936 |
درامتان من اسخيلوس
ليلة في الفردوس
(وإلى الأبد في جهنم!)
آخرة المتضرعات
للأستاذ دريني خشبة
خلاصة الدرامة الأولى
كان لأيجبتوس، أمير مصر السفلى، خمسون ابناً، وكان لأخيه دانوس خمسون ابنة، وكان الزواج من بنات العم في ذلك الزمن محرما بل كان يعد نوعاً من الزنى؛ وبالرغم من هذا أراد إيجبتوس أن يزوج أبناءه من بنات أخيه، وكان هذا الأخ، دانوس قد رأى في منامه أن أحد أزواج بناته يذبحه، فلما ذهب إلى الكهنة يستفتيهم في هذا أكدوا له صحة الرؤيا، ولذلك رفض تزويج بناته، وهرب بهن على فلك إلى آرجوس، وهناك، في حرم الآلهة، لقي بيلاسجوس ملك آرجوس، وتقدمت كبرى بناته إلى الملك فحدثته عن منشئها وما تمت به من وشائج القربى إلى آرجوس عن طريق يو حبيبة سيد الأولمب وصفيته، وتضرعت إلى الملك أن يحميها وأخواتها وأباها من ملك مصر، وألا يردهم عليه أبدا؛ ولم يستطع الملك أن يعدها حتى يستشير شعبه، فهددت بأن تشنق نفسها، هي وأخواتها في جذوع الآلهة إن لم يفعل - وذهب الملك يحتال ليكسب أصوات شعبه وتأييده لقضيتهن - ولكن ظهرت سفينة في البحر في هذه الآونة، فإذا هي مركب مصري، وإذا فيه جند وقائد أتوا يستردون البنات وأباهم قسراً. . . وانقض الجنود على البنات، وطفقوا يجرونهن من شعورهن لينزلونهن إلى السفينة، وكادوا يفعلون، لولا عودة ملك آرجوس في آخر لحظة، فحماهن من القائد المصري، واحتدم الجدال بين الملك والقائد، حتى عد القائد أن ملك آرجوس، بمخاشنته التي أبداها قد أعلن الحرب على مصر. . . فعاد أدراجه إلى السفينة ليبلغ مولاه. . . . . . أما البنات فنزلن في حصن آرجوس مكرمات آمنات - 1 -
في فجر يوم من أيام الصيف، انشق الأبيض المتوسط عند ساحل آرجوس، عن أسطول لجب ما عتم أن انتشرت سفائنه فوق الماء كأنها الدّبى، وخَشْخَشت خلال أواذيّه كأنها الأساود، ثم نفثت سمومها فوق الشاطئ جنوداً من شياطين فرعون، مستلئمين في الدروع، مقنعين في الحديد، يلاعبون السمهريات، ويرهفون الرقاق البيض!
وكانت آرجوس الخالدة نائمة حالمة، غارة في غفوة الفجر؛ وكان الأرجيف الأشياء غارّين كذلك، تداعب أجفانهم الوسنى أطياف الآلهة، وتمرح في قلوبهم ومضات من السعادة يكاد الأولمب يمضي بها. . . حين ينبلج الصباح اللماح عن فوهة بركان. . . ما تلبث حتى تكون وهدة من وهاد جهنم!. . .
- 2 -
وأطل الحراس في شعاف الجبل، فبهتوا!! وزاغت أبصارهم!. . . وأوقدوا النيران!. . . واستيقظت آرجوس عجلى، تنظر إلى الموت المفاجئ يتربص بها، ويكاد ينقض عليها!. . . . . .
(المصريون! المصريون! المصريون!. . . .)
وذهبت الصيحة في أرجاء المدينة تهز قلوب الأبطال، وتداعب ألباب الصناديد، وتزلزل فرائص دانوس وبيلاسجوس! وهُرعت الجماهير إلى هيكل الآلهة تصلي وتبتهل؛ وجمع الملك مجلس شوراه ليروا في ذلك الحدَث المدلهم رأيهم، فأجمعوا على وجوب الدفاع عن المدينة، وعدم تسليم ضيفهم الشيخ وعذاراه اللاجئات مهما كلفهم الذود عنهم من جهد، ومهما طال حصار المصريين:
- (أفهذا رأيكم إذن؟)
- (أجل أيها الملك! ولا رأي لنا غيره! إن شرف آرجوس وكرامة الأرجيف معلقان بما نصنعه من أجل هؤلاء العذارى! لِنَفْنَ جميعاً دونهن، ولا يقولن أحد في هيلاس إننا منعناهن أولاً، ثم أسلمناهن أخيراً!)
- (إذن لتكن حرب! ولندفع عن شرف آرجوليس!) - 3 -
وكانت الحرب الزبون التي شابت من هولها نواصي الأرجيف، والتي أوقفتهم هيجاؤها حيارى في أبراجهم كاظمين!
ثم. . . . . . سقطت آرجوس!
وجاست خلالها شياطين فرعون! وانطلق أبناء إيجبتوس في عرصاتها تحف بهم أعلام النصر، وترف فوق هاماتهم أكاليل المجد، حتى كانوا في هيكل المدينة الخالدة، حيث تماثيل السادة النجب من آلهة الأولمب. . . ف. . . صلوا لآلهة النيل، وشكروا لرع. . . وأثنوْا على أمون، وعقروا القرابين لآزوريس!!
ويمموا شطر الحصن المنيف فوق رُبى آرجوس فاقتحموه على دانوس وبنات دانوس؛ وكان أبوهن قد نصح لهن بالانصياع لما أراد القضاء: (. . . فلا راد لما قُدّر، ولا دافع لما وقع في صحيفة المرء. . . ولنبحر يا بناتي البائسات إلى مصر، وليكن لنا ثمة شأن غير هذا الشأن، ولتتم المأساة، ولتندلع النيران، وليكن أبناء أخي أول ما تأكل من حطب، وخير ما يلقى فيها من حصب، وتغتذى به من أشلاء!!)
وظهر القادة الخمسون، أبناء إيجبتوس، ومن حولهم الجند شاكي السلام، فأسقط في يد دانوس وأرتج عليه. واسودت الدنيا المشرقة في عيون بناته، وظلن متناثرات هنا وهناك في ردهة الحصن، ضافيةً عليهن جلاليبهن السود، وأرديتهن الحزينة السادرة تزيدهن جمالاً على جمالهن، وتجعل منهن ربرباً من المفاتن بدا في هذا المرمر المترقرق في أكفهن ووجوههن، وأجيادهن وثديهن، وفي هذه السيقان الناعمة التي كان بحسبها أن ترد عادية الجيش المغير. . . وإن كانت الجن من ورائه ظهيراً!!
- 4 -
ذهل أبناء إيجبتوس! وانقدح شرر الهوى في قلوبهم، وتدفق الدم العاشق في عروقهم حاراً. . . ثم انهمرت أرواحهم الوامقة من عيونهم دموعاً سخينة. . . فسجد كل منهم عند قدمي واحدة من بنات عمه. . . ولبثوا لحظة لا ينبسون!. . .
وحملق دانوس في بناته وفي أبناء أخيه قليلاً ثم قال: (قِفْن لأبناء عمكن يا فتيات! قفن للأبطال المذاويد أبناء إيجبتوس! رباه! لم نجم هذا الشر بيننا؟! لقد كنت أحب أخي، وكان أخي يحبني، فأي شيطان أغرى هذه العداوة بيننا؟! قضاء!. . . أجل. . . قضاء. . . قضاء. . .)
وما كاد أبناء أخيه يسمعون هذه الكلمة المصنوعة من فم عمهم، حتى تقاطروا إليه يقبلونه ويتمسحون به ويترضّونه. . . وظل هو يتلطف بهم، ويهش لهم، ويربت فوق أكتافهم، وكأن شيئاً من الأحقاد التي أكلت الأفئدة، وأراقت الدماء لم يكن!. . .
- 5 -
وفُزّع عن قلوب العذارى، ونهضن فتلقين أبناء عمهن بالبشاشة والبشر، ثم تلطفت كبراهن فشفعت لبيلاسجوس الملك الكريم المأسور فأطلق سراحه ورد عليه عرشه وألبس تاجه، وعقد مع الأرجيف صلح نبيل دل على جود المصريين وسماحهم
وأقلع الأسطول، وهمت الفلك واحتواها الماء، وانتثر في أذيالها وشى رجراج من الثبج، وغابت آرجوس عن الأنظار قليلاً قليلا، حتى إذا طوى الأفق آخر شاهق من أبراجها، أوى الأبناء الخمسون إلى البنات الخمسين يباسطونهن ويسامرونهن ويسَرون عنهن آثار ما نزغ الشيطان بينهم وبينهن
وأقبل الليل وانجاب، وبزغت ذكاء وتوارت بالحجاب. . . وكرت أيام. . . ثم بدا الشاطئ المصري، وهبت نسمات الوطن وتبسمت الشمس فوق الأرض البنفسجية تحيي أبناءها الغزاة المنتصرين، وأطل من قرصها الكبير، رَعْ الكبير، يبارك أبطاله ويغدق عليهم نفحاته. وخرج الشعب العظيم يهتف للجيش الظافر، ويردد هذا النداء المحبب القديم: (المجد لمصر!)
- 6 -
وأقبل إيجبتوس على دانوس يلاومه، ثم غفر له: (هذه النزعة التي أشمتت بنا الأعداء، وأغضبت علينا أرباب السماء، وسممت ما بيننا من محبة وصفاء. . .) واتفقنا على العرس. . . وذهب كل يعد له عدته!
وخلا دانوس إلى شيطانه فقال إني معك!! ثم جمع إليه بناته فخطبهن خطبة طويلة نضحها بالدمع، وصهرها بنا الفؤاد، وأودعها أحزانه وأشجانه. وذكرهن بشرائع السماء، ونواهي الآلهة، والزنى البغيض الذي يستتر في هذا الزواج القهري، لا عن نحلة، ولا عن رضى ولا سلطان مبين!. . .
وذكر لهن أمهن المتوفاة وما كان بينها وبين زوجة عمهن من إحن وبغضاء، فحرك فيهن هذا الماضي الأسود بجميع سخائمه، وأثار في قلوبهن الرطبة أشجانهن القدامى. . . حتى إذا آنس فيهن الطاعة له والائتمار بأمره. أخرج لكل منهن سكيناً مسنونة مرهفة الحدين، تقطر المنايا من أشفارها فيردها غمدها الذهبي المرصع بأغلى الجواهر واليواقيت
- (فإذا حان الحين يا فتيات، ونامت أعين الرقباء فاذكرن شقاءكن الذي لا شقاء مثله، واذكرن كيف قضت أمكن بغصة العداوة بينها وبين زوجة عمكن، ثم اذكرن أباكم هذا الشيخ الفاني المتهالك كيف ذل، وكيف وضع أنفه الأشم في الرغام. . . واذكرن أخيراً أنكن تحمين شرائع السماء من هذا الاعتداء. . . فالآلهة معكن، وستضرب بأيمانكن، وستغمد هذه الخناجر في أحشاء أعدائها بوساطتكن. . . بورك فيكن وكانت السماء في عونكن!)
- 7 -
وأخذت ممفيس زخرفها وازّينت، وتبرجت عمائرها الفرعونية في حلل من النور والنوار وأفواف الزهر، وضفائر الورد والرياحين؛ وانطلق كهنتها يرسلون في جميع الأرجاء ألسُن الند، وفَغمة العنبر، وشذى الكافور والصندل، من مجامرهم الفضية المقدسة، واجتمعت أسراب الحسان في ساحاتها وباحاتها بسيقانهن المصرية الفرعونية يتلاعبن ويتطربن، ويتغنين ويتناشدن، ويهزأن بعرائس الماء التي خالتها قريحة هيلاس؛ وسار ربربهن يخطر في كل حنية، ويميس في كل ميدان، وينساب في كل فردوس، حتى كُن عند قصر الملك، منزل العز ومناط المجد، وفخر مصر وقلبها الخفاق، فرقصن رقصات ما كان أشبهها بنبضاته، وتغنين الأغاني كأنها تخرج من فمه، وتنبعث من جوانحه وتجلجل موسيقاها عن حناياه. . . ثم شارك الشعب في الأفراح الملكية، فعج النيل المقدس المعبود بالطوّافات والحراقات، وهرعت عند حفافيه أمة بأسرها تفرح كما يفرح الملك، وتسعد كما يسعد التاج، وتنتشي بنشوة العرسين وأقبل الليل، وأسقر خونسو
ورقصت ممفيس في لجة من خمر، ورفرف حوريس فوق المسلات الشاخصة في الميادين، ولم يعلم أحد أنه كان يرى غير ما ينظر الناس، وأن عينه كانت تذرع الوادي الوادع السعيد وتكاد تضج مما أجن هذا الليل الرهيب. . . لا. . . بل كان الناس ينهلون أفاويق الحبور في صحراء ممفيس. . . في ليبيا العجيبة. . . ليبيا التي تصفر فيها الرياح، وتتكلم فوق كثبانها ألسن الألغاز والأسرار!!. . .
- 8 -
وغرق القصر الملكي في أثير الموسيقى، وفي فيض من النور الذي يشبه الفجر الكاذب؛ ثم أخذت الركبان تنصرف والولدان تتفرق إلى مخادع اللهو، وأخذ الكرى يعقد أجفان ممفيس الصاخبة، التي كانت منذ هنيهة تعج بألالوف، وتضج بالجماهير
وعادت آية الليل. . . رهيبة كشأنها منذ الأزل. . .
وافتر خونسو مرة أخرى عن ابتسامة هي إلى العبوسة أدنى، وإلى السخرية أقرب!! يا لرهبة الأقضية! ويا لصرامة المقادير!
لقد أوى أبناء إيجبتوس كل إلى مخدعه، بعد إسراف طويل، ولذات لم يكن يخطر على بال أحد أنها تنتهي، وبعد قصف أيما قصف، وخلاعات ليست كمثلها خلاعات. . . فما كادت رؤوسهم تمس ديباج الطنافس حتى غطوا في سباب عميق، وحتى انطلقت أبالسة الشر من أغماد خناجر دانوس، التي بدت أظمأ ما تكون إلى الدماء الحارة الشابة، تجري في عروق أبناء إيجبتوس
- 9 -
ولقد كان أبوهن قد اتفق معهن على هذه الغدرة الصفراء، وجعل لكل منهن علامة حين تأفد ساعة النفاذ، أن تطفئ الُّسرُجَ
إلا واحداً تدعه مطلاً من إحدى الكوى التي تواجه قاعته، إذ كان في هذه الليلة الليلاء ضيفاً على أخيه، وشريكه في مخدعه، ومنتوياً هو الآخر إنفاذ الغدرة الوحشية في شقيقه، ليخلو له وجه مصر!. . .
واضحكي أيتها الأقدار!!. . .
- 10 -
وأخذت السُّرُج تومض ثم تنطفئ، وأخذ دانوس يلحظ الكوى ويعد: (واحد. . . اثنان. . . ثلاثة. . . أربعة. . . خمسة. . .) حتى عد تسعة وأربعين. . . ووقف العد. . . وأبطأ الحساب، وتلكأ الجلاد!. . .
- (ماذا؟ لقد ذبح الجميع أزواجهن إلا واحدة!. . . ما الذي منعها؟ لعله لم ينم الخبيث. . .! ويلاه! انطفئي أيتها السرج. . . ولتنطفئ حياته في إثركن!. . .)
وذكر هو أنه لم ينفذ غدرته، فهب إلى سرير أخيه، وأغمد خنجره في صدره!. . . وغادر إيجبتوس يتشحط في دمه. . . وراح يحلم بالتاج والعرش والصولجان!. .
حلم قصير جميل. . . ولكنه نظر إلى الكوة الخمسين فوجد أضواءها تتألق. . . ورأى إلى نورها يكاد يضيء ممفيس كلها. . . فكاد حنقه يقضي عليه. . .
- (هلمي يا غبية! البدار إلى دمه البدار!)
ولكن السرج تتألق وتتألق. . . ولا تنطفئ منها شعلة واحدة!
- 11 -
وقفت الفتاة الجميلة تلقاء الفتى الجميل تقبله، بعد أن كادت تقتله. . .!
أجل. . .! وقفت هيبر منسترا تلقاء ابن عمها لسيوس تعبده، وقد شغفها الشاب الجميل النائم حباً. . .
- (يا لأهدابه المراشة، ويا لجبينه المشرق، ويا لمنكبيه الجبارين، ويا لوجهه البريء! أأطيع أبي. . . هذا الشيخ القاسي المتحجر. . . الذي لا قلب له. . . الذي فرغت مآربه من الشباب ومن الحياة جميعاً. . . وأسطو بخنجري على هذا الشباب الذي أخلد إلي. . . ونام ملء عينيه بين يدي. . . وحملني أمانته كلها. . . لا وأرباب الأولمب! لا يكون هذا أبداً!. . . إن قبلة واحدة على جبينه المتبلج خير من جنة أبي، ومن الدنيا والآخرة جميعاً. . . نم يالنسيوس! نم يا حبيبي! إني سأقف عند سريرك طول الليل أحرسك، وسأغمد خنجري في صدر من تحدثه نفسه باغتيالك ولو كان أبي!. . .
- 12 -
ولبث دانوس يحرق الأرم ويلحظ السرج. . . ولكنها باقية كما هي. . . لا تنطفئ. . .
وانبلج الفجر. . . ثم تنفس الصبح. . . وأشرقت ذكاء. . . وهب لنسيوس من نومه فما راعه إلا فتاته الجميلة واقفة إلى جانبه ضعيفة واهية. . . تبكي. . . وبيدها السكين المشحوذ يتلمط. . . ويتلمظ. . .!
- (ماذا؟ هيبر منسترا؟! ما بك واقفة هكذا يا حبيبتي؟!)
- (لا شيء. . . أنا أحرسك. . . فقط أحرسك!. . .)
- (تحرسينني؟. . . يا للهول! ومم يا ابنة العم؟. . .)
- (من. . . لنسيوس!! من أبي يا أعز الناس عليّ!. . .)
- (ماذا؟ تحرسينني من أبيك؟ من عمي؟. . .)
- (أجل. . . أحرسك من الغادر الذي قتل اخوتك!. . . انهض يا لنْسيوس! خذ عليه طريقه. . . أحسبه قد قتل أباك أيضاً. . . البدار البدار!. . . . . . ويلاه. . . وي. . .)
وسقطت الفتاة لا تعي. . .
- 13 -
وانطلق لنسيوس كالمجنون في غرفات القصر المشيد. . . ونفذ إلى مخادع أخوته. . . فلم ترد عليه جثثهم. . . صرعى فوق ديباج العرس. . . مضرجة بدم الشباب الحار. . . البارد كزمهرير الموت!. . .
وصعد الدم إلى رأسه، فهرول إلى غرفة أبيه؛ فما راعه إلا أن رآه قد لقي حتفه كما لقي أخوته حتوفهم. . . وما راعه إلا أن رأى دانوس الجبار يحملق في الكوة. . . التي ما فتئت أضواؤها تنبعث منها، برغم الفيض الذي ترسله الشمس، مركب رع. . . في العالمين. . .
وانقض عليه وذبحه
وجلس فوق أريكة يبكي. . .
وهكذا قتل دانوس أحد أزواج بناته، وصدقت الرؤيا. . . لأن الآلهة لا تكذب!! - 14 -
واضطرب الأولمب من هول الفاجعة، واجتمع الأرباب في ذروة جبل إيدا، وقر رأيهم على أن يذهب هرمز فيأتي ببنات دانوس، إلا زوج لنسيوس، ثم يذهب بهن إلى السفل. . . إلى هيدز. . . إلى أعماق الجحيم. . . حيث يكلَّفن بملء جرارٍ مُثقبة من نهر شيرون، لا تمسك المهل. . . إلا كما تمسك الماء الغرابيل. . . فإذا جد بهن السير، ونال منهن النصب، وجلسن على عدوة النهر يستجمعن. . . أمطرتهن السماء ناراً. . . فهرولن إلى النهر ليأخذن في ملء الجرار. . . ولن تمتلئ الجرار ولو صب فيها أشيرون كله. . .
دريني خشبة