مجلة الرسالة/العدد 1000/الأدب والفن في أسبوع
→ نشيد الخلاص | مجلة الرسالة - العدد 1000 الأدب والفن في أسبوع [[مؤلف:|]] |
رسالة النقد ← |
بتاريخ: 01 - 09 - 1952 |
للأستاذ أنور الجندي
مدرسة الرسالة
في 15 يناير سنة 1932 بزغ النجم فصدر العدد الأول من الرسالة، وفي أول سبتمير سنة 1952 يصدر العدد الألف من هذه المجلة خلال فترة بلغت عشرين عاما، تطور فيها الأدب والفكر والفن، وانتقل من مرحلة إلى مرحلة، وسايرت الرسالة هذه النهضة ووجهتها وتفاعلت معها، وتركت فيها آثار حية ما تزال باقية خالدة.
وفي خلال هذه النهضة الأدبية التي بدأت بعد الحرب العالمية الأولى نشأت مدرستان: مجلة السياسة ومجلة الرسالة.
أما مدرسة السياسة فقد بدأت منذ عام 1922 وانتهت عام 1931، أما مدرسة الرسالة فإنها منذ بدأت لم تنته، وما زالت تواصل جهادها في قوة.
كانت مدرسة السياسة تنشئ الأدب الجديد، وتواجه التيارات المختلفة، وتقف من الحضارة الأوربية ومن القديم والجديد، ومن الشرق والغرب؛ موقفا بين الوضوح والغموض، وبين الاتزان والشطط، وبين الاعتدال والاضطراب.
أما مدرسة الرسالة فقد جاءت بعد أن استقرت الأمور، ونضج الأدب وبدت ثماره دانية القطوف، وانتهت المرحلة العصيبة الجادة إلى غير عودة.
وبينما كانت مدرسة السياسة تقول بالفرعونية، وتدعو إلى التنهيج بكتابين متواليين عن الشعر الجاهلي؛ والخلافة وأصول الحكم؛ كانت الرسالة تقول بالامتزاج وتقريب وجهات النظر ورعاية القديم وبعثه، وتقبل الجديد بعد دراسته ونقده.
وكان الصراع في (السياسة) بين الأدب القديم والجديد، أقرب إلى الهدم منه إلى البناء؛ فلما جاءت الرسالة واءمت بين القديم والجديد، وبين الشرق والغرب على هدى وبصيرة.
وبعد أن مالت (السياسة) بالأدب إلى النيل من شوقي والرافعي، جاءت الرسالة فأنشأت روحا جديدة قوامها الجمع بين الأفكار والنفوس عن ميدان الصراع، وخلق ميجان للبناء والإنشاء.
وفي مدرسة (السياسة) كتبت الأقلام التي أبرزتها النهضة بعد ثورة 1919: طه حسين، وهيكل، والمازني، وعنان، ومحمود عزمي. . أما في الرسالة فقد كتبت هذه الأسماء، ونشأت في محيطها أقلام جديدة هي صفوة الكتاب الذين يلون الصف الأول.
وبعد أن كانت الكتابة في (السياسة) من ذلك النوع الذي أطلق عليه الدكتور طه حسين اسم (الأدب الموضوعي) وهو النقد، جمعت (الرسالة) بين الأدب الموضوعي والأدب الإنشائي. . . وكان الخلق والفن الجديد أغلب.
كان قوام مدرسة الرسالة روح (الزيات)، الأسلوب البليغ، والعبارة التزنة، والكلمة النقية، والنقد النزيه، والإبداع. .
وبالرغم من أن كتاب (السياسة) انتقلوا إلى الرسالة إلا أن إنتاجها قد تطور وتحول من حال إلى حال.
فالدكتور طه حسين الذي كان يكتب فصولا في تصوير الحياة الاجتماعية في العصر الأموي والعباسي تحت عنوان (حديث الأربعاء) في (السياسة)، كتب فصولا غاية في الروعة عن سيرة الرسول في الرسالة باسم (على هامش السيرة)، وكان هذا فنا جديدا من فنون القول والإنشاء.
والرافعي الذي كان يكتب حديث القمر، وأوراق الورد، والمساكين وغيرها قبل أن يتصل بالرسالة، فلا يقرأها إلا صفوة قليلة من الأدباء، كتب في الرسالة أجود إنتاجه، ونزل إلى مرتبة القراء الوسط، وخلف كتابا ضخما هو (وحي القلم).
وتوفيق الحكيم بدأ على صفحات الرسالة أول كتاباته في الأدب والفن في مساجلاته مع طه حسين عن نشأة الحوار والفن الإغريقي والفوعوني.
وعلى صفحات الرسالة بدأ العقاد عبقرية محمد، والحكيم قصة محمد المسرحية، ومن ذا الذي ينسى مقالة عبد الرحمن شكري في الرسالة بعد أن ظل أعواما وأعواما لا يكتب حتى نسيه الناس.
وعبد الوهاب عزام وأسفاره ورحلاته، وكتاباته عن التصوف.
والكتاب الذي يعد أجمل ما كتب زكي مبارك بدأه في الرسالة: (ليلى المريضة في العراق).
والقصص الإغريقي الخالد، كتب لأول مرة على صورة رائعة في الرسالة عندما أنشأه دريني خشبة.
والمساجلات الرائعة الخالدة، كانت صفحات الرسالة منبرها أمثال (بين الرافعي والعقاد) (بين سيد قطب ومحمود محمد شاكر وسعيد العريان) (ولايتينون وسكسيتون) بين العقاد وطه حسين.
و (صداقات الأدباء) بين توفيق الحكيم وزكي مبارك والعقاد.
و (ما لزكي مبارك وكتاب الله) بين زكي مبارك ومحمد أحمد الغمراوي.
و (الشيخ المرصفي) بين زكي مبارك والسباعي بيومي
و (أومن بالإنسان) بين علي الطنطاوي وعبد المنعم خلاف.
و (الأدب المهموس) بين محمد مندور وسيد قطب.
والمذهب الرمزي والتبياني بين العقاد وكثير من الكتاب.
وكان للرسالة فضل في إبراز شخصيات أدبية غاية في القوة في مصر والشرق وفي مقدمتها: الأستاذ صلاح المنجد وعلي الطنطاوي وناجي الطنطاوي وجواد علي وفهمي عبد اللطيف وأنور العطار وسعيد العريان ومحمود محمد شاكر وعزيز أحمد فهمي ومحمود الخفيف وعبد المنعم خلاف.
ومن كتابه ثلاثة كانوا غاية في القوة، وكان ينتظر لهم مستقبل حافل، لولا أنهم انتحروا: فخري أبو السعود وفيلكس فارس وإسماعيل أدهم أحمد.
وغاية القول أن مدرسة الرسالة كانت مدرسة الخلق والإنتاج، وان الأدب المعاصر مدين لها بكل ما فيه من قوة وعظمة وجلال، ولا نبالغ إذا قلنا إن كتابا من الكتب الأدبية الحديثة لم يكن قبل صدوره إلا فصولا في مجلة الرسالة. ونحن نهنئ الأستاذ الزيات بهذا الفضل الذي طوق به الأدب العربي الحديث.
هل يكتب التاريخ من جديد
فارق كبير بين ما يكتب الآن، وبين ما كان يكتب قبل 23يوليه 1952، إن القيود التي كانت موضوعة على الحقائق قد رفعت، فاصبح في مقدور كل من يعرفها أن يعلنها صادقة، هذه الحقائق هي مادة التاريخ، الذي يجب أن بكتب من جديد.
إن الأحزاب السياسية التي كانت تلي الحكم في الثلاثين عاما الأخيرة قد كانت في حديث الصحف والكتب قبل هذا التاريخ صاحبة أمجاد، وكان فلان وفلان وفلان هم زعماء الشعب، أما الآن فقد أمكن أن تقال الحقيقة، وهي مدى الأثر الذي تركته هذه الأحزاب بصراعها ونفاقها في البلاد.
إن الملك السابق كانت تكال له عبارات التمجيد والتقدير والإعجاب من رجال السياسة والدين والصحافة، وقد تحول هذا كله اليوم إلى إعصار من الحقائق التي كانت محجوبة. . . والتي كان يمكن أن تظل محجوبة وقتا طويلا لولا هذا الانقلاب.
والصحف قبل 23 يوليو كانت تحمل أشياء كثيرة، لا أظن أنها صالحة لكاتبة تاريخ مصر كتابة صحيحة، ولا أظن أنها المادة النافعة لهذا، والمؤرخ الذي سيعتمد عليها سيكتب حتما صورة خاطئة لمصر.
وقد ألفت في هذه الفترة الطويلة كتب عن فاروق وفؤاد وإسماعيل وعن سعد زغلول والنحاس، وعن السياسة والوطنية والمجتمع، كل هذه المؤلفات ما عدا القليل منها أصبح زائفا.
ولم يكن هناك غير عبد الرحمن الرافعي وفتحي رضوان وبعض كتاب الإخوان المسلمين الذين كانوا يقولون بعض الحقيقة أو يحاولوا في لباقة أن يقولوا الحقيقة المرة.
لقد كانت المطامع والأهواء تغطي على كل شيء، فطالما زيفت الصحف الحقائق، وقالت غير ما هو كائن، وصورت الأمور على غير وجهها، وكان ذلك في بعض الأحيان رغم أنفها، وفي بعضها الآخر بإرادتها، وكانت بعض الصحف مشتراة، للأحزاب أو لغير الأحزاب، لتزييف هذه الحقائق، ولذلك وجب أن يكتب تاريخ مصر: تاريخ الملك والأحزاب والسياسة والأزهر من جديد بعد أن أصبح ذلك فعلا في مقدور كل كاتب.
أيها الكتاب: اكتبوا تاريخ مصر من جديد
أنور الجندي