مجلة الرسالة/العدد 133/الكتب
→ النقد | مجلة الرسالة - العدد 133 الكتب [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 20 - 01 - 1936 |
1 - الجامع المختصر في عنوان التواريخ وعيون السير:
لابن الساعي
2 - الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابعة:
لابن الفوطي
للأستاذ محمد بك كرد علي
- 1 -
كتبت في مجلة المقتبس (م 3ص 93 - 1326 - 1908) مبحثا لفت فيه أنظار المشتغلين بالتاريخ إلى جزء من (الجامع المختصر في عنوان التواريخ وعيون السير) لابن الساعي البغدادي (674) كان عثر عليه العلامة احمد تيمور باشا في دشت وضمه إلى خزانته رحمه الله. واليوم نشر الأستاذ مصطفى جواد بمعونة الأب انستاس ماري الكرملي هذا الجزء بعينه وهو التاسع من كتاب طويل. وللمؤلف اكثر من ثلاثين تأليفاً منها ما يدخل في بضعة مجلدات، وأكثرها في التاريخ والتراجم، ساعده على الاستكثار من التأليف كونه كان خازن كتب المدرسة المستنصرية ببغداد، إلى ما خص به من الدؤوب وثقوب الذهن ووفرة العلم. ولابن الساعي وهو على بن أنجب كتاب صغير طبع في المطبعة الأميرية بمصر 1309 وهو مختصر أخبار الخلفاء، يبدأ بظهور الدولة العباسية وينتهي بانقضائها.
وفي هذا الجزء التاسع من الجامع المختصر حوادث سنة 595 إلى 606 هـ يذكر فيها مجملة تم يترحم لمن ماتوا في تلك السنة من الأعلام، وفيه كثير من الفوائد التاريخية. ومعلوم عند الباحثين أن هذا العصر أحط عصور بني العباس، ولا ندري كيف يثبت ناشر الكتاب أن (العصر الذي تناول حوادثه هذا التاريخ من أزهر عصور بني العباس وأعظمها قوة ونظاماً)، وعصر الناصر على غلو المؤرخين من الشيعة فيه - لأنه تشيع - كان في الواقع عصر تراجع سلطان العباسيين، فاكتفوا ممن سلبوهم حكم بلادهم بالسكة والخطبة، وما كان يخطر ببالهم أن يتكرموا به على الخليفة من إتاوة، والخلفاء يكيلون لكل متغلب م شاء الله من الألقاب ويطلقون على أحد العلماء (ص234): (الأجل السيد الأوحد العالم ضياء الدين شمس الإسلام رضى الدولة عز الشريعة علم الهدى رئيس الفريقين تاج العلماء. . .) ويكتبون عن أنفسهم: (المواقف الشريفة المقدسة النبوية الأمامية الطاهرة الزكية المعظمة المكرمة الممجدة الناصرة لدين الله تعالى. . .).
وفي الكتاب تراجم بعض المشاهير في تلك الحقبة وعهود وتقاليد صدرت عن خليفة الوقت بأقلام المنشئين في ديوانه. وقد وقعت للناشر هفوات لغوية وتحريف بعض آيات الكتاب العزيز منها (ص 196) (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك الظالمون). وغلط (ص87) بأن حرف الآية هكذا (الذين كفروا بعضهم أولياء بعض) وصحة الآية الكريمة (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) إلى غير ذلك.
- 2 -
طبع الجامع المختصر في بغداد وقبله طبع فيها كتاب الحوادث الجامعة لابن الفوطي (بالفاء) البغدادي المتوفى سنة 723 بدأه بحوادث سنة 626 وانتهى بأخبار سنة 700. وللمؤلف يد طولى في التاريخ ووقوف تام على سياسة عصره، وأورد في تاريخه الممتع من الحوادث ما كملت به سلسلة التاريخ في العراق على عهد الانحطاط العباسي. ومن أهم فصول الكتاب وصف المؤلف فاجعة هولاكو التتري سنة 656 وقضاءه على الخليفة المستعصم وعلى جميع آل العباس مع ذراريهم وحرمهم وتخريبه بغداد ووضعه السيف في أهلها. وقد قدر القتلى منهم بأكثر من ثمانمائة ألف في بغداد فقط (عدا من ألقي من الأطفال في الوحول، أو من هلك في القنى والآبار وسراديب الموتى جوعا وخوفاً) (واحرق معظم البلد وجامع الخليفة وما يجاوره واستولى الخراب على البلد) وصف ذلك وصفاً ممتعاً لا إفراط فيه ولا تفريط وقد ساعد المؤلف على هذا التوسع والتبسط في الحوادث التي عرض لها أنه كان كأستاذه ابن الساعي أيضاً خازن كتب المدرسة المستنصرية. وذكر في حوادث سنة 631 ترجمة محمد بن يحيى بن فضلان، وفتح المدرسة المستنصرية، وأبن فضلان هذا كان من العلماء درس في النظامية والمستنصرية (وولى النظر بديوان الجوالي - أي جزية أهل الذمة. حكى عنه انه كتب للخليفة الناصر لدين الله لما كان يتولى ديوان الجوالي رقعة طويلة يقول فيها إن أجرة سكنى أهل الذمة في دار السلام والارتفاق بمرافقها لا يتقدر في الشرع بمقدار معين، في طرف الزيادة، ويتقدر في طرف النقصان بدينار؛ وطلب إلى الخليفة أن يتضاعف على كل شخص منهم ما يؤخذ منه. وقال انهم ضروب وأقسام، منهم من هو في خدمة الديوان وله المعيشة السنية غير بركة يده الممتدة إلى أموال السلطان والرعية من الرشا والبراطيل؛ ولعل الواحد منهم ينفق في يومه القدر المأخوذ منه في السنة؛ هذا مع ما لهم من الحرية الزائدة والجاه القاطع والترقي على رقاب خواص المسلمين. . . ثم ليس لهم في بلد من الحرمة والجاه والمكانة ما لهم في مدينة السلام، فلو تضاعف المأخوذ منهم مهما تضاعف كان لهم الربح الكثير؛ ومنهم الأطباء أصحاب المكاسب الجزيلة بترددهم إلى منازل الأعيان وأرباب الأموال ودخولهم على المتوجهين في الدولة؛ والناس يتحملون فيما يعطون الطبيب زائداً على القدر المستحق، وهو أمر من قبل المروءات، فلا ينفكون عن الخلع السنية والدنانير الكثيرة، والطرف في الموسم والفصول، مع ما يخطئون في المعالجات ويفسدون الأمزجة والأبدان، ويخرج الصبي منهم ولم يقرأ غير عشر مسائل حنين، وخمس قوائم من تذكرة الكحالين، وقد تقمص ولبس العمامة الكبيرة، وجلس في مقاعد الأسواق والشوارع على دكة حتى يعرف، وبيديه المكحلة والملحدان، يؤذي هذا في بدنه، ويجرب على ذا في عينه؛ فيفتك من أول النهار إلى منزله ومكحلته مملوءة قراضة، فإذا عرف بقعوده على الدكة وصار له الزبون قام يدور، ويدخل الدور. ثم ذكر أصناف الحرف التي كان يحترفها أهل الذمة في ذاك العهد ويغشون فيها. وهذه الرقعة أو التقرير على ما يلمح فيه من التعصب يحمل حقائق من وصف المجتمع البغدادي في القرن السابع. وهذا التاريخ مجموعة حوادث وأفكار مهمة جداً. وقد قدم له العلامة رضا الشبيبي من علماء العراق مقدمة ذكر فوائده؛ ونظر فيه وعلق عليه الأستاذ مصطفى جواد.
محمد كرد علي