مجلة الرسالة/العدد 133/البريد الأدبي
→ القصص | مجلة الرسالة - العدد 133 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
النقد ← |
بتاريخ: 20 - 01 - 1936 |
الأدب قبل هوميروس
يقدرون أن هوميروس عميد الشعر اليوناني وصاحب الإلياذة الشهيرة قد عاش قبل المسيح بنحو ألف عام؛ والمعروف أن هيرودوت (أو هرشيوش) أبا التاريخ قد عاش في القرن الخامس قبل الميلاد؛ ولكن انتهى إلينا نص كامل من الإلياذة، وانتهى إلينا نص كامل لتاريخ هيرودوت مع أن الأثرين الخالدين وضعا في عصور لم تعرف الكتب، فكيف كانت حال الأدب والتاريخ، وكيف كانت تتناقل الآثار الأدبية في هاتيك العصور؟ كانت الرواية السماعية ولا ريب هي أنجع الوسائل لتوارث التفكير والأدب، وأن كانت الآثار والنقوش والكتابات البردية أيضاً من وسائل تدوينها، وهذا ما تناوله العلامة الإنكليزي الأستاذ طومسون في كتاب ظهر حديثاً عنوانه (فن الرواية) وكلمه (لوجوس) رومية معناها (ما يقال) والأستاذ طومسون حجة الأدب اليوناني القديم، وهو يتناول في بحثه العلمي القيم فن الرواية في عصور ما قبل التاريخ وكيف كان هذا الفن يشمل التاريخ والشعر والقصص، وكيف أنها جميعاً تكاد تمتزج بعضها ببعض ويعني الأستاذ طومسون بوجه خاص لتحليل رواية هيرودوت وما فيها من الحقائق التاريخية الخالدة؛ ثم يعني ببحث الأساطير اليونانية الكبرى وأصولها ومراميها، وأصل الإلياذة، والأوذيسة؛ وتأثير الرواية في تطور العقلية الشعبية خلال هذه العصور، كل ذلك بأسلوب علمي محقق، ممتع في وقت معاً
وما يتناوله الأستاذ طومسون في كتابه هو نفس الحالة التي كان عليها الأدب العربي قبل الإسلام، فالشعر الجاهلي الذي ورثه الأدب الإسلامي، ووقائع العرب وايامها، وما يتخلل ذلك كله من القصص والأساطير، والمنثور والمنظوم، إنما انتقل خلال العصور بالرواية والسماع؛ وقد كانت الرواية في الجزيرة العربية بلا ريب أقوى وأنفذ، وكان أثرها بلا ريب أقوى في تكوين الأدب الجاهلي؛ وتقدم إلينا كتب الأدب الكبرى مثل الأغاني، والعقد الفريد صوراً بديعة مما كان عليه أدب الرواية في عصور قد ترجع إلى ما قبل الإسلام عدة قرون.
من كنوز البردي المصرية
يذكر القراء تلك الضجة التي قامت منذ أشهر حول تسرب الآثار المصرية القديمة خارج القطر ومنها مجموعات ثمينة من أوراق البردي التي ترجع إلى العصر الروماني؛ وقد ظهرت فداحة الخسارة الأثرية والعلمية التي أصيبت بها مصر من جراء تسرب آثارها على هذا النحو في حادثين: الأول ظهور مجموعة ثمينة من أوراق البردي المصرية في برلين، وهي بإقرار الخبراء أثمن مجموعة من نوعها لأنها تحتوي على نصوص عدة كتب كاملة من كتب ماني الفيلسوف الفارسي وصاحب المذهب المشهور؛ والثاني ظهور بعض قطع وشذور من أقدم إنجيل معروف، وقد كتب باليونانية على ورق البردي الذي تسرب من مصر أيضاً.
وقد اقتنت مكتبات رايلاندس الإنكليزية الشهيرة بمنشستر طائفة من هذه الأوراق الثمينة منذ أعوام، وبدأت بنشرها، فأصدرت مجلداً يحتوي على نصوص طائفة من أوراق البردي المصرية منذ العصر اليوناني؛ وأصدرت أخيراً مجلداً جديداً يحتوي على نصوص طائفة من أوراق البردي المصرية منذ العصر الروماني؛ وأهمية هذا الجزء الأخير هي أنه يحتوي على مقتطفات من الإنجيل الرابع (إنجيل يوحنا) هي أقدم نصوص من نوعها؛ وهي باللغة اليونانية، ولكنها كتبت بمصر في عصر يقدره العلماء والخبراء بالنصف الأول من القرن الثاني للميلاد؛ وقد كان المظنون حتى اليوم أن إنجيل يوحنا يرجع إلى عصر متأخر نوعاً، يقدر بأواخر القرن الثاني؛ ولكن ظهور هذه القطع من إنجيله، وما اقترنت به من شواهد في الكتابة والحبر والهجاء تدل على أنها كتبت بمصر في عصر الإمبراطور هادريان، مما يحمل العلماء على تغير نظريتهم، والرجوع بإنجيل يوحنا إلى أوائل قرن الثاني أعنى إلى نحو سنة 120 م أما مجموعة برلين من أوراق البردي المصرية التي تحتوي على كتب ماني الفيلسوف فيجري بحثها اليوم بمعرفة العلماء الأخصائيين تمهيداً لنشرها والتعريف عنها وهكذا يتسرب تراثنا الأثري والعلمي على هذا النحو، ونحن شهود نرمق هذه الاختلاسات المتوالية باسم العلم والبحث.
مذكرات صحافي شهير
هنري نفنتون من أشهر الصحافيين الإنكليز الذين جابوا أنحاء العالم وشهدوا عظائم الحوادث في مختلف الأقطار والمناسبات، وقد عرف خلال حياته الطويلة الحافلة مختلف الشخصيات في ميادين الحرب والسياسة والأعمال؛ واتصل بالعظماء والأقوياء وزعماء الثورات، وتجار الرقيق وبالشعراء والأدباء، والقتلة واللصوص؛ وشهد بنفسه كثيراً من الحوادث والانقلابات التي وقعت في أنحاء العالم منذ أواخر القرن الماضي؛ ففي سنة 1897 شهد الثورة اليونانية في كريت ضد الترك، ودرس الفظائع التركية في البلقان كما درس تجارة الرقيق في أفريقية وشهد في سنة 1905 مؤتمر الشباب الروسي لإلغاء عقوبة الإعدام، ورأى فلول الجيش الروسي المنهزم أمام اليابان؛ وعرف تولوستوي وتحدث إليه في منزله الريفي فذكر له إن ما يراه ليس ثورة وليس انقلابا، ولكنه يرى خاتمة عهد مضى؛ وشهد في سنة 1907 جهود آني بيزانت ودعايتها في الهند؛ وتجول في ميادين الحرب أثناء الحرب الكبرى، وشهد وقائع الدردنيل، وانسحاب الإنكليز من غاليبولي؛ ثم شهد بعد ذلك الثورة الإرلندية الوطنية، ومؤتمرات الصلح، وشهد احتلال الجنود السود لمناطق الرور في ألمانيا سنة 1923، وتجول في بيت المقدس وبغداد، وكتب عن دراساته ومشاهداته مقالات ومذكرات لا نهاية لها.
وقد اخرج مستر نفنتون أخيراً كتاباً ضخماً ضمنه كل هذه المشاهدات والدراسات بعنوان (نار الحياة)؛ وكتبه بأسلوب قوي شائق يمتزج فيه صدق المؤرخ وخيال القصصي، ويمتاز الكتاب بما يطبعه من روح إنساني قوي؛ ذلك إن مستر نفنتون رجل يضطرم فؤاده إنسانية ورحمة، ويجيش ذهنه بأشرف المثل فهو يطري الثورات الوطنية أنى وقعت، ويحمل على سياسة العنف والغصب أياً كانت، وينوه بالحقوق حيثما استحقت، ويندد بكل ما فيه قسوة أو تحامل، وينصر المثل السليمة والإنسانية أياً كان مصدرها، ويعتبر كتابه سجلاً بديعاً لحوادث نصف القرن الماضي.
الإذاعة المدرسية
كان يوم الاثنين الماضي بدء الإذاعة المدرسية التي شرعتها وزارة المعارف في عهد سعادة وزيرها الحالي - لفائدة تلاميذ المدارس. والمشروع جليل يستحق الاحتفال والثناء والشكر لوزير المعارف وكانت أولى المحاضرات بعد كلمة سعادة وزير المعارف في مفتتح الإذاعة، كلمة الأستاذ مهدي علام في: (عتاب بين الأدب العربي والإنجليزي!) ماذا يوحي هذا العنوان؟ أما عندنا، فكنا ننتظر أن نسمع حواراً بديعاً طريفاً بين العربية وأختها، وما اكثر ما يقتضي العتاب بين اللغتين! ولكنا. . . ولكنا لم نسمع إلا قطعتين من نماذج العتاب في الأدبين، نشرهما المحاضر من محفوظاته، ثم ربط بينهما بهذا العنوان. . .!
قد يكون اختياره حسناً، ولكن لغة الكتابة غير لغة الإذاعة، وهذا مشروع جديد في وسائل التربية، فما كان أحوجه إلى الجديد من أقلام أهل التربية. . .!
ثم جاء دور المدارس الابتدائية، فأرهفنا السمع على شوق وأمل. . . وكانت تلاوة شعرية في (عمرية حافظ)، وعمرية حافظ لون من الشعر التاريخي، حبيبة إلى نفوسنا، يسرنا ويرضينا كل الرضى أن يفهمها ويعيها أولادنا؛ ولكن هل كانت الإذاعة المدرسية من أجل ذاك؟ فماذا يعمل مدرس المحفوظات. . .! وهنا أيضاً كما هناك، كان أدب ولغة، وخطابة وشعر؛ ولكن للكتاب لا للمذياع. . .!
واسألوا التلاميذ بعد ذلك ماذا سمعوا مما كانوا يترقبون أن يسمعوا؟
إن مئات من المدرسين في الوزارة يحسنون التحدث إلى التلاميذ بأحسن مما سمعوا يوم الاثنين؛ لا لأنهم خير من الذين أذاعوا، أو أفهم لروح الطفل؛ ولكن لأنهم قد يكونون أقدر على خلع شخصياتهم حين يتحدثون إلى الطفل.
ما نريد من هذه الإذاعة أن نجتلي علم فلان وفلان فما نشك في ذاك، وإنما نريد أن نعرف كيف يتجاهل العلماء حين يريدون الحديث مع هؤلاء العقول الصغيرة الفارغة، حتى يعيش الأطفال في دنياهم على حقيقتها.
إن في الأدب القديم وفي الأدب الجديد كثيراً مما يروق التلاميذ صغاراً وكباراً أن يسمعوه، أكثر مما يروقهم أن يقرءوه، وما نرى التلاميذ يؤثرون أن يسمعوا شيئاً أكثر مما يؤثرون القصص. وفي ثنايا القصص يقال كل شئ؛ وهذا رأي لا نحسبه غريباً عن المكتب الفني في وزارة المعارف، وإن كان غريباً عن هذه الإذاعة المدرسية.
وللمعلمين أيضاً إذاعة كما للتلاميذ، وكانت الإذاعة لهم (في الخاتمة) محاضرة قيمة في شؤون التربية والتعليم، ألقاها الأستاذ أمين مرسي قنديل. وليس في المحاضرة مما ينقد إلا شيئاً واحداً، هو أن أستاذاً في التربية يحاضر المعلمين عامة في القطر ثم لا يصحح نطق الجمل ولا إعراب الكلام.
يا معلمينا الأجلاء. افهموا تلاميذكم قبل أن تحاولوا تفهيمهم. . .!
معلم أشعة الإخفاء
من أنباء بودابست أن كيميائياً مجرياً فتي يدعى ستيفان بربيل أذاع أنه قد اكتشف نوعاً جديداً من الأشعة يخفي الأشياء إذا سلطها عليها، وأنه اخترع في نفس الوقت مادة تحول دون اختفاء الأشياء إذا سلطت عليها هذه الأشعة؛ وإنها إذا سلطت أخيراً على باب أو جدار أمكن رؤية ما وراءه. وقد أثارت هذه الدعوى في المجر دهشة واهتماماً عظيمين، ولكن المخترع الشاب لم يجد كالعادة ما يطمح إليه من التشجيع الجدي؛ ولذلك يمم شطر لندن ليقوم هنالك بعرض اختراعه، وقد صرح إلى الصحف الإنكليزية بأن الأشعة التي اخترعها إذا سلطت على سيارة اختفت في الحال عن الأنظار؛ وأنها إذا سلطت على غرفة تضم عدة أشخاص، فأن أولئك الأشخاص يتوارون عن العيان ولا يبدو منهم سوى أشباح كالظل؛ وهنالك أشياء عجيبة أخرى يحققها هذا الاختراع المدهش، فمثلا يمكن استعمال هذه الأشعة في المسرح وفي السينما، فتأتي بنتائج عجيبة في تسهيل المناظر وتغييرها
ومع أن ماهية هذا الاختراع لم تثبت بصفة قاطعة، فإنه يذكرنا بأي حال بما نقرأه في كتب القصص القديمة من طلاسم كانت تستعمل للاختفاء عن الأنظار، وليس بعيداً بعد الذي نشاهده اليوم من أعاجيب العلم أن يتحقق اختراع الفتى المجري وغيره من الأمور التي كانت تبدو فيما مضى مستحيلة، فإذا هي اليوم موضع المحاولة والبحث الجدي.
زينة المرأة الحديثة
هل يسير الجمال النسوي بما تختاره المرأة اليوم لنفسها من صنوف الزينة والتجميل إلى الكمال؟ أم أن المرأة أسرفت في الالتجاء إلى الصناعة حتى أصابت من جمالها الطبيعي؟ يقول الأستاذ أولان دي لو رئيس قسم الفنون الجميلة بأكاديمية بروكسل في محاضرة له عن (أحوال الجمال في عصرنا) إن المرأة الحديثة تؤذي نفسها وجمالها ومن حيث لا تريد، وإنها تبدو اليوم شاحبة سقيمة، وأن الأصباغ والمساحيق المختلفة تجعل من وجهها (قناعاً من الورق المقوى). أما تجميل الأظافر واحمرارها فمما يجعل المرأة الأنيقة تبدو كأنها وصيفة أو طاهية عاطلة.
بيد أنه يلاحظ من جهة أخرى أن الحكم المطلق على وسائل التجميل والزينة فيه تحامل على المرأة، فمما لا ريب فيه أن المرأة في حاجة إلى التجميل، فقد نستطيع مثلا بالقلم الأسود أن نصحح عيباً في الحاجب، وليست وسائل التجميل كلها مغرقة أو مضحكة، والمرأة الفنانة ذات الذوق الحسن تستطيع أن تسبغ على وجهها من حسن الصنعة جمالا لم تمنحه إياها الطبيعة، وفي وسعها أن تعتدل في استعمال الدهان أو التلوين؛ أما الحكم فيجب أن ينصب على التجميل المفرق وعلى الإسراف في وسائله؛ والزينة هي بلا ريب ضرورة للمرأة الحسناء لا تستطيع عنها غنى، كما أنها لا تستطيع دون إضرار بجمالها وذاتها أن تهمل في زينة ثوبها أو شعرها أو قبعتها؛ ولو أن النساء الأنيقات عملن بنصح الأستاذ أولان وتركن ما يلجأن إليه من وسائل الزينة لفقدن كثيراً من أناقتهن وجمالهن.