مجلة الرسالة/العدد 101/تأبين الكاظمي
→ مراجعات | مجلة الرسالة - العدد 101 تأبين الكاظمي [[مؤلف:|]] |
أبو الطيب المتنبي ← |
بتاريخ: 10 - 06 - 1935 |
للشاعر الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي
صدق النعيُّ ومات عبد المحسن ... يا شعر أَبّنه ويا نفس احزني
يا شعر أنت ومحسنٌ قد كنتما ... عمراً رفيقيْ غربةٍ وتوطّن
قد عشتما في كل منزلة معا ... كالفرقدين اللامعين وأحسن
أو زهرتين ولا أراني داريا ... أشغفتُ بالنسرِين أم بالسوسن
حتى احتوته يدُ المنايا بغتة ... بمخالبٍ معقوفةٍ كالمحجن
لمن الزعامة في القريض ومن لها ... بعد الحفيّ الشاعر المتفنّن
ملأت قصائدُه القلوبَ حماسةً ... من بعد ما شغلت جميع الألسن
شعرٌ يكاد يسيل منه لفظٌه ... مثل الندى من رقةٍ فيهزّني
شعرٌ إليه بفعل مغناطيسه ... في السمع تنجذب القلوب وتنحني
العبقريةُ فيه مُعتَرَفٌ بها ... من ذا يسئ ظنونه في المحسن؟
شيخ القريض قضى فكان عليه لي=حزنٌ بعيدٌ غورُه قد مضّي
في كل قطر أبّنته عصبةٌ ... ما كلٌ من لاقى الردى بمؤبّن
بكت العروبة في الجزيرة محسناً ... ما موتٌ شاعرها الكبير بهيّن
فقدت فأوجع قلبَها فقدانٌها ... منه فتىً شهماً كريم المعدن
مات الذي كانت به معتزَّةً ... يا رب إن الخطب جلّ فهوّن
قد كان في كل المواقف واثقاً ... بالنفس شأن الشاعر المتمكن
دفنوه في ملحودة وخياُله ... في أعيني فكأنه لم يُدفن
ما كان للآداب إلاَ روضةً ... ما شَئت من زٍهر حوته تَجتَني
مَن للغريب قضى وكان مولّيا ... للطرف عند الموت شطرّ الموطن
قدودّ لو أن المنيّة أمهلت ... وإليه عبدَ به قريرَ الأعين
لكنها قد أعجلته بضربةٍ ... من كفّها في وثبةٍ من مكمن
الشعرُ أسمع شاجياً خفقانَه ... فكأنهّ أنات قلبٍ مٌثْخَن
يا شعر أنت من الفجيعة مؤلَمٌ ... وأرى الأسى بجبينك المتغضّ بيني وبينك في الحياة وشيجةٌ ... وجميعٌ ما هو محزنٌ لك محزني
يا شعر بعد الناثرين دموعَهم ... إن كان عندك ما تبثّ فبيّن
ما أكبر الأخلاق في نفس امرئ ... إن خاشنته الناسُ لم يخشوشن
قد عاش عيشاً والحياةُ مُلَّحةٌ ... ما كان بالمْغنى ولا بالمسمن
من ديدن الشرق احتقار دوى النهى ... والشرق ليس مُغّيراً للديدن
الكاظميّ قد اعتني ببلاده ... وبلاده بحياته لم يعتن
لو كان يحظى في العراق ببلغةٍ ... ما سار يقصد مصرَ عبد المحسن
بلدُ به بخلاف ما في غيره ... شبع الدخيلُ وأَسغب ابن الموطن
للمرء في الأرض الفضاء مساكنٌ ... أنّي مضى والقبرٌ آخر مسكن
والموت فوق جنادل وصفائح ... كالموت حُمَّ على فراشٍ ليّن
لا تسألوني عن مصير مَن انطووا ... أنا بالعواقب لستُ بالمتكهّن
قالوا وراء الموت أهوالٌ ولم ... أحفل بما قالوا ولم أتيقّن
ولعل هذا الموت مبدأ رحلةٍ ... للروح خالدةً وراء الأزمن
تبنى الحياة لها الصروحَ من المنى ... والموت يهدم كلّ ما هي تبتني
في الكون هذا كلُ شيء ممكنُ ... إلا البقاء فذاك ليس بمكمن
وكأننا صور الخيال لبرهةٍ ... نبدو ونخفى عن شعاع الأعين
الكون عن ماضيه لم أك راضياً ... والكون عن آتية لستُ بمأمن
فرحُ بجانبه همومُ جمةُ ... هذا منيحةُ دهرك المتلوّن
لابد من موتٍ لمن هو عائشُ ... فاشجُع إذا قابلَته أو فاجبن
إن المنون لرابضٌ مُتحيّنٌ ... ماذا مرادُ الرابض المَتَحيّن
أرَبابُ إن الحزن يقتل أهلَه ... أرَبابُ يا ابنة محسنٍ لا تحزني
أرباب صبراً فالحياة فريسة ... والموت ذئبٌ إن سطا لا ينثني
يا بلبل الشعراء مالك صامتاً ... من بعد تغريد بشعرك مُشجِن
قد سرتَ قبلي للردى متعجِّلاً ... ولعّلني بك لاحق ولعلَّني
(بغداد) جميل صدقي الزهاوي