مجلة البيان للبرقوقي/العدد 59/رواية تاجر البندقية فينسيا
→ كتاب الصور | مجلة البيان للبرقوقي - العدد 59 رواية تاجر البندقية فينسيا [[مؤلف:|]] |
اللورد كرزون ← |
بتاريخ: 31 - 12 - 1920 |
تأليف وليم شاكسبير
أشخاص الرواية
دوق البندقية
برنس مراكش: من خطاب بورشيا
برنس آرجون: من خطاب بورشيا
أنتونيو: تاجر من تجار البندقية
باسانيو: صديقه وأحد خطاب (بورشيا)
سالانيو: من أصدقاء أنتونيو وباسانيو
سالارينو: من أصدقاء أنتونيو وباسانيو
جراشيانو: من أصدقاء أنتونيو وباسانيو
ساليريو: من أصدقاء أنتونيو وباسانيو
لورنزو: عاشق (ياسيكا) بورشيا: وارثة غنية
شيلوك: يهودي غني نيريسا: وصيفتها
تيوبال: يهودي صديق شيلوك ياسيكا: إبنة شيلوك
لانسيلو جوبو: مضحك وخادم شيلوك
جوبو الكبير: والد لانسيلو
ليوناردو: خادم باسانيو
بالساذار: خادم لبورشيا
ستيفانو: خادم لبورشيا
وجهاء البندقية: قضاة المحكمة، سجان، خدام بورشيا، خدام وأتباع
الفصل الأول
المنظر الأول - فينسيا. شارع
(يدخل أنتونيو وسالارينو وسالانيو)
انتونيو - حقاً يا خليليّ لا أدري ما هذا الكمد الذي يمضني ويكربني. ولا أعرف له م سبب ولا علة. ولا أدري كيف صادفته وكيف لقيته، وإني عثرت به وأصبته. كما لا أدري مما تألف وتكون، ولا من أي شىء نشأ وتولد.
ولقد شرد الحزن من لبي وأضاع من صوابي حتى أصبحت لا أكاد أتعرف نفسي وأتبين حقيقة حالي وأمري إلا بالتعب الشديد والجهد الجهيد.
سالارينو - إن ذهنك على لج البحر يطفو به الموج ويرسب. ويموج به العياب ويتقلب. هناك سفنك الضخمة ذات الشراع الفخمة تختال على الماء كالسراة والاعيان. ونتيه كذوى اليسار من التجار على غوارب الطوفان. وتبدو لروعة جمالها ولبهة جلالها وكأنها أعلاق آليم ونفائسة. وأعراس البحر وعرائسه، فهى تعلوه المراكب الصغيرة وتشرف على السفن الحقيرة التى تنحني لها تجلة وتركع لها إكبارا بينما سفائنك الجسام تمر بها مر السحاب طيارة بأجنحتها المنسوجة.
سالانيو - لامراء يا سيدي - والله لو كنت خاطرت في التحلر بمثل ثروتك لهف قلبي على أجنحة آمالي في اثر أموالي تلهفا وحنينا، ولطارت عواطف نفسي ترفرف على صدر المحيط حول سفائني المشحونة - اذن لما برحت اقتلع الاعشاب انصبها بمخترق الرياح لأعرف من أين مهبها - وانظر في المصورات الجغرافية استقري مواقع الثغور والمواني والمراسي. ولكل شيئ خشيت من ناحيته العطب على بضاعتي كان بلا شك جديرا ان يثير حزني ويبعث لوعتي وشجني.
سالارينو - أنا والله لو أصبحت بمثل حالك لرحت حليف القلق والرعب أليف الخوف والذعر خليقا أن أفزع وأرتاع لكل ما يشبه ثورة البحار وزخرة التيار. فتنفسي في حسائي لتبريد سخونته حري أن يصيبني برغدة النافض كلما ذكرت عظم ما تحدثه الأعاصير في البحر من الشر والبلاء. وكلما رأيت الساعة الرملية تجري بمقدار. ذكرت الرواسب الرملية في لج البحار. وخيل إلي أن سفينتي المثرية قد نشبت في الرمال وقد طامنت دقلها وطأطأت من أشرافه حتى انخفض عن جانبيها وهوى ليلثم مصرعه. وكلما ذهبت إلى الكنيسة فرأيت بنائها الفخم المشيد ذكرت الصخور الوعرة الخطرة وأوجست خيفة أن تحطم سفينتي الهشة الملامس، الغضة المكاسر، الضعيفة الأسر الواهية القوة، إن هي مستها وأشفقت والله على بضاعتي الثمينة من التوابل أن تذروها كف النكباء. على بساط الماء. وعلى حرائري النفيسة أن توشح بها أيدي العواصف. اعطاف الأمواج القواصف. فبينا انا الغني الموسور إذا بي الفقير المعسر وبيننا تراني رب القناطير. ثم لا يعرضلي الحزن والأسى؟ فلا تعدون الحقيقة ولا تخطئن وجه الصواب، وذرني من المزاعم الباطلة فأنا أعلم يقينا أنه لا علة لاكتئاب انتونيو سوى تفكيره في أمر تجارته.
انتونيو: كلا يا خليلي. فأني والمحمد لله ليست بضائعي وقفا على سفينة واحدة ولا مقصورة على مكان واحد وليس مدار ثروتي على تجرة هذاالعام ولا قوام مالي ونظام حالي رهنا بصفقة هذا الموسم. ولذلك لا يأتني الحزن من ناحية تجارتي البتة
سالارينو - فلعلك إذن عاشق
انتونيو ـويحك!
سالارينو ـو لا عاشق؟ فلنقل إذن أنت حزين لأنك لست فرحا. وقد كان من السهل عليك أيضاً لو أنك طفقت تضحك وتثب وتقول أنك فرح لأنك لست حزينا. أما والاله جانوس ذي الهامتين لقد أبدعت الطبيعة في تصوير هذا العالم وأغربت فجاءت بخلق عجيب مدهش، فمن أناس لا يزالون يضيقون أعينهم ضحكا تنظر إليك أحداقهم من خلال أجفانهم المزرورة ولا ينفكون يضحكون حتى لرؤية زمار حماقة وسخفا، كما يضحك الببغاء من كل شئ وأي شيئ. ومن أناس في طباعهم مرارة وفي أخلاقهم حموضة وحرافة لا يبدون النواجذ ابتساما لسماع الملحة النادرة والفكاهة الغريبة ولو أقسمنستور شيخ الوقار والجد أنها مضحكة.
سالانيو - ها هو ذا باسانيو قريبك الا مجد وهاك جراشيانو ولورنزو. فسلام عليك، سندعك الآن إلى من هو أمتع منا أنسا وأعذب حديثا وألذ مجلسا سالارينو - لقد كان بودي أن أبقى معك حتى أدخل عليك السرور والفرح لو لم يسبقني إلى ذلك من هم أعز وأكرم.
أنتونيو - انك لتنزل من نفسي بأخص مكانة وأكرم منزلة ولكن الذي أراه أن دواعي عملك تدعوك إلى الانصراف وقد رأيت الفرصة سنحت فلم تشأ أن تضيعها.
يدخل باساني وولورنزو وجراشيانو.
سالارينو - أسعد الله صباحكم يا سادتي.
باسانيو - أيها السيدان متى نضحك وننعم بحسن المؤانسة والمجالسة. خبراني متى. لقد أصبحتما لبعد العهد بكما كأنكما غريبان. أفلا بد من هذا؟
سالارينو - سنجعل أوقات فراغنا تحت تصرفك.
ينصرف سالارينو وسالانيو.
لورنزو - سيدي باسانيو أما ولقد لقيت انتونيو فسندعك الآن. ولكن لا تنسى موعد لقائنا وقت الغداء
باسانيو - سأوافيكما هنالك.
جراشيانو - مالي أراك سيئ الحال. كاسف البال. انك لتعظم من أمر الدنيا حقيرا. وتجسم من شأنها صغيرا. إلا أن من بذل في طلب الدنيا الشيء الكثير من راحته وطمأنينته قلقا واهتماما كان جديرا أن يفقد طيب العيش فيبوء بالخيبة والخسران. لشد ما تغيرت يا سيدي.
انتونيو - لا أرى في الدنيا أكثر من قيمتها. وخلاف كنهها وماهيتها. يا جراشيانو - لا أرى سوى ملعب يمثل عليه كل فرد دورا ودوري هنالك جدي خطير.
جراشيانو - دعني ألعب دور الهزل والمجون - أنفق عمرك في اللهو، واقض باللعب أيامك وأركض أفراس الصبا في ميادين الباطل حتى تبلغ مدى الهرم على سوابق المزاح وحتى تشيب شواتك وتقوس قناتك وتتخذ كدنتك وتتجمد أسرتك في الضحك والطرب. ولخير لي أن تستعر حميا الشراب في هامتي من أن تخمد الزفرات القتالة جمرة الحياة في مهجتي. ومالي أرى الرجل الذي يغلى في جوفه ماء الشباب يقرر رزينا ثقيلا ويطرق واجما لا حراك به كأنه تمثال جده صيغ من جبس. أوكأنه صنم قدّ من صخرة جلس. ينام إذا استيقظ ويضني نفسه كمداً حتى تأخذه الصفراء من فرط شجنه. أي انتونيو - أنى أحبك وان حبي هو الذي يتكلم فاعلم إن هنالك صنفا من الناس يكسون وجوههم نقابا من الجد والوقار ثابتا لا يتحول كالطحلب الذي يعلو صدر الماء الآسن فأولئك يلزمون الصمت والرزانة تصنعا ورياء ليخدعوا الناس عن حقيقة أمرهم ويوهموهم أنهم على جانب عظيم من العقل والحجا والدهاء والأناة والحلم والوقار كمن يحاول أن يقول للناس (ها أنا ذا كم البصير الحكيم علام الغيوب. المطلع على سرائر القلوب. فإذا نطقت فالألسنة كلها مفحمة.
وإذا خطبت فالأفواه من هيبة وإعظام ملجمة. أجل يا انتونيو إني أعرف من الناس من اشتهروا العقل والحكمة لغير سبب سوى التزامهم الصمت في المجالس. وفي اعتقادي أنهم لو تكلموا لأصموا الآذان بسخافة أقوالهم حتى يضطر سامعوهم إلى رميهم بالسفه والحماقة. وسأحادثك في هذا الشأن مرة أخرى. ولكن حذار أن تتلمس هذه الشهرة الباطلة - شهرة الحكمة والحجى - بتلك الوسيلة الكاذبة - وسيلة الصمت والإطراق فإنها شر واسطة إلى شر غاية وأخس شرك ينصب لأخس صيد هلم بنا يا لورنزو وسلام عليكم إلى حين. وسأكمل نصيحتي بعد الغداء.
لورنزو - فلندعك إذن إلى ما بعد الغداء. لأكونن أحد هؤلاء العقلاء البكم، ولا غرو فإن جراشيانو لا يدعني أنطق البتة.
جراشيانو - لازمني عامين منذ اليوم فإنك تصبح لطول صمتك لا تكاد تعرف صوت لسانك.
أنتونيو - سلام عليك. سأروض نفسي مذ الآن على الإفاضة في الكلام.
جراشيانو - شكرا لك فالصمت لا يحمد إلا في لسان ثور قديد.
(ينصرف جراشيانو ولورنزو)
أنتونيو - ناشدتك الله هل تجدن لهذا الكلام معنى؟
باسانيو - إن جراشيانو أكثر أهل فينيسيا لغوا وهراء وهذرا فكلامه كحبتين من القمح مخبوءتين في مكيالين من نخالة تبحث عنهما طوال اليوم حتى تصيبهما فإذا أصبتهما وجدتهما لا تستحقان بحثك وتنقيبك.
أنتونيو - دعنا من هذا ونبئني من تلك السيدة التي عزمت أن ترحل إليها سرا في أمر وعدتني شرحه وبيانه.
باسانيو - لا يخفى عليك يا أنتونيو أني طالما أسرفت في النفقة تحيفا من ثروتي لأكتسي من أبهة الترف ومظاهر النعمة ما تقعد بي رقة حالي عن التمادي فيه والاستمرار عليه، وما أنا اليوم بآسف أن تلجئني الضرورة إلى أن أحذف من عيشة التبذير التي أعيشها كل هذه الفضول والحواشي. إنما همي الوحيد هو التماس أشرف وسيلة للتخلص مما ورطني فيه السرف والتبذير من ديوني الفادحة. وإنك يا أنتونيو ما زلت أجود الناس علي بالحب والوداد. وبالطارف من المال والثلاد. وكفى بحبك إياي باعثا لي على أن أسر إليك كل ما قد دبرته من الحيل والوسائل ابتغاء الخلاص مما قد ركبني من الدين.
أنتونيو - ناشدتك الله يا صديقي باسانيو إلا ما خبرتني بتلك الحيل والوسائل ولعمري لئن كانت تنزل من الشرف والنزاهة بمثل منزلتك التي لا تزال تحلها لأجعان خزائني وشخصي وآخر ما أملك وأدخر وقفا على أدنى حاجتك وأيسر بغيتك.
باسانيو - لقد كنت أيام التلمذة إذا أخطأ مني سهم أتبعته بنظيره قوة ونفاذا في وجه السهم الأول مبالغا في تسديده لأصيب به ما أخطأ الأول. وكذلك كنت بأخطار السهمين أرمي الهدفين وأصمي الغرضين وأحرز الصيد ين. ولقد ضربت لك هذا المثل من بين حوادث طفولتي لأن ما يتبعه من المقال هومحض حماقة طفولية وسخافة صبيانية. فأنا مدين لك بالجم الكثير وإني لشدة خرقي وفرط جهالتي وسفهي قد أضعت كل ما أقرضتنيه. ولكن إذا قضت مشيئتك الآن أن تصوب سهما ثانيا حيث كنت صوبت الأول فأنا الضمين لك بحسن حيطتي وعنايتي أن أصيبك الغرضين وأنيلك الوطرين أو أرد لك قرضك الأخير موفورا صحيحا وأبقى شاكرا لك صنيعك الأول.
أنتونيو - ما بالك وأنت تعرف فرط حبي وإخلاصي تتحايل كل هذا التحايل وتسلك كل هذه المسالك الملتوية المتعرجة في سبيل طلبك إلى ما تريده مني فأنت بارتيابك في سرعة إسعافي إياك وظني أني استطيع أن أدخر عنك أقصى طاقتي ومجهودي تلحق بي من الظلم والإساءة أضعاف ما كنت تنالني به لو أنك بددت كل ثروتي، فمرني ماذا أفعل يكن ذلك علي حتما مقضيا. نبئني بما عندك.
باسانيو - إن في بلدة (بلمون) سيدة غنية ذات ميراث عظيم وهي جميلة وفوق الجميلة لما ازدانت به من حلية الأدب والعقل. وتاج الكمال والفضل. وربما خالستني ألحاظها برسائل حب صامتة. وكتب أشواق خافتة. واسمها (بورشيا) ولا أراها تقل درجة عن بورشيا ابنة (كاتو) وزوجة (بروتاس) وما أمرها بخاف على أهل المشرق والمغرب، فالخطاب من مشاهير العظماء يأتونها من مهاب الرياح الأربع وغدائرها الذهبية تتهدل على سالفتيها (كالجزة الذهبية) مما صير بلدها (بلمون) في منزلة (كولكوس) الأثرية، وأغرى بالتزلف إليها والتماس ودها الأبطال المغاوير أمثال (أيسون) في غابر الأساطير، فلوكان لي من المال يا صديقي أنتونيو ما يمكنني من مناظرتهم ومنافستهم لوثقت بالنجاح والظفر - هكذا يحدثني قلبي وينبئني ضميري.
أنتونيو - أنت تعرف أن أموالي كلها في البحار فلا أملك اليوم من النقد ولا من المتاع ما يمكنني من اقتراض المال. فامض لتوك وساعتك فانظر ماذا تستطيع أن تصل إليه بفضل ما لي من ثقة في مدينة فينسيا فلا تستنفذن أقصى هذه الثقة في اقتراض ما أزودك به إلى بلمون لزيارة الحسناء بورشيا. فاذهب الآن فابحث عن مظنة المال ومكانه فلن أتردد البتة في إحرازه لك سواء بواسطة مركزي ومكانتي أم بفضل حرمتي وكرامتي. ينصرفان -
لا يستخفن الفتى بعدوه ... أبدا وإن كان العدو ضئيلا
إن القذى يؤذي العيون قليله ... ولرب ما جرح البعوض الفيلا
إذا ازدرى ساقط كريم ... فلا يطولن ضيق صدره
فأكثر الناس منذ كانوا ... ما قدروا الله حق قدره