مجلة الرسالة/العدد 146/ذكرى الهجرة
→ علم الحيل عند العرب | مجلة الرسالة - العدد 146 ذكرى الهجرة [[مؤلف:|]] |
سفائن الصحراء ← |
بتاريخ: 20 - 04 - 1936 |
بقلم عبد الحكيم عابدين
على هامة الدنيا وقد فُوقِتها قدرا ... وفي ذمة التاريخ، أيتها الذكرى
أطلّي على رأس الليالي منارةً ... وفي غسَق الأجداث شعّي لنا فجرا
وقومي على الإسلام تاجاً يزينه ... وسيفاً يردّى من يُريد به الضرا
وأحيي عزاء القلب عما أصابه ... لما دَهَم الإسلام من محن كبرى
أعيدي، ولو طيفاً، من الغابر الذي ... تموت عليه النفس والهةً حسرى
وقصّي على سمعي ولو في رَؤى الدجى ... أحاديثَ يُعيي الدهر ترديدُها بهرا
يُجشِّم داءً أخديعه مُعادُها ... كأَن بأذنيه إذا تُليت وقرا
أحاديث عن طه وحسبيَ ذكره ... بلا لقب إذ ضقت عن قدره ذكرا
وصحبٍ أباةٍ ما رأى المجد مثلهم ... ولم يرضَ إلا بين أنفسهم وكرا
غطارفَ بُلج لا يجوز عديدُهم ... لدي أرهبو الدنيا، أصابعك اليسرى
ومن قُلِّد الإيمان درعاً ومغفرا ... فلا غرو أن أعْيا - وحيداً - به الدهرا
رُويدك يا ذكرى. لكم تُضرمين بي ... مشاعرَ كاد الدهر يُغرى بها القهرا
وآمالَ نفس أوشكت حادثاته ... إلى اليأس أن تُدْنِي نواهضها قسرا
طلعتِ على الدنيا فأذكرت آلها ... مواقف للإِسلام ما برحت غُرّا
وما الهجرة البلجاء إلا صحيفةٌ ... تُتّوج من دين الهدى ذلك السِّفرا
سُرًى في سبيل الله والخطب كالح ... وللبيض لَمْعٌ في حواشي الدجى افترّا
بأيدٍ تلظّى للدماء تعطشا ... وترقب أن تُسقى دم المصطفى هدرا
فما هاله أن الأسنة شُرّعٌ ... تباري لكي يرجعن من دمه حُمْرا
سَرى بين صحب تسقط الشّيم سجّدا ... لإيمانهم. لو أن منه لنا نزرا!
عقائدُ تدعوا المستحيل توهماً ... ولا ترتضي إلا لخالقها أمرا
جوارف للأطواد إن رُمْن صدها ... قوانع بالأشواك أن تكسوَ السيرا
تساوِمُ بالأرواح كل مهند ... على عزَّة الإسلام تعلو بها الشعرى
ليثرب شدو الرحلَ يسعى يقينهم ... سناً بين أيديهم إذا افتقدوا البد لهم منه عزم الأسد في لمعة القنا ... وحسب الفتى الساري بمثلهما ذخرا
يُذلل وعثاء الطريق كأَنما ... يرون صياخيد الفلا بُسُطا خُضرا
إلى حيث شاء الله للحق رفعة ... وآثر للإسلام في صبُحه. نشرا
فلا يحسبن مرضى القلوب رحيلهم ... توفّىَ شرك كان يمطرهم شرا
ولا وهناً عن دعوة الله. إنما ... مضاءٌ بأمر الله أن هاجروا سرا
مضوا ليعودوا فاتحين أعزة ... كراماً كإِقعاء الهزبر إذا استشرى
وكان. فلم يبعد بمكة عهدهم ... من العمر حتى عاودوا فتحها قهرا
وحطمت الأصنامُ دون هوادة ... وصال الأذان العذب في الكعبة الزهرا
ونودي فيه (الله أكبر) بعدما ... شكت جهل قوم كبّروا بينها الصخرا
وما فتئ الإسلام تعلو بنوده ... ويأتيه طوعَ السيف من لم يجئ حرا
ودانت له أرض الجزيرة. لم يدع ... بها معهداً إلا استقلّ به نضرا
ولم تلبث الأعوامُ أن بهرت به ... عُلا قيصر واستنصرته على كسرى
فدالا ودالت عنهما دولتاهما ... وعمّ الهدى فاستخلص البر والبحرا
فمالي أراه اليوم - وا حسرتا - هَوَى ... وأشمتَ فيه ذلُّ أبنائه الكفرا
وأُطمِع فيه كل أحمقَ لم يكن ... ليجلد يوماً أن يُطيق له ذكرا
وما بالُه - واخطبَ - ذلت شعوبه ... وحكّم فيها ضعفها الأهوجَ الغرا
متى أشهد الإسلام يَرجع مجدَه ... وتُرفع راياتٌ له طُويت قسرا
ألا ألمعيُ من سلالة (أحمدٍ) ... يقلّده الفاروق من روُحه السُّمرا
فيبعث للإِسلام ماضيَ صولة ... شَأَتْ في شباب الدهر أنجمه الزُهرا
ويا معشر الإسلام، والحق قوة، ... ألا قومة للحق يحيا بها حُرّا
فما الحق إن لم تمنع البيض حوضه ... بأخلق أن يُعطى الحياةَ ولا أحرى
وأكفلُ منه للسيادة باطلٌ ... تقوم عليه السمهرية لا يُفرى
بني وطني، والشرق أجمعُ موطني ... ومِثليَ - ممّن لا يدين بذا - يبرا
تعالوا افهموا الإسلام فالناس اخوة ... متى آمنوا، لا الشام ندري ولا مصرا
وما أمم الإسلام إلا كتيبةٌ ... وقائدها القرآنُ عزَّت به دَهرا ولن تستعيد الأمر إلا بوحدة ... تقرب نائيهم وتنسيهم إلاصرا
لعمريَ ما أزرى بنا غير جهلنا ... حقيقة هذا الدين أو روحه الكبرى
وإكبارنا منه القشور وهجرنا ... لبابا وروحا ما أساغا لنا هجرا
لعمريَ ما الإسلام إرسال لحيةٍ ... ولا صلواتٍ تُنتضَى للريا سِترا
ولكنما الإسلام مجدٌ وعزةٌ ... تباعُ الدماَء الفيِحَ والأنفسَ الغُرّا
فدونكمُ القرآنَ دستورَ مجدكم ... تصولوا على الدنيا بعزته كِبرا
تربوا به واسقوا العقائد روحه ... وربوا عليه النشء وابغوا به النصرا
صِلوا بين أرواح الشباب وبينه ... ولا يكُ حظ القارئ الطيَّ والنشرا
إذن يعلموا أن الجهاد فريضةٌ ... وأن سنام الأمر أن تفدِىَ الأمرا
وأن أخا الإسلام ليس بمسلم ... إذا ملّكَ الأعداَء من أرضه شبرا
(الجامعة المصرية)
عبد الحكيم عابدين الفيومي