مجلة الرسالة/العدد 127/نظرية النسبية الخصوصية
→ قصة المكروب | مجلة الرسالة - العدد 127 نظرية النسبية الخصوصية [[مؤلف:|]] |
أندلسيات ← |
بتاريخ: 09 - 12 - 1935 |
البحث الأول
الزمان ونسبيته
للدكتور إسماعيل أحمد أدهم
عضو أكاديمية العلوم الروسية
- 1 -
لنتصور قطاراً يتحرك من محطة القاهرة الساعة الثامنة، فما معنى تحركه الساعة الثامنة؟ لا خلاف في أن معناه أن آونة تحرك القطار وحادثة وقوف العقرب الكبير في الساعة على الرقم (12) والصغير على الرقم (8) متوافقان.
ولقد يجول بخاطر الكثيرين أن في هذا البيان الكشف عن حقيقة الزمان. وهذا ظن صحيح فيه من الوثوق الشيء الكثير لو كان العالم كله الساعة وما حولها. ولكن مثل هذه الفكرة هل تنطبق على حادثتين: الأولى حدثت في مكان قصي عن مكان الأخرى؟ فمثلاً لو فرضنا حادثة مثل الحادثة (أ) حدثت في الشمس، وحادثة أخرى مثل الحادثة (ب) حدثت على الأرض؛ فهل في الإمكان النظر في تواقُتِهما؟
إن الإجابة على مثل هذه الأسئلة تتطلب منا أن نذكر أن مسألة التواقت مسألة ترجع لتساوي سير حركة الساعات في مختلف الأمكنة، وهذا الأمر يرجعنا إلى واسطة التعيين.
لنفرض كرة مثل (ك) بها نقطتان ثابتتان، الأولى (أ) والثانية (ب) وبكل نقطة من هاتين النقطتين توجد ساعة، ولنرمز لساعة النقطة الأولى بالرمز (سأ)، ولساعة النقطة الثانية بالرمز (سب)، ولنفرض أن المسافة بين هاتين النقطتين هي (م)؛ فلكي نوحّد سير الساعتين نجد أمامنا إحدى طريقتين نسلك إحداهما لتوحيد سير ساعتي النقطتين: الطريقة الأولى تنحصر في نقل الساعة (سأ) والساعة (سب) إلى مكان واحد، ثم ضبطهما هنالك على زمان واحد، ثم إعادة كل ساعة إلى المكان الأول. والطريقة الثانية تستند على إشارة ضوئية من النقطة (أ) إلى النقطة (ب) مثلاً، فتضبط بناء عليها الساعة (سب) زمانها حسب زمان الساعة (سأ).
وهاتان الطريقتان لا زالتا مستعملتين إلى يومنا الحاضر في حياتنا العملية؛ فالسفن تتبع الطريقة الأولى عندما تضبط وقت ساعاتها حسب أزمنة الموانئ التي ترسو عليها؛ وتتبع الطريقة الثانية بمراجعتها أزمنة ساعاتها وكرونومتراتها خلال سيرها بإشارات التليفون اللاسلكي لتصحح الفروق الناشئة في الزمن من اختلاف خطوط الطول والعرض على سطح الكرة الأرضية. ويمكننا استناداً إلى هذه الظاهرة تقرير اختلاف الزمان؛ غير أن هذا التقرير لا تكون له قيمة علمية إلا بعد تعميمه على الأكوان.
فلنفرض في كون مثل (ك) ساعة مثل (س)، فهل في الإمكان جعل ساعتين مثل (س1) و (س2) في كونين مثل (ك1) و (ك2) تتحركان حركة انتقالية مستقيمة متساوية في الزمان مع زمان الكون (ك)؟
الإجابة عن هذه المسألة خارجة عن نطاق علم الطبيعة ما دامت هذه الأكوان يتحرك بعضها إزاء بعض حركات انتقالية؛ ومهما كانت هذه الفروق المتولدة من هذه الحركات ضئيلة فمسألة تساوي الزمان في هذه الأكوان أو عدم تساويه لا يمكن معرفتها إلا بالرجوع إلى الإشارات الضوئية. والاستناد على الأمواج النورية في تقرير تواقت الزمان قائم على ثبات سرعة النور، وهي وإن كانت سرعة محدودة إلا أنها سرعة فوق كل سرعة.
وقضية ثبات سرعة النور تجرنا إلى معرفة حركات الأكوان المطلقة خلال الفضاء الأثيري.
إذا أرسلنا شعاعة نور في اتجاه سرعة الأرض فستكون سرعة هذه الشعاعة بالنسبة للمشاهد الذي أرسلها من فوق الأرض: (300 , 000 كم - سرعة الأرض في الفضاء الأثيري).
وفي حالة إرسال شعاعة النور في عكس اتجاه سرعة الأرض فستكون سرعة الشعاعة متضخمة بسرعة الأرض بالنسبة لمرسلها (300 , 000 كم + سرعة الأرض في الفضاء الأثيري).
وكل التجارب التي أجريت في هذا الصدد أسفرت عن نتيجة سلبية.
- 2 -
لنفرض شعاعة نور مثل (س) تقع على مرآة نرمز لها بالرمز (م)، وهذه المرآة نصف عاكسة، فتشق شعاعة النور (س) شعاعتين: المعكوسة (س1) والمكسورة (س2)، وقد وضعت المرآة (م) بالنسبة لاتجاه الشعاعة (س) بحيث تجعل الشعاعتين (س1) و (س2) متعامدتين إحداهما على الأخرى؛ ولنفرض أنه قد وضع في خط سير هاتين الشعاعتين وعلى بعد ثابت من المرآة (م) مرآتان أخريان، الأولى (م1) والثانية (م2) بحيث تردان الشعاعتين (س1) و (س2) إلى المرآة (م)؛ وهناك عند التقائهما ثانية تعكسان عكساً نصفياً فيتحد الجزء المعكوس من الشعاعة (س2) مع الجزء المكسور من الشعاعة (س1) في الشعاعة الأخيرة (س3)، فإذا ما سارت الشعاعتان مسافة واحدة من نقطة افتراقهما إلى نقطة التقائهما ثانية: أعني إذا كانت المسافة من (م) إلى (م3) تعادل المسافة من (م) إلى (م1) تعادلاً تاماً، فإنك إذا ما وضعت عينيك في الوضع (د) شاهدت الشعاعة (س3) كاملة لا نقص فيها؛ أما إذا كانت المسافة (م - م1) تنقص أو تزيد على المسافة (م - م2) بما يعادل نصف موجة النور أو حاصلاً صحيحاً لنصف موجة النور، فإن الشعاعتين تكونان قد سارتا منذ انفراجهما إلى اتحادهما ثانية غير متعادلتين، فينجم عن ذلك تداخل نوري بين حركة الموجتين يشف عن نظام تداخلي يتظاهر في شكل حلقات من النور والظلمة.
ولو فرض وأزحنا (م1) أو (م2) قليلاً بمعنى أننا غيرنا تعادل المسافتين (م - م1) و (م - م2) ألفينا هذه الحلقات تتحرك، أو قل تتقلص شيئاً فشيئاً إلى أن تختفي في الوسط المشترك بينهما، ثم تظهر حلقات جديدة من خارج النظام، ويكون عدد ما يختفي معادلاً عدد ما يظهر من الحلقات؛ ومن مقدار تغير (م - م1) أو (م - م2) نستطيع حساب الحلقات الواجب اختفاؤها على هذا المنوال. لهذا لو كان هنالك راصد مشاهد لهذا النظام، وطفقت حلقاته تتقلص بغتة، أمكنك أن تحكم يقيناً إن كانت المسافة (م - م1) أو (م - م2) قد شرعت في التغير؛ وإذا حسبت عدد الحلقات المختفية استطعت التنبؤ بمقدار تغير المسافتين.
أجرى الدكتور ميكلصون والأستاذ مورلي تجربتهما بحيث كانت حركة الشعاعة موازية لحركة الأرض (ح) حول محورها مثلاً، أي وضعت (م1) بحيث تكون المسافة (م - م1) ممتدة شرقاً غرباً، فتكون لذلك الشعاعة (س1) متعامدة على اتجاه حركة الأرض حول محورها، أي تكون ممتدة شمالاً جنوباً في الاتجاه (ح).
ولكن عندما تنفصل الشعاعتان (س1) و (س2) عند النقطة (ن) تسير كلتاهما بسرعة واحدة بالنسبة للفضاء الأثيري، لأنهما كلتيهما تموّج أثيري، والاختلاف لا يكون إلا بإسنادهما إلى شيء آخر، وليكن الجهاز: (جهاز ميكلصون - مورلي) فتكون سرعة (س1) بالنسبة للجهاز غير سرعة (س2) بالنسبة له، لأن هذه الآلة تدور مع الأرض في دورانها حول محورها، والشعاعة (س1) متعامدة على السير بينما الشعاعة (س2) موازية له؛ فمن هذا الاعتبار ينتج أن سرعة (س2) بالنسبة لجهاز ميكلصون عندما تكون الشعاعة (س2) سائرة نحو (م2) هي:
ص - ح. . . . . . . . . (معادلة 1)
حيث أن (ص) رمز لسرعة الضوء المنطلقة خلال الأثير، و (ح) رمز لسرعة الأرض حول محورها. وعندما تنعكس الشعاعة (س2) عن (م1) تصبح سرعتها بالنسبة للجهاز هكذا:
ص + ح. . . . . . . . . (معادلة 2)
أما الشعاعة (س1) فلها نفس السرعة في سيرها نحو (م2) لأنها مركبة من سرعتين متعامدتين مثلاً، ولكنها في ذهابها وإيابها في كلتا الحالتين ستكون متعامدة على اتجاه سير الآلة أو الجهاز، وستكون مقدار هذه السرعة:
. . . . . . . . . (معادلة 3)
. . . . . . . . . (معادلة 3)
وذلك لأنها مركبة من سرعتين.
على هذا الأساس رتب الدكتور ميكلصون وزميله الأستاذ مورلي جهازهما في الأوضاع السابق ذكرها، وأخذا يرقبان الشعاعة (س3) من النقطة (د) فارتسم أمامهما نظام متداخل ناجم عن تداخل الشعاعتين في بعض، وعندما أديرت الآلة بكامل أجزائها حول المحور (ن) بحيث أصبحت (م - م1) متعامدة على اتجاه حركة الأرض بعد أن كانت موازية، واتخذت الشعاعة (م - م2) وضعاً موازياً لحركة الأرض بعد أن كانت متعامدة. فكان المنتظر أن هذا التغيير يسفر عن تغير سرعة الشعاعتين بالنسبة للآلة في الزمن الذي تستغرقه كل من الشعاعتين في سيرها من المركز (ن) إلى المرايا المعاكسة ورجوعها إلى (ن) ثانية. ومن البديهي أن الزمن الذي تستغرقه الشعاعة (س2) في وضعها الجديد أقل من الزمن الذي استغرقته وهي في وضعها القديم؛ أعني أن شعاعة النور في سيرها في اتجاه متعامد - بشرط أن تعكس الشعاعتان وتردا إلى مصدرهما، وإدارة الجهاز حول محوره تسعون درجة - لابد وأن تسفر عن إبطاء الشعاعة الواحدة في رجوعها إلى (ن) وإسراع الشعاعة الأخرى في هذا الرجوع.
هذا الإبطاء والإسراع يؤثران في النظام الداخلي، إذ تنقص بعض الحلقات وتختفي حلقات الوسط وتبدو حلقات جديدة تتسرب للنظام من طرفه الخارجي. ذلك لأن تباطؤ الموجة الواحدة في رجوعها يفضي إلى تداخل جديد مع حركة الموجة الثانية التي أسرعت في الرجوع.
ولما كانت سرعة الأرض حول محورها معلومة، وسرعة النور في الفضاء الأثيري معلومة كذلك، فمن المستطاع قياس الفاصلتين (م - م1) و (م - م2) واستخراج طول موجة النور، وبذلك يصبح من الممكن حساب التأخير اللازم حدوثه إذا ما أديرت الآلة ومقدار التغير اللازم طروؤه على عدد الحلقات من تقلص واحتجاب.
على مثل هذا الأساس العلمي الدقيق أجريت تجربة ميكلصون، ولكنها أسفرت عن نتيجة سلبية إذ لم تتغير الحلقات ووصلت الشعاعتان معاً. ثم أعيدت التجربة مع الدقة الشديدة ولكن لم تسفر عن نتيجة.
(بقية البحث في العدد القادم)
إسماعيل أحمد أدهم