مجلة الرسالة/العدد 119/الكتب
→ البريد الأدبي | مجلة الرسالة - العدد 119 الكتب [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 14 - 10 - 1935 |
علم الدولة
للأستاذ أحمد وفيق
(لمناسبة صدور الجزء الثالث)
بقلم الدكتور محمد توفيق يونس
صدر حديثا الجزء الثالث من الكتاب الضخم الذي يضعه الكاتب النابه الأستاذ أحمد وفيق في (علم الدولة)، وهذا الجزء كسابقيه من حيث طريقة البحث وسياق الحديث، وإذا كان قد فاتنا أن نتحدث عن الجزأين الأول والثاني حين صدورهما فلا يفوتنا وقد صدر الجزء الثالث أن نتحدث عن الكتاب جملة
من العسير بل المستحيل أن تكون (الدولة) بجميع مظاهرها وتطوراتها موضوعا لبحث واحد جامع، إذ أن لها وجوها مختلفة يتطلب كل منها بحثا خاصا، فهناك الوجه الدستوري الذي يعنى بهيئات الدولة العليا، وهناك الوجه الإداري الذي ينظر إلى التفاصيل التنفيذية للحياة العامة، أو بمعنى آخر إلى مجموع المصالح العامة التي تكفل سير الدولة العملي، وهناك الوجه المالي الذي يبحث في إيرادات الدولة ونفقاتها، ثم هناك دراسة الدولة من ناحية القانون الدولي العام باعتبارها من أشخاصه وبصفتها عضوا في الأسرة الدولية، الخ
ولكل دراسة من هاته الدراسات ناحيتان أساسيتان: ناحيتها القانونية وناحيتها السياسية، وأهمية الاستئناس بالأخيرة في تحليل المسائل الفقهية لا تحتاج إلى بيان. وإذا أضفنا إلى كل ذلك نصيب التاريخ تبين لنا إي دائرة واسعة من المعارف يمكن أن تدخل تحت هذا الموضوع
ولكن المؤلف الفاضل وإن كان قد سمى كتابه (علم الدولة) لم يقصد إلا دراسة فكرة الدولة أو نظرية الدولة كما أوضح ذلك في مقدمة الجزء الأول (ص47 - 49)
لهذا كان أجمل به أن يجعل عنوان الكتاب أكثر تحديدا لما فيه بأن يسميه مثلا (فكرة الدولة) أو (نظرية الدولة) أو (علم في الدولة) إذا لم يرد تحديدا دقيقا
على أن الموضوع الذي فرضه المؤلف على نفسه يبقي بعد هذا التحديد فسيح الأطراف متشعب النواحي متعدد الوجوه إلى حد يجعل من الصعب استيعابها جميعا ودراستها معا دراسة مستفيضة، ويضطر المؤلف إلى الإيجاز وإهمال التفاصيل، ويخشى معه ضعف الارتباط وتشتت البحث وتوزع المجهود. والمؤلف نفسه يكتفي في الواقع (بدراسة عامة إجمالية) (ص47 من الجزء الأول)
ولقد صبغ المؤلف هذه الدراسة بالصبغة التاريخية فجعل التاريخ العنصر الغالب في أجزاء كتابه الثلاثة بل قوامها جميعا.
وموجز بسيط للموضوعات التي تناولها المؤلف تساعد على إدراك ما قدمنا
قسم المؤلف الجزء الأول من كتابه إلى ثلاثة أبواب خصص الباب الأول منها بأصول الدولة، فتكلم في الفصل الأول عن ضرورة البحث في هذا الموضوع، وقدم لذلك مثلين هما: فرض الضرائب على الأجانب والنظام الفاشي. ثم انتقل إلى الكلام في الفصول التالية عن مختلف النظريات التي تناولتها عارضا ناقدا محللا، فتكلم في الفصل الثاني عن نظرية الطبيعة، وفي الثالث عن الأسرة، وفي الرابع عن العقد الاجتماعي، وفي الخامس عن القوة، وفي السادس عن الإرادة الفردية؛ وبعد أن انتهى المؤلف من الكلام على أصول الدولة في الباب الأول أخذ يتكلم في البابين الثاني والثالث عن التطور التاريخي لفكرة الدولة، فتناول في الباب الثاني الأفكار القديمة من الدولة مستعرضا إياها في الهند وفارس والصين ومصر، وعند اليهود واليونان والرومان، وتناول في الباب الثالث فكرة الدولة في القرون الوسطى وفي عهدي الأحياء والإصلاح
وفي الجزء الثاني من الكتاب تابع المؤلف بحثه في التطور التاريخي لفكرة الدولة؛ فتكلم عنها من عهد الإصلاح الذي ختم به الجزء الأول حتى سقوط نابليون النهائي بعد أن عرج في طريقه على الدستور البريطاني، فشرح أطواره منذ نشأته حتى نهاية القرن الثامن عشر
واستمر هذا البحث التاريخي في الجزء الثالث، إذ تناول المؤلف أطوار فكرة الدولة ابتداء من سقوط نابليون حتى اليوم - تناولها من ثلاث نواحي في ثلاثة أبواب؛ خص الباب الأول منها بتطور فكرة الدولة من ناحية سياجها الخارجي، أو بعبارة أخرى من ناحية القانون الدولي، وخص الباب الثاني بأهم أطوار العنصر التاريخي للدولة عارضا لمختلف الحركات الشعبية منذ سنة 1815، أي بعد سقوط نابليون النهائي، وخص الباب الثالث بأهم أطوار العنصر القانوني للدولة منذ ذلك الحين كذلك واصلا ما انقطع في نهاية الجزء الثاني من الكلام عن الحركة الدستورية والنظام البرلماني في فرنسا، خاتما إياه بكلمة واحدة وجيزة عن بعض المبادئ الدستورية الحديثة
والحق أن المؤلف الفاضل - مع ما سبق أن قدمنا - قد عالج هذه الأبواب التي تناولها في أجزاء كتابه الثلاثة معالجة الملم بموضوعه، الواسع الاطلاع، الدقيق الملاحظة، القوي العبارة، الجزل الأسلوب
على أننا مع الثناء الخالص على المؤلف والتقدير العظيم للكتاب نأخذ على الأستاذ أنه لم يبين في صدر الكتاب منهاج بحثه، وتقسيم عمله، وتسلسل موضوعه، البيان الكافي الذي ينير أمام القارئ السبيل إلى الغاية
كذلك نأخذ عليه عدم ذكره المراجع كاملة في الثبت الذي ذيل به كل جزء من أجزاء كتابه فلم يذكر أمام كل كتاب بعد اسم المؤلف والعنوان الكامل لكتابه الجزء الخاص بالموضوع إذا كان للكتاب عدة أجزاء، وعدد الطبعة إذا كان له أكثر من طبعة، والمدينة والسنة التي طبع فيها. ففي هذه البيانات ما يساعد محبي البحث والاستقصاء
كما أنه أهمل هذه البيانات عندما كان ينقل أو يوجز أقوال بعض العلماء في صلب الكتاب، فهو كثيرا ما يكتفي بالإشارة إلى اسم المؤلف ورقم الصفحة دون ذكر لعدد الطبعة، وقد تكون الطبعة التي يرجع إليها القارئ غير الطبعة التي كانت في يد الكاتب، والصفحات تتغير في مختلف الطبعات، بل هو أحيانا لا يذكر الصفحة التي نقل عنها فيصعب على القارئ الرجوع إلى العبارة المنقولة والتثبت منها
وجملة الرأي في الكتاب أنه لم يوجه وجهة علمية صرفة، بل قصد منه التثقيف والتهذيب، وأنه من هذه الناحية، أي ناحية الثقافة العامة عمل ضخم ثمين، أدى به مؤلفه الكريم إلى قراء العربية خدمة جليلة، كلفته جهودا مضنية من الطاقة والوقت، فمن حقه أن يقابل بالشكر الوافر والتعضيد الصحيح
محمد توفيق يونس