الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 140/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 140/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 140
البريد الأدبي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 09 - 03 - 1936


جون نيتل ومشروعه لتعليم الفلاح المصري

جون نيتل من أنبه الكتاب السويسريين ذكرا، وأجملهم أسلوباً، وأصدقهم فناً في نقل صور البلاد، والقيام بتحقيقات اجتماعية رائعة، وقد تجلت موهبته لا في دقة الملاحظة فحسب، بل في سحر أسلوبه وسلاسة عباراته، بحيث تنفذ إلى نفس القارئ وتحدث في عواطفه أعمق تأثير

ومما يدل أبلغ الدلالة على تفوق هذا الكاتب في فنه أنه برغم كونه سويسريا استطاع أن يثبت شخصيته أمام الإنجليز، وتمكن في روايته (الدكتور إبراهيم) من أن يدفعهم إلى الاعتراف بأن ثمرة تعليمهم في مصر هوت إلى الحضيض، وأن استعمارهم أصبح كابوساً لا يطاق لشعب نشر ألوان الحضارة والمعرفة، على حين كانت أوربا تغط في ظلمات الجهالة ومخلفات القرون

ويبدو لنا أن حالة الفلاح المصري أحدثت تأثيرا عميقاً في نفس هذا الكاتب، وجعلته أشد عطفاً عليه، وأميل إلى أن ينقل لقرائه صوراً رائعة من أفكاره ومعتقداته وسوء حالته المعيشية، مع حث المصريين على تجهيز قوافل برية ونيلية تؤلف من متاحف صغيرة متحركة، وتزود بآلات للسينما وأجهزة علمية لتغزوا الجهل المتفشي في القرى والدساكر وتقضي عليه قضاء مبرما

ولقد حدث من سنوات أن قام جون نيتل برحلة طويلة إلى مراكش حيث الاستعمار الفرنسي يرتع في بلد فطري، فما كاد يستقر هناك بضعة شهور حتى ثارت ثائرته على مظاهر الاستبداد الفظيعة، وكتب كتابه المشهور (مراكش وعبد الكريم) فغضبالفرنسيون لصراحته، وأحدث ظهور كتابه ضجة هائلة في الأوساط الاجتماعية والسياسية بفرنسا

ويظهر أنه وضع روايته الجديدة (الدكتور إبراهيم) عن مصر وهو على ثقة من أنه سيستهدف لغضب الإنجليز ونقمتهم، وتبرم صحافتهم بصراحته، لكنه لم يحفل بهذا كله ومضى يسرد الوقائع بين سطور كتابه ويصورها بريشة الكاتب الواقعي الذي لا يخضع لسلطان سوى سلطان فنه، غير عابئ بالحملات الشديدة التي أعلنت عليه، ولا بمختلف الانتقادات النارية التي استقبلت بها الصحافة الإنجليز كتابه غير أن هذا الكتاب العظيم صادف هوى في نفوس الأمريكيين الذين يشيدون بمظاهر العدالة، فمجدوا شخصية جون نيتل وأفردوا لكتابه الفصول الطوال لافتين الأنظار إلى ما يجري في الريف المصري من تفشي الأمراض والجهل الفاضح والوقوع تحت أثقال ديون المرابين الأجانب

ففي هذه القرى لا يصرف قرش واحد لنظافة البيوت والطرقات ونقل القاذورات وتجفيف المستنقعات، حتى لقد تبلغ الدرجة فيها أن تبقى رمم الحيوانات ملقاة بين المساكن فتتجمع عليها أسراب الجوارح والذئاب وتتصاعد منها روائح خبيثة

وفي أسواق القرى لا يوجد مرحاض واحد يفي بحاجة من يؤمه من التجار الذين يضطرون لقضاء حاجاتهم في أركان الأسواق لتبقى هذه القاذورات هدفاً لأسراب الغربان والطيور والكلاب وجامعي الأحطاب، أو تلقى بقيتها في الترع والقنوات. فالعمل على تجنب الأضرار الناشئة من الماء الملوث الآسن يجب أن يكون قبل تدبير الماء الصالح للشرب في القرى، وهذا لا يتأتى إلا بإرشاد الفلاح إلى طرق النظافة، وتوقي الأمراض المعدية، ولن يكون إرشاده إلا بتجهيز قوافل علمية تطوف بمساكنه من وقت لآخر وتعمل على أن تنشل الفلاحين المساكين من وهاد القذارة والجهل، وتخرج بهم من الظلمات إلى النور

ولقد كانت المحاضرة التي ألقاها جون نيتل في مساء الأربعاء الماضي بقاعة يورت التذكارية تحت إشراف معهد جان جاك روسو للتربية بجنيف، تدور حول هذه المشكلة، مشكلة إصلاح حال الفلاح المصري ورفع مستواه الاجتماعي مع المحافظة على تقاليد أسلافه. فذكر المحاضر بأن كل فكرة ترمي إلى تعليم الفلاح بقصد انتزاعه من أرضه ونزوحه إلى المدن هي محاولة فاشلة، فالواجب تشويق الفلاح إلى أرضه وتنمية مداركه وتوسيع آفاق فكره ومعارفه العامة؛ فإذا أردنا مثلاً أن نرشده إلى الأحوال الجوية ومعرفة سير الكواكب كان علينا أن نزوده ببعثة فلكية مكونة من محاضرين بارعين، مزودين بسيارات بها آلات ومراصد فلكية، فيحل أعضاء البعثة بقريته يوما أو بعض يوم، ويجمعون الفلاحين في مكان واحد ثم يلقون عليهم محاضرات بلغة بسيطة سهلة عن علم الفلك وحركة الكواكب والنجوم مع مساعدتهم على استيعاب هذه المعلومات بواسطة المجاهر الفلكية وهب أننا نريد أن نلقي على فلاحي قرية كذا درساً في النظافة والصحة العامة، فنوفد إليهم قافلة صحية بمتحفها الصحي المؤلف من نماذج مختلفة الأشكال، وبأفلام سينمائية معها نشرات مكتوبة في اللغة العامية يستطيع المربون الذين يرافقون القافلة أن يتلوا منها نصائح عملية على جماهير الفلاحين المحتشدين لاستقبالهم

فالتعليم الحديث بواسطة القوافل العلمية هو الوسيلة التي يرمي إليها مشروع جون نيتل لرفع مستوى الفلاحين، إذ لا فائدة ترجى من إنشاء المدارس لتعليمه مبادئ الحساب والجبر وقواعد اللغة والرياضة إلى جانب تزويده بالمعارف العامة وتثقيفه الثقافة الشعبية الصحيحة التي تساعده على تربية الجيل الجديد تربية خالية من الجمود وشوائب الجهل

ونوه المحاضر بأنه لا يرمي إلى أن يظهر في مشروعه بمظهر من يملي إرادته، ولكنه مشروع مفيد وضع بعد دراسات طويلة للتضامن مع الذين يهمهم رفع مستوى الفلاحين، وتحسين أحوال معيشتهم، كما أن تحقيقه على الوجه الأكمل يقتضي عشرات المئات من الشبان المتعلمين أن يساهموا في إسداء هذه الخدمة الإنسانية الجليلة؛ وإن في استخدامهم لهذا الغرض لحلاً لجانب كبير من مشكلة الشبان المتعلمين ومكافحة الأمية في القرى والدساكر

وأهاب المحاضر في ختام محاضرته بأن في تغافل الحكومة وفي تركها الفلاح غارقا في محيط جهله خطرا عظيما على مستقبل الأمة، لأنه سيصبح في مصر طبقتان بينهما هوة عميقة: الشباب المتعلم في المدارس العالية وفي معاهد أوربا، وجمهور الفلاحين الذين يظلون بعقلية القرون الوسطى ويعيشون تحت إرهاب أساليب عصور الظلام

كتاب الذخيرة لابن بسام

نعرف أن لابن بسام الأديب الأندلسي الكبير أثراً حافلا عن حياة الأندلس الأدبية والسياسية في القرن الخامس الهجري، وهو (كتاب الذخيرة في التعريف بمحاسن أهل الجزيرة)، وإلى أعوام قلائل لم نكن قد ظفرنا بعد بنسخة كاملة من هذا الأثر الحافل؛ وكل ما انتهت ألينا منه نسخ مغربية وأندلسية ناقصة، ولكن العلامة المستشرق الأستاذ ليفي بروفنسال مدير مدرسة الدراسات العليا في مراكش قد ظفر بعد البحث الطويل في إحدى مجموعات المغرب بنسخة كاملة من كتاب الذخيرة؛ والأستاذ بروفنسال حجة في شؤون (الغرب الإسلامي) أعني الأندلس والمغرب وله مؤلفات قيمة عن عرب أسبانيا والمغرب، وقد نشر فوق ذلك طائفة نادرة من الكتب والوثائق عن تاريخ الأندلس والمغرب الأقصى: منها الجزء الثالث من كتاب البيان المغرب، ووثائق عن ابن تومرت (المهدي)، وجزء من تاريخ ابن حيان. ومن مؤلفته كتاب بالفرنسية عن أحوال الأندلس أيام الدولة الأموية، وقد تألفت أخيراً لجنة من أفاضل المستشرقين برياسة العلامة المذكور لتقوم على طبع كتاب الذخيرة وتحقيقه وتذييله، وربما شغل الكتاب أربعة مجلدات كبيرة؛ وهو ينقسم إلى أربعة أقسام: الأول خاص بقرطبة وأعيانها؛ والثاني خاص بغرب الأندلس وأعيانه وأخبار بني عباد؛ والثالث خاص بأخبار بلنسية وأعيانها؛ والرابع خاص بأخبار الجزيرة. ولدينا في دار الكتب من كتاب الذخيرة نسخة ناقصة تحتوي على قسمين منه فقط هما الأول والثاني

وقد استفاد من كتاب الذخيرة كثير من العلماء المشتغلين بتاريخ الأندلس مثل دورزي وسيبولد، وذلك قبل أن يوجد نصه كاملا؛ والكتاب من أنفس آثار الأدب الأندلسي، وقد كتب بأسلوب بديع، وبه معلومات قيمة عن أحوال دول الطوائف خلال القرن الخامس الهجري، وليس من ريب في أن نشره سيكون خدمة جليلة للتاريخ الأندلسي

تراث جاك بانفيل

أشرنا في عدد سابق إلى وفاة الكاتب والمؤرخ الفرنسي الكبير جاك بانفيل. وقد قرأنا أخيرا في إحدى المجلات الفرنسية الكبرى فصلا عن الكاتب الراحل للعلامة المؤرخ أوكتاف أوبري الذي زار مصر منذ حين وألقى بها عدة محاضرات تاريخية شائقة، يصف فيها تراث بانفيل التاريخي ويحلل مواهبه وكفاياته كمؤرخ وفيلسوف للتاريخ. وقد كان بانفيل قبل كل شيء كاتباً سياسيا؛ وكان رجل جدل قوي يذود عن آرائه بيقين وحرارة؛ وكانت تغلب عليه الروح الفلسفية في كتابه التاريخ. ويرى الأستاذ أوبري في كتابيه (تاريخ فرنسا) و (نابليون) أثرين جليلين يمتازان بقوة خاصة. وقد كان بانفيل ملوكياً يؤمن أشد الإيمان بالملوكية ونظمها وتقاليدها؛ وكان يدافع عن عقيدته في هذا الوسط الجمهوري المضطرم بحرارة المؤمن؛ ومن ثم كان رأيه في الثورة الفرنسية واعتبارها حركة دموية طائشة. وهو في هذا يتفق مع كتاب عظام ناصروا الملوكية مثل لامرتين؛ بيد أنه يفوقهم جميعاً في حرارة إخلاصه للملوكية وشدة وطأته على الثورة. ويعتبر الأستاذ أوبري كتابه عن نابليون أفضل مما كتب عنه تاين وميشليه؛ ويرى في كتابه (تاريخ الأجيال الثلاثة) صورة صادقة قوية من أحداث فرنسا ومحنها ومواطن عظمتها وضعفها منذ واقعة واترلو حتى معاهدة فرساي

بيد أن بانفيل يبدو في ذروة قوته كفيلسوف مؤرخ في كتابه الأخير، وهو كتاب (الحاكمون بأمرهم)، وقد استعرض فيه تاريخ الطغاة والطغيان منذ العصور الغابرة؛ ويبدي بانفيل في بحثه وتحليله لخواص الطغيان والطغاة مقدرة تطبعها رزانة خاصة؛ ويرى أوبري أن أثر بانفيل عن الطغاة يجب أن يتبوأ مكانه بجوار كتاب (الأمير) للفيلسوف الإيطالي مكيافيللي، برغم أن بانفيل يهتدي في كتابه بمثل أخلاقية واجتماعية غير تلك التي يهتدي بها مكيافيللي في كتاب (الأمير). ولتقدير الأستاذ أوبري لتراث بانفيل التاريخي أهمية خاصة لأنه يتبوأ مكانة سامية بين مؤرخي فرنسا المعاصرين

أحرب أم سلام

نشر الكاتب الإنكليزي الكبير الدوس هكسلي حفيد العلامة هكسلي مقالا عن مصاير السلام يقول فيه إن عام 1936 سيكون عاماً حاسماً في تاريخ البشرية؛ ذلك أنه إما أن يكون عام حرب أو عام سلام؛ إما أن يستطيع الساسة فيه أن يحتفظوا بسلام أوربا وإما أن تفلت الحوادث من يدهم وينحدر العالم إلى الحرب

والدول التي تسيطر على مصاير العالم اليوم هي سبع: بريطانيا العظمى وفرنسا والولايات المتحدة والروسيا - وهذه في نظر الكاتب هي الدول (الراضية) - ثم ألمانيا وإيطاليا واليابان، وهذه هي الدول (غير الراضية)، وذلك لأن الاحتكار الاستعماري والاقتصادي الذي تنعم به الدول الراضية قد اشتدت وطأته في الأعوام الأخيرة من جراء السياسة القومية التي تتبعها، والنظم الجمركية والاقتصادية التي تنظمها، لتوطيد تجارتها وسحق تجارة الدول الأخرى. والدول غير الراضية لها كل الحق في أن تنقم على الدول الراضية هذا الاستئثار؛ ذلك لأن مستوى الحياة في إيطاليا وألمانيا واليابان يهبط بالتدريج، وسيستمر على هذا الهبوط؛ والحياة في هذه البلاد تغدو كل يوم أشد وطأة، حتى أصبحت ترى أن المغامرة بخوض الحرب أفضل من أي سلام مسكين تجنيه في ظل هذه الظروف التعسة. وقد قامت في هذه الدول الثلاث حكومات تعد شعوبها بأن ترد بالقوة القاهرة عنها هذا الحيف؛ فأما اليابان فقد انقضت على بعض أقاليم الصين؛ وتحاول إيطاليا أن تفتتح الحبشة؛ وربما أقدمت ألمانيا في فرصة قريبة على محاولة نيل الترضية اللازمة، وربما كان ذلك على حساب روسيا أو أوربا الوسطى

وقد شهدت السياسة الدولية تطوراً عظيما في المبادئ، وذلك بتطبيق مبادئ وإجراءات إجماعية (أخلاقية)؛ ولكنا إذا أردنا السلام وجب أن نشتد في تطبيق هذه المبادئ الإجماعية إلى حدود أخرى؛ وإذا كانت إيطاليا تتبع سياسة غاشمة فذلك لما حاق بها من الظلم؛ وليس ثمة وسيلة واحدة لدفع هذا الحيف عن الدول غير الراضية سوى معاملتها ومعاملة دول أوربا الوسطى بعدالة

ويرى الكاتب أن الحرب والسلام بيد الدول نفسها، فإذا أصرت الدول الراضية على التمسك باحتكارها الاقتصادي الذي كسبته بوسائل غير عادلة، وإذا حاولت أن تتسلح حتى الذروة لتحتفظ به، فإن الحرب واقعة لا محالة

وأما إذا اعتزمت الدول الراضية أن تسير طبقاً لمبادئ الأخلاق، وهي في نفس الوقت مبادئ حسن التصرف، فان السلام يغدو محققاً مكفولا

الحياة المصرية المعاصرة

ظهر أخيراً في إنكلترا كتاب عن الحياة المصرية منذ أواخر القرن الماضي حتى يومنا، عنوانه (حياة في مصر) بقلم سيدة إنكليزية، أنفقت طول حياتها في هذه البلاد هي السيدة مابل جايارد. ويتناول هذا الكتاب وصف الحياة المصرية منذ أواخر عهد إسماعيل حتى سنة 1935؛ أعني خلال ستين عاما. وكان والد السيدة مابل موظفاً في الحكومة المصرية منذ أوائل عهد الاحتلال؛ وكانت مس مابل يومئذ فتاة ناشئة، فقطعت حياتها الحافلة في هذه البلاد، بين الإسكندرية ومصر، وشهدت تطورات الحياة المصرية في هذه الحقبة، واتصلت بكثير من الشخصيات البارزة في هذا العهد، ووقفت على كثير من الشؤون والمعلومات العامة والخاصة. وتقدم المس مابل في كتابها عن مصر صوراً ساحرة لهذا العهد الذي كانت الحياة فيه ما تزال ناعمة هينة؛ وتصف لنا مدينة القاهرة والمجتمع القاهري في أواخر القرن الماضي، حين كانت لا تزال في طور نشوئها العظيم؛ وكانت لا تزال مدينة شرقية تحتفظ بكامل جمالها وسحرها الشرقي الذي مازال يملأ مخيلة الكتاب والسائحين؛ وتصف لنا الإسكندرية في أوائل عهد الاحتلال وتروي لنا كيف كانت الحياة فيها أحياناً صعبة غير أمينة، وكيف كانت محط المغامرات والمفاجآت المكدرة

وتقدم لنا المس مابل صوراً ممتعة عن البلاط الخديوي في هذه الحقبة، وعن الخديويين وعن أكابر سيدات الحرم الخديوي الذي اتصلت به المؤلفة وعرفت كثيراً من رسومه ومظاهر الحياة فيه؛ وتصف لنا الإسكندرية والقاهرة أيام الحرب الكبرى، وكيف تحولت العاصمتان الكبيرتان إلى شبه محطة عسكرية هائلة، ثم تصف لنا ما طرأ على الحية المصرية بعد الحرب الكبرى إلى يومنا

وكتاب المس مابل طريف تجدر قراءته في هذه البلاد، وإن لم يكن يخلو من بعض نواحي التحيز والتحامل التي قلما تخلو منها كتب الأجانب، وبخاصة الإنكليز، عن مصر

الفوكلور المراكشي

تعتبر اليوم دراسة المعتقدات والعادات والتقاليد الشعبية من الدراسات الأثرية المفيدة في تاريخ الشعوب وتاريخ الحضارة؛ وقد اتسعت هذه الدراسة وتقدمت في عصرنا حتى أضحت تكون فرعاً خاصاً يطلق عليه (الفوكلور) أو دراسة المعتقدات الشعبية. ومن المؤلفات التي ظهرت أخيراً في هذا الموضع كتاب للدكتورة فرانسواز ليجي عن (الفوكلور المراكشي) وقد عاشت الدكتوره ليجي في مراكش أعواماً طويلة، ودرست المجتمع المراكشي دراسة مستفيضة، ووقفت على معتقداته وتقاليده القديمة التي لم تنجح المدنية الفرنسية المفروضة في إزالة معالمها؛ وتناولت المؤلفة معتقدات الشعب المراكيشي الدينية، وعاداته الاجتماعية، وما تداولته الأجيال منذ العصور الغابرة في شأن الخليقة وآدم والبر والبحر والحيوان والنبات والطير، من الأساطير والأمثال السائرة؛ وتسوق لنا المؤلفة أمثلة طريفة من هذه المعتقدات في شأن بعض الأشجار والأزهار فتقول: (إنهم يعتقدون أن بعض النباتات ليست من خلق الله ولكنها من خلق الشيطان، وهذا شأن التبغ مثلاً؛ وأما شجرة الكرم وشجرة التين فقد حملهما آدم من الجنة؛ وقد نبتت الورود وزهر البرتقال من دموع النبي، ونبتت شجرة الرمان من الأزهار التي نثرتها فاطمة الزهراء ابنة النبي حينما علمت بموت ولديها الحسن والحسين)، ويعتقدون أيضاً أن بعض الحيوانات كانت بشراً ومسخت، عقاباً لها على سيئاتها والكتاب طريف في موضعه وفي مباحثه وخصوصاً فيما يتعلق بتقاليد القبائل البربرية وعاداتها؛ وفي مباحثه ما يلقي كثيراً من الضوء على المجتمع المغربي في تطوراته المختلفة، وفي ظل الوثنية والإسلام، وما لا يزال حياً في معتقداته وتقاليده من تراث العصور الغابرة