الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 116/ذهب الشباب

مجلة الرسالة/العدد 116/ذهب الشباب

بتاريخ: 23 - 09 - 1935


للأستاذ فخري أبو السعود

ذهب الشبابُ وغاض ذلك الرونقُ ... لم يبقَ إلا حسرة وتحرُّقُ

لم يبق إلا ذكر عهد زائل ... إذ أنت أملَحُ مَن يُحَبُّ ويُعْلَقُ

حالَ الجمالُ فلا قَوامٌ مرهفٌ ... يصبي النفوسَ ولا محيًّا مُشرِق

ما أنت إلا الروض صُوِّحَ بعد إذ ... هو مثمرٌ نضر الأزاهر مورق

ولقد يُجاد الروضُ بعد جفافه ... ويَجِدُّ من أبراده ما يَخْلَق

وأرى جمالك ليس يَبْعَثٌ مَيْتَهُ ... شمسٌ تضئ ولا غمامٌ يُغدِق

ولقد يروق الزهرُ بعد ذبوله ... وتَظَلُّ منه ريحة تتَنَشَّقُ

ورأيتُ حُسنَك حين أدبَرَ لم يَذَرْ ... إلا قذى يُؤْذي العيونَ ويُوبق

إلا مَقَاَبحَ كم تحاول سَتْرَها ... فتَنُمُّ من دون الطلاء وتنطق

قد جّفَّ عودُك والصِّبا مازال في ... أعطاف غيرك ناضراً يترقرق

ألْوَتْ بِقَدِّكَ بعد لين مَهَزِّهِ ... غِيَرُ الزمانِ وما عليها موثق

رَهَّلْنَهُ في حيث تَجْمُلُ دِقَّةٌ ... وهَزَلْنَهُ حيث الجزالةُ أخْلَق

فَغَدَتْ تَقَحَّمُهُ العيونُ وطالما ... قد راعها منه الرُّواء المونق

وتبدلَّ الطبعُ المحبَّب لم يَعُدْ ... دَلٌ يَشُوق ولا شمائلُ تُعْشَقُ

وتَطَامَنَ القلبُ الأبيُّ وإنَّهُ ... بالأمس لَلْحِصْنُ المنيعُ المغلق

ومضى شِمَاسٌ كان فيك سجيةً ... فاليوم فيك وداعةٌ وتَرَفُق

واليوم فيك تلطُّفٌ وموَدَّة ... كم كان يخطبها المحبُّ الشَّيِّق

وتخلفَتْ بك في الهوى أسبابُهُ ... ولقد عَهِدْتُك سابقاً لا يُلْحَقُ

ولقد عَلمِتْك في الملاحة مُفْرَداً ... ما لاحَ من حُسْنٍ جِوَارَك يُمْحَق

كانت لحُسْنِك دولةٌ فتفرقَتْ ... هيهات يجُمع شملُها المتفرق

نُثِرَتْ كِنانةُ عابديك وكلُّهم ... سالٍ لعهدِك أو لحالك مُشفق

وانفضَّ منهم مخِلصٌ ومُنافِقٌ ... وأقَلَّ مَدْحَكَ صادقٌ ومُمَلِّق

وغَدَوْتَ بعضَ الناسِ حيث تسير لا ... مجدٌ يَحُفُّ ولا جَلاَلٌ يُحْدِقُ تبدو، فلا حَدَقُ العيونِ مُبَادِرُ ... لهفاً إليك ولا الجوانح تخفق

وتبينُ، لا قلبٌ لبيِنك مُدْنَفٌ ... عانٍ ولا جفنٌ لذكرك يأرق

نَبَتِِ القُلوبُ وكنتَ قبلُ مُحَكماً ... فيهنَّ تأسر ما تشاء وتعُتِق

وإذا القلوبُ تغيَّرتْ وتفرقت ... عَيَّ الحليمُ بجمعها والأخرق

سكنتْ نفوسٌ كنتَ أمس عناَءها ... ولعلك اليوم المُعَنَّى المُقْلَق

ولىَّ جمالُك والطبيعةُ لم تزل ... تزهو وترفل في الضياء وتَعْبَق

تمضي على عادتها ما راعَها ... حُسْنٌ تَصَوَّحَ أو شبابٌ يَنْفق

فخري أبو السعود