مجلة الرسالة/العدد 137/الكتب
→ البريد الأدبي | مجلة الرسالة - العدد 137 الكتب [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 17 - 02 - 1936 |
الفن الإسلامي في مصر
للدكتور زكي محمد حسن المساعد العلمي بدار الآثار العربية
هذا الكتاب الثمين ليس سوى الجزء الأول من ثلاثة أجزاء وعد المؤلف بإصدارها. إذ رأى أن لتاريخ الفن الإسلامي في مصر حلقات ثلاثا: تبدأ الأولى بالفتح العربي وتنتهي بسقوط الدولة الطولونية، وتشمل الثانية عصر الفاطميين، وتحتوي الثالثة على عصر المماليك. وخص هذا الجزء بالحلقة الأولى وكشف في مستهله عن سر النزعات في هذا الفن بإيراده مقدمة تاريخية سياسية تفصح للقارئ عن أثر كل تطور خاص بسياسة الدولة المصرية في الفن الإسلامي
وطبيعي أن يعني المؤلف الفاضل بناحية البحث في تاريخ فن العمارة وزخرفة البناء الإسلامية عناية خاصة. وليس ذلك لمجرد مطابقة هذه الناحية من الفن لطابع العرب الديني، بل ولأنه أيضاً استرعى أنظارهم وهم البدو ومساكنهم الشعر، ولاءم مزاجهم الرياضي الفني، واتفق وغرضهم من التعمير - على حد ما نعتقد
ولم يستكمل الفن الإسلامي في مصر وضوحه إلا في عصر الطولونيين. وكان فناً مستقلاً عن الفن الذي ازدهر في سامرّا مدينة المعتصم
واستعرض المؤلف تاريخ تلك المدينة منذ نشأتها، ثم واصل عرض آراء العلماء في شان فنها، وأخذ يوازن بين الخطأ في تلك الآراء والصحيح منها
ومن أهم النظريات التي أثبتها اعتبار زخارف سامرّا غير متأثرة بأساليب الفن السيتي إلى حد كبير، كذلك اعتبار أن الجند الترك لم يكن لهم من الناحية الفنية شيء يذكر في عهد الخلفاء العباسيين، وان الفرس بماضيهم الفني المجيد أكثر استعداداً من الترك للتأثير في الفنون الإسلامية، ولو أن ذلك الرأي قال به غيره، إلا أنه عززه بأدلة مما عثر عليه من صور في سامرّا، ولم يفت المؤلف ذكر توافد مهرة الصناع العراقيين والفارسيين والإغريق وغيرهم على سامرّا، فأصبح الفن هناك خليطاً
وتكلم المؤلف في الفصل الثاني من الكتاب عن العمارة الدينية، ولا شك أن العمارة بلغ بها المسلمون شأواً بعيداً، إذ هي عندهم أجلّ الفنون، فابتدعوا فيها وأبدعوا؛ ويعد جامع احمد بن طولون أهم الآثار العربية في مصر وأقدم شاهد على المدنية الإسلامية فيها. ودحض المؤلف فكرة أن هذا الجامع كان من مساجد المعسكرات. وهي فكرة رائجة بين عدد من علماء الفرنجة
ثم جاء في الفصل الثالث على ذكر العمارة الحربية والمدنية التي لم يبق منها لعهد الأسرة الطولونية سوى قاطر بن طولون. إلا أن مؤرخي العرب ومؤلفي الخطط أفاضوا في وصف مدينة القطائع والبيمارستان وكذا القناطر. وذكر المؤلف بعض تفاصيل شائقة عن تأسيس مدينة القطائع وعن قصر ابن طولون بها الذي حاكى به قصور الخلفاء في سامرّا. وجاء بوصف ممتع للقصر وما حوى وما أضافه ابنه خمارويه عليه من أبنيه وحدائق. وكان لتنقيب دار الآثار العربية وعثورها في صيف سنة 1932 على أطلال منزل طولوني بالتلال المجاورة لأبي السعود الفضل في الاستدلال على بعض قواعد وأصول العمارة المدنية الخاصة بالعصر الطولوني. وذكر المؤلف أن قناطر ابن طولون شيدت في الجهة الجنوبية الشرقية من مدينة القطائع. ولازالت بعض عقود القناطر قائمة حتى اليوم ومنها يستدل على متانتها وبديع الصناعة فيها: والمعروف أن المهندس النصراني الذي تولى لابن طولون بناء هذه العيون هو نفس المهندس الذي شيد له فيما بعد المسجد الجامع
أما زخرفة المباني للعهد الطولوني التي وردت في الفصل الرابع من الكتاب، فهي اكثر الفنون التي تأثرت بالصناعة العراقية والفن الذي ازدهر في سامرّا. وعالج فيها المؤلف مشكلة اختلف فيها العلماء وهي هل كان موطن هذه الزخارف ومكان نشأتها البلاد المصرية، أم أن الزخارف الطولونية مأخوذة عن الزخارف العراقية في سامرّا؟ ورأى المؤلف في الجمع بين الرأيين حلا لمشكلة: وقد حلل الدكتور محمد حسن الزخارف إجمالاً تحليلاً دقيقاً، لا نستطيع إلا أن نحيل القارئ إلى ما كتبه عنها
ثم انتقل في كتابه إلى الفنون القديمة، ومهد لها بكلمة جامعة قيمة. وأتى في الفصل الأول على تاريخ صناعة النسج في مصر وتطورها، فاستغنى شيئاً فشيئاً عن الرسوم الآدمية والحيوانية التي كانت في الفن القبطي، وقوى الميل إلى الزخارف الهندسية، كما لعبت الكتابة دوراً هاماً في هذه الصناعة. وكانت صناعة الحرير والقطن والكتان من الجودة بدرجة إن المباراة بين الكنائس والمساجد والأسواق الخارجية كانت تتزاحم للحصول على منسوجات مصر. ومع كل فلم يطبع النسيج بطابع إسلامي إلا ابتداء من العصر الفاطمي.
ثم تكلم المؤلف عن الحفر على الخشب، وأبواب استعماله في مختلف أنواع المباني والزخرف. ويمكن اعتبار أن هذا الفن الفتي بقي حافظاً للتقاليد القبطية زمنا طويلاً، بدليل ما كان بقصر ابن طولون؛ وأبان المؤلف ذلك كما أبان النزعة إلى الكتابة على الخشب في عهد ابن طولون. ثم عالج في اقتضاب تطور الخط العربي، ورأى إن المناسبة حسنة لذلك.
وانتهى من ذلك إلى الكلام عن الخزف، ولو أن دراسة الخزف الإسلامي لا زالت صعبة المنال، ولكن مما لا جدال فيه أن الخزف الإسلامي يمتاز بالجودة عن الخزف المصري في العهد القبطي فكان الخزف في العهد الطولوني يصنع من طينة رقيقة. ويمتاز بزخارف ذات بريق معدني، ذي لون أصفر أو زيتوني على أرض بيضاء أو بيضاء مشوبة بالصفرة. وهذه المميزات نفسها نجدها في الخزف الذي عثر عليه في سامرّا
ثم ختم أبحاثه ببحث عن التصوير طريف. وفيه ذكر إن التصوير الذي ينسب إلى مدرسة بغداد كانت تعد سورية أو العراق أو إيران مصدره، وإن فن التصوير لم يزدهر إلا في تلك الأقاليم متأثراً بالتعاليم الفنية التي أخذها العرب عن المانويين واليعاقبة والصينيين. وظلوا لا يفكرون في مصر كمهد لمدرسة من مدارس التصوير الإسلامي حتى كان الاكتشاف المشهور في الفيوم، ذلك الاكتشاف الذي أثبت وجود صور مصغرة إسلامية ترجع إلى القرن التاسع والعاشر والحادي عشر. ولم يترك المؤلف هذا الفصل دون أن يعالج ما يسمونه تحريم التصوير في الإسلام، وقد أجمل القول بأن نظرة في الكتاب الكريم، وفي كتب التفسير، وفي أسباب النزول كافية لأن تثبت إن هذا الزعم باطل لا أساس له وإن كان مكروهاً
وعقد المؤلف للكتاب خاتمة ألم فيها بالصناعات التي عرفتها مصر في فجر الفنون الإسلامية، وذكر في لمحات سريعة تطورها حتى نهاية العصر الطولوني، وأشار إلى أن رجال الفنون والصناعات في القرنين الأول والثاني بعد الهجرة، كانوا من المصريين سواء في ذلك من أعتنق منهم الإسلام ومن ثبت على المسيحية
ولا شك في أن الدكتور زكي محمد حسن قد أحسن دراسة موضوعه وسار ببحثه سيراً هادئاً؛ وكان قديراً في مناقشة حجج علماء الفنون الإسلامية، وفي تدعيم آرائه بالبينة، وليس ذلك بالأمر الصعب على مثله، وقد راجع عشرات الكتب، ومحص عديد التحف قبل أن يستقر على رأي يبديه في جملة متواضعة، وفي أسلوب سهل رصين، وكان موفقاً في تنسيق بحثه تنسيقاً محكماً حتى كاد يبدو تحفة في ذاته، وساعده جمال الطبع والورق والتجليد على زيادة بهائه ورونقه، وقد يهم القارئ أن يعرف إن المؤلف لم يترك كتاباً قرأه في ذلك البحث إلا وذكره ضمن مراجعه، كما ذيل الكتاب بتراحم أهم الأسماء الواردة في الكتاب وكذلك ذيله بلوحات فوتوغرافية غاية في الإتقان لإيضاح ما تكلم عنه
ولسنا وحدنا الذين نثني على حضرة الدكتور زكي محمد حسن وعلى عمله وجهده هذا، ولا عيب عليه سوى أن يتركك بعد قراءة هذا الكتاب، أو قل دراسته، تتلهف لقراءة المطولات من كتبه.