مجلة الرسالة/العدد 125/البريد الأدبي
→ القصص | مجلة الرسالة - العدد 125 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
الكتب ← |
بتاريخ: 25 - 11 - 1935 |
اللغة السيوية بربرية
إلى الرحالة الأستاذ محمد ثابت، سلام واحترام:
ذكرتم يا سيدي في العدد 121 من (الرسالة الغراء) أن لأهل سيوة لغة خاصة يتكلمونها في رطانة هي ابعد من اللهجات الأوربية عنا، وأنكم تسمعتم إليها فلم تهتدوا إلى كلمة واحدة تمت إلى العربية أو اللاتينية بسبب؛ وبعد أن ذكرتم أمثلة من هذه اللغة الغريبة الشاذة قلتم: (ويقال إن اصل تلك اللغة بربري مازجته العربية ثم الرومانية).
والأمثلة التي ذكرتموها تدل دلالة قاطعة على أن هذه اللغة هي بربرية لا شك فيها، وهذه الألفاظ التي استغربتموها هي نفسها لا تزال مستعملة في أفواه البربر في هذه البلاد إلى الآن.
والذي انتهيت إليه - بعد البحث الطويل في اصل هذه اللغة وفي علاقتها بالعربية - هو أنها إن لم تكن لهجة من العربية الأولى بعدت عن اصلها بتراخي الزمن وطول الأمد حتى صارت كأنها لغة مستقلة، فما لا شك فيه أنها لغة سامية (انظر بحثنا (هل البربر عرب؟ وهل لغتهم لغة ضاد أخرى؟) في مقتطف يوليو 1934).
وأما أن العربية المدونة في القواميس قد مازجت البربرية بعد الفتح الإسلامي لبلاد البربر، فهذا أمر واقع لا شك فيه، فكلمة (تَلَشْلَشَتْ) التي قلتم إنها من أسماء الأعلام عند السيوويين هي كلمة عربية من (لشْلَشَ) إذ تردد واضطرب (بُرْبرَتْ) بادْخالِ علامة التأنيث في اللغة البربرية عليها وهي التاءان معا في أولها وفي آخرها؛ وترجمة هذه الكلمة (اللشلشة أو اللشلاشة) وكلمة (لشلاش) من أسماء الأعلام هنا في الجزائر بين العرب.
ولقد وجدت وأنا انظر في اللغة البربرية أن القاف المعقودة فيها ينطقها بعض البربر جيما مصرية، وينطقها بعضهم جيما عربية، وينطقها آخرون منهم عربية تارة ومصرية تارة أخرى، فقلت في نفسي: من يدري فلعل الجيم المصرية جاءت من هنا.
وبرابرة برقة كما يحدثنا التاريخ أغاروا على مصر أقاموا بها واثروا في لغتها، وجئتم اليوم أيها الأستاذ الرحالة فرويتم لنا أن نفس اللغة البربرية لا تزال مستعملة كلغة منزلية إلى الآن في بعض زوايا مصر، ونشرتم صورة فتاة سيوية عليها مسحة من الجم المغربي، فافدنا منكم ما لم نكن من قبل نعلمه ولا ندريه، فلكم الفضل والشكر على ما وليتم.
وهران (الجزائر)
محمد السعيد الزاهري
قصة رائعة وفلم مبتذل
عرض أخيراًفي بعض دور السينما بالقاهرة شريط مصور (فلم) عنوانه (الشيطان امرأة) وقيل في مدحه والترغيب في رؤيته أن النجمة الألمانية الشهيرة مرلين ديتريش هي صاحبة الدور الأول فيه، وهي التي تقوم بتمثيل هذه (المرأة الشيطان)؛ ولكن الذي لم يقل في شان هذا الفلم ولم ينوه به هو انه مأخوذ من قصة بيير لوئيس الشهيرة المسماة (المرأة وقراقوز) أي الرجل الذي لا إرادة له.
وقد أذيع أخيراً أن الحكومة الأسبانية أمرت بمنع عرض هذا الشريط في جميع أنحاء أسبانيا لأنه يعرض سمعة الضباط الأسبان - وبطله الرجل هو ضابط أسباني - إلى المهانة والسخرية ويعرض سمعة المرأة الأسبانية - وبطلته هي فتاة أسبانية راقصة - إلى الزراية، وذلك أنها تبدو في الفلم في شخص الفنانة الحسناء امرأة عاهرا مبتذلة تعرض اخطر ضروب الإغراء النسوي وأسفلها بصورة مثيرة ملهبة، تلك هي (كونشيتا) بطلة هذه القصة الشهيرة.
بيد أن الحكومة الأسبانية لم تقف عند هذا المنع المحلي بل تقدمت بمذكرة احتجاج سياسي إلى الحكومة الأمريكية، فتدخلت في الأمر ونصحت إلى شركة بارامونت التي أخرجت الفلم بسحبه من جميع أنحاء العالم؛ فلم يسع الشركة إلا النزول عند هذه الرغبة وتنفيذها، وبذا يختفي أحدث مخرجات مرلين ديتلايش عن الأنظار، ولكن تبقى بعد ذلك القصة الأصلية التي تعتبر من أبدع ما كتب بيير لوئيس؛ بل هي في سحر أسلوبها ورائع عرضها لا تقل اضطراما وحياة عن الشريط المصور ذاته؛ وهكذا يستطيع من حرم مشاهدة هذا الشريط (العاهر المبتذل) أن يقرا في بيير لوئيس، ما يرفع روجه إلى ذروة الفن والخيال الرائع.
وفاة لاوردس برون
قرأنا في البريد الألماني الأخير نعى الكاتب القصصي الدنمركي الشهير لاوردس برون توفي في الحادية والسبعين من عمره، وكان برون سليل هذه المدرسة القصصية الدنمركية الزاهرة التي اشتهرت بروعة خيالها وسحر أسلوبها وخفة روحها، والتي أنجبت هانز آندرسن معبود الطفولة والحداثة، وكان مثل مواطنه وسلفه الكبير اندرسن يكتب للشباب قصصاً رائعاً ممتعاً؛ واشتهر على الأخص بسلسة من القصص التي تصور الحياة في البحار الجنوبية، واسم بطلها فان سانتن؛ واخرج منها ثلاثة مجلدات عنوان أولها (فان سانتن في أيام سعده) وعنوانه الثاني (جزيرة السعادة لفان سانتن) وعنوانه الثالث (الأرمل المحزونة)؛ وتدور القصة كلها حول حياة تاجر ورحالة، وهو فان سانتن، يجوب البحار الجنوبية، وينزل بإحدى جزرها، ويتزوج إحدى نسائها وهي ابنة ملك هذه الجزيرة، ويعيش معها سعيداً؛ ويصف برون هذه الحياة وصفاً رائعاً ساحراً؛ وعبرة القصة تذهب إلى عكس ما ذهب إليه دانيل ديفوني في قصته (روبنصن كروزي)، وهي أن الحياة البدوية في هذه البقاع النائية اسعد مما يتصور الناس.
وكتب لاوردس برون أيضاً عدة مجموعات من القصص الصغير منها مجموعة: (إلى الوطن)، وأسلوبه بسيط ساحر، ويمتاز بمقدرة فائقة على تصوير الحياة والصور الطبيعية فيما وراء البحار، وذلك في ألوان شعرية بديعة؛ وهو يذهب في كتابته مذهب الدعوة إلى الحياة الطبيعية، والطبيعة احب الأشياء والناظر إليه، وهي أروع ميادين قلمه وخياله.
الأستاذ الزنجاني
من أخبار طهران أن وزارة المعارف الإيرانية عينت الأستاذ أبا عبد الله الزنجاني مؤلف كتاب (تاريخ القرآن) أستإذا للفلسفة الإسلامية وتفسير القرآن الكريم في جامعة (سبهالار) في طهران
أسبوع المتنبي في دمشق
تألفت في دمشق لجنة من العلماء والأدباء برياسة الأستاذ المغربي رئيس المجمع العلمي العربي لإعداد الأهبة لإقامة مهرجان شعبي عظيم تحت رعاية وزارة المعارف السورية يستمر أسبوعا بدمشق في فصل الربيع، وسيقام في المعرض الصناعي السوري الذي يفتتح في شهر أبريل سنة 1936. وقد أرسلت لجنة المهرجان الدعوة إلى علماء العرب وشعرائهم في مختلف الأقطار، وكذلك إلى أفاضل المستشرقين ليساهموا في هذا المهرجان ببحث ناحية من نواحي أبى الطيب، وستنشر اللجنة كل ما يقال في هذا الاحتفال في كتاب خاص.
وفاة فنان كبير وانتحار كاتب شهير
توفي أخيراً في فينا المؤلف الموسيقي الشهير الأستاذ بيلا لازكي؛ وكان لازكي مدى الثلاثين عاما الأخيرة من أعلام التأليف الغنائي والموسيقي؛ وهو مجرى المولد، ولد سنة 1867، وتلقى علومه في فينا عاصمة الفن الزاهر في ظل الإمبراطورية القديمة، وعاش فيها منذ شبابه؛ وظهر في التأليف الموسيقي، فوضع مئات الأناشيد والمقطوعات والغاني الألمانية، وامتاز بالبراعة في نوع خاص منها هو القطع الغرامية والشعبية التي تعزف وتلقى في النوادي الليلية (الكابريه)؛ وكانت تعاونه في فنه زوجته الفنانة والمغنية الحسناء ميلا مارس التي لبثت مدى حين تخلب الباب المجتمع النمساوي الرفيع؛ ولكنها توفيت شابة ومضى لازكي يطوي ذلك حياته الفنية وحيداً، ويخرج كل عام عدداً كبيراً من المقطوعات والأناشيد التي تذاع في جميع أنحاء العالم، وفي أواخر أعوامه عرف لازكي متاعب البؤس والمرض، إذ خسر معظم أمواله مضاربات عقيمة، وداهمته أوصاب الشيخوخة، فقطع أيامه الأخيرة محزوناً بائساً، وتوفي في الثامنة والستين من عمره.
ووقفنا في أنباء فينا الأخيرة أيضاً على حادث محزن هو وفاة الكاتب النمساوي الأشهر الدكتور فكتور درزتي وزوجه البارونة كلارا؛ وقد وجدا منتحرين بالغاز في منزلهما في شارع بليز في ضواحي فينا؛ ولم تتضح أسباب المأساة تماماً، ولكن المعتقد أن الحادث يرجع إلى مرض عصبي شديد كانت تعانيه البارونة؛ وكان الدكتور درزتي من النبلاء، وكان أديباً وكاتباً كبيراً، واشتهر بمقالاته الاجتماعية والنقدية، وله مؤلفات وكتب قصصية ذائعة.
شهادة لله سيدي الأستاذ الفاضل (صاحب الرسالة)
سلام عليك
ربك العظيم يقول في كتابه القديم:
(ولا تكتموا الشهادة، ومن يكتمها فانه آثم قلبه)
صدق الله العظيم
وإني أعيذ نفسي برحمة الله من آثام القلب، فضلا عن تأثم القلوب
سيدي الأستاذ:
هي شهادة لا أبتغي منك عليها جزاء ولا شكوراً
لقد كنت يا أستاذ الزيات بليغاً دائماً، بليغاً علم الله فوق ما نسمع ونقرا من بلاغات سحبان وأكثم بن صيفي وعبد الحميد وإخوانهم من كرام البلغاء الأقدمين.
أما في مقالك الأخير في عدد (الرسالة) الأخير، لمعنون (في الجمال) (على هامش الموضوع) فلقد كنت أبلغ من نفسك بكثير.
أتدرى لماذا يا سيدي الزيات؟
لان موقف اليوم، الذي أرسل قلمك، بعد إرساله شجنك، بمقال اليوم، موقف من ابلغ مواقف التاريخ. لشد ما قال لنا التاريخ والزمن في أنفسنا قولا بليغاً.
وليس للمواقف البليغة في الأمم والشعوب إلا قلوب البلغاء، بل إلا القلوب البليغة، ودعني لا أقول هنا: السنة البلغاء، فطالما والله أودت السنة البلغاء بحقوق وكرامات وأوطان!
ولعل هذا ما يثبت في قلبك البليغ، فوق تثبيته في قلمك البليغ، أنك حقاً قبل أن تحمل في وطنك أو في وطن العربية قلما، فانك تؤدي فيها (رسالة).
رسالة لا تكذب الناس، وهي تتسمى إلى الناس باسم (الرسالة)، وكثيرا ما تسمت الأشياء على هذه الأرض بغير أسمائها، وهي الأرض التي قام عليها يوما مسيلمة يقول: أنا نبي! وقام من قبله فرعون من فراعنة مصر يقول:
أنا ربكم الأعلى!
هذه شهادتي إليك. كما ويسرني كما يشرفني، بل استحلفك بالله أن تجعلها شهادتي إلى الناس، لأنها أيضاً شهادتي إلى الله، ألقى بها الله فيما ألقي به وجهه (الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه آمر الدنيا والآخرة) كما دعاه يوماً اعظم مخلوقاته، لأنه أخلص المخلوقات: محمد بن عبد الله، عليه صلوات الله.
وهذه والله شهادتي، ولو أنى لا انفي أن لي عندك عتابا قديماً، لعلك كنت لا تصغي إليه لو أنى كتبته إليك قبل اليوم، أو بادهتك به وجهاً لوجه، لأننا لم نتعارف قلوباً، بيد أنا تعارفنا وجوها، مرة واحدة أو مرتين، في يومين فقط من الأيام.
فارفع بيدك (رسالتك) يا أستاذ، فهي من رسالات الله، لأنها من رسالات الحق والوطن والقوة والجمال.
ارفع بيدك هذه (الرسالة) من النور، تخدم وطنك فوق ما يخدمه كثير من دعاته وأدعيائه البارزين فوق المسرح هنا وهناك لن تفلح هذه الأمة في نهضتها الوطنية، حتى تفلح أولا في نهضتها الأدبية، أو قل نهضتها الأخلاقية، نهضة النفوس والأرواح في أعماقها لا على سطوحها التي يراها أو يسمع بها الناس. . . . .
إبراهيم إبراهيم علي
المحامي بقليوب