مجلة الرسالة/العدد 14/بلياس ومليزاند
→ القصص | مجلة الرسالة - العدد 14 بلياس ومليزاند [[مؤلف:|]] |
الكتب ← |
بتاريخ: 01 - 08 - 1933 |
للفيلسوف البلجيكى موريس ماترلنك
ترجمة الأستاذ حسن صادق
أشخاص القصة:
1. اركل ملك الموند
2. جنفييف أم بلياس وجولو
3. بلياس حفيد إركل
4. جولو
5. مليزاند
6. إينيولد الصغير ولد جولو من زوجه الاول
7. طبيب
الفصل الأول
المنظر الأول:
(غابة في وسطها ينبوع ماء بعيد الغور تجلس على حافته مليزاند - يدخل جولو)
جولو - أقحمني النزق تيه الغابة الكثيفة، وأخاف أن يعييني الخروج منها. . . الله يعلم الى أي مكان قادنيالجواد وهو ضال في جموحه! وقد جمعت فزعيفي يمناي وقدمي، ثم صببته في جروح قاتلة تفتحت في جسمه الملتهب، ولكنه أصر على الجموح وأسرف في الغضب، ولما ضللت الطريق أفلت مني وأمعن في الهرب. فقدت الجواد ويقيني أني هالك في هذا المكان الموحش. . . ستأكل الطير من رأسي وتلغ الضواري في دمي، ولن يعرف كلابي السبيل الي، سأعود الى البيت راجلا إذا اهتديت الى الطريق. . . ما هذا؟ أخرير ماء أسمع أم هنين بكاء؟ آوه! من هذا الراقد على العشب، المطل على صفحة الماء الهادئ؟ فتاة على حافة الينبوع تنوح! (يسعل) إنها لا تسمع صوتي ولا أرى وجهها (يقترب من مليزاند ويلمس كتفها) لم تبكين؟ (تنتفض مليزاند وتنهض مذعورة تريد الهرب). خلي عنك الفزع فلست مارداً وما أنا من الشياطين. لماذا تبكين وحدك في هذ المكان الموحش؟
مليزاند - ابتعد عنى! لا تقربني!
جولو - لا تخافي ولا تجزعي. لن يصيبك منى سوء. . . آوه! ما أجملك!
مليزاند - إليك عني أو ألقيبنفسي في الماء!
جولو - إني بعيد، بيني وبينك خطوة. أترينني؟ إني باق في مكاني أتحامل على هذه الشجرة. ولا تحزني ولا تخافي. هل أصابك مكروه أم رماك أحد بشر؟
مليزاند - أوه! نعم نعم! (ثم تتنهد تنهده عميقة)
جولو - ومن الذي أشقاك؟
مليزاند - كل الناس أشرار
جولو - وماذا أصابك؟
مليزاند - لا أريد أن أبوح به! لا أستطيع التعبير عنه!
جولو - كفكفي دموعك. أين مقامك؟
مليزاند - لقد هربت. . . نعم هربت!
جولو - أدركت ذلك. ولكن من أين هربت؟
مليزلند - ضللت الطريق. . . واصطلح علي الخوف والحيرة في سكون الغابة. لست من أهل هذا البلد، ولم أولد حيث تراني
جولو - من أي بلد تكونين؟ وأين مولدك؟
مليزاند - من بلد بعيد المزار
جولو - ما هذا الشيء الذي يشع في جوف الماء بريقا؟
مليزاند - أين هو؟. . . آه! إنه التاج الذي أعطاني إياه. . . لقد سقط في الماء أثناء بكائي
جولو - تاج؟! من الذي أهدى إليك تاجا؟ سأبذل جهدي في انتشاله
مليزاند - لا تفعل، لم أعد اشتهيه. تلاشت رغبتي فيه. متمناي الساعةأن أموت
جولو - هين علي انتشاله فانه من حيلتي قريب
مليزاند - ليس لي رغبة فيه، إذا انتشلته، ألقيت نفسي في مكانه
جولو - اطمئني بالا وقري عيناً. . سأنزل على مشيئتك، وأتركه في مستقره، في استطاعتي مع ذلك إخراجه من الماء بلا عناء! إنه رائع بديع! هل مضى على هروبك زمن طويل؟
مليزاند - نعم نعم. . . من أنت؟
جولو - الأمير جولو حفيد أركل ملك ألموند الشيخ
مليزاند - أوه! بدأ الشيب يدب في فوديك!
جولو - بعض شعرات بيضاء نثرها الزمن على رأسي
مليزاند - وعلى لحيتك أيضا. لماذا تحدق في هكذا؟!
جولو - أرنو الى عينيك. . . انك لا تغمضينهما لحظة واحدة!
مليزاند - أغمضهما في الليل.
جولو - مالي أرى الحيرة في لحاظك؟
مليزاند - أمارد أنت؟
جولو - إني بشر مثلك.
مليزاند - لم وطئت هذا المكان؟
جولو - أجهل ذلك الجهل كله. كنت أصيد في الغابة فرأيت خنزيرا وحشيا فانطلقت وراءه بجوادي. ولكني أخطأت الصيد وضللت الطريق. . . ماء الشباب يترقرق في وجهك، ما عمرك؟
مليزاند - بدأت أشعر ببرودة الهواء!
جولو - أتأتين معي؟
مليزاند - كلا سأبقى هنا.
جولو - من ضعف الرأي أن تبقى وحدك في وحشة الغابة ولن تستطيعي قضاء الليل في سكون يروع القلبويفزع النفس. . . ما اسمك؟
مليزاند - مليزاند.
جولو - تعالي نخرج من الغابة.
مليزاند - إني باقية.
جولو - ستخافين وحدك ظلمة الليل. ومن يدرى. . . ربما تكون الغابة ذات وحوش. . .
الليل كله، وبمفردك؟! أقلعي عن عنادك وتفهمي قولي. هاتى يدك.
مليزاند - لا تلمسني.
جولو - لن ألمسك فلا تصيحي. سيكون الليل حالك السواد شديد البرد. تعالي معي
مليزاند - إلى أين أنت ذاهب؟
جولو - لا أدري. . . إني ضال مثلك (يخرجان).
المنظر الثاني:
(ردهة في القصر. إركل وجنفييف جالسان يتحدثان)
جنفييف - سأتلو عليك ما كتبه الى أخيه بلباس: (وجدتها ذات يوم عند الغبشتسكب الدمع الغزير على حافة ينبوعفي الغابة، إني اجهل عمرها وأصلها ولا أعرف لها وطنا. ولا أجرؤ على سؤالهالأنها نابية الطبع يستقر في نفسها الذعر الشديد، ويقيني أنها عانت أمرا أدخل على نفسها الاضطراب والهلع. وإذا سئلت عما حدث لها، استخرطت في البكاء دفعة واحدة وملأت الجو بالتنهدات العميقة التي تفرض على السائل الصمت والخشوع. وقد مضى على زواجي منها ستة أشهر، ولا أعرف اليوم من أمرها أكثر مما عرفت في ساعة اللقاء الأولى. ولكنى آمل أن أصل إلى ما أريد بعد وقت وجيز، وليس هذا ما يهمني يا بلياس، يا من أعزه أكثر من شقيق ولو أننا لسنا من صلب واحد، وإنما الذي يشغل بالي ويقض مضجعي هو أمر العودة الى أحضانكم والعيش بينكم كما كنت قبل الزواج. ولذلك أكتب إليك ضارعا أن تعبد لي الطريق. أعلم علم اليقين أن أمي تعفو عني فرحة مستبشرة. ولكنى أخاف إركل على الرغم من طيبة قلبه وسراوة خلقه، لا. . هدمت بهذا الزواج صروح أمله وخيبت فجأة كل خططه السياسية. وأخوف ما أخافه ألا يشفع لي الى حكمته جمال مليزاند وسحرها الحي، فإذا قبل بعد سعيك الجميل أن يستقبلها في بيته كما يستقبل ابنته، فأشعل مصباحا بعد أيام ثلاثة وضعه في أعلى البرج المطل على البحر، حتى أستطيع رؤيته من السفينة التي أقيم فيها مع زوجي. وإن رفض رجاءك فإني ذاهب الى نية بعيدة ولن تروني). كيف ترى؟
إركل - وماذا أقول؟ إن ما حدث يبدو غريبا لأننا لا نرى دائما إلا عكس ما يهيئه القدر. . . كان في كل حين يتبع نصحي، وقد اعتقدت أن زواجه من الأميرة (إرسول) يهيئ له أسباب السعادة، ولذلك تقدمت إليه أن يذهب الى أهلها ويخطبها إليهم! لم يكن في مقدوره ان يعيش منفردا، وقد ثقلت عليه الوحدة بعد موت زوجه، وحزت في جلباب نفسه الحزينة. لو تم هذا الزواج الذي كنت أرغب فيه لوضع حداً لحروب طويلة وأحقاد قديمة! لم يشأ ذلك. فليكن الأمر كما أراد. إنى لم أجعل من نفسي قط عقبة تعترض حظ إنسان، وهو يعرف مستقبله أحسن مني. وربما انتج عمله نفعا لا ندركه اليوم
جنفييف - كان في كل أدوار حياته حازما رزينا بعيد النظر، وقد وقف كل حياته بعد موت زوجه على ولده الصغير (راينيولد) لقد نسى كل شئ. . . والآن ماذا نصنع؟
(يدخل بلياس)