مجلة الرسالة/العدد 12/في الأدب الغربي
→ في الأدب الشرقي | مجلة الرسالة - العدد 12 في الأدب الغربي [[مؤلف:|]] |
العلوم ← |
بتاريخ: 01 - 07 - 1933 |
الذئب في الأدبين العربي والفرنسي
وصف الفرزدق صداقته وذئبا عاهده على ألاّ يخونه، فكان وفياً، ووصف الشريف الرضي ذئبا أصبح غرضا لقسي نوازع، وطعمة لرهط جائع؛ ووصف البحتري ذئباً هزيلا سدد إليه نصالاً أوردته منهل الردى، في قصائد تراها في دواوين هؤلاء.
وقد رأيت أنها في موضوع واحد - هو الذئب - فما المجلية بينها إذا جرت معا في حلبة السباق؟ وما التي تقرب من المثل الأعلى في الموضوع؟ وهل لها في غير العربية مثيل أو شبيه؟
وما دام في الفرنسية لهذه القصائد ند، وما دام بين الشعراء الفرنسيين من نظم في هذا الموضوع، فسنعرض لقصائدهم هذه بالنقل علّنا نستطيع الموازنة بينها كلها أو البحث فيها كلها، ولعل قصيدة (ألفرد دفيني) الشاعر الفرنسي الفذ في (موت ذئب) أقرب ما قرأت إلى هذه الروائع، فستكون أول ما نترجم، وأما الموازنة بينها فستكون في عدد تال إن شاء الله.
موت ذئب
خفت السحب إلى القمر المتألق، كما يخف الدخان إلى الحريق، واسودت الغابات فبلغ سوادها الأفق، وكنا نمشي على النبت الأخضر الندي دون أن ننبس بكلمة. فلمحنا في الظلام الكثيف تحت أشجار الصنوبر مخالب الذئاب التي كنا نطاردها منذ هنيهة.
فأنصتنا حابسين انفاسنا، وسمرنا أرجلنا إلى الأرض، فلا الغابة ولا السهل يتنفسان في وجه الريح الساكنة، اللهم إلاّ دولاب هواء حزينا كان يصعد في السماء زفرة وداع أليمة، لأن الهواء ارتفع عن الأرض فلا يصيبه منه شيء.
وكان كل شيء ساكنا، حين تقدم الصياد الشيخ خافض الرأس يتحرى ويدقق، فنظر إلى الرمل الذي اضطجع عليه منذ قليل ثم قال:، وهو الذي لم تؤخذ عليه هفوة، إن هذه الآثار آثار مخالب ذئبين كبيرين وجرويهما تبخرت منذ وقت غير بعيد.
فهيأ كل منا سكينه، أخفينا بندقياتنا وبريق حديدها الأبيض، ووقفت وثلاثة من رفاقي نرمي ببصرنا إلى الأمام، فإذا عينان تتقدان بالشرر، وأربعة أشباح أخرى رشيقة ترقص وسط الأعشاب على ضوء القمر.
كانت الذئاب تشبه الراقصين بحركاتها، تلعب في صمت ورزانة عالمة أن على قيد خطوتين منها عدوها الإنسان، مضطجعا بين جدران بيته لم يأخذ النوم بمعاقد أجفانه بعد.
وكان الذئب الأب واقفاً على بعد أمام الشجرة وزوجه مستريحة كصنم المرمر الذي عبده الرومان ومنه انحدر روموس ورومولوس.
وأقعى الذئب ومخالبه غائصة في الرمل، حين علم أنه هالك لا محالة، لأن عدوه باغته وملك عليه سبيله، وامسك بفمه الملتهب عنق أجرأ كلابنا، ولم يحول عنه فكيه الحديديين على رغم طلقاتنا النارية التي اخترقت جلده، وعلى رغم مدانا الحادة التي مزقت أحشاءه، ولكنه لما أحس بأن فريسته فارقت الحياة قبل أن يفارقها هو، أفلته من فكيه، ونظر إلينا مرة وأتبعها أخرى إلى جسمه فرأى المدى غارقة في أحشائه، ورأى نفسه سابحا في بحر دمائه، تحيط به البنادق، فحدق فينا ثانية واضطجع وهو يلعق ذنبه بفمه، ويلقف نزيف الدم من كلومه، ودون أن يجرب أو يبحث كيف يموت، أغمض عينيه الكبيرتين ومات دون أن يصرخ صرخة واحدة. . .
أسندت جبهتي حينذاك إلى بندقيتي واستسلمت للأفكار فلم أجد سبيلا إلى متابعة تلك الصور المريرة التي سيصبح عليها أولاده الثلاثة، وتصورت حال الأم وقد أرادت أن تشارك زوجها في حمل عبء هذه التجربة الخطرة، ولكن واجبها يقضي بان تنقذ أولادها، وأن تعلمهن كيف يتحملن الجوع، ويصبرن على ملاقاة الموت، وأن تحذرهن دخول المدن لئلا يخدعن بالعهد الذي قطعة الإنسان للحيوان، هذا الحيوان الذي يجري أمامه في الصيد، ويخدمه. . كل ذلك ليؤويه وهو سيد السهل والجبل. .
وا أسفاه! لقد فكرت كثيراً في معنى عظمة هذا الاسم الذي يتحلى به بنو الإنسان، وعدت إلى نفسي خجلاً أتهم الإنسان بالضعف والجبن.
أنت وحدك أيها الحيوان علمت كيف يجب أن نغادر الحياة وأوزارها، فليس فيما نعمله في الحياة الدنيا، وفيما نتركه عليها ما يستحق الذكر الا الصمت. هو العظمة، وكل ما سواه ضعف.
آه!. . لقد فهمت معنى نظرتك أيها المسافر المستوحش لأنها نفذت إلى أعماق فؤادي قائلة: - (إذا استطعت فاجعل نفسك، على تفكيرها وحلمها، واثقة مطمئنة من القضاء والقدر. الشهيق والبكاء وصلاة الخوف كلها جبن، فاعمل بثبات عملك الطويل الشاق، في الطريق الذي شاء الحظ أن يدعوك إليه، ثم. . تألم. . ومت. . مثلي دون أن تنبس بكلمة).
حلب. سامي الدهان
بنجن على ضفاف الرين
للشاعرة الإنكليزية
كان ثمة جندي ملقى على الأرض في بلاد المغرب ينتظر موته. لم تعن به ممرضة، ولم تذرف الدمع على فقده امرأة.
ولكن عني به صديق وقف إلى جانبه وهو يلفظ النفس الأخير. ومال على المحتضر بنظرات كلها إشفاق وحسرة ليسمع ما قد يقول.
تناول الجندي المشرف على الموت يد رفيقه وقال بصوت متهدج مرير: لن أراك يا وطني - يا وطني العزيز بعد: بربك خذ رسالتي وابلغها أصدقائي البعيدين كل البعد، فقد ولدت في بنجن - في بنجن على ضفاف الرين!
قل لاخوتي ورفاقي عندما يحتشدون حولك، ليسمعوا قصتي المحزنة في مزرعة الكرم، قل لهم إننا قاتلنا بشجاعة وإقدام، فلما انتهى اليوم كانت الجثث مبعثرة فوق الثرى عليها صفرة الموت تحت الشمس الغاربة وبين الموتى جنود مارست الحرب وعركتها، صدورهم دامية من اثر الطعن، وبعضهم صغير السن لم يلبث أن أظلم صبح حياته، وواحد منهم من بنجن - من بنجن الجميلة على ضفاف الرين.
قل لامي أن اخوتي الباقين سيكونون لك خير عزاء! قل لها لقد كنت عصفوراً هائماً يحسب وطنه القفص وقد كان أبي جنديا وكنت في طفولتي أهتز طربا عندما أسمعه يقص عن الحروب أروع القصص.
فلما مات وتركنا نتقاسم ميراثه المتواضع قلت لهم خذوا ما شئتم ولكن دعوا لي حسام أبي. وبشغف الطفولة المرحة علقته حيث تسطع الشمس على حائط الكوخ في بنجن - بنجن الهادئة على ضفاف الرين.
قل لأختي لا تبك عليّ ولا تحزن!
إذا رأت الجنود عائدة إلى مستقرها بخطى مطمئنة فرحة، قل لها لا تبك، ولا تعول بل لتنظر إليهم بفخر وزهو لأن أخاها كان جنديا مثلهم، ولم يكن يهاب الردى. وإذا تقدم إليها أحد الرفاق من الجند يخطب ودها فاسألها باسمي أن تنصت إليه، لا آسفة ولا مانعة: ولتعلق ذلك السيف القديم في موضعه، سيف أبي وسيفي حبا في بنجن القديمة - بنجن الغالية على ضفاف الرين.
وثمت فتاة أخرى ليست بأخت، صحبتها في الأيام السعيد السالفة، ستعرفها من ذلك الحبور الذي يتلألأ في عينيها، بريئة لم يمسها العار، متهكمة يحلو لها أن تهزأ وتسخر. غير أني أيها الصديق أخاف على أشد القلوب جذلاً من أن يثقلها الحزن.
قص عليها حديث الليلة الأخيرة من حياتي، لأنني سأموت قبل طلوع القمر. ستذهب من جسدي الآلام وتخرج روحي من السجن. كأنني أحلم بها وأنا واقف معها نشاهد الشمس وهي تغرب وراء تلال بنجن المكسوة بالكروم - بنجن الجميلة على نهر الرين.
إني أرى النهر الأزرق يتدفق ماؤه، واسمع أو يخيل إليّ أني اسمع: أناشيد الألمان التي كنا نغنيها في صوت متناسق عذب فنتردد بين النهر والسهول المنحدرة في جوف الليل الصامت الهادئ. إني أرى عينيها محدقتين فيّ، ضاحكتين زرقاوين، وكأنني أسير إلى جانبها، في تلك الطرق المحببة إليّ، تلك الطرق التي أذكرها بالإجلال والتقديس، وأحس بيدها الصغيرة آمنة في يدي. ولكنا لن نلتقي مرة أخرى في بنجن - في بنجن العزيزة على ضفاف الرين
أخذ صوته الأجش يضعف ويفنى، وصارت قبضته كقبضة الطفل وارتسمت في عينيه أشباح الموت، ثم تنهد وامسك عن القول.
فمال عليه صديقه لينهضه؛ ولكن سراج حياته كان قد خبا.
لقد مات الجندي المسكين في أرض نائية عن وطنه. عندئذ طلع القمر على مهل واطلّ على الكون وعلى الرمال المخضبة بالدماء إثر المعركة، وعلى الجثث المتناثرة (المبعثرة).
وفي هدوء، أرسل أشعته الشاحبة على ذلك المنظر المفزع. كما يرسلها على بنجن البعيدة - بنجن الجميلة على نهر الرين.
محمود فهمي رزق
أغنية. . لفكتور هوجو
يولد الفجر، وأنتِ موصدة الأبواب! فلم يا حسنائي الرقود، ساعة يقضة الورود؟
فهلا تستيقظين؟
اسمعي يا فاتنتي عناء محبك وبكاءه!
كل يقصد حماك المبارك.
فالفجر يشدو. . (أنا النهار!)
والعصفور يغرد: (أنا الموسيقي!)
وقلبي يردد: (أنا الحب!)
اسمعي يا ساحرتي غناء محبك ونواحه!
أعبدك كملاك، واحبك كامرأة.
والإله الذي كمّل خلقي بك
جعل حبي خصيصاً لك
ونظري لرؤية جمالك!
اسمعي يا غادتي غناء محبك ونحيبه
حلب. سامي الدهان