الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 140/القصص

مجلة الرسالة/العدد 140/القصص

بتاريخ: 09 - 03 - 1936


مأساة من أسخيلوس

ثأر أورست

الدرامة الثانية من (الأورستية)

للأستاذ دريني خشبة

تتمة

- 6 -

ويسأل أورست عن هذه الزقاق من أرسلها، وعن هذه الخمر فيم يصبانها على ثرى أبيه، وقد تصرمت السنون على جدثه، فتحدثه رئيسة المنشدات عن رؤيا الملكة:

- (حلم! حلم! أيها الأمير! حلم مزعج مروع أقض مضجعها؛ وأذهلها عن نفسها! رؤيا انبجست عن ضميرها المضطرب الملوث بالآثام!)

- (رؤيا! وأي رؤيا هذه؟)

- (حملت واستكرشت، ثم وضعتها أفعى هائلة)

- (أهذا كل شيء؟)

- (لقد هبت مروعة مشدوهة، وطفقت تصيح وتصخب كأنها طفلة جائعة. . .)

- (الحية الرقطاء! وأي غذاء يرد شرهها! زادها الله سغباً!)

- (لقد كانت تمسك صدرها بيديها، كأنها تخمد فيه ناراً!)

- (وكيف لم ينفث السم في ثدييها. . .)

- (كلا! بل لقد قطر ثدياها دماء. . . لا لبنا!)

- (يالها من رؤيا. . . لو تتم!. . .)

ثم انطلقت تصيح في أبهاء القصر، وهب العذارى يحملن المشاعل ويغسلن ظلام الليل؛ وأمرت بهذا القربان الخمري فصُبّ في تلك الزّقاق، وحملناه إلى. . .)

- (قبر زوجها! الغادرة الفاجرة! ليشفى سعارها! يا آلهة الأولمب! ويح لك يا أرض الآباء! رحمة لك يا قبر! يا سيد الأولمب! يا ربات المقادير! أكتبي أن أكونه، أكتبي أن أكون هذا الأفعوان الهائل الذي يقر فوق صدرها. . . لن يردني شيء! سأغمد خنجري في الصدر الذي شببت فوقه! سأمزق الأثداء التي قطرت في فمي علقم الحياة!

اكتبي يا ربات المقادير! لتمت موتة دامية! سأذبحها! أنا الأفعوان لا ريب! اشهدن أيتها العذارى! سجلي يا سماوات! هلم ببلاديز! هلم يا صديقي لنأخذ فيما قدمنا له؛ وأنت يا إلكترا كوني رائدنا في القصر؛ تحسسي لنا أخباره، وقصي آثاره، فإذا أزفت الآزفة لم تفلتهم الغيلة التي دبرناها لهم، كما دبروها لمولاهم من قبل؛ ولم يفلتهم الشرك الذي نصبوه بأيديهم، وآن لهم أن يقعوا فيه. . . . . ليذوقوا وبال أمرهم مادام أن النفس بالنفس! هلمي إلكترا! سأبدو أمام البوابة الكبرى معي صديقي ببلاديز في زي مهاجرين، وسنتحدث بلهجة أهل هذه البرية التي نثقفها جيداً، يا للآلهة! إن أحدا من أهل القصر لن يمنحنا ابتسامة، أو يتصدق علينا بنظرة!!. . .

لا علينا! بيد أننا سنترصد لأبجستوس، فإذا حانت لنا منه غفلة فسننقض عليه وننفذ خناجرنا فيه! إلكترا! ارقبي القصر جيداً، واحذري أن تحركي لسانك بكلمة تفسد علينا كل شيء. . . . تكلمي إذا كان في الكلام خير لنا. . . . . وإلا. . . . . فالصمت. . . . الصمت الذي يشبه الكبرياء يا أختاه. . . وأنتن أيتها العذارى. . . هاتين موثقكن (يقسمن له أنهن معه) إذن. . . إلى اللقاء. . .)

- 7 -

(المنظر: أمام قصر البلوببديه)

(يهزج المنشدات بلحن طويل حلو، ويتغنين أشجان القصر العتيق، ويرددن ذكريات الماضي المظلم المضرجة بالدم، ويلمعن إلى الهول الأكبر الذي ينتظر المجرمين. . .)

(يدخل أورست ويطرق باب القصر)

- (أنتم يا من هنا؟. . . (ويطرق ثانيةً). . . يا أهل هذا المنزل الرحب. . . (ويستمر في الطرق). . . يا سادةَ هذه الدار!. . . الأمير إيجستوس! أريد الأمير إيجستوس! ماذا؟ ألا من أحدٍ هنا. . . في الدار المضيافة. . . (يطرق بعنف)

البواب: (هيه! من؟ من أنت؟ (في غضب) من أين أقبلت؟ تكلم أيها الريفي!

- (لقد جئت لسادة هذا القصر بأخبار هامة. . . غريبة. . . فالبدار البدار أيها البواب!. . . قل لهم إن بالباب رجلا من بدو البرية يريد لقاءهم. . . هيا. . . و. . . اسمع أيها البواب. . . اسمع، أرجو أن. . . لقد أوشك الليل يرخي سدوله، ولا بد لابن السبيل من ملجأ كريم يأوي إليه. . . فحبذا لو لقيت أيَّا من ذوي الشأن هنا - وحبذا لو كان رجلاً. . . إن لديَّ أنباءً هامة، وقد أرتبك إذا ألقيتها لامرأة. . . أما إن كان رجلا. . . فالرجل يصارح الرجل من دون ما حياء. . . بل لا يكاد ذهنه يشرد في حضرته كما قد يشرد في حضرة امرأة. . . . . .)

(تدخل كليتمنسترا)

- (ماذا أيها السيد؟! غريب لاجئ! مرحبا مرحبا. . . إن قصر البلوببديه لن يضيق بالجائع المعتر، ولا بالطامئ الصادي. . . انزل أهلا، وحل سهلا. . . ولكن. . .! يبدو عليك أنك رسول ولديك أنباء! إذن. . . ما وراءك؟ هذا إن لم تكن رسالتك للأمير. . .)

- (أنا؟. . . أجل. . . رسول! لقد قدمت من بلدتي دُوليس، إلى آرجوس، في بعض شأني. . . و. . . بينا أنا في بعض الطريق، إذا رجل طوال وقور الهيئة يلقاني فجأة ويسألني إلى أين؟ لم أكد أجيبه أنني ميمم شطر آرجوس حتى لهث لهثة شديدة وقال: إذن لي رجيّة عندك ما أحسبك إلا مؤديها لي. . . ومناني بالخير الكثير، ووصل حديثه فقال: إذا كنت في آرجوس فاقصد من فورك قصر الإمارة. . . البلوبيديه الشاهق. . . والق ال. . . ملـ. . . الأ. . . مير. . . ونبّئه أن أورست قد قضى نحبه. . . مات. . . ثم سلهم، هل يرون أن تنقل رفاته فتقر في ثرى الوطن. . . أم يؤثرون أن تظل حبيسةً في دار الغربة كما عاش صاحبها إلى آخر أنفاسه مشرداً في أقصى الأرض، طريدا من رحمة أبويه. . . أما الرجل فقد ذكر لي أنه ستروفيوس وأنه من فوسيز. . . وقد ألح في أن أعود إليه برد على ما طلب. . . و. . . و. . . فاتني أن أذكر أن رفات الأمير الصغير ما تزال محفوظةً في إران نحاسي. . . و. . . أنه يبكيها. . . و. . . ولكن يا سيدتي بحق الآلهة عليك! لقد ذكرت كل شيء. . . هل أديت الرسالة للأُدُن التي طلب مني الرجل أن تعيها؟ إذ ينبغي أن يعلم أبَوَا الأمير قبل كل أحد)

- (ويلاه! يا للداهية تنعت في هذا الخبر الأسود! إيه أيتها اللعنة التي ما تفتأ ترنق على هذا القصر! إيه يا عُقاب الردى هويت من شاهق على حَمَلِنَا! إيه يا سهم المنية اخترمته من بُعد! بينا كنت أحسبه في مأمن من مزالق الحتوف، إذا هو يموت، ويغادرني في تعاستي وحدي! أورست! يا رحمتا لك يا بُني! لقد كنت أدخرك لتشفي أوجاع هذا البيت. . . يا أملي الوحيد! يا آخر رجاء لي في الحياة! لقد جاء النعي فلا شك!. . .)

- (وا أسفاه! كم كنت أود لو أتيت بالبشريات الغُر لأنال رفد هؤلاء السادة الأثرياء! ولكن! لا عَليّ! فلقد ظل قلبي يحدثني عما في النبأ الذي حُمّلت من شر!

إ. . . إ. . . إنما!. . . ما لي ولذاك! أيتها الأميرة! أمن رد على ستروفيوس. .؟)

- (ليطمئن قلبك على الرفد أيها الرسول! ولا يحزنك أنك جئت إلينا بهذا النبأ، فقد كان غيرك يجيء به لو لم تفعل. . . والآن. . . هلم أيها الخادم بالضيف الكريم إلى أفخر غرف الضيافة، وليصحبه تابعه، ولتكرم مثواه،، فما أظنهما إلا قد أظناهما السفر، ونال منهما الطريق. . . أما نحن، فسنبلغ الملك وسنرى ماذا يكون في مسألة الرفات)

(يخرج الجميع ماعدا المنشدات)

- 8 -

(تدخل مرضع أورست)

رئيسة الخورس: (هيا يا وصيفات القصر! صلاةً مباركة للآلهة أن تحرس أورست وأن تلحظه بعين الرعاية. . . وصلاة مباركة على روح الوالد القتيل، الذي لابد هو راع ولده الذي جاء ليثأر له من الآثمين!. . . هيه! من؟ مرضعة أورست؟ كيليسّا؟ ماذا جاء بك يا كيليسا؟! تبكين؟ ماذا يبكيك يا طيبة القلب؟!)

- (عِمَنْ مساء يا عذارى طروادة! لا شيء! فقط،. . . لقد طلبتْ إليّ الملكة أن أدعوَ إليها أميرها إيجستوس ليتلقى بأذنيه أنباء النعي! ويلاه! ويلاه عليك يا أورست! يا طفلي العزيز! شجن جديد يغطش سماءك أيها القصر! أنت يا مأوى الأشجان وكهف الأسرار! يا بيت أتريوس كم مصيبة خبأتها لك الأقدار؟! آه يا طفلي! يا من غذوتك من ثدييّ لبن المحبة والحنان! أنا كيليسّا المفجوعة فيك. . . أنا التي غذوتك ونشّأتك وسهرت عليك بأمر أبيك الملك! أنا التي كنت أفديك بالحياة. . . لقد انتزعوك مني. . . ونفوك في أقصى الأرض حتى لا تروع أحلامهم وتقف في سبيل لذاتهم! اللئام. . .! أنا أذهب الآن لأدعو إيجستوس! لأملأ سمعيه بخبر وفاتك! يا ولدي. . . يا ولدي. . .!)

- (مسكينة! يا ويح لك يا كيليسّا! ولكن!. . .، اهدئي، فان لنا لسؤالاً نحب أن تجيبي عنه. . .!)

- (. . .؟. . .؟. . .)

- (وبم أمرت الملكة؟ هل أمرتك أن يأتي إيجستوس ومعه أحد؟)

- (لا أفهم. . . أفصحن بحق الآلهة عليكن!)

- (نعني، هل يأتي وحده، أم يكون معه حرس؟)

- (لا! بل أمرت أن تكون حوله فرقة من حملة الرماح!)

- (صه!. . . لا. لا. . . إياك يا كيليسا! قولي له إن الملكة تريد أن تذهب إليها بمفردك. . . و. . . نرجوك!. . . نحن نترك البقية لحسن فهمك!. . .)

- (ماذا؟. . . وهل لكن الحق في إصدار أوامر؟)

- (لا. . . ولكن إن كنت حقاً وفية لأورست فلا تقولي إلا ما أشرنا عليك به!)

- (لست أفهم!. . . لقد أردى أورست وكان منتهى آمالنا. . . فماذا نرجو بعد؟)

(وتبكي)

- (لترقأ عبرتك يا كيليسا! وليفرخ روعك! هوني عليك يا طيبة القلب، فقد يكون حياً يرزق! من يدري؟ لقد أُلقي إلينا أن. . .)

- (ماذا؟ نبوءة! نبوءة بالله عليكن؟. . أم سمعتن أنباء خاصة؟)

- (صه. . .! هيا هيا. . . اذهبي إلى إيجستوس وليقصد إلى الملكة وحده!)

(تخرج كيليسا)

(وتصلي المنشدات من أجل أورست، ضارعات إلى الآلهة أن تكون معه؛ والى هرمز أن يحرسه)

- 9 -

(يدخل إيجستوس) - (هيه!. . . هأنذا قد أتيت! ياله من خبر! أين الغريبان! ماذا؟ أحقا مات أورست؟! ما كنا نؤثر أن يموت! يا للجرح الذي ينغل في أحشائك أيها القصر؟ هاك فادحا آخر ينوء بكلكله عليك! ولكن!. . . لا. . . لا أصدقه! لا أصدقه. . .! أنا في شك من النبأ مريب! المرأة! لقد زخرفوا لها الخبر الأسود وقذفوا به في روعها! أكبر ظني أنها إشاعة لا تلبث أن تذوب! خبرن يا وصيفات! أحق ذاك النبأ؟)

- (لقد سمعنا كما سمعت! ولكن!. . . لتدخل أنت، ولتلق الطارقيْن الغريبيْن! فقد خُيّل إلينا أنها مجرد إشاعة! وقد تجلو الحقيقة حينما تواجههما)

- (ما احسبني أصدّقهما إلا أن يقولا رأيناه يجود بآخر أنفاسه! إن لي لعقلاً، وإنه لا تجوز عليه الأباطيل!)

(ويخرج)

وما تكاد المنشدات يترنمن بأنشودة قصيرة يصلين فيها لزيوس حتى تُسمع صرخة من الداخل:

- (آه. . . آه. . . ذُبحت! لقد ذُبحت!)

المنشدات: - (ها!. . . اشتدي أزمة!)

- (آه. . . آه. . .)

- لقد نفذ السهم وقضي الأمر!. . .

(يدخل أحد الخدم) ٍ

- (ويلاه! قتل الأمير! أخبروا الملكة!. . . ويلاه! افتحوا البوابة لأميرة القصر! (تحاول المنشدات فتح البوابة فلا تستطعن) أنتن ضعيفات! ليفتحها الرجال الأشداء! الغوث الغوث! آه. . . لا غوث اليوم، لقد انتهى كل شيء! أين الأميرة! أين الملكة! أين كليتمنسترا؟ يا ويح لها حين يفجعها النبأ!. . .)

- 10 -

(تدخل كليتمنسترا)

- (من ذا يصيح ويصخب هنا؟ ماذا؟ أنت الذي تصخب أيها الخادم؟)

- (أ. . . أنا. . .؟ - (ماذا؟ تكلم!)

- (لقد انتفض الأموات تحت أطباق الثرى فذبحوا الأحياء! هنا في هذا القصر!)

- (آه! الخديعة! جلوت السحر وكشفت الطلِّسم! هلم فهات لي بلْطا! وليكن حديداً مشحوذا! هلم هلم! عليِّ وزر هذا العمل أو لي خيره! لأصارع الأقضية، ولاُنازل المقادير هذه النوبة أيضا!)

(وينزاح ستر فيبدو أورست وأمامه جثة إيجستوس وإلى جانبه بيلاديز)

أورست: (آه. . .! هَلاَ! هذي أنتِ! لقد فرغت من إيجستوس، وقد جاء دورك!. . .)

(كليتمنسترا وقد هالها مقتل إيجستوس)

- (قُتِلْت! ويلاه! سكتت نأمتك، وشالت نعامتك، يا أعز الناس عليّ!)

- (أعز الناس عليك! ها ها ها. . . إذن سترقدين إلى جانبه آخر الدهر ليتم له وفؤك يا آثمة!)

(ويهم أن يفتك بها فتعرف فيه ولدها)

- (أورست! أهو أنت؟ ولدي! حاشاك! ارحم هذا الصدر الذي طالما دلّلَك، والثدي الذي طالما أرضعك!)

(ينثني أورست ليستشير صديقه)

- (ببلاديز! أشر عليّ يا أعز الأصدقاء! هل تفل الرحمة من غرب هذا السيف من أجل أمي؟)

- إذن أين ما أوحي إليك من لدن أبوللو؟ وأين النبوءة الصادقة وما ناشدتك السماء أن تؤديه لها؟ روِّ سيفك غير راحم يا أورست. كن صديق السماء واغسل بغضبتك أدران الأرض!)

- (آه. . . شكراً لك يا ببلاديز! حقاً إنك المخلص الأمين! أنا أبداً في حاجة إلى مشورتك! سأقتلك إذن يا أدنس الأمهات! سأقتلك لتخرّي إلى جانب عاشقك المجرم النجس! لقد فضلته على ملكك في الحياة، فقري معه بعد الموت! حبيبك المتيم الذي كان غيره أجدر بحبك لو عرف قلبك إثارة من الطهر! يا فاسقة!)

(ويهم أن يفتك بها ثانية) - (أورست! لقد أرضعتك، وكنت آمل أن تكون سندي في شيخوختي!)

- (سنداً لها! الفاسقة! وكيف يظلني سقف وقاتلة أبي! مثلومة العرض!)

- (قدر محتوم يا أورست!)

- (والقدر المحتوم هو الذي يكتب عليك ما تلقين اليوم)

- (ولعنة أمك! ألا تخيفك يا أورست!)

- (أمي التي قذفت بي من حالق فريسة لأشجان الحياة!)

- (أنا قذفت بك من حالق؟ حاشا! لقد أرسلتك إلى أعز الأصدقاء ليكلأك ويرعاك!)

- (لقد كانت مقايضة خاسرة بالنسبة لي! حرية وملك، بعبودية وذل!)

- (وأين الأعطيات التي بعتك بها يا بني؟)

- (الأعطيات؟ يا للعار حين نخوض في ذلك من غير ما احتشام؟)

- (قد لا تذكر أيام أن أنحرف أبوك وضل!)

- (لا تنحي على الغائب بلائمة!)

- (ألا تقدر لأواء أم محزونة مهجورة، يا أورست!)

- (بلى! وأعرف أنها ظفرت بكل ما تشهت!)

(ويهم أن يقتلها)

- (آه! أتقتل أمك يا بني؟)

- (أنا؟ أنا لا أقتلك! ولكن تقتلك آثامك!)

- (ها!. . . وأين تهرب من هامة أمك إذا قتلتها!)

- (وأين أهرب من هامة أبي إذا خلّيتك يا آثمة!)

- (كأني أخاطب فيك قبراً فلا يسمع!)

- (أجل وهو قبر أبي الذي يضرب وجهك بزفير جهنم!)

- (آه! الأفعى! لقد ولدتها وربيتها. . . وهاهي ذي تنفث سمها في حياتي!)

- (إذن: هي رؤياك قد جعلها أبوللو حقا!)

- (. . .!. . . تبدو كليتمنسترا كأنما يكاد يغمى عليها)

- (القصاص يا أتعس الأمهات! لقد زرعت وزراً، فلتجن اليوم أوزاراً!) (تنطلق كليمنسترا داخل القصر فيعدو أورست في أثرها)

- 11 -

ويذكر المنشدات - عذارى طروادة التاعسات - أوطانهن، وما حاق بإليوم وبريام من دماء وتقتيل. فيتغنين آلامهن، ويرجعن ذكرياتهن، ويهتفن بعروس الهلسبنت، ويناجين العظام النخرة التي نامت إلى الأبد تحت أسوارها. . .

ثم. . . . . . .

ثم ينزاح ستر صفيق عن أورست. . . بين الجثتين الجبارتين جثة أمه الفاسقة كما دعاها. . . وجثة إبجستوس المتهتك، الذي لم يطهر ثأره بالحفاظ والنقاء. . . بل لطخه بفضائح الدعارة وحياة الهوى التي عاقر خمرها مع كليتمنسترا

- (اشهدن يا عذارى! هاهما قاتلا أبي، وهادما مجد الوطن! لقد استويا بالأمس على عرش آجوس فلطخاه بالإثم، وهما اليوم مجندلان فوق ثرى واحد. . . وبيد واحدة. . . وهو من البر بالأقسام! أجل! لقد برا بيمينهما. . . أليس أحدهما قد أخذ الموثق على صاحبه أن يقتلا مولى هذا القصر. . . وأن يقتسما النتيجة؟ إذن: لقد برت بيمينها. . . ولقد حاق بهما المكر السيئ، وعلقا في الشرك الهائل الذي حاكاه أولاً. . . فمدت لهما فيه السنون والأيام!. . . ولكن. . .! وا أسفاه! لقد جشمتني المقادير مهمة ملعونة. . .! وكيف؟ أنا. . . . أورست المسكين قاتل أمه! يا للشقاء!. . . أبوللو. . . أبوللو. . . كن شاهدي يا سيد الشمس!. . . لقد أمرتني. . . وأوحيت إلي أن اقتل أمك واحمل بعدها غصن الزيتون!. . . فلو لم أفعل لكان شقائي أدهى وأنكى! وكيف أطيق صبراً على قاتليْ والدي؟! وأنا ابنه الوحيد. . . والسماء تطلب دمه من رجولتي!

وأنتن يا طرواديات! تكلمن بحق السماء! أترين إليّ مذنباً ينقض ظهره الإثم. . . أم بريئاً امتشقت العدالة سيفها بيمينه. . .! أيها الأصدقاء! لقد قضت السماء أن أقتل أمي. . .! أمي التي ظلت حياتها سلسلة من المخازي ومستنقعاً من الفضائح. . . حياتها التي كانت تحديّا يا للسماء. . . لقد أقدمت وفوبوس يحدوني. . . لم يكن لي رائد سواه. . . ولا كنف إلا كنفه. . . . . . هلم يا شعب الأرجيف المجيد. . . كن شاهدي ومؤيدي. . . وأنت يا عمي منالايوس. . . ستأتي. . . ستعود إلى الوطن يوماً وتقر ما أقدمت عليه بوحي السماء!. . .

لن يلومني أحد. . . فإذاً. . . . . . فلن أضيق بالمنفى من جديد. . . سأذرع الأرض ثانية. . . سأجوب الآفاق. . ولكن راضياً مطمئن النفس. . . لأني ثأرت لوالدي. . . ولشرف آرجوس كلها)

- حاشا حاشا أيها الأمير! لن يلومك أحد على ما فعلت فلا تحرك لسانك بهذا اللغو. . . ولا تملأ نفسك بذاك التشاؤم. . . لقد أعدت للأرجيف حريتهم وشرفهم حين حطمت رأس الأفعى، وثنيّت بذنبها!)

- 12 -

ولكن الأمير الشاب ما يزداد إلا ذعراً حين يرى إلى أمه مضرجة بدمائها. . . وسرعان ما تكظ وجدانه رؤى كالحة وأشباح. . . ثم تستيقظ في نفسه كلماتها الأخيرة: (وأين تهرب من هُولني يا أورست؟ إن هامتي ستلاحقك في كل مكان صارخة في وجهك: يا قاتل أمه!. . .) فيجن جنونه. . . ويصيح ويصرخ ويصخب. . .

- ويلاه! آه. .! ما هذه السمادير التي ترقص في حبر من الظلام! آه! أين المهرب؟)

- (اطمئن يا أعز الأبناء! إنها أوهام يا أورست! هدّئ من روعك!)

ليست أوهاماً يا عذارى! ويلاه. .! إنها تنقض علي! هامة أمي!. . . هاهي. . . آه!)

- بل هي صورة هذا الدم الذي ما يزال يلوث يديك. . . اطمئن. . .)

- (لا. . . أنا بريء! أدركني يا إلهي أبوللو! يا سيد الشمس هذه الجرجون المهلكة الثعابين تتحوى فوق رؤوسها. . . عيونها تقدح الشرر. . . اللهب يندلع من أفواهها. . . السم!. .)

- (أدع أبوللو. . . أدع فهو بك بر رحيم؟)

(آه!. . . إنها تنشب أظفارها. . . الهرب. . . الهرب!)

دريني خشبة