الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 132/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 132/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 132
البريد الأدبي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 13 - 01 - 1936


ترجمة لكير هاردي

منذ أكثر من قرنين يتناوب الحكم في بريطانيا العظمى حزبان عظيمان هما المحافظين وحزب الأحرار؛ ولكل من الحزبين في ميدان الكفاح السياسي مواقف وتقاليد عريقة؛ ولكن حزباً ثالثاً ظهر فجأة في ميدان السياسة الإنكليزية هو حزب العمال؛ وكان ظهوره إيذاناً بوقوع الثورة الاجتماعية التي لبثت أسبابها تجتمع طوال القرن التاسع عشر؛ وظهر حزب العمال ونما بسرعة مدهشة، ولم يمض على قيامه نحو ثلاثين عاماً حتى استطاع أن ينتزع مقاليد الحكم من الحزبين القديمين الكبيرين (سنة 1942)، ثم تولاها مرة أخرى في سنة 1929

وقد كان كير هاردي من أقطاب مؤسسي هذا الحزب الجديد ومن أعظم الزعماء الذين أمدوه بأسباب الحياة والقوة؛ وحياة هذا الزعيم المجاهد هي موضوع مؤلف جديد صدر أخيراً بالإنكليزية بقلم هاملتون فايف، وهي مثل رائع من صور الكفاح الخالد بين الطبقات. كان كير هاردي عاملاً منذ نعومة أظفاره، وقد نشأ في بيت فقر وبؤس، وذاق مرارة الكفاح الشاق منذ طفولته، ولم يتلق تعليماً ولا ثقافة، ولكنه تعلم القراءة في منزله، وصقل ذهنه بالدرس المتواضع، ودرس الحياة بصورة عملية، وظهر في مجتمع العمال منذ حداثته، واشتهر بكفاحه في سبيل قضية العمال. وفي سنة 1892 أسس كير هاردي مع نفر من صحبه الحزب الذي قدر له أن يتبوأ بعد قليل مركزاً خطيراً في السياسة البريطانية وهو حزب العمال المستقل؛ وكان هو أول رئيس لهذا الحزب؛ وفي نفس العام دخل البرلمان نائباً عن إحدى المناطق الصناعية، وكان دخوله في هذا المجلس العريق في مظاهرة اشتهر ذكرها في هذا العصر؛ ولبث كيري هاردي يسهر على مصاير حزبه وعلى مصاير قضية العمال، ويبث روح الكفاح والقوة في الحزب الجديد، تارة بقلمه وتارة بخطبه، حتى أصبح حزب العمال قوة يخشى بأسها. وفي سنة 1906 كان لحزب العمال في مجلس النواب زهاء ثلاثين مقعداً؛ وبدأ الكفاح الحقيقي بينه وبين الأحرار والمحافظين، وبدأت الحكومات البريطانية المتعاقبة تحسب حسابه، وتنزل عند مض رغباته، وما زال سائرا في طريق الكفاح الاجتماعي حتى وصل إلى ما وصل إليه اليوم من القوة والنفوذ.

على أن الكفاح السياسي لبس أغرب صفحة في حياة كير هاردي، ولعل أغرب ما في هذه الحياة هو ما تميزت به حياة هذا المجاهد من بسالة ومقدرة على مغالبة الشقاء والفاقة، وما بذله من عزم وجلد. هنا تبدو حياة كير هاردي بديعة مؤثرة؛ ولعل أحدا من الناس لم يصف في هذه الحياة المؤثرة بقدر ما وصفها كير هاردي نفسه، فقد كتب كثيرا في متاعب هذه الحياة وشقائها. ومما يذكر أنه في صباه تأخر ذات يوم بعض الوقت عن عمله، فطرده صاحب العمل، وكان أبوه عاطلا وأخوه يعاني الحمى، ولم يكن لأسرته عائل غيره. وقد وصف لنا كير هاردي فيما بعد هذا المنظر المحزن فيما يأتي:

(لبثت مدى حين أتجول في الشوارع تحت وابل المطر المنهمل، خجلاً من أن أعود إلى بيت لا طعام فيه ولا وقود؛ وأسائل نفسي دهشا أليس أفضل شيء أن ألقي بنفسي في نهر (كلايد) وأنتهي من حياة كهذه ليس فيها ما يرغب؛ وأخيرا ذهبت إلى الدكان، وقابلت صاحبه وأوضحت له سبب تأخري، ولكني لم أظفر منه بطائل. ولم يدفع لي أجري؛ وإني لأرتجف الآن ويتفطر قلبي كلما ذكرت الحادث؛ ومازلت أرتد إليه وأرتد على أجنحة الخيال، وتصور أنه في نفس الليلة كان ثمة آلاف من التعساء يعانون مثل هذا العذاب؛ وهي فكرة لا يطيق الإنسان احتمالها).

ويصف لنا مستر هامستون فايف حياة كير هاردي المؤثرة في جميع أطوارها؛ وإنها لقصة مؤثرة مبكية من الكفاح في هذه الحياة الشاقة؛ ثم هي في نفس الوقت صورة رائعة من البسالة وقوة النفس، والصبر على المكاره، وعظمة البؤس التي تحمل على الاحترام والإكبار.

وكان كير هاردي صحفياً وكاتباً، وقد كتب كثيرا عن الاشتراكية وتحرير الطبقات العاملة، وتوفى في سنة 1915 دون الستين من عمره، بعد أن نفث في حزب العمال كثيراً من روحه القوى الوثاب.

وثائق هامة عن حياة زعيم مسلم

من أنباء موسكو أن بعض الباحثين في محفوظات الدولة قد عثروا أخيراً على طائفة من الوثائق والرسائل الهامة التي تلقى أقوى الضياء على سياسة القياصرة نحو مسلمي القوقاز في أواخر القرن الماضي، وعلى حياة شاميل الزعيم القوقازي المسلم الشهير، وعلى علاقات مسلمي القوقاز بإخوانهم في تركيا وبلاد العرب وفارس. ويرجع الفضل في اكتشاف هذه الوثائق إلى جهود المعهد الشرقي الروسي؛ وقد كتبت كلها في عصر شاميل واليه بالعربية؛ ومعظمها رسائل أصلية وجدت في بعض محفوظات تقليس وجروزني، وعددها خمس عشرة وثيقة؛ وينتظر أن تنشر بنصها الأصلي خلال انعقاد المؤتمر القادم للمباحث الشرقية.

وقد وجدت إلى جانب هذه الوثائق طائفة من المخطوطات والكتب الأدبية ترجع أيضا إلى عصر شاميل؛ ومنها مؤلف تاريخي وضعه الزعيم شاميل نفسه بالاشتراك مع صديقه وزميله محمد طاهر؛ وهو الآن في المعهد الشرقي قيد البحث والإعداد للنشر. واكتشاف هذه الوثائق والمؤلفات يعدل كثيراً من الوقائع والآراء التي جرت حتى اليوم في شأن علائق القوقاز المسلمة بحكومة القياصرة، وكفاحها ضد مظالمهم، والتي استقيت معظمها من أقوال ووثائق رسمية مغرضة، ويلقي في نفس الوقت ضياء كبيرا على حياة شاميل زعيم القوقاز المجاهد وعلى حسن بلائه في مقاومة سياسة القياصرة، وفي بث روح الوطنية والعزة القومية والدينية في بني وطنه ودينه.

حول كتاب (الإسلام الصحيح)

ألف هذا الكتاب الأستاذ إسعاف النشاشبي منذ أشهر، وكتب عنه في (الرسالة) الأستاذ محمد كرد علي منذ أشهر؛ ثم درجت عليه الأيام دون أن تتاح لنا الفرصة لقراءته؛ ومنذ أسابيع أخذت مجلة (العروبة) تنشر منه فقرات تتصل بالشيعة أخطأ التوفيق فيها المؤلف، فثار على الكتاب والكاتب النقد العنيف من النبطية والنجف، وعاتب بعض فضلاء الشيعة (الرسالة) على قبولها تقريظ هذا الكتاب. والرسالة التي تدعو إلى اتحاد الأمة العربية وائتلاف الملة الإسلامية تبرأ إلى الله من سوء النية فيما نشرت؛ إنما هو رأي أستاذ كبير في كتاب قرأه ولم تقرأه؛ وكل مقال تنشره بإمضاء كاتبه إنما تكون تبعته عليه لا عليها.

ضريح ابن الأثير في الموصل

يشغل ضريح العلامة ابن الأثير بقعة صغيرة من الأرض خارج الموصل على شارع الحزامية المؤدي إلى المستشفى الملكي؛ وقد راع بعض الأفاضل حاله السيئة ففكر في تشييد ضريح غيره يليق بشهرة صاحبه ومكانته في التاريخ العربي؛ وهو عمل جليل نرجو أن تساهم فيه إدارة الأوقاف وإدارة الآثار في العراق؛ فان من حق الذين أولونا الفضل في الحياة، أن نوليهم الإجلال في الموت.

الدكتور الرافعي

عاد من أوربا منذ قريب، الدكتور محمد الرافعي، نجل صديقنا الأديب الكبير الأستاذ مصطفى صادق الرافعي، بعد أن أتم دراسة الطب بجامعة ليون، وكان مبعوثاً إليها على نفقة جلالة الملك، تقديراً لنبوغه وكفايته.

وقد كان الدكتور الرافعي في دراسته، وفي رسالته لنيل الدكتوراه، وفي درجاته العلمية التي حصل عليها، مفخرة مصرية ودعاية ناطقة للشباب المصري في أوروبا.

وحسبه أن يعلن رئيس جامعة ليون في اجتماع لجنة القضاة المحكمين لمناقشة رسالة الدكتور الرافعي: أن هذه الرسالة تعتبر أماً لجميع الرسائل والكتب والمؤلفات التي وضعت في بابها من سنة 1910 إلى الآن، وأنها جاءت بالحل الأخير لمناقشات كادت لا تنتهي. وكان الدكتور الرافعي قد اكتشف مرضاً مما يصيب الأطفال لم يتنبه إليه أحد، ووضع له اسماً خاصاً به.

وقد منحته الجامعة درجة (جيد جداً)، مع (درجة تقدير القضاة)، و (مبادلة الرسالة لجميع الجامعات الأجنبية). وهي درجات رفيعة حقيقة منا بأن نتقدم إليه وإلى والده الكريم بالتهنئة فخورين معجبين.

بعض آراء الزملاء في الرسالة

لا تزال تنثال على (الرسالة) تهنئات الأصدقاء من مصر وسائر الأقطار العربية على دخولها في عامها الرابع؛ وهي تشكر لهم هذا العطف الجميل، وترجو أن تظل من توفيق الله على الحال التي يرتضيها الحق والجمال والخير؛ ثم تثبت هنا بعض آراء الزملاء الفضلاء فيها تسجيلا للوفاء منهم وللشكر منها:

قالت الجهاد الغراء في عددها الصادر في 8 يناير سنة 1936:

دخلت زميلتنا (الرسالة) الغراء في عامها الرابع، فحق لصاحبها الأديب الضليع الأستاذ أحمد حسن الزيات أن يغتبط بما أصاب في رسالته من نجاح، وما كتب لجهوده الصادقة من توفيق ونحن إذ نقول التوفيق لا نشير فقط إلى ما لقيت (الرسالة) من ذيوع في مصر وفي سائر الأقطار العربية، وإنما نشير إلى السبيل التي سلكها الأستاذ الزيات بمجلته، حتى بلغ بها هذا النجاح الذي يغتبط به كل ذي غيرة على الأدب العربي، فهو لم يسلك إلى النجاح واجتذاب الجمهور تلك السبيل الممهدة الرخيصة وهي النزول إلى مستوى العامة واقتناص الربح منهم بأرخص المغريات، ولكنه تطلع في عزم وإيمان وهمة لا تحد نحو غاية أسمى، وتصدى لمهمة أنبل وأكرم، فراح يرفع الجمهور إلى المستوى الذي يحبب إليه الأدب الصافي القويم.

وقد سلخت (الرسالة) ثلاثة أعوام لم تنثن فيها عن تحقيق هذه الغاية، بل لقيت من النجاح ما حفزها إلى المثابرة والمضي فيما سلكت من سواء السبيل.

فللصديق القدير تهنئتنا الخالصة ولمجلته اطراد التوفيق والنجاح

وقالت (البلاغ) الغراء في عدد 8 يناير سنة 1936:

أتمت مجلة الرسالة لصاحبها ومحررها الأديب الكبير الأستاذ أحمد حسن الزيات سنتها الثالثة، ودخلت بالعدد الأخير منها في عامها الرابع من عمرها الطويل المبارك إن شاء الله. والرسالة تؤدي مهمة ثقافية سامية، وتصل ما بين الأقطار العربية، وتسمو بالأدب عن التجارة، وتحرص على الرفعة والجد، وهي تمثل في الأدب المذهب السديد الذي يزاوج بين القديم والجديد، فلا يهمل القديم من كنوز الآداب ولا سيما العربية لقدمها، ولا يفتتن بالحديث لطرافته؛ ومن هنا كانت (الرسالة) كاسمها (رسالة) حقيقية إلى أمم العرب قاطبة، ولهذا فازت بحقها في كل قطر من الأقطار العربية من التقدير والإكبار. فنهنئها بعامها الجديد، ونشكر لزميلنا وصديقنا جهده الصادق المخلص في خدمة العربية والأدب الرصين.

وقالت روز اليوسف اليومية في عددها الصادر في 7 يناير سنة 1936:

دخلت زميلتنا (الرسالة) الغراء في عامها الرابع مزودة بما قدمت لقرائها بل الأدب العربية من خدمات سيرويها التاريخ فخورا بها. وسترى فيها الأجيال القادمة مرآة صادقة للمثل الأعلى في ثقافة هذا الجيل وأدبه.

وإذا كانت (الرسالة) باعتراف قادة الفكر رسول العلم والأدب إلى العقول، فهي باعتراف قرائها الذين أقبلوا عليها طوال هذه السنين رسول الروح المهذبة والعقلية المؤدبة والعاطفة الملهمة، تحمل إلى رواد الأدب والعلم والشعر كل رائع وكل بديع.

وإذا كان واجبا علينا أن نهنئ حضرة الزميل الكبير الأستاذ أحمد حسن الزيات بدخول الرسالة في عامها الرابع فأوجب من هذا أن نهنئ القراء بما سيقرءونه في العام الجديد بين صفحات الرسالة في عامها الجديد.

فهنيئا لزميلنا الكبير رسالته النبيلة، وهنيئا لقرائه ما سيقرءون

وقالت المقطم في عدد 8 يناير سنة 1936:

دخلت مجلة الرسالة الغراء في عامها الرابع بعددها الأخير وقد حفلت مجموعات سنواتها الثلاث بطائفة طيبة من الأدب العربي الصافي المورد، فكانت مسرحا لأقلام فحول أدباء هذا العصر من المحافظين على متانة الأدب العربي القديم، والناهلين من أدب الغرب الحديث، من أدباء مصر وسورية والعراق وغيرها، فنهنئ حضرة الزميل الفاضل الأستاذ احمد حسن الزيات صاحب الرسالة الغراء ونتمنى لرسالته ذيوعاً وانتشاراً حتى يشمل نفعها أكبر عدد من أدباء العرب الذين قدروها قدرها وعرفوا لها منزلتها.

وقالت الأهرام في عدد 8 يناير سنة 1936:

دخلت مجلة (الرسالة) الغراء في عامها الرابع وهي المجلة الأسبوعية للآداب والعلوم والفنون لصاحبها ومديرها ورئيس تحريرها الأديب المعروف الأستاذ أحمد حسن الزيات. وقد برز العدد الجديد في صدر هذا العام بحلة قشيبة تدل على ازدياد العناية بها. وهو يضم مقالات طريفة وقصائد متينة السبك لبلغاء الكتاب وفطاحل الشعراء في موضوعات متنوعة لا تخرج عن الخطة التي نهجتها منذ إنشائها وتنطبق على الحاجة التي تشعر بها الأمة في موقفها الحاضر: فنهنئها ونتمنى لها اطراد التقدم.