مجلة الرسالة/العدد 137/الليلة الثانية عشرة
→ بين الثريا والثرى | مجلة الرسالة - العدد 137 الليلة الثانية عشرة [[مؤلف:|]] |
الشاعر ← |
بتاريخ: 17 - 02 - 1936 |
للشاعر الحضرمي علي أحمد باكثير
إحدى روايات شكسبير الخالدة يترجمها إلى العربية شعراً الشاعر الحضرمي علي أحمد باكثير، وقد تصرف تصرفاً لا يضير بجمال الأصل، بل يزيده أحياناً وضوحاً وحسناً؛ كما فعل في التورية اللفظية التي قصد إليها شكسبير في كلمتي (الوعل) (القلب) فقد نقل المترجم الصيد من البر إلى البحر ليتسنى له الإتيان بمثل هذه التورية في اللغة العربية، وإلى القارئ المشهد الأول من الرواية:
المشهد الأول - في قصر الدوق
يدخل الدوق و (كريو) وأشراف آخرون، حيث فرقة الموسيقى على استعداد للدوق:
هات ألحانك يا عازف إن ... تكن الألحان للحب غذاء!
هاتها! زدنيَ منها فعسى ... أن يلاقي حتفَه منها امتلاء!
أعِدِ اللحن الذي غنّيتَه! ... إنه طاب على السمع غناَء
كاد من رقته يفنى! فلم ... يَدَعِ الشجو له الاذماَء!
رفَّ بالسمع جَنوباً عَطِراً ... سرق الروض شذاه ثم جاَء
قَدْكَ! قف لحنك هذا لم يَعُدْ ... عندي الآن وما قبلُ سَواَء
آه رُوحَ الحب! ما ألطف مس ... راكِ في النفس وأقواك مضاَء
قوةٌ هائلة أنت، فقد ... كدت تطغين على ماضي القضاءْ
قوة حُوَّلَةٌ قُلبه ... أبداً تَبْدين في ألف رواءْ
أين منك البحر عُظماً وقُوَىً؟ ... إنه ماءٌ وأنتِ الكهرباءْ!
تسقط الأنهارُ في البحر فلا ... تعدم التأثيرَ فيه والثّواء
وهمومُ النفس مهما عظُمت ... وسمت أوجا، وشطّت في غلاءْ
دون أمواجكِ في ثانيةٍ ... تتلاشى كالتماعٍ من ضياءْ!
فإذا الغالي رخيصٌ، وإذا ال ... أوج قعْر، وإذا الأسْر عياء
كريو:
مولاي! هل لك في صي ... د البال؟ فالجو ح الدوق:
ويلك! هل أنا إلاّ ... في الصيد! والبال بالي!
أعزُّ شيءٍ بجسمي ... قدراً. وأنفَسُ غالِ
أوّلَ ما زلزلْتني ... بطَرْفها القتَّال
(أوليفيا)، وهدتني ... للحبّ بعد الضلال
هناك صُيِّرتُ بالاً ... مضرِّساً بالنكال
مطارَداً طول أيّا ... مه وطول الليالي!
اكتنفَتْه شِباكٌ ... من كل وجه وحال
خيوطها من همومي ... ونجما من خيالي!!
(يدخل فالنتين)
- هات عنها! ماذا وراءك؟
- ما ير ... ضيك مولاي! لو رُزِقتُ القبولا
سلّمتْني عنها الوصيفةُ هذا ال ... ردَّ منها - وما أُراه جميلا -:
لن يرى الكون نفسه وجهَها السَّا ... فرَ سبعاً كسبع يوسف طولا!
نذرَت أن تبقى كراهبة الدَّيْ ... ر عليها نقابُها مسدولا
كل يوم تطوف بالبيت بالدم ... ع يبل الثَّرى ويُحفى المسيلا
كل هذا من أجل موت أخ كا ... ن إليها المحبب المأمولا
رُزئَتْه فأقسمتْ لَتُديمَنَّ (م) ... أساها عليه دهراً طويلاً
الدوق:
زِهِ! ضمَّتْ إذا - إلهي لك الحم ... د ُ! - إلى حسنها الشّعورَ النبيلا!
كان هذا وفاءها لأخيها ... كيف بالله لو أحبّت خليلا!
لَوْ إليها (كوبيد) سدّد يوماً ... سهمه المُذْهَب اللطيف القتولا!
فغدا في فؤادها كلُّ همٍّ ... شاغلٍ - دونه صريعاً قتيلا
واعتلى عرشَ قلبها مَلِك فرْ ... دٌ كفرعونِ مصر دانَ النيلا!
سِرْ أمامي إلى أريكٍ من الزَّه ... ر أهدهِدْ بها الفؤادَ قليلا! حيث تُلفى خواطرُ الحب في أك ... نافها مرتعاً خصيباً ظليلا!!
علي أحمد باكثير