مجلة الرسالة/العدد 128/المرأة كما يراها شوبنهور
→ حوادث الشرق الأقصى | مجلة الرسالة - العدد 128 المرأة كما يراها شوبنهور [[مؤلف:|]] |
قصة المكروب ← |
بتاريخ: 16 - 12 - 1935 |
للأستاذ زكي نجيب محمود
إن المرأة بحكم تكوينها لا تستطيع أن تضطلع بجليل الأعمال - الجسمي منها والعقلي على السواء، وإن رسالتها في الحياة لتنحصر في الانسال وتعهد الأطفال، مع وجوب طاعتها للرجل وخضوعها له؛ فقد شاءت لها الطبيعة أن تسلك في حياتها سبيلا هادئاً مطمئناً وادعاً، لا تصادف فيه ما يصادف الرجل في حياته من التطرف في اللذة والألم كليهما - وإذا كانت الحياة قد ركنت إلى المرأة في أداء هذه الرسالة الكبرى، وأرادت بها أن تكون أداة لتربية النشء في مدرج الطفولة الباكرة، فقد أعدتها إعدادا عقلياً يلائم الغرض من وجودها، فجاءت ضعيفة العقل قصيرة النظر، حتى لكأنها طفل كبير، لكي يتم بينها وبين أطفالها شيء من التناسق والانسجام، أو إن شئت فقل إنها مرحلة عقلية متوسطة بين الطفولة والرجولة، فالرجل هو الكائن البشري الحق الذي قصدت إليهالحياة
عرفت الطبيعة في المرأة ضعفها فوهبتها الجمال تغزو به أفئدة الرجال لينهض هؤلاء بعبئها عن رضى وطواعية، ولكن الطبيعة في عطائها كانت كعهدنا بها مقترة مغلولة اليد، فلم تهب المرأة من الجمال إلا بمقدار ما تستطيع أن تتخذ منه أداة لحفز الرجل على التناسل ليستمر البقاء، حتى إذا ما انقضت مهمتها في ذلك عادت الحياة فسلبتها ما كانت وهبتها من فتنة وجمال، وتركتها ذابلة ذاوية تنعى شبابها المفقود. . . وإن الفتاة مهما اشتعلت حماسة لحريتها، واصطنعت لنفسها مهن الرجال، لَتَشعرُ في أعماق نفسها أنها ما خلقت إلا للمعركة الجنسية، تتوسل لها بالحب وما يتصل به من تزين ودلال
ومما يلاحظ أنه كلما ارتفع الكائن الحي في سلم الكمال كان أبطأ وصولا إلى مرتبة النضوج، فبينما المرأة تكتمل نضوجها العقلي في سن الثامنة عشر، ترى الرجل لا يكاد يبلغ نهاية هذا النضوج إلا بعد الثامنة والعشرين، على أن المرأة لا تدرك من القوة العقلية إلا حدا ضئيلا لا يمكنها من أن تنفذ إلى حقائق الأشياء، ولذا يسهل انخداعها بالظواهر الباطلة، كما أنها كثيرا ما تتعلق بتوافه الأمور دون الهام منها والخطير؛ كذلك تتميز المرأة بأنها تعيش في حاضرها فقط، نظرا لعجزها عن أن تنفذ بفكرها إلى الماضي أو المستقبل، فبالقوة العقلية وحدها يستطيع الرجل أن يحطم حدود الزمن التي تقيد المرأة كما تقيد الحيوان الأعجم، فيرسل بصره إلى الأفق النائي البعيد، ويضم في نفسه أطراف الزمان من الأزل إلى الأبد؛ ولعل هذه الخاصة هي التي يتميز بها الرجل دون المرأة، وأعني بها النظر الشامل العميق، هي العلة فيما يلاحظ عليه من هم وانقباض كثيرا ما يغلبان عليه حتى ينسياه ما قد يحيط به من عوامل الهناءة والسرور. أما المرأة فهي تنعم بضعفها العقلي لأنها تلهو بلذائذ يومها غير حافلة بما يأتي به الغد من ويلات وكوارث. فهي في ذلك كالحيوان الأجهر (ضعيف البصر) الذي يرى ما هو قريب منه في وضوح وجلاء، ولكن بصره لا يمتد إلى أبعد من أنفه؛ أي أنها قد تستطيع أن ترى الحوادث الحاضرة أدق مما يراها الرجل، ولكنها عاجزة كل العجز عن اجتياز حاضرها إلى ماضيها ومستقبلها، وربما كان هذا النظر الضيق المحدود هو الذي دفع المرأة إلى ما تتصف به عادة من إسراف قد يصل إلى حد الحماقة والجنون؛ فهي تريد أن تنعم (الآن) وليأت بعد ذلك الطوفان! ولكن اشتغال المرأة بحاضرها واستمتاعها بلذائذ يومها لا يخلو من حكمة بالغة، لأن ذلك يكسبها مرحاً وابتهاجاً بالحياة يمكنانها من القيام بواجبها الخطير نحو الرجل، وهو الترويح عن نفسه مما يعانيه من شقاء وعناء، فما أكثر ما تكون المرأة جنة فيحاء تزيل بسحرها عن كاهل الرجل المتعب المضني عبء الهم الثقيل
ولكن لا ينبغي أن يتيه الرجل بما أوتي من العقل فلا يصغي لرأيها ولا يحفل بما تقول، بل خير له إذا ما حزب الأمر واشتد الخطر أن يستشيرها الرأي ويستهديها السبيل، وذلك لأن طريقة المرأة في فهم الأشياء تخالف طريقة الرجل كل المخالفة، فهي تحب بطبعها أن تسلك أقصر الطرق التي تؤدي إلى الغاية المقصودة، هذا فضلاً عن مقدرتها على رؤية القريب بسبب ضعف قواها العقلية الذي أشرنا إليه، فهي بذلك قد تلفت نظر الرجل إلى ما يغفل عن إدراكه لقربه منه، إذ هو كما قدمنا مفطور بطبعه على النظر البعيد؛ أضف إلى ذلك أن المرأة ألصق بالحقائق الواقعة فترى الحوادث كما هي لا تضيف إليها ولا تنقص منها، أما الرجل فإذا ما اضطرمت عواطفه، انطلق خياله يهول في الأمر ويزيد عليه فتضيع الحقيقة في ثنايا الأوهام ويستحيل عليه التفكير السليم
وقد كان هذا الضعف العقلي الذي تتميز به المرأة قيداً حصرها في دائرة الحقائق والوقائع المحسوسة دون أن تكلف نفسها مؤونة التفكير المطلق المجرد، فنتج عن هذا شدة عطفها على البائسين وحدبها على الأشقياء، لأنها لا تدري من حقائق الكون إلا هذه الحقائق الجزئية التي تراها وتلمسها؛ وليس في مقدورها أن تنظر إلى العالم كله وحدةً متصلة وحقيقة واحدة ينمحي في خضمه المتلاطم كل ما فيه من بؤس الأفراد وشقائهم، ولكن إن كان هذا النظر الواقعي المحدود قد أكسب المرأة عطفها الجميل، فقد جنح بها كذلك إلى ألأم الطباع وأخسها، فهي أبعد ما يكون الإنسان عن العدل والشرف ويقظة الضمير وما إليها من الصفات الخلقية التي لا تستساغ إلا بالنظر المجرد العميق، وقد ألجأها ما أحسته في نفسها من ضعف إلى أساليب المكر والحيل والخداع، فهيهات أن تجد بين النساء امرأة واحدة قد خلص طبعها من الخيانة والغدر والكذب؛ فبهذه هي عدتها التي وهبتها إياها الطبيعة لتدافع بها عن كيانها ووجودها كما امتدت الضواري بالمخالب والأنياب، فليس عند المرأة من عتاد تدرأ به عن نفسها ما يتهددها من خطر إلا المكر والخداع، لا فرق في ذلك بين امرأة وامرأة، وهي تلجأ إلى هذا السلاح الفكري في كل ظرف دون أن تشعر أنها ترتكب بذلك ما يناقض فضيلة أو شرفاً، بل إنها على نقيض ذلك تعتقد أنها إنما تستخدم قوة طبيعة فيها لها كل الحق في استخدامها كما يستعين الأسد بمخالبه ساعة الخطر؛ ولما كان الخداع مفطوراً في دماء النساء كُنَّ أقدر من الرجل على إدراك خداع الناس. ولذلك كان من الغفلة والبلاهة أن يحاول الرجل خداع المرأة لأنها في هذا الميدان فارسة لا يشق لها غبار. ولقد نشأ من هذا الجانب في النساء ميل غريزي إلى العقوق والخيانة ونكران الجميل؛ وما أهون على المرأة أن تحنث في يمينها، وما أيسر عليها أن تمد يدها إلى السرقة حتى ولو لم تكن في حاجة إلى ما تسرقه
لقد اتخذت الحياة من المرأة وسيلة للتعبير عن إرادتها في البقاء، وإن المرأة لتعلم في أعماقها أنها خلقت لحياة النوع قبل أن تخلق لشخصها، ولذا تراها تسعي جهدها لأداء واجبها الأول نحو النوع وإن تعارض ذلك مع واجبها نحو الرجل الذي يتعهدها ويرعاها، فهي تأبى مثلا إلا أن تلد وترضع وتربي مهما كلفها ذلك من عناء؛ وهنا تختلف المرأة عن الرجل اختلافا جوهريا، فبينما هي تتوفر لخدمة النوع وبقائه، ترى الرجل لا ينصرف بمجهوده إلا لبقاء شخصه؛ أعني أن المرأة خلقت وسيلة لبقاء النوع، أما الرجل فهو غاية في حد ذاته - ومن هذا الفارق بين الجنسين تفرع وجه اختلاف آخر بينهما: فالرجال لا يكاد بعضهم يأبه ببعض، بل كل منهم منصرف إلى سبيله لا يحفل بغيره، وذلك لبعد ما بين أعمالهم من تباين وخلاف؛ أما النساء فبينهن عداوة غريزية فلا يسع الواحدة منهن إلا أن تضمر في نفسها أشد المقت لغيرها من بنات جنسها. وعلة ذلك مدعاة للغيرة والكيد والتنافس؛ فنظر مثلا إلى سيدتين تقابلتا في الطريق كيف تنظر إحداهما إلى الأخرى بعين كلها الغل والكراهية؛ وإنه لما يبعثك على الضحك أن تستمع إلى امرأتين تتعارفان أو تتبدلان تحية اللقاء أو الوداع، فلن ترى إلا سخفاً منشؤه أن التودد والتعاطف والمحبة ليست من طبيعة المرأة نحو المرأة، وأن هذه العداوة الفطرية بينهن لتتضح لك في جلاء إذا رأيت كيف تعامل المرأة الأرستقراطية من هي دونها في المنزلة الاجتماعية من النساء؛ عندئذ ترى صلفا أي صلف وغطرسة وكبرياء، لماذا؟ لأنها تشعر أن الفارق بينهما في حقيقة الأمر جد ضئيل. استغفر الله بل إنه لا فارق البتة بين امرأتين. فهذه تحفظ النوع بنسلها كما تحفظه تلك سواء بسواء؛ ولعمري أن الحياة لم تقصد بهن إلا هذا، وهذا وحده. تشعر المرأة الأرستقراطية بانعدام الفارق في الجوهر بينها وبين المرأة الوضيعة فتلجأ إلى الصناعة والتكلف تخلق بهما ما تريد هي أن يكون بين المرأتين من تفاضل؛ أما الرجل فتراه على النقيض من ذلك: يعامل من دونه بالحسنى، لأنه يعلم أن الطبيعة قد فرقت بينهما في القوة والعمل، فليس به لإظهار منزلته حاجة إلى الصلف والكبرياء
ولشد ما أعجب لهذا الاسم الذي يطلق على النساء جزافاً: (الجنس اللطيف)؛ ولست أشك أن من أطلق هذا اللقب على ذلك الجنس الضئيل القصير الشائه، هم أولئك الذين أفسدت غرائزهم الجنسية عقولهم. فجمال المرأة كله قائم على الغريزة الجنسية وحدها، وإنه لأقرب إلى الصواب أن نسمي النساء بالجنس الذي لا ذوق له ولا فن، إذ ليس في مقدورهن تقدير الجمال في شتى الفنون، ولكنهن كثيراً ما يغالطن في الحقائق فيدعين أنهن ذوات فن جميل، بأن يعزفن على الآلات الموسيقية أو يعالجن التصوير، ولكن ذلك منهن كذب ورياء، فهن لا يُشغفن إلا بما خلقن من أجله: حفظ النوع. . . . . . إن الرجل يجاهد في العلوم والفنون لتتم له السيطرة على الأشياء، إما بفهمها أو بالتحكم فيها، أما المرأة فهي بطبيعتها لا تحب أن تسيطر على الأشياء سيطرة مباشرة، ولكنها دائماً تقصد إلى السيادة على الأشياء عن طريق سيادتها على الرجل، فالرجل وحده هو ما تصبو المرأة إلى التحكم فيه والسيطرة عليه - ومعنى ذلك بعبارة أخرى - أن المرأة ترى في كل شيء وسيلة فقط لغزو الرجل، فإذا ما تظاهرت بميل إلى الموسيقى أو الشعر مثلاً فليس ذلك ناشئاً عن رغبة طبيعية فيها نحو هذه الفنون، إنما هي تتخذ منها أداة تتجمل بها لتروق في عين الرجل. وما أصدق روسو حين قال: (إن النساء بصفة عامة لا يحببن الفنون ولا يعرفنها، ومحال أن يبلغن فيها حد النبوغ) وهل تريد دليلاً على نفورهن من الفنون الرفيعة أقطع من هذا الذي تراه في دور التمثيل؟ أنظر إليه ن كيف يواصلن الحديث في أتفه الكلام، معرضات عما قد يكون على المسرح من أروع آيات الفن! ولئن صدق ما يقال من أن الإغريق لم يسمحوا لنسائهم بمشاهدة تمثيل المآسي، فو الله لقد أصابوا. . . ثم استعرض التاريخ وحدثني مَنْ من النساء قد أبدع في الفن آية فيها الأصالة والنبوغ؟؟
ولقد شاءت الطبيعة للمرأة أن تثير في الرجل أحط جوانبه، فهي لا تنفذ إلى الرجل من ناحية عقلية وهو مظهر قوته وسيادته ولكنها تأتيه من نواحي ضعفه ومجونه. فيجمل بالرجل أن يتخلص من ضعفها ما استطاع إلى ذلك سبيلا، أما أن يكرمها ويرفع من قدرها فذلك ما أعجب له أشد العجب! إن إكرامك للمرأة واحترامك لها انحطاط لك في عينها، لأنها تدرك بفطرتها أنها أحط من الرجل وأضعف. فلا يضعها في غير موضعها إلا الضعيف العاجز - المرأة يجب أن تكون أماً فيجب ألا نعد بناتنا إلا لهذا مع تدريبهن على طاعة الرجل وقسرهن على الخضوع؛ وفي ذلك يقول بيرون الشاعر الإنجليزي (على النساء أن يعنين بالمنزل، وعلينا أن نحسن لهن في الطعام واللباس، ولكن لا يجوز لهن مخالطة المجتمع، فان تعلمن شيئاً فليكن ذلك هو الدين، على شريطة ألا يطالعن شعراً ولا سياسة، وألا يقرأن إلا كتب العبادة والطبخ)
إن كل قانون للزواج يعامل المرأة على أساس مساواتها بالرجل باطل من أوله، فإذا أراد القانون أن يسويها في الحقوق بالرجل فليعطها أولاً عقلاً كعقول الرجال! ومع ذلك فتأبى سخرية القدر إلا أن تعاني المرأة نفسها ما وراء المساواة من وخيم العواقب، لأنه كلما جارت القوانين على الرجل وأجحفت بسيادته الطبيعية على المرأة وطالبته بأن يقف منها موقف الند للند، أعرض الرجل ونفر، فليس من الهين عليه أن يقوم على مثل هذه التضحية وأن يطوح بما أوتيه من قوة وسيادة، وبذلك الإعراض يزداد عدد النساء غير المتزوجات اللواتي قد يدفعهن الفقر والحاجة أما إلى عمل لا يتفق مع طبيعتهن، وإما إلى السقوط في هاوية الفساد، وعندئذ تكون الطامة الكبرى. ويستطرد شوبنهور في استحسان تعدد الزوجات وفي وجوب عدم توريث المرأة مال زوجها لأنها مسرفة بطبعها، وقد نشأ إسرافها من تعلق أطماعها بالأشياء المادية فتراها تبذل بغير حساب في تجملها وزينتها، وهي في ذلك مخالفة للرجل الذي يتوجه بطموحه إلى نواح غير مادية كالعلم والشجاعة وما إليهما، فهو يستنفذ مجهوده فيما لا يحتاج إلى البذل والإسراف
يقول أرسطو في كتاب (السياسة): إنه إذا سمح للمرأة بالزيادة من حقوقها كان ذلك نذيرا بزوال الدولة ودمارها، وهو يستشهد على ذلك بأسبرطة. وقد جاء التاريخ الحديث بأمثلة كثيرة تؤيد ما ذهب إليهالفيلسوف العظيم، فزيادة نفوذ المرأة في فرنسا منذ عهد لويس الثالث عشر أدى إلى تدهور الحكومة والبلاط، وهذا بدوره أنتج الثورة الفرنسية الكبرى وما أعقبها من ثورات
وشهد شاهد من أهلها
لقد عرضت على القراء آراء شوبنهور في المرأة بمناسبة ما قرأته في إحدى الصحف الإنجليزية لسيدة تنكر على المرأة حقها في الحرية، قائلة إن الحرية تستتبع التفكير والمسئولية وهما ضد طبائع المرأة التي خلقت لتستعبد لشخص ما: زوجها أو طفلها. وهي تؤيد قولها بأنصع الأدلة وأقوى الحجج، وتروي لنا أنها كانت تحاضر في ناد نسوي فسألت الحاضرات: لو لم تكوني من بنات هذا القرن فأي زمن تختارين؟ فأجابتها فتاة ذكية: كنت أحب أن أعيش في أي عصر لا يتطلب من المرأة التفكير!!
زكي نجيب محمود