مجلة البيان للبرقوقي/العدد 56/غراميات ديزرائيلى
→ رأيي في الزواج | مجلة البيان للبرقوقي - العدد 56 غراميات ديزرائيلى [[مؤلف:|]] |
باب الزراعة ← |
بتاريخ: 1 - 6 - 1920 |
بنيامين ديزرائيلى - ايرل لوف بيكونسفيلد
حامل لواء الأدب والسياسة، ورئيس الوزارة الانكليزية
والروائي الأعظم في أواخر القرن الماضي
فصل من حوادثه الغرامية السرية
من ماثور كلمات بنيامين ديزرائيلى قوله: أنى مدين في كل شيء للمرأة، وإلى تأثيرها فيّ وسلطانها علي يعزى كل ما أوتيت من الفخار والمجد والذكر وكل ما صادفت من النجاح والفوز. وإذا كنت لا أزال في هرمي أحمل قلباً فنيا. ووجداناً ضرماً ذكياً ولا أبرح تحت وقار الشيب وجلال الشيخوخة أقلب لسان شاعر متخيل، وعاشق منعزل. وأقول مع القائل:
يا هند ما شابرفتى ... وإنما شاب الشعر
فذلك أيضاً راجع إلى تأثير المرأة.
في هذا الاقرار الصادر عن إمام البلاغة والسياسة تعليل شاف لما امتازت به شيخوخة البطل العظيم من حوادث الحب العجيبة، وروايات الغرام المدهشة الغربية.
كان ديزرائيلى في كل أدوار حياته سريع الافتتان بجمال المرأ مفرط الولوع بملاجائها فكان لا ينفك من شغف بالنساء، وحنين إليهن وطرب إلى محادثتهن ومغازلتهن بل هيام في اثرهن، واقتناص وشواردهن. وكل ذلك كان بعلم من زوجته التي كانت تطيب نفساً عن ذلك وتتسع به صدراً. وكانت صنع الله لها وله أر قلباً واكرم شيمة من أن تكدر على زوجها العبقري صفوه في أمر ليس فيه عليها كبير شقوة ولا بلاء. ولا جرم فلقد كانت تنطوي على شيء من البطولة، فكانت لغرائب خصائص الأبطال أفهم من طبقة العاديات من النساء. ولشواذ نزعات العظماء أفطن وأخبر. وهي بما أوتيت من طبيعة البطولة مليئة أن تجل النابغة العبقري - زوجها - وتقدسه واهبة له تلك الهفوات (إن صح أن نسميها هفوات) التي هي أبداً من مستلزمات البطولة والعظمة - بل التي هي أس البطولة ومادتها وبها غذاؤها ونماؤها وعليها مدارها وقوامها. وكانت زوجة ديزرائيلى هذه أرملة أحد أحد زملائه السياسيين أورثها مالاً جماً، وعقاراً كثيراً فاقترن بها ديزرائيلى وهو ابن أربعة وثلاثين. وكان يقول لها ممازحاً إنما أغراه بزواجها مالها وثروتها.
ولكن اللادي بيكونسفيلد (زوجة ديزرائيلى) صرحت مرة في بعد أحاديثها لاتراب لها كلا والله ما كان اقتران بنيامين بي لطمع في ثروتي. وكيف، ولقد كان يبدي شوقه لي وغرامه في حياة زوجي الأول. لقد عاش ديزرائيلى وزوجته ثلاثة وثلاثين عاماً في صفاء ورخاء. وكان قد بلغ من فرط حبها إياه أن جعلت تدخر قصاصات شعره طول مدة حياتها الزوجية وكانت تقص شعره بيديها كل أسبوعين أو ثلاث.
والرسالة الآنية وهي ما كتبه ديزرائيلى إلى زوجته أثناء تأليفه مأساته المشهورة الاوربوس تنم عما كان يجد لها في أعماق قلبه من شدة الغرام والوجد. وهاهي لقد أدمنت أمس الكتابة اسحّ بها سحاً، وأهضب بها هضبا. ولقد والله جعلت أصب في فصول قصتي الخيالية وجداناتي الشخصية، ومشاعري الذاتية. فجاءت وكأنها قطعة من حياتي الماضية، وشعبة من عيشتي الخالية. يوم أطارحك الغرام. وأجاذبك أسباب الهوى. فإذا نظرت في تلك الصحف وجدتها مرآة ماضيك وصدى ذكرياته. وإذا تلوتها تلوتها بمهجة واقدة، وأنفاس صاعدة، وبحشاً خافقة، ومقلة مغرورقة. وكيف وقد كنت أكتبها وشخصك مرتسم على صفحة جناني، واسمك يرفرف على أسلة لساني. ولا غرو فمن غيرك ملهمي - إذا تناولت البراعة - ومصدر وحيي وشيطاني.
لم يكد يمضي على وفاة هذه الزوجة نصف عام حتى رأينا صاحب الرئاسة وداهية الحكام والساسة، يحرر الرسائل الغرامية لامرأتين كانتا في تلك الآونة جدتين لهما أولاد وأحفاد. وكان في ذلك الحين قد أربي على الثامنة والتسين، ولكن رسائله كان بها من حرارة الوجد وسعير الجوي ما أدهش معشوقتيه واستثار أقصى عجبهما. وكانتا أختين: اللادي شترفيلد والكونتيس سبلبنا اوف برادفورد. وكانت الأولى قد أنافت على السبعين ولكن التي شغف بها ديزرائيلى وهام، وراح فيها نهب الوساوس والأوهام هي اللادي برادفورد التي كانت متزوجة وقد ناهزت الخامسة والخمسين. وكقد كان من فرط وجده بها أنه بعث إليها بمائة وألف رسالة. وكان يبعث لها في سحابة نهار بالخمس والست من الرسائل على أيدي رسل مختارة كان يقول عنهم في كتبه إلى السيدة المذكورة وإن رسلي لعبيدك ورق بين يديك لا فرق بينهم وبين سيدهم صبك المنيم، وهم تحت أمرك واقفون ببابك من الشروق إلى الغروب.
ويدلك على فرط لوعته في الغرام. وشدة التهاب غلته في الهيام الرسالة الآنية وهي ما كتبه السياسي الداهية إلى اللادي برادفورد عقب تقلده منصب رئاسة الوزارة للمرة الثانية بثلاثة اسابيع، وكانت السيدة المذكورة قد أزمعت مغداة لندن مع أختها لمدة لا تتجاوز الاسبوعين فوجد لو شك هذا البين من شدة الكرب وفرط الجزع ما أجري براعة بالكلمة الآتية:
أتعلمين يا فتنة العالم وزينة الدنيا إنك ما كنت قط أجمل ولا أملح منك مساء هذا اليوم. وأما لو استطعت وساعدني القدر لجلست إلى يوم القيامة ألتهم بعيني بدائع جمالك، وذني روائع مقالك. ولكن كان ينغص علي لذتي، ويكدر صفاء نعمتي علمي. إن هذا اللقاء إنما كان لوداع. وإن الفراق كان رهيناً بذلك الاجتماع
حجبوها حتى بدت لفراق ... كان داء العاشق ودواء
أضحك البين يوم وذاك أبكى ... كل ذي لوعة وسرّ ساء
فجعلنا السلام فيه وداعاً ... وجعلنا الفراق فيه لقاء
والظاهر أن اللادي برادفورد احتجت على طغيان صبابته، وأنكرت منه غلواء هيامه وسورته، حتى كتب إليها ديزرائيلى رداً على إنكارها واجتجاجها الرسالة الآتية:
ما أحسب أني كنت في مكاشفتي إياك الهوى ومصارحتي ما شفني من الجوى بمتجاوز قدرى، ومعتد حدى وطورى. وكيف ولم أبغ منك قط أكثر من مجالسة الأصحاب. ومؤانسة الأحباب. ولا حاولت أزيد من الماس القائل:
أتأذنون لصب في زيارتكم ... فعندكم شهوات السمع والبصر
فإذا بلغت هذا كل غاية ما أريد. فلم أطمح إلى ما دونه ولم أقل هل من مزيد. فجنبيني يا قرة العين وعيدك بالحرمان. ولا تروعيني بنذر الصد والهجران، فما أراني أهلاً لذلك، ولا مستوجباً مساءتك وأذاك، وعلى كل فلن يكون مني بعد اليوم أدني ما يسخطك ويسؤوك.
ثم مشى بالصلح بينهما وجاءته رسالة من معشوقته سلينا لادي برادفورد تنبئ عن العفو والرضا. فكتب إليها:
قرأت كتابك فأبرأ علتي، وشفى غلتي
وكان ألذ في نفسي وأندى ... على كبدي من الزهر الجنى
وضمن صدره ما لم تضمن ... صدور الغانيات من الحلى وأقاما حقبة من الدهر بين صلح وخصام، ونفار ووئام، وان شأنهما في الحب لعلى حد قول القائل:
لا خير في الحب وقفا لا تحركه ... عوامل اليأس أو يرتاحه الطمع
وقول الآخر:
إذا لم يكن في الحب عتب ولا رضا ... فأين حلاوات الرسائل والكتب
ومن أعجب العجائب له أنه بينما كانت أعباء السياسة تتراكم على كاهل السياسي الريب، وجو الحوادث مظلم مكفهر كنت تراه في هذا المأزق الصنك واليوم العصبصب يوالي الرسائل إلى اللادي برادفورد كأمثال الرسالة الآتية:
لا أكذبك يا مولاتي أنه لا حياة لي إلى برؤيتك. ولا بقاء لي إلا بسماع صوتك ونغمتك. أو تلاوة كتابك ورسالتك.
أحمد الله الذي مد في أجلي حتى نعمت بفجر الحب وضحاه، وبيكرته وممساه. وبسحره وأصيله. ومغداه ومقليه.
ألا ان رؤيتي إياك في المجلس الحافل للذة متميزة عن سواها علي أن خلوتي بك ممتعة مغايرة لتلك لست على ممر الدهور أنسها. ولكلتيهما بعد مذهبها الخاص من الروح ومجراها كنور القمر وكالشمس في ضحاها. . .
وأعجب ما في غراميات ديزرائيلى أنه لما يئس من رضا اللادي برادفورد خطب أختها الكبرى اللادي شترفيلد محتجاً لذلك بقوله سأعتنق إحداهما كزوجة لي وأعتنق الأخرى كشقيقة.
ولكن اللادي شيستر فيلد أبت ذلك لاعتقادها أنها لم تكن تشغل من قلبه المكان الأعلى.
أما رسائل السيدتين إلى ديزرائيلى وحقيقة شعورهما نحوه فهذا لم ينتشر تحقيقه وتثبيته. ولن يتيسر. وذلك لأن رسائلهما إليه أحرقت عقب وفاته طبقاً لمرادهما ورغبتهما الصريحة. على أن نعلم أن اللادي برادفورد كانت لا تغالي بشيء مغالاتها بفوتوغراف صغير لديزرائيلي كانت أهدته إليها الملكة فيكتوريا التي كانت يسمسه ديزرائيلي الحورية.
ولم يفتر شغف الرجل بالنساء حتى في أخريات عمره بل بقي إلى ذلك الحين طلابا للغواني وحريصاً على مجالستهن حتى آل الآمر أخيراً إلى أنه ألف نادياً منة صويحباته كان له اللذة الكبرى والنعمة العظمى. . . .