الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 142/الحجر المؤابي

مجلة الرسالة/العدد 142/الحجر المؤابي

بتاريخ: 23 - 03 - 1936


بقلم جريس القسوس

اكتشف الحجر المؤابي في قرية ديبون القديمة (ذيبان) الواقعة ما بين نهر أرنون القديم (أو الموجب الحالي) ومادبا في أقصى شمال مؤاب (الكرك اليوم)، وتبعد ذيبان عن نهر أرنون نحو أربعة أميال إلى الشمال؛ وقد كانت قديماً قاعدة ملوك مؤاب في عصورهم الذهبية، أي التي سيطروا فيها على مؤاب الشمالية، ومؤاب الجنوبية. وفي سنة 1868 راد قس ألماني أسمه ف. كلاين القسم الشمالي من مؤاب، ومر في طريقه بذيبان، فعثر فيها على حجر مسنود إلى جانب سور المدينة القديم، منقوش على أحد جوانبه كتابة باللغة العبرانية القديمة، ويظن ترسترام أن الرومان استعملوه في بناء سور المدينة، غير أنه زحزح من مكانه الأصلي بسبب طارئ طبيعي ربما كان زلزلة. ويعتقد ترسترام أيضاً أن الحجر دحرج من مكانه بسبب الزلزلة التي حدثت سنة 1837، ولا يرى أن هذا الحادث متقدم عن ذلك التاريخ، إذ أن الكتابة لا تزال ظاهرة للعيان رغم تعرضها الطويل للشمس والهواء والمطر، وإذا اعتبرنا قوله هذا صحيحاً، تكون الكتابة قد ظلت معرضة للحوادث الطبيعية والتغيرات الجوية مدة إحدى وثلاثين سنة فقط

أدرك ذاك القس الألماني قيمة هذا الأثر، وأراد أن يبتاعه مبدئياً، أملا أن يبعث به إلى متحف برلين، إلا أنه لم يوفق في مهمته هذه، إذ ما كاد بدو بني حميده، القاطنين في تلك الديار يدركون قيمة هذا الحجر حتى ثار النزاع بينهم فانقسموا فريقين، كل فريق يرغب في اغتصابه واحتكار ثمنه. غير أن أحد الفريقين أدلج إليه مع سوّاح فرنسيين: ولما لم يتمكّنوا من نقله لثقله، خفّفوا من كثافته بفؤوسهم، وأخيراً حطّموه إلى عدة أقسام، حملوها على بغال وقطعوا بها نهر الأردن، فتمكّن بذلك السوّاح الفرنسيون من شرائه ونقله إلى متحف اللوفر بباريس، ولا يزال هناك إلى اليوم. وقد أخذ عنه قالب من الجبس لكي يحفظ في المتحف البريطاني. ولا صحّة لما أورده المؤلف هرمان هلبرخت من أن الحمايدة حطموا هذا الحجر، أملين أن يعثروا في داخله على كنز. ولقد جمعت قطع هذا الحجر، وعددها ثمان عشرة. وصُفّت صفّا فنيّاً، وشُدَّ بعضها إلى بعض بقوالب حديدية متينة. حتى استطاعوا أخيراً قراءة كل ما هو منقوش عليه

أما طول هذا الحجر فنحو ثلاثة أقدام ونصف قدم، وعرضه قدمان. وهو شبيه في مظهره الخارجي بعواميد أسر حدون الآشوري الحجرية الموجودة في متحف برلين. ولقد نقش عليه مائتان وستّون كلمة في أربعة وثلاثين سطراً، وذلك بالخط العبراني القديم

وللكتابة على هذا الأثر فضلٌ كبيرٌ على تاريخ الحضارة، لأنه حفظ لنا أنموذجاً من النحو والإنشاء العبراني القديم، ليس هذا فحسب، بل من الخط العبراني القديم أيضاً. فمن هذا الأنموذج يتّضح لنا شكل الحروف الهجائية السامية القديمة، هذا عدا أنه يساعد على دراسة تطور الخط الإغريقي

أما فحوى هذه الكتابة فهو مكّمل لما ورد في سفر الملوك الثاني (الإصحاح الثالث) من التوراة، من الحوادث عن مؤاب في القرن التاسع قبل الميلاد وذلك في عهد ميشاع ملك مؤاب الذي كان معاصراً لأحازيا ويهورام ملكي إسرائيل، ويهوشافاط ملك يهوذا. فبينما تورد التوراة قصة اتحاد يهوشافاط ويهورام وإنفاقهما على إخضاع مؤاب في عهد ميشاع، ترى ميشاع يخطّ لنا على هذا الأثر الخالد الأسباب التي أفضت إلى هذه الحرب، وكيف أن عُمْري ملك إسرائيل وابنه آحاب أخضعا الكرك، وامتلكا أرض مادبا؛ وكيف أن ميشاع تمكن بمعونة إلهه كيموش من استرجاع هذه البلاد، واغتنامه من الإسرائيليين مدينتي عطاروث ونبو وغيرهما من المدن الحصينة؛ وكيف أنه أعمل السيف في رقاب بني إسرائيل القانطين عطاروث تخليداً لاسم كيموش، وفيه يحدث ميشاع أيضاً عن اعتزامه على تحصين مدن مؤاب، وبناء قصر له في الكرك الحالية، وحفر آبار ماء فيها. أما عبادة مؤاب في عهد ميشاع، كما يظهر من هذا الأثر، فوثنية؛ إذ أن كيموش عندهم يقابل يهوه عند إسرائيل (سفر العدد ص 21: 29) (والقضاة 11: 24). والديانة عند ملكيهما أساس الوطنية والقومية الصحيحة؛ كما أن الملك أقرب فرد في الشعب إلى الإلهة. أما ماعدا كيموش فهناك (دودة وقد ورد اسمه في الكتابة على الحجر المؤابي، وإليك ترجمة ما كتب على هذا الحجر الأثري نقلا عن الكتاب الإنكليزي '

(أنا ميشاع بن كيموش. . . . . . ملك مواب الذيبوني

كان والدي ملكا على مواب مدة ثلاثين سنة، وأنا ملكت بعد والدي وأنا الذي شيدت هذا المكان العالي لكيموش في مع. . . . . . (مكان الخلاص العالي) حيث أنه أنقذني من. . . . . . (مهاجميّ)

ولأنه جعلني أحقق كل ما أردت وأملت أن أفعله بمن كرهوني ولقد أنزل عمري ملك إسرائيل كلّ بلية بمواب أياماً عديدة، لأن كيموش كان ناقماً على وطنه، ولقد خلفه ابنه على العرش، وهذا بدوره رأى أن يسحق مواب، وفي عهده رأى. . . . (هذا) وأنا حققت ما كنت أؤمل أن يحل به وببيته، وهكذا هلك إسرائيل على بكرة أبيه إلى الأبد. لقد احتل عمري أرض ميدبا وسكنها طيلة حياته، ونصف حياة بنيه أي مدة أربعين سنة، ولكن كيموش استردها في أيامي

وأنا الذي بنيت بعلميعون، وأنا الذي حضرت هناك سدّ الماء وبنيت قرياثان. ولقد سكن أبناء جاد في أرض عطاروث منذ القدم. وبنى ملك إسرائيل مدينة عطاروث لنفسه وأنا حاربت هذه المدينة وامتلكتها، وفتكت بجميع أهلها

. . . . . . هذه المدينة مطمح أنظار كيموش ومواب. . وأنا الذي جلبت إلى ذلك المكان موقد مذبح (دوده) وجررته أمام كيموش في قيرايوث. وأنا الذي جعلت ورجال أيضاً يسكنون هناك

ولقد قال لي كيموش (إذهبْ وخذ نبو من إسرائيل عنوة. فذهبت عشاء وحاربتها من مطلع الفجر حتى مطلع القمر مساء وأخذتها، وذبحت أهلها، سبعمائة رجل و. . . (ولد) وامرأة و. . . (جارية) وفتاة، وكرّست المكان لعشتار كيموش. ثم أخذت. . . (عبيد) يهوه وجررتهم أمام أعين كيموش

ولقد بنى ملك إسرائيل ياحاص حيث أقام في حين مقاومته لي؛ لكن كيموش دفعه أمامي. ولقد أخذت من مواب مائتي رجل، وكل الشيوخ هناك، وقدتهم ضد ياحاص فامتلكتها وأضفتها لذيبان

لقد بنيت وسور يعارم، وسور موند؛ وجعلت لها أبواباً، وأقمت فيها حصونا، وشيّدت دار الملك. ولقد حفرت مجاري لجمع المياه وسط المدينة. ولما لم تكن بئر وسط المدينة أمرت السكان أن يحفر كلّ واحد منهم بئراً داخل بيته

وأنا الذي حفرت الحفرة في بمساعدة أسرى إسرائيل الذين كانوا في قبضتي أنا الذي بنيت عراعر، وفتحت الطريق العامّة إلى أرنون. وأنا الذي بنيت بيت بامورث وقد كانت خراباً. وأنا الذي بنيت بِصِره التي كانت مهدمة. . . أما. . . ذيبان فقد كان خمسين لأن ذيبان كانت تحت طاعتي. ولقد صرت ملكا. . . مائة، في المدن التي أضفتها إلى مملكتي. وأنا الذي بنيت. . . ميدبا وبنيت دبلاثان. أما بيت بعلميعون فقد قدت إليها. . . غنم الأرض. أما فيما يخص حورنايم فقد سكنها. . . و. . . وأمرني كيموش أن أنحدر وأحارب حورنايم؛ فانحدرت. . . كيموش في أيامي و. . . . من هناك. . . . . . وأنا. . . . . .) اهـ

الجامعة الأمريكية

بيروت

جريس القسوس