الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 110/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 110/الكتب

بتاريخ: 12 - 08 - 1935

1 - تاريخ القرآن للأستاذ أبي عبد الله الزنجاني

2 - الخلق الكامل للأستاذ محمد أحمد جاد المولى بك

للأستاذ محمد بك كرد علي

- 1 -

تاريخ القرآن هو كما قال المؤلف وجيز في سيرة النبي الأكرم والقرآن الكريم والأدوار التي مرت به من كتابته وجمعه وترتيبه وترجمته إلى سائر اللغات، طبعته مؤخرا مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر. وقد استند المؤلف، وهو من المستنيرين من علماء إيران ومن أسرة نبيلة بشرفها وعلمها في مدينة زنجان، في تأليفه على مصادر لكبار علماء السنة والشيعة وجود الكلام على ما تقتضيه بيئته، وربما تجاوزها إلى أبعد غاية كان في مقدوره تجاوزها. وحبذا لو كان قد توسع في القراءات واستخدم لذلك مثلا كتاب النشر في القراءات العشر لأبن الجزري المتوفى سنة 833هـ والمطبوع في مدينة دمشق. وليته قال لنا شيئا في القراءات وما هي عليه اليوم في بلاد فارس والهند والصين وتركستان وجاوه والحجاز ومصر والعراق والشام وشمالي أفريقية، وتوسع في كلامه على ما قاله العلامة نولدكه في هذا المعنى ورد عليه؛ ومثله من يحسن عليه الرد؛ وبسط القول في الترجمات الإفرنجية وأيها أجدر بالعناية والقبول، إلى غير ذلك مما نرجو أن يتعرض له العلامة المؤلف في طبعة ثانية مزيدة

وقد صدر الكتاب الأستاذ أحمد أمين صاحب فجر الإسلام وضحى الإسلام بمقدمة موجزة قال فيها: ولئن ساغ في العقل أن يقتتل المسلمون أيام كان هناك نزاع على الخلافة، ومن أحق بها، ومن يتولاها؛ فليس يسوغ بحال أن يقتتلوا على خلاف أصبح في ذمة التاريخ، وأنه لولا ألاعيب السياسة، واستغفال الماكرين لعقول العامة، واحتفظ أرباب المطامع والشهوات بجاههم وسلطانهم، لا نمحى الخلاف بين الشيعي والسني، ولأصبحوا بنعمة الله أخوانا، ولنظر بعضهم إلى بعض كما ينظر حنفي إلى مالكي ومالكي إلى شافعي؛ ورجا أن يفكر عقلاء الفريقين في أحياء عوامل الألفة، وأن يترك للعلماء البحث حرا في التاريخ، ويتلقوا النتائج بصدر رحب، كما يتلقون النتائج في أي بحث علمي وتاريخي

ورأى صديقي أحمد أمين هو رأي فريق كبير من علماء المسلمين اليوم، وفي مقدمتهم الأستاذ الأكبر الشيخ المراغي، فقد قال في خطابه البديع الذي أجاب به من كرموه في الحفلة الأخيرة في القاهرة: إن من منهاجه العمل على إزالة الفروق المذهبية وتضييق شقة الخلاف بينها، فان الأمة في محنة من هذا التفرق، ومن العصبية لهذه الفرق، ومعلوم لدى العلماء أن الرجوع إلى أسباب الخلاف ودراستها دراسة بعيدة عن التعصب المذهبي، يهدي إلى الحق في أكثر الأوقات، وإن بعض هذه المذاهب والآراء قد أحدثتها السياسة في القرون الماضية لمناصرتها، ونشطت أهلها وخلفت فيهم تعصبا يساير التعصب السياسي، ثم انقرضت تلك المذاهب السياسية وبقيت تلك الآراء الدينية لا ترتكز إلا على ما يصوغه الخيال وما أفتراه أهلها. وهذه المذاهب فرقت الأمة التي وحدها القرآن الكريم وجعلتها شيعا في الأصول والفروع، ونتج عن ذلك التفرق حقد وبغضاء يلبسان ثوب الدين، ونتج سخف مثل ما يقال في فروع الفقه الصحيح أن ولد الشافعي كفء لبنت الحنفي، ومثل ما يرى في المساجد من تعدد صلاة الجماعة، وما يسمع اليوم من الخلاف العنيف في التوسل والوسيلة، وعذبات العمائم وطول اللحى، حتى أن بعض الطوائف لا تستحي اليوم من ترك مساجد جمهرة المسلمين وتسعى لإنشاء مساجد خاصة)

هذه أمنية عقلاء المسلمين، ويا حبذا لو عني بعض علماء الأزهر فكتبوا كتابا بل كتبا في منشأ هذا الخلاف بين السنة والشيعة، والطرق العملية لأزالته على ما يحب كل مسلم دراكة، ولا سبيل إلى ضم الشمل المبتوت، والخلاص من هذا الاختلاف الممقوت، بغير الرجوع إلى الكتاب وما صح من السنة، والقاء الخلافات جانبا بين أرباب المذاهب الإسلامية

- 2 -

طالعت بالأمس لمؤلف كتاب (الخلق الكامل) كتابا جميلا أسماه (محمد (ص) المثل الكامل) فأكبرت بحثه وغبطته على استخراج العبر من هذه السيرة الشريفة التي تدعو المؤمنين وغيرهم إلى التأسي بها. واليوم طالعت كتابه (الخلق الكامل) وهو في مجلدين ضخمين يتبعهما مجلد ثالث، فرأيت مؤلفا يجمع بين الثقافتين الإسلامية والغربية، ويكتب كتابه من تمثل فنه، وأخذ به، ودعا إليه مخلصا مؤمنا. ولقد فزع في وضع كتابه إلى أصح المصادر الإسلامية: فزع إلى الكتاب والسنة وإلى آراء علماء الأخلاق من سلف هذه الأمة وبعض رجالها المعاصرين، وفزع إلى آراء علماء التربية وفلاسفة الغرب، واعتبر الإسلام جامعا لكل الفضائل النفسية والمدنية، لو تذوقه أهله حق تذوقه، وعملوا بكل ما أمر به لكانوا خير أمة أخرجت للناس في هذا العصر

عالج المؤلف كل ما يخطر بالبال من النقائص، وما يقابلها من الحسنات والمكارم، وهو يرى مثلا من نقائصنا الخلقية أن يضحك الوالد عند سماع السب والفحش من طفله، واحتقار بعضهم الأعمال الحرة كالزراعة والصناعة والتجارة، ولطم الخدود والعويل على الشبان الذين يجندون لخدمة بلادهم والدفاع عنها، واحتقار كثير من عاداتنا القديمة وإن كانت حسنة، والتعلق بالعادات الغربية وإن كانت سيئة، والانغماس في الترف ومحاكاة الفقير الغني، وتطلع الشبان إلى الزوجات الغنيات وإن كن وضيعات الأخلاق، وتطلع الشابات إلى الأزواج الأغنياء وأن كانوا فاسدي الأخلاق، وشهادة الزور وحلف اليمين الغموس وإعانة الظالم على ظلمه، والإقبال على الروايات الهزلية الممقوتة والزهد في الكتب الجيدة المفيدة، والامتعاض من سماع الحق ومقت قائله، وازدراء المعتصم بدينه المحافظ على شعائره، وتقريب المستخفين والمستهزئين، وتكريم الزنادقة والملحدين إلى آخر ما عدد

ويتألف من كل باب من الأبواب التي عالجها رسالة جديرة بأن تقرأ ويستفاد منها. ومما قال إن فلاسفة الغرب وإن كان يرجع إليهم فضل السبق في بحث أمهات الفضائل فهم لم يبينوا مناطها، ولم يضعوا لها حدا فاصلا بين ما يحقق الفضيلة ومالا يحققها، فانهم لم يذكروا متعلق العفة ولا أي شيء تكون ولا مقدارها الذي إذا تجاوزه المرء وقع في الفجور، وكذلك الحلم لم يذكروا مواقعه ومقداره، وأين يحسن وأين يقبح وكذلك الشجاعة. وأفاض في الفلسفة الخلقية وينابيع الخلق والعواطف والانفعالات النفسية وينابيع الأخلاق والعادة والبيئة ووسائل تقويم الخلق والموازين الخلقية ووجوه الخير ومظاهر التربية الخلقية في الأمم الغربية والشرقية ومظاهر الأخلاق الإسلامية ومظاهر الأخلاق الفردية ومظاهر الخلال الاجتماعي إلى غير ذلك من الأبحاث التي خاض عبابها وجزأها أجزاء، ومزج فيها الكلام في القديم والحديث على النحو الذي تقبله النفوس، ولا يكون مثالا غير حي لا ينتفع به قارئه لبعده عن مستوى عقله وخلقه وعاده وحاجته

وعلى الجملة فان كتاب الخلق الكامل استجمع صفات التأليف النافع، وظهرت شخصية مؤلفة في صفحاته، وتحمسه لما يريد أن يدعو إليه ليستقيم حال هذا المجتمع الذي كثرت شروره ومفاسده على صورة لم تكن للمسلمين في الدهر السالف؛ دهمتهم سيئات الحضارة الجديدة فسهل عليهم قبولها أكثر من حسناتها التي صعب عليهم الأخذ بها كلها، ومن الغريب أننا بقدر ما يعلو مستوانا في العلم نزداد ضعة في الأخلاق إلا قليلا، وبعدا عن الجميل من حسنات الأجداد ولآباء، حتى لقد تجد في المتعلمين أخلاقا شاذة واستهتار رديئا قد لا تقع على مثله في العامة والأميين، وهذا من جملة سيئات المدنية المادية التي تجردت من عاطفة الدين وعاطفة الخلق، وقاست كل أمر على المادة والنفع العاجل

محمد كرد علي

تاريخ العرب

في الجاهلية وصدر الإسلام

تأليف الأستاذ عبد المتعال الصعيدي

المدرس بكلية اللغة العربية

اشتمل هذا الكتاب على تاريخ دول العرب الجاهلية، وعلى السيرة النبوية، وعلى تاريخ دولة الخلفاء الراشدين. وفي تاريخ العرب في تلك العهود الثلاثة مسائل كثيرة تحتاج إلى التمحيص، وشهادات للشعوبية في القديم والحديث، فعني هذا الكتاب بتمحيصها، وكشف أمر تلك الشبهات فيها، وسلك في دراسة السيرة النبوية منهجا جديدا كشف فيه غامضها، ورد بأقوى الأدلة كل ما يحاول به تشويه شيء منها، ومن ذلك غزوات النبي ﷺ مع يهود المدينة، فقد أراد صاحب كتاب (تاريخ اليهود في بلاد العرب) أن يرجع أسبابها إلى طمع المسلمين في أموال أولئك اليهود، وذكر أنه من أجل ذلك تعرض النبي ﷺ لدينهم، وكلفهم أن يعترفوا برسالته وهم لا يمكنهم أن يعترفوا برسول من غير بني إسرائيل، ولو أنه اقتصر على محاربة الوثنية العربية وحدها لما وقع نزاع بينه وبين اليهود الذين يشاركونه في أمر تلك الوثنية

فأثبت له صاحب كتاب (تاريخ العرب في الجاهلية وصدر الإسلام) أن اليهود هم الذين بدءوا المسلمين في ذلك النزاع بعد أن جمع النبي ﷺ بين الفريقين في حلف واحد، وجعل منهم أمة واحدة تجمع بينها رابطة الوطن، وإن اختلف دينها إلى الإسلام واليهودية. أما ذلك المال فكان الإسلام يحرم أن ينظر إليه المسلمون في قتالهم، وكان الله جل شأنه يؤدبهم بالقول والفعل إذا خالف بعضهم ذلك كما حصل منهم في غزوة بدر وغزوة أحد، وإنما كان سبب قتال اليهود نقضهم ذلك الحلف، وكراهتهم أن ينهض العرب بذلك الدين الجديد وهم أصحاب البلاد، واليهود قوم طارئون عليهم، فكان شأنهم في ذلك شأن الأجانب الآن في بلادنا، وإذا كان من حق الأجنبي على صاحب الوطن أن يكرم جواره، فمن حق صاحب الوطن على الأجنبي أن يراعي ذلك منه فلا يكره الخير له، ولا يقف حجر عثرة في سبيل نهوضه، فإذا لم يراع ذلك له كان من حقه أن يخرجه من وطنه، وألا يكرم جواره كما لم يكرم جواره

ومن ذلك أيضا تلك الفتن التي حدثت بين الصحابة في عهد الخلفاء الراشدين، فقد أدى للتاريخ حقه فيها، كما أدى لأولئك الأصحاب حقهم في صحبتهم لصاحب الرسالة، وفي عظيم جهادهم في نشر تلك الديانة. وهكذا سار المؤلف في كتابه يعينه تحقيق مسائل التاريخ أكثر من عنايته بسرد أخبارها، ويشفي في ذلك غليل من يريد الوصول إلى الحق فيها.

(ص)