مجلة البيان للبرقوقي/العدد 61/رواية تاجر البندقية
→ قصيدة غزلية | مجلة البيان للبرقوقي - العدد 61 رواية تاجر البندقية [[مؤلف:|]] |
الفتنة في الهند ← |
بتاريخ: 1 - 10 - 1921 |
تأليف وليم شاكسبير
الفصل لأول
المنظر الثالث
البندقية مكان عمومي
يدخل باسانيوو شيلوك
شيلوك: ثلاثة آلاف دوكة - إيه
باسانيو: أجل يا سيدي لمدة ثلاثة أشهر.
شيلوك: لمدة ثلاثة أشهر - إيه.
باسانيو: وسيقوم بضماني فيها انتونيو - كما أنبأتك.
شيلوك: سيقوم بضمانتك انتونيو - إيه.
باسانيو: فهل لك في إنجادي. وإسعافي وإسعادي. بإسداء هذه النعمة وإهداء هاتيك المكرمة؟ خبرني أأنت مجيب سؤالي وقاض حاجتي؟
شيلوك: ثلاثة آلاف دوكة لمدة ثلاثة أشهر والضامن انتونيو.
باسانيو: جوابك على هذا.
شيلوك: وانتونيو رجل ثقة.
باسانيو: أسمعت عنه قط خلاف ذلك.
شيلوك: لا، لا لا. إنما بقولي ثقة المركز المالي أعني هل عنده كفاء ما قد ضمنه، على أني أعلم أن ثروته مزعومة. وأمواله موهومة. فإحدى سفائنه تؤم طرابلس وأخرى تقصد جزر الهند وقد علمت من الغرفة التجارية أن له ثالثة بالمكسيك ورابعة تنتحي إنكلترا وكم له غير ذلك من بضائع قد بعثرها في أنحاء البحار. واستودعها صدر الجائش الزخار. واستحملها ذرى موجة وتيار. ولكن هل ترى السفائن إلا الواحا وهل النوتية إلا أجساما وأرواحا وإن هنالك لجرذانا برية وجرذانا بحرية ولصوصا بحرية ولصوصا برية - أعني قراصنة. ويجيء من بعد هذا أخطار الأمواه والرياح والصخور. على أن أرى الرجل مع هذا كله كفؤا لضمانة هذا القرض. ثلاثة آلاف دوكة، لا مانع عندي م ضمانته.
باسانيو - ثق إنه لا مانع البتة.
شيلوك - سأتوثق من ذلك. ولكي أستوثق منه سأتدبر الأمر مليا.
أيمكنني مفاوضة انتونيو؟
باسانيو - أفلا تفضلت علينا بتناول الغداء معنا.
شيلوك: ويحي! أشم لحم الخنزير وآكل من الحيوان الذي جعل نبيكم النصراني مسكنا للشيطان أحله فيه، لا بأس على أن أساومكم وأبايعكم وأحادثكم وأسايركم وهلم جرا. ولكني لن أواكلكم لا أشاربكم ولا أشهد الصلاة معكم ما أنباء الغرفة التجارية؟ من القادم؟
يدخل انتونيو
باسانيو - هذا هو السنيور انتونيو
شيلوك - (على انفراد) ما أشبه بحياة الخراج ذلة وانكسار إني لأمقته لأنه نصرانيا. ويزيدني مقتالة وحردا عليه أنه من بله وحماقة يقرض المال بلا فائدة فبهبط بذلك قيمة الأرباح في فينسيا. فلو أبدى لي القدر من مقاتله فأمكنني فيه الفرصة إذن لشقيت منه عليلا قديما. وأطفأت بالقصاص منه جمرة حقد أوقدت على كبدي حميما. تباله لشدة ما يمقت شعبنا المقدس: وكم تراه في أحشد مجامع التجار وأحفل نواديهم يهزأ بي ويسخر من مساوماتي ومن حلال مكسبي الذي يسميه ربا. فلعنة الله على أمتي وناسي إن غفرت له وعفوت عن.
باسانيو - شيلوك أأنت منصت لي؟
شيلوك - إني أقدر ما لدى الآن من النقد واحسب أني لا أستطيع توا تقديم جملة الثلاثة الآلاف دوكة. ولكن لا بأس علينا من ذلك. فهذا (توبال) أحد أغنياء الطائفة يمدني بالمال. خبرني كم شهرا تريد القرض؟ (مخاطبا انتونيو) أسعد الله أوقاتك أيها السنيور إنك أخر من أجرينا ذكره على شفاهنا.
انتونيو - شيلوك؟ إني وإن كنت لا أرابي أخذا ولا إعطاء لأخالفن مذهبي، قضاء حاجات لصاحبي قد نضجت وأدركت. (إلى باسانيو) ألم يعرف مقدار ما تبتغي؟.
شيلوك - بلى بلى ثلاثة آلاف دوكة.
انتونيو - ولمدة ثلاثة أشهر.
شيلوك - لقد نسيت هذا ثلاث أشهر كذلك خبرتني. هلم بنا لتحرير العقد ولكن خبرني عن أمر. ألم تقل أنك لا ترابي في معاملاتك لا أخذا ولا إعطاء.
انتونيو - بلى. لا أصنع ذلك البتة.
شيلوك - لما رعى يعقوب أغنام عمه لابان - وكان يعقوب هذا بفضل مساعي أمه الوارث الثالث من بعد أبينا المقدس إبراهيم - أجل كان الوارث الثالث ـ.
انتونيو - وماذا كان من أمره هل كان يستحل الربا؟.
شيلوك - لا لا. لم يستحل الربا. ليس ما كان يأخذه ربا بالضبط. انظر ماذا كان يعقوب يصنع حينما تعاقد مع عمه لابان. لقد تواطأ على أن يكون أجر إبراهيم كل ما كان من أولاد هذه الأغنام منقطا أرقط. وقد كان هذا سبيلا إلى النجح فبورك له وأفلح. وما أربح إلا خيرا وبركة إذا ناله الناس من حله لا من طريق السرقة.
انتونيو - أن الذي بذل بذل فيه يعقوب جهده وكده كان من المخاطرات المعلقة على المقادير مما لاحيلة له فيه ولا هو في وسعه ومقدوره ولكن لله التدبير والتيسير. ولكنفيم ضربك هذا المثل وما غرضك من إيراده ههنا؟ وهل أجريت ذهبك وفضتك مجرى النعاج والخراف؟
شيلوك - لا أدري. غير أني استثمرها بأسرع مما تستثمر هذه الأنعم. ولكنالق بالك إلى أيها السنيور.
انتونيو - أصغ يا باسانيو. لهذا الشيطان كيف يتمثل آيات الكتاب المقدس تأييدا لحجته. ولعمرك إن الشهادة المقدسة صادرة عن الروح الخبيثة لا من وميض الابتسام يتألق في صفحة الوغد الفاجر. وهو كالتفاحة ظاهرها حسن. وباطنها عفن. فسحقا للخداع ما أجمل مرآه. وأسوأ منطواه.
شيلوك - ثلاثة آلاف دوكة. إنه لمبلغ جسيم. ثلاثة أشهر من إثنى عشر. ثم مسألة الأرباح.
انتونيو - أي شيلوك. أتحسبنا ضمن غرمائك المدينين لك؟
شيلوك - أيها السنيور انتونيو. كم من مرة بالغرفة أوسعتني شتما من جراء أموالي واستثمارها فاحتملتها منك على مضض وصبرت على أذاها وكان احتمال الأذى شعار أمتنا جمعاء. إنك لتنبذني بالألقاب تسميني كافرا وكلبا سفاحا سفاكا للدماء وتبصق على عباءتي وهي زي الملة الإسرائلية وكل ذلك من أجل تصرفي في مالي وملك يدي. والآن أصبحت بحاجة إلى معونتي ومددي. فأنت تجيئني فتقول (شيلوك. أنا بحاجة إلى المال) تقول هذا أنت الذي كنت تبصق على لحيتي وتركلني برجلك كما تركل الكلب الشارد على عتبة دارك. الآن أصبح المال حاجتك. والذهب بغيتك. فماذا ينبغي أن أقول لك الساعة؟ أما ينبغي أن أجيبك بقولي (أيكون للكلب مال؟ أيستطيع الكلب أن يقرض ثلاثة آلاف دوكة؟ أم أجثو لك خاضعا. وأركع خاشعا. وبلهجة العبد الرقيق وهمسة الأسير الذليل أقول لك بصوت غضيض ونفس قطيع).
(سيدي الكريم. لقد بصقت علي يوم الأربعاء وركلتني يوم كذا. ودعوتني كلبا مرة أخرى ومن أجل هذه الحفاوات أقرضك هذا القدر من المال).
انتونيو - وما أجدرني أن أعيد عليك الكرة الآن فأبصق عليك ثانية وأرفسك بقدمي أيضا، إلا فاعلمن إن كنت مقرضي هذا المال إنك لن تقرضه إلى صديق ومتى كان من شيمة الصديق أن يأخذ من صديقه ثمرة ونتيجة على المعدن الذي هو في ذاته عقيم غير منتج ولكن أقرضنيه على أني عدوك الذي إن أخلف معك ميعاده كنت حريا أن تنفذ عليه الجزاء بجراءة.
شيلوك - رويدك. وسكن ثائرة غضبك فتالله ما أبغي سوى مصافاتك ونيل ودادك وإني لصافح عما لوثت به صحيفتي من المطاعن وقاض كل حاجاتك ثم لا آخذ منك فلسا واحدا على ما أقرضك: أفلا يرضيك هذا وما أخاله إلا دليلا على المودة والمبرة.
باسانيو - ما أبر ذلك لو تم.
شيلوك - لأصنعن هذه المبرة.
اذهب معي إلى كاتب عقود فوقع لديه على صك القرض. ولنحرر به - على سبيل المزاح والفكاهة - صيغة العقد الآتية وهي أنك إذا عجزت أن تدفع لي في يوم كذا بمكان كذا مبلغ كذا المنصوص عنه في العقد كان جزاؤك أن أقتطع من صميم لحمك رطلا أنتقيه من أي موضع في جسدك.
انتونيو - قد رضيت ذلك. فأنا أوقع على مثل هذا العقد وأشهد أن اليهودي على جانب عظيم من البر والمروءة.
باسانيو - لن توقع على مثل هذا العقد من أجلي. فلخير لي من ذلك أن أصبر على عوزي وضائقتي.
انتونيو - عجبا لك! ماذا تخشى أيها الرجل! ما احسب الأمر واصلا بي إلى أن أخسر هذا القدر من لحمي في ظرف شهرين أي قبل حلول ميعاد العقد بشهر أنتظر أن يرد على تسعة أمثال هذا القرض.
شيلوك - يالأبناء إبراهيم من هؤلاء النصارى الذين قد أصبحوا لشدة قسوتهم يتهمون الغير بسوء النية! فبالله عليك خبرني إذا خلف السيد ميعاده ماذا يجدي على تقاضي هذه الغرامة! وإن رطلا من لحم آدمي لأقل طيبا وارخص قيمة من رطل من لحم الضأن أو العجول أو الماعز. إني أبذل له صداقتي ابتغاء مرضاته فإن قبلها فذلك ما نبتغي وإلا فسلام عليكما. وعساه مقلعا عن إساءتي جزاء ما عرضت عليه الآن من صداقتي.
انتونيو - أجل يا شيلوك سأوقع لك على هذا العقد.
شيلوك - لاقني إذن لدى كاتب العقود واشرح له أمر هذا العقد الفكاهي وسأذهب لاستحضار المبلغ توا وأتفقد داري التي تركتها في عهدة حارس غير مأمون وفاجر مبذر. وسأوافيك بعد قليل.
انتونيو - اذهب أيها اليهودي الكريم.
يخرج شيلوك
كأني باليهودي يهم أن يتنصر: ألا تراه قد رقى ولان؟
باسانيو - لا أرتضي الشوط الهينة تصدر عن ضمير غادر فاجر.
انتونيو - هلم بنا فلا ضير علينا في ذلك الشأن. فسترد سفائني لشهر قبل حلول الأوان.
(يخرجان)
الفصل الثاني
النظر الأول
بلدة بلمون. غرفة في قصر بورشيا
صدح أبواق. يدخل أمير مراكش وحاشيته.
ثم بورشيا ونيريسا وغيرها من أتباع بورشيا.
أمير مراكش: لا تصدنك عني سمرتي فما هي إلا الحلة الدكناء. خلعتها عليّ الشمس المشرقة التي في جوارها نشئت وفي كنفها ربيت. إلا فأحضري من ترينه أنصع الفتيان بياضاً من أهل الشمال حيث لا تكاد الشمس تصهر حبات البرد ودعي كلاً منا يطعن نفسه في حبك ليبين لك أينا أفتى دماً وأشد احمراراً. فلتعلمن أيها السيدة أن طلعتي هذه كم أفزعت من فارس باسل. وأقسم بحياتي أن هذه الطلعة قد أعجبت - مع ذلك - الخرد الغيد من عذارى بلادنا. وتالله ما كنت لأستبدل بلوني هذا خلافه إلا إذا جعلت ذلك سبيلا إلى استمالتك يا مليكتي الحسناء.
بورشيا - أنا في أمر الاختيار لا أتابع دليل ناظر الفتاة المميز المتبصر. ولا أطاوع نصيح فكرها المتأمل المتدبر. ولكن ما تقيد به مستقبلي من أغلال تلك القرعة قد حرمني حرية الاختيار فلو أن أبي لم يدبر لي من أمر هذه القرعة ما قد شل إرادتي. وغل مشيئتي. وقضى أن لا أهب نفسي زوجة إلا لمن ينالني بتلك الطريقة التي أنبأتك - إذن لكان نصيبك من مودتي أيها الأمير الجليل كنصيب كل من سبقك من خطابي. وأملك في حيازتي كآمال جميع من تقدمك من طلابي.
أمير مراكش - إني لأشكرك حتى على هذا. فسيري بي إلى الجون لأجرب حظي عناك وأقسم بهذا الصارم الذي ذبح شاه العجم وأميراً فارسياً وهزم الملك سليمان في ثلاث مواقع لأبهن بلهيب ألحاظي المتقدة أقسى العيون نظرات. وألفحها جمرات. ولقهرن ببسالتي أشد القلوب إقداماً. وأذكاها ضراماً. ولأختطفن جراء الدب الراضعة من أحضان أمهاتها بل لأسخرن من الليث حين يزأر قرماً إلى الفريسة - لأفعلن كل هذا تزلفاً إليك والتماساً لودادك. ولكن ما أسوأ الظروف؟ فوالله لو تلاعب هرقل (أقوى الأقوياء) وخادمه ليكاس بفصوص النرد لينظرا حسب حكمهما أيهما خير من صاحبه لربما انحاز الظفر إلى جانب أضعف الاثنين. وصدر السهم الفائز عن يد أوهن الرجلين كذلك غلب السيد يس خادمه. وكذلك يحتمل أن يكون مآلي إذا أسلم الحظ الأعمى مقادتي فأخطئ ما قد يصيبه من هو دوني فأموت كمداً.
بورشيا - لابد أن تتبصر في أمرك وتتروى فإنك في هذا الشأن بالخيار فإما أن تدع هذه البتة أو تحلف لي قبل الاقتراع أنك إذا أخطأت المرمى لن تفاتح بعدها امرأة في شأن الزواج آخر الأبد، وها قد نصحتك فلنتصح.
أمير مراكش - سأفعل. هلم بي أنظر حظي.
بورشيا - امض بنا قبل ذلك إلى المعبد. أما القرعة فستكون بعد الغداء.
أمير مراكش - فليسعد الطالع. ولينعش الجد. فعلى حظي اليوم مدار شأني ومآل أمري فإما أن أغدو أسعد العالمين. أو أشقى الناس أجمعين.
صدح أبواق. يخرجون.