مجلة الرسالة/العدد 1003/حركة التسلح الخلقي
→ عرض سريع عن | مجلة الرسالة - العدد 1003 حركة التسلح الخلقي [[مؤلف:|]] |
المعرفة بين الفلسفة والتصوف ← |
بتاريخ: 22 - 09 - 1952 |
بمناسبة الاشتراك في مؤتمرها بمدينة (كو) بسويسرا في
شهري يوليو وأغسطس سنة 1952
للأستاذ أحمد عوض
نشرت في عدد سابق من الرسالة الغراء كلمة عن (التسلح الخلقي والإسلام) تحدثت فيها عن أهداف هذه الحركة التي تدعو إلى الخلق الفاضل على أساس ديني وتمدح من بين رسالتها الفضائل الإسلامية، وتعين من بين الأهداف التي تحاربها النزعات الاستعمارية
كتبت هذا لأنني حضرت بعض مؤتمرات (التسلح الخلقي) في الأعوام السابقة، وسمعت صاحب الفكرة يشرحها شرحاً وافياً بما يتفق وديننا. ولأنني قرأت في أدب القوم ما يسوغ حسن الظن بهم. وقلت فيما قلت بتلك الكلمة إنهم وإن كانوا من أبناء أديان أخرى فإنهم فضلاً عن التمدح بالخلق الفاضل في ديننا وفضلاً عن حربهم للاستعمار فإن بيننا وبينهم غرضاً مشتركاً هو محاربة الإلحاد والشيوعية وأي استعمار على حد سواء
ولكني بعد ذلك زرت (كو) في شهري يوليو وأغسطس، ولست أدري هل تغيرت أهداف هذه الحركة أم اندس عليها من يحاولون استغلالها؟ ولكن الذي أدريه أن شعوري بين الحالين نحو هذه الحركة - لا مبادئها - كان ظاهر الاختلاف
لقد وجدت في رحلاتي الأولى من يستشهد بآيات من كتابنا الكريم ويمجد ذكرى نبينا العظيم ويرجو لنا وللعالم التحرر بفضل ما في هذا الكتاب من آيات بينات وما في هذا الرسول من أسوة حسنة
ووجدت كما وجد غير من المصريين وسائر المسلمين أن المذهب الداعي إلى تجديد بناء العالم على أساس الفضائل الخلقية يتفق مع تعاليم ديننا - في حين لا أجد في سائر مظاهر الحياة في الغرب من يقدرنا هذا التقدير، ولا من يبدي لنا مثل هذا الشعور وقد جمعت في رحلاتي قبل الأخيرة ما استطعت جمعه من كتب ألفها القوم عن حركاتهم فوجدت بينهم أنصاراً لنا ضد الاستعمار يدعوننا إلى مناصرتهم ضد الشيوعية ويرحبون بالفضائل الخلقية في ديننا سبيلاً إلى بناء عالم جديد لقد صرح القوم في كتاباتهم وفي خطبهم بأن الاستعمار والدكتاتورية يتناقضان مع الخلق الفاضل، فكلاهما من مظاهر الأنانية ومن أعداء التطهير، ومن ابعد ما يكون عن فضيلة الحب فضلاً عن التضحية
وسمعت في المؤتمر الأسبق داعيا مصرياً - هو الدكتور محمد صلاح الدين - يدعو القوم إلى مساعدتنا على المستعمرين بقصد تغييرهم فيجيبه العضو الإنكليزي باعتراف صرح في أنه سيدعو في أمته إلى التغيير (التحرر من الرذيلة)
لكن المؤتمر الأخير كان خاليا كل الخلو من أية كلمة ضد الاستعمار
فلما أردت التوجيه إلى هذه الناحية لمست اتجاهاً واضحاً إلى أن التلويح بعداوة الاستعمار كان من أجل غرض واحد هو الاستفادة بعداوتنا نحو الشيوعية، ولم يمنعني ذلك عن الإفاضة في بيان مساوئ الاستعمار. ولكني لم أجد بينهم جدية الإصغاء
لست نادماً على حسن الظن السابق فقد كان الدليل قائماً لدي على مسوغات، ولا أزال عند رأيي في أن الخلق الفاضل مشترك بين الأديان وفي أن الدكتور بوكمان مؤسس هذه الحركة رجل فاضل، ولكن هؤلاء الذين اندسوا عليه وأحاطوا به يحاولون استغلال هذه الحركة في أغراض أخرى
إن في الدنيا كثيراً من الحق الذي يراد به الباطل، ومن الزيت الذي يردا به إيقاد النار، ومن استغلال حسن الظن بالتلويح بالخير؛ فهل تغيرت الحركة أم انضم إليها بعض الوصوليين والانتهازيين أو بعض أصحاب المطامع؟ هذا ما ستظهره الأيام
على أنني أعتقد أنه مهما يكن الرأي في القائمين بهذه الحركة أو المندسين عليهم فإن البرنامج الذي وضعوه مفصلاً على أساس تلك المبادئ يمكن تبنيه على أن يكون الخلق الذي تتسلح به ذا طابع قومي
إن الأخلاق في ذاتها لا تختلف بين أمة وأمة، ولا بين دين وآخر ولكن الفهم لها وطرق التوجيه إليها والانتفاع بها تختلف كما بدا لي أخيراً من الذين تنطبق عليهم الآية الكريمة:
(ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام)
الإسكندرية
أحمد عوض