مجلة الرسالة/العدد 137/البريد الأدبي
→ القفاز | مجلة الرسالة - العدد 137 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
الكتب ← |
بتاريخ: 17 - 02 - 1936 |
كتاب لزعيم الاشتراكية الفرنسية
منذ بضعة اشهر توفي الفريد دريفوس الضابط اليهودي الفرنسي وبطل القضية الشهيرة التي هزت فرنسا منذ ثلاثين عاماً وكادت تدفعها إلى غمر الحرب الأهلية؛ وقد صدرت عن هذه المأساة القضائية الشهيرة أثناء وقوعها وبعد عشرات من الكتب بمختلف اللغات، وصدرت بمناسبة وفاة بطلها عدة كتب ورسائل جديدة؛ ومن ذلك كتاب صدر أخيراً بقلم الزعيم الاشتراكي الفرنسي ليون بلوم وعنوانه (ذكريات عن القضية) ' أعني قضية دريفوس؛ ومسيو بلوم رئيس الحزب الاشتراكي الفرنسي، وله ولحزبه مكانة قوية في الحياة السياسية والبرلمانية الفرنسية؛ وقد كان لموقفه أثر فعال في التطورات السياسية الأخيرة وفي سقوط وزارة مسيو لافال، ومسيو بلوم فضلاً عن كونه سياسياً وخطيباً كبيراً؛ كاتب كبير أيضاً، وهو يتولى تحرير المقالات السياسية في جريدة (بوبولير) الاشتراكية، وله فيها جولات رنانة، وقد كان مسيو بلوم وقت وقوع مأساة دريفوس فتى في عنفوانه ولكنه كان قد شق طريقه السياسي، وخاض غمار الحوادث السياسية والحزبية التي أثارتها القضية الشهيرة؛ ونحن نعرف الآثار السياسية والاجتماعية والعقلية العميقة التي أحدثها النضال ببين أنصار دريفوس وبين خصومه، وكيف انشطرت الحياة العقلية الفرنسية يومئذ إلى شطرين: أحدهما يتجه إلى تأييد ما يسميه (الحقيقة والعدالة) بتأييد دريفوس، والآخر يتجه إلى تأييد النزعات القومية والعسكرية المغرقة التي أثارت هذه المأساة الشهيرة، ويصور مسيو بلوم في كتابه هذه الحوادث والتطورات تصويراً قوياً، ويشرح لنا البواعث النفسية والعقلية التي كانت تدفع أنصار دريفوس إلى العمل لنصرته وتبرئته، فهؤلاء كما يقول مسيو بلوم كانت تربطهم عواطف قوية هي الثقة في (قوة الحقيقة)، وتدفعهم حماسة مضطرمة إلى ما فوق أنفسهم، ويرى مسيو بلوم شبهاً قوياً بين حادث انهيار شركة بناما ومأساة دريفوس وهي أعظم حوادث هذا العصر، وبين نكبة استافسكي الأخيرة وما تلاها من الحوادث الدموية في فبراير سنة 1934؛ فقد كان من ورائها العسكريون والوطنيون دائماً يثأرون لهزيمتهم في انتخابات سنة 1932؛ وقد كانت دسائس العسكريين والوطنيين مثار قضية دريفوس، والخلاصة أن مسيو بلوم يقدم إلينا في أثواب اشتراكية واضحة، فإنه مع ذلك يسبغ عليها بقلمه وبيانه كثيراً من الأناقة والطرافة. وكتابه جدير باهتمام أولئك الذين تذكي خيالهم وتشجيعهم حوادث المأساة الشهيرة.
وفاة مؤرخ وصحفي كبير
نعت إلينا الأنباء الأخيرة مؤرخاً وصحفياً فرنسياً كبيراً هو فرنسوا جاك بانفيل؛ توفي في نحو الخمسين من عمره، وفي ذروة حياته الأدبية وكان بانفيل كاتباً وصحفياً كبيراً، يحرر القسم السياسي في جريدة (لاكسيون فرانسيز) لسان الحركة الملوكية بفرنسا وكانت مقالاته وبحوثه يطبعها دائماً نفس الطابع الذي عرفت به هذه الجريدة المجاهدة والذي يسبغه عليها كتاب عظام ملكيون مثل شارل موراس وبانفيل. بيد أن بانفيل كان يحرر في صحف أخرى مثل (بتى بريزيان) و (لاليبرتيه) ليس لها مثل هذا الطابع. ومع إن بانفيل كان صحفياً بارزاً يدفعه الغمار الصحفي دائماً إلى المعترك، فإنه لم ينس نزعته الحقيقية، وهي نزعة المؤرخ الذي ينظر إلى الحوادث بروح علمي مستقل؛ وقد ترك لنا عدة كتب تاريخية تشهد ببراعته النقدية وحسن تقديره للحوادث والأشخاص منها تاريخ لفرنسا، وتاريخ للجمهورية الثالثة، ومنها تاريخ لألمانيا المعاصرة حتى قيام هتلر، وتاريخ للطغاة المعاصرين مثل ستالين وموسوليني وغيرها؛ وتمتاز كتبه وبحوثه بقوة التصوير، وسلامة العرض، والبحث العميق.
علم المثلثات والعرب
تعليق على مقال في مجلة نايتشر
في الشهر الماضي ظهر في مجلة نايتشر الإنكليزية مقال من قلم أدجر سمث تناول فيه البحث عن نوابغ العلماء والأدباء الذين ولدوا في الأعوام 1536، 1636، 1737، 1836 بمناسبة حلول العام الميلادي الجديد 1936، وقد جاء في هذا المقال أن ريجيو مونتانوس كان من أعظم رياضي زمانه، ومن رجالات العلم البارزين في عصره، وإنه كان أيضاً موضع إعجاب وتقدير من ذوي السلطات الزمنية والروحية، وإليه يرجع الفضل في نقل بعض علوم اليونان والمسلمين إلى الغرب، وفي تعريف الأوربيين إليها - كل هذا صحيح لا سبيل إلى نكرانه ولا يختلف فيه باحثان. . . ولكن هناك شيئاً واحداً أحببت التعليق عليه وهو القول: (بأن ريجيو مونتانوس ألف في الرياضيات وأن كتاب المثلثات هو أول ثمرة من ثمار ريجيو مونتانوس، ومجهوداته في المثلثات على نوعيها المستوية الكروية، كما أنه أول كتاب بحث فيها بصورة منظمة علمية. . .)
اختلف العلماء في محتويات كتاب الذي وضعه ريجيو مونتانوس، وفي نسبتها إليه، فبعضهم يدعى أن كل محتويات الكتاب هي من وضع ريجيو مونتانوس وأنه لم يستعن في ذلك بأحد، وبعضهم يقول بخلاف ذلك، وبقي هذا الاختلاف زمنا طويلاً إلى أن ثبت حديثاً أن ريجيو مونتانوس أعتمد في بحوثه في هذا الكتاب على مؤلفات العرب والمسلمين. ولا عجب في هذا فإليهم يرجع الفضل الأكبر في وضع كثير من نظريات علم المثلثات وموضوعاته، وإليهم لا إلى غيرهم يرجع الفضل أيضاً في تقدمه ورقيه، ولولاهم لما وصل الغربيون فيه إلى ما وصلوا إليه
وينقسم كتاب ريجيو مونتانوس إلى خمسة فصول كبيرة منها ما يبحث في المثلثات المستوية، ومنها ما يبحث في المثلثات الكروية، وقد ثبت لدى الباحثين أن الأصول التي اتبعها ريجيو في الفصل الخامس هي بعينها الأصول التي اتبعها العرب في الموضوع نفسه في القرن الرابع للهجرة - هذا ما توصل إليه العالم المحقق التركي صالح زكي بعد دراسة مؤلفات ريجيو مونتانوس وأبي الوفاء اليوزجاني، ومما يزيد المرء اعتقاداً بهذا كله اعتراف كاجوري بأن هناك أموراً كثيرة وبحوثاً عديدة في علم المثلثات كانت منسوبة إلى ريجيو مونتانوس ثم ثبت حديثاً أنها من وضع المسلمين والعرب، ويوجد غير كاجوري أمثال سمث وسارطون وسيديو وغيرهم من اعترف بأن بعضاً من النظريات والبحوث نسبت في أول الأمر إلى ريجيو مونتانوس وغيره ثم ظهر بعد الاستقصاء خلاف ذلك.
نابلس
قدري حافظ طوقان
كتاب جديد لبول موران
بول موران من أعظم كتاب فرنسا المعاصرين، وهو بلا ريب أحدثهم نزعة، وأوفرهم طرافة؛ وربما كان ذلك يرجع إلى تكوينه وظروف حياته؛ فقد درس في باريس، وأكسفورد، وأدنبورج، ودرس الأدب والقانون، وهيأت له حياته كموظف في السلك السياسي فرصة واسعة للسياحة والدرس؛ واتخذت أشعاره وقصصه الأولى أحدث طابع؛ وظهرت كتبه الأولى ومنها مجموعة القصص المسماة (مفتوح بالليل) و (مغلق بالليل) فكانت تحفا بديعة جديدة في الأدب الفرنسي؛ وأشد ما تبدو قوة بول موران وطرافته في تصوير حياة المدينة، وقد اشتهر بكتابيه عن لندن ونيويورك حيث يصور فيهما الحياة الظاهرة والخفية في تينك العاصمتين الكبيرتين أقوى تصوير وأبدعه؛ وبول موران سائح لا تخمد له رغبة أو هوى، يضرب في أنحاء العواصم الكبرى وينفذ إلى أعماقها وخفاياها، وقد أصدر أخيراً كتاباً عن عاصمة جديدة هي (بوخارست) وذلك بعد أن أقام في رومانيا ردحاً من الزمن؛ وعنوان الكتاب الجديد لا يثير لأول وهلة اهتماماً كبيراً لأن بوخارست ليست من العواصم الكبرى ذات الشهرة الرنانة، ولكن بول موران يسبغ عليها بكتابه سحراً وروعة؛ وهو يرى أن يثير بهذه المناسبة ذكرى بيزنطية وذكرى روسيا القيصرية؛ بيد أنه يتناول المدينة الحديثة وحياتها. ويرى فيها مفترق المدنية الأوربية، وبدء انسيابها إلى الحياة الآسيوية؛ ويصف المجتمع الروماني وخلاله، وميله إلى الطرب والاستهتار، وما يمتاز به من الدعابة والنكتة؛ ثم يصف مجتمع الريف في صور ساحرة، ويرى في خلاله وعاداته طرافة ليست لمجتمع المدينة؛ ويخصص موران فصولاً ونبذاً عديدة لحياة (النور) الذين يكثرون في رومانيا وخلالهم وفنونهم، ويقدم إلينا عن مختلف طبقات الشعب الروماني كثيراً من المعلومات والحقائق المفيدة الطريفة معاً
وبول موران لا يجاوز اليوم الثامنة والأربعين من عمره، ومع ذلك فهو يتبوأ منذ أعوام طويلة المقام الأول في ثبت الكتاب المحدثين
ذكرى مخترع القاطرة
احتفل أخيراً في إنكلترا بالذكرى المئوية الثانية لمولد جيمس وات مخترع القاطرة البخارية، واتخذ الاحتفال صيغة رسمية، فأقيمت صلاة على روحه في (وستمنسترابي)، ورفع الستار عن لوحة تذكارية أقيمت في بلدته (جرنيوك) من أعمال اسكتلندة، ونثرت زهور كثيرة على أثره التذكاري ببلدة برمنجهام أعظم مصنع لصناعة القاطرات في إنكلترا؛ وأقيم في لندن معرض علمي عرضت فيه نماذج من الآلات والقاطرات البخارية منذ اختراعها إلى اليوم؛ وقد خصص المعهد الميكانيكي الإنكليزي بهذه المناسبة جائزة تعطى لمن يقوم بأفضل اختراع في ميدان الهندسة الميكانيكية، سواء في إنكلترا أو في غيرها من البلاد
وقصة وات شهيرة في تاريخ الاختراع، فقد ولد في سنة 1736 وكان طفلاً سقيماً فلم يتلق تربيته قبل الثالثة عشرة؛ ودرس الهندسة العملية، واشترك في أعمال وتجارب هندسية خطيرة؛ وفي سنة 1764 توصل إلى الوقوف على سر البخار كقوة محركة، وذلك أثناء إصلاحه آلة بخارية وضع تصميمها جون نيوكمن؛ وفي العام التالي استطاع أن يصنع جهازاً لحفظ قوة البخار، ثم وضع تصميماً لآلة بخارية جديدة صنعت في معامل سوهو بالقرب من برمنجهام، وكان هذا مولد القاطرة الحديثة.