الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 1/الجمال والحب

مجلة الرسالة/العدد 1/الجمال والحب

مجلة الرسالة - العدد 1
الجمال والحب
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 15 - 01 - 1933


هل يشترط الجمال في المرأة لإثارة الحب؟

آراء طائفة من أعلام النساء والرجال

هل يجب أن تكون المرأة حسناء لكي تحب؟ هذا سؤال طرحته صحيفة نسوية فرنسية ظهرت حديثا هي (جريدة المرأة) وتقدمت بسؤالها الى جماعة من الأكابر ذوي الرأي والمكانة الاجتماعية، رجالا ونساء، وقد رأينا لطرافة هذا الاستفتاء، أن ننقل خلاصة ما أدلى به أولئك الكبراء في هذه المسألة النفسية الخطيرة.

الرأي النسوي

ونبدأ بما يراه الرأي النسوي في ذلك ممثلا في أقوال طائفة من شهيرات النساء.

قالت مدام دوسان الفنانة الباريزية الكبيرة التي تعد نموذجا من أبدع النماذج لجمال الفرنسية وسحرها، والتي تحمل أرفع أوسمة (الشرف) وتشغل في المجتمع الباريزي أرفع مقام:

(ماذا يعني أولا أن تكون امرأة حسناء؟ يوجد ألف شكل لتكون المرأة حسناء، وألف آخر لتكون جذابة، ومائة ألف أخرى لكي لا تكون قبيحة! والحسن ليس شرطاً فقط لكي تحب المرأة، ولكن يجب أن تكون المرأة حسناء لأسباب كثيرة أخرى، يجب أن تكون حسناء بالصدفة. ففي مدننا المروعة حيث تأبى الأشجار ذاتها الحياة، يغدو القوام النسوي الساحر آخر بهجة تقدمها الطبيعة للأعين. ويجب أن تحاول المرأة أن تكون حسناء، فتلك مدرسة بديعة للإرادة. صحيح أن المرأة الحسناء تكون أحيانا فوزاً مدهشاً للطبيعة، ولكنها أكثر ما تكون امرأة استطاعت أن تصلح زينتها وأن تصقل رواءها، أو بعبارة أخرى امرأة استطاعت أن تكون قاسية على نفسها. وقد نعتقد متى فاجأنا إحدى أولئك النسوة تنظر الى المرآة خلسة أنها تعجب بنفسها. وهذا خطأ كبير. فهي في الحقيقة تدرس نفسها، وتضبط نفسها بصرامة حفية، وتتقدم في تفهم وسائل الحسن. ولكنها لن تعترف بذلك مطلقا، ولها في ذلك كل الحق.

ولا يوجد حسنان متماثلين. فقد يكون الجمال هو وسامة الخلقة، ولكنه قد يكون أيضا بشرة وردية وشعراً أشقر، أو يكون نبرة الصوت. أو طريقة الابتسام، ولو دققنا البحث فمن ذ الذي لا يتمتع بلمحة من الجمال؟

على أنه يجب البحث وراء الجمال لاعتبارات صحية؛ والصحة من أنفس موارد الجمال. وواجب ألا يغرينا منظر الجمال السقيم، فهو كالأثواب الغريبة، قلما يتاح له النجاح. ولكن اضطرام الحياة، والتفاؤل، والحماسة وسائل محققة للاحتفاظ بصباحة الطلعة، وثبات القامة، ولمعان العين.

ولكن ماذا يجب لكي تحب المرأة! هذا هو لب السؤال. حقاً أن الحسن لا يضر، ولكنه ليس بذي عصمة، والجمال مثل المال، لا يحقق السعادة حتما. هذه المرأة الفتية النحيلة، ذات الجمال الخطر، التي تسحرك على لوحة السينما حيث يقتتل اثنان من اجلها، قد أرادت في الأسبوع الماضي أن تنتحر بالسم لأن الرجل الذي تحبه هجرها من اجل فتاة صغيرة من الرعاع لا ميزة لها الا أنها تحسن الطهي. ولكن تأمل أيضا هذه المرأة التي تسير جامدة دون تأنق، فأن لها زوجا يعبدها منذ عشرين سنة لأنها في نظره تجمع بين كل المحاسن. أن المسألة كلها حظوظ فقط.

ومع ذلك فيجب أن نجتهد في استكمال روائنا، وفي الظهور بديعات مشرقات، إذ أن ما نثير من اهتمام أو حماسة يشرق بدوره من حولنا. فنحن نعجب بجمال الممثلات، ولكن روح أدوارهن هو الذي يذكي هذا الجمال ويطيل اجله.

هل يجب أن تكون المرأة حسناء لكي تحب؟ أود أن أجيب أنه يجب أن تحب المرأة لكي تكون حسناء.)

وقالت مدام لوسي ديلاري مردروس الكاتبة والمثالة الشهيرة: (لست أعتقد أن الجمال شرط لإثارة الحب. فالجمال مسألة مفاجأة وظهور على المسرح. ونحن نعتاد النظر إليه كما نعتاد القبح، وهذا هو الخطر. ونحن نعرف الكلمة السائرة: أنها حسناء حتى لا ينقصها شيء. ولكن من سوء الطالع الا ينقص المرأة شيء، إذ يجب أن يمكن المرء من العناية والاختراع لأجل إنسان ما. فهذا التعاون من جانب ذلك الذي نحب ضروري جداً. والرجل يذكر دائما أن حواء قد خلقت من أحد أضلاعه. وإذن ففي بعض الأحوال قد تفوق جاذبية القبح جاذبية الجمال؛ فان محيا قبيحاً يثير الجزع والألم، ويحاول المرء أن يصلحه بلا انقطاع. وليس معنى ذلك أن المرأة يجب أن تكون قبيحة لكي تحب. ولكني اعتقد أن الحب لا تذكيه خلقة الشخص، ولكن يذكيه إلهامه، وكذلك دلالة محياه، فإن دلالة ساحرة أفضل من خلقة وسيمة.

وقالت مدام ماريز باستيه الطيارة الشهيرة:

(لست أعتقد أن الرجل يبحث عن الجمال في المرأة اكثر مما نبحث عنه نحن النساء في الرجل. ومن سوء الحظ أن يعرف الرجل أنه جميل وهذا ينطبق أيضا على بعض النساء الحسان. وعلى أي حال فان الحسان يظفرن بكثير من النجاح. فهل يحبهن الرجال أكثر من غيرهن؟ ولكن الأخريات أين هن؟ يخيل إلي أنه لا توجد ثمة وجوه قبيحة).

وقالت مدام جني وهي أخصائية شهيرة في شئون الجمال والزينة (أن ما يدهشني دائما هو ما ألاحظه من ضآلة الدور الذي يؤديه الجمال في الحب. فالرجل تغريه أشياء غير الجمال. ولست أستطيع أن أجد لذلك أي تفسير، فهنالك نساء مبتذلات ونسوة من أحط الرعاع، يرتكب من أجلهن رجال ممتازون أشنع ضروب الطيش. وإذن فلنقل مثل ما قالت كارمن: أن الحب لا يعرف أي قانون).!

رأي الرجل

واليك رأي الرجل في تلك المعضلة الاجتماعية الدقيقة. ممثلا فيما أدلى به أكابر الرجال:

قال الأستاذ هنري روبير عضو الأكاديمية الفرنسية ونقيب المحامين السابق:

(لا بأس أن تكون المرأة جميلة ولكن ذلك ليس ضرورياً وأني لأفضل مائة مرة امرأة ذكية طيبة القلب وليست عاطلة من الوسامة على امرأة وافرة الحسن ليس لها قلب ولا ذكاء.

أن المواهب العقلية في المرأة لها قيمة كبيرة. وللذكاء النسوي دقائق ندهش لها بحق. والنساء اللواتي يخلبننا هن أولئك اللاتي يستطعن أن يقلن شيئا، فهنالك شيء لا يمكن وصفه، وهو أوقع جداً في إثارة الحب من الجمال: ذلك هو السحر. وهنالك من ضروب السحر نوع لا أستطيع مقاومته، ذلك هو سحر الصوت. وبعد فما قيمة المبادئ في هذا الموضوع؟ أن الإنسان حيوان العادة، فإذا ما اعتاد شيئا فانه لا يعنى بالتحليل).

وقال نيكولا سيجور الكاتب الأشهر:

(ان الجمال مقر ملوكي للحب، والخفاء هو الذي يجعله ينفتح ظافراً مختاراً. والمرأة الحسناء هي قدس طبيعي، بل هي التنزيل الوحيد على الأرض.

وللجمال أهمية كبرى في إثارة الحب. وهو هبة أرفع من المواهب والعبقرية والفضيلة، إذ أن المرأة الحسناء يجتمع في شخصها كما يقول رينان، كل ما تستخلصه العبقرية بمشقة وفي لمحات ضئيلة.

ولهذا فان ظهور امرأة حسناء يضع الرجل أمام المعجزة وجها لوجه. ويثير في نفسه اضطرابات كتلك التي يعرضها هوميروس بأسلوبه الخالد حينما يصف اجتماع شيوخ طروادة على الأسوار وهم يلعنون المرأة الغريبة التي جاءت لتبث في مدينتهم بذور الخراب والموت. ولكن هيلانة ما كادت تظهر حتى نهض أولئك الذين يلعنونها مضطربين يقول بعضهم لبعض: أنه لحق أن نتحمل الضرر من أجل امرأة لها ذلك الحسن.

وفي باريس نعرف كما عرف اليونان الأقدمون، أن الجمال مقدس وانه لؤلؤة الخليقة، والصورة المادية الوحيدة لما نسميه المثل الأعلى.

على أن هنالك خواص عجيبة أخرى تحل محل الجمال، وتخلق الجمال لدى المرأة التي لم تحظ بقسامة الخلقة. ولا ريب أن السحر والظرف، والذكاء تجذب الرجل وتخضعه. وما تغنمه الحسناء توا بظهورها، تستطيع أن تغنمه أية امرأة أخرى بوسائل أخرى.

ويخيل إلى أن ما يأتي بعد الجمال، هو خصب الحياة، وانتعاش الملامح، وما يستشفه الرجل من الحساسية حلال المحيا. فهذه تؤثر فيه تأثيراً قوياً ناجعاً.)

وقال الدكتور شابا عضو المجمع العلمي ورئيس جمعية الفنانين:

(لا ريب أن الجمال يعاون كثيراً على إثارة مشاعر الحب. بيد أنه يوجد نساء غير حسان، ولكنهن اكثر جاذبية من الحسان. وللسحر خفاء لا يعلل، فان السحر الذي تبثه امرأة ما في نفس رجل ما. قد يقتصر أحيانا على هذا الرجل.

ولكل امرأة على الأقل لحظة من السحر. وهذه اللحظة قد تقرر مصير حياتها كله. ويحدث أحياناً أن نرى نساء هن نماذج الجمال باردات منكمشات، فإذا هن بقبس يسطع في العين، أو حركة في جانب الثغر، فيحدث ذلك تغييرا في المحيا. وهذه الحالة تقع كثيراً للفتيات المحدثات. وإذا من المهم أن نكتشف لديهن ما هو خاف عليهن وعلى ذويهن، وما قد يعود يوما عاملا في إثارة الحب الذي يثرنه).

قال الدوق ليفي ميربو المؤرخ الأشهر: (ليس الجمال شرطا لإثارة الحب. فإذا احب رجل امرأة وافرة الحسن، فهو غالباً آخر من يلاحظ جمالها، ولا ريب أنه يكون سعيداً بذلك، ولكن الجمال لم يكن أول ما أثار اضطرابه الأول. فالذي يثير ذلك هو الهام الحب، ذلك الإلهام الشهير الخالد. هو السحر الذي يتطور بتطور العصور. وليس وسامة الخلقة وانتظام التقاطيع. فان جوزفين بوهارنيه لم تكن وافرة الحسن، وكانت كليوباطرة (تلك المرأة الهائلة) اقل جمالا من أوكتافيوس).