مجلة البيان للبرقوقي/العدد 48/باب تدبير المنزل
→ الإسبراتيواليزم | مجلة البيان للبرقوقي - العدد 48 باب تدبير المنزل [[مؤلف:|]] |
إرشادات طبية ← |
بتاريخ: 1 - 5 - 1919 |
تربية الطفل
(2) الغرض من التربية
يجب على الآباء أن يضعوا نصب أعينهم الغرض الذي يريدون أن يحققوه من تربية أبنائهم وأن يبدأوا أمر تلك التربية منذ ساعة الميلاد، على أننا نجد الآباء في كثير من الأحيان لا يعملون لغاية معينة، ولا يربون الطفل لمقصد وضعوه مبدأ لهم، ولهذا يخرج الطفل إلى نور الدنيا فلا يكون ثمت مبدأ من مبادئ التربية يرفرف فوق مهاده، وترى الآباء ينظرون إلى القادم الجديد عجباً وحيرة، ولا يعتمدون في تربيته إلا على ما يلهمون به إلهاماً من الظروف والزمن والعادات، ويجعلون كل أولئك المرشد الأول في تربية هذا الفرد الطارئ على المجتمع.
ولهذا العجب الذي يأخذ الأب والأم إذ يخرج لهم طفل ثلاث ظواهر وحالات.
فأولاً: ترى الأب والأم ينظران إلى الطفل كأنه لعبة تبعث اللهو وطرفة تمدهما بالمرح والابتهاج، وكما أننا نرمي قطعة السكر إلى الدب كي نبتهج برؤيته وهو يلهو بها ويظهر عجائب خلقه، لا نفتأ نفسد الطفل حتى يظهر غرائب طبائعه، على أنه لا خير ثمت ولا أذى من العبث بالطفل في غير فحش أو بذاء، أو مفسدة، إذا نحن لم نكن بالطفل مستخفين، أو كنا عمي البصائر عن أثر هذا العبث بالوليد، ولكن ليس من اللهو ولا من الأدب ولا من الطهر والواجب في شيء إذا جعلنا الطفل فريسة لهذا الضرب من اللهو، ورضينا له العذاب والآلام في سبيل فرحنا وضحكاتنا.
وثانياً: ترى الأبوين ينظران إلى الطفل وكأنه موضوع الرحمة، وشيء خليق بالرثاء، ومخلوق يستحق الشفقة، لأن عجزه عن الحركة، وافتقاره إلى الحول والقوى، يثيران في قلوبنا الرحمة، وكثيراً ما تؤدي هذه العاطفة إلى ترك الطفل يفعل ما يشاء والسعي في التجاوز على كل ما يسيئه وإن كان فيه النفع له، ومهما كان للشفقة من الخير إذا قامت على أساس متين، وكان لها باعث راجح سديد، ومهما كنا نحترم هذه العاطفة والذي بعث عليها، فلا ريب في أن الطفل سيتألم، إذا لم يجد رقيباً عتيداً يرده، أو سلطاناًُ من ابويه ينهره، أو ضابطاً ينظم حركاته وسكناته، أما النتائج التي تنجم عن هذا التساهل والإشفاق العقيم للأخلاق، فحدث عن خطورتها ولا حرج.
وأخيراً: ينبغي للآباء أن يحذروا منم عادة نهر الأطفال ومعاقبتهم وزجرهم وتأديبهم، كلما صرخوا، أو كانوا في قلق واضطراب، بل عليهم أن يبحثوا عن السبب ويتقصوا الباعث.
ولهذا يجب أن يكون غرض الآباء في التربية وخطتهم في التأديب هي:
(أ) أن تكون شفقتهم سديدة راجحة غير حمقاء ولا طائشة.
(ب) أن لا ينظروا يوماً على أطفالهم بشدة أو غلظة وأن لا يخرجوا عن طورهم أمامهم، وهدوءهم ووداعة أخلاقهم.
(ج) أن يسترشدوا في التربية بمبدأ عال اجتماعي مدني.
(د) أن يسعوا إلى تحقيق هذا المبدأ بالثبات والعاطفة الكريمة والوداعة والتهلل والفرح والتهذيب والذكاء ونفاذ البصيرة.
(3) واجبات الآباء والمراضع والمربيات
منذ عدة قرون كانت العادة في بلاد الغرب أن يستخدم الصناع اليدويون في المدارس كمعلمين ومؤدبين، ولكن اليوم وقد تقدمت الحضارة، نرى الجامعات في مدينة بال تصر على أن لا يتعاطى حرفة التدريس إلا كل رجل أمضى إجازته الجامعية مدة معينة، أما من وجهة التربية المنزلية فلا زلنا في شيء كثير منها حيث تركتنا القرون الوسطى، فإن أية فتاة تقبل الآن وتكفي لرعاية أطفالك، ولا بأس عليك من قبول أية امرأة للاهتمام بشؤون أصبيتك، ثم نحن لا نزال نجد السواد الأعظم من الأمهات جاهلات لم يؤتين نصيباً من التعليم الثانوي، ولم يصبن قسطاً من علم التربية بل ما فتئنا نسمع اليوم القوم يقولون أن التعليم العالي للنساء يجعلهن غير صالحات للقيام بوظائف الأمومة، وأن واجب المرأة أن لا تسهم في شؤون السياسة وأن لا تكسب رزقها بنفسها، بل فريضتها أن تجمل المنزل، وتترك من حسنها في المنزل حسناً وتخلع من جمالها على دارها، وترعى لأطفالها، وتقوم على تربية أبنائها، ولكن يجب أن لا ننسى أننا نريد من الأم أن تربي أولئك الأطفال الذين سيقفون يوماً ممثلين على مسرح العالم وأن نظرية الغريزة وترك الأم في عملها تسير على وحي الطبيعة، لا يراد منها إلا أن يجر الطفل في الحياة جراً، لا أن يربى ويهدى إلى الرشد، ونحن لا ننكر أن المعوان الأكبر للأم في التربية هو حبها الغريزي لطفلها، ولكن هذا الحب ولا ريب يروح أقوى وأشد سلطاناً، وأفعل أثراًَ إذا اجتمع معه التهذيب ونور العلم والتجربة.
ولهذا ينبغي أربعة أمور:
(أ) أن يكون الأبوان على علم وتربية كافيين.
(ب) أن يعملا على أخذ نصيب من علم التربية المنزلية.
(ج) أن يكون الأبوان (الأم والأب معاً) على شيء من التجربة العملية.
(د) أن تربى المراضع والمربيات التربية الواجبة.
(4) اتفاق الآباء على نوع واحد من التربية
لو كان معلمو المدارس متعلمين أكمل تعليم فلا خطر إذا خرج من المدرسة مدرس وحل محله معلم آخر، على أننا إذا زرنا فرقاً متعددة من مدرسة يعلم فيها معلمون أكفاء، فإن أي فارق نراه في الأطفال لا يكون باعثه إلا المدرسون أنفسهم، وكذلك لو كان الأبوان والمراضع والمربيات جميعاً على مقدار متساو من علم التربية المنزلية، ولكن للأسف ليس الحال كما نريد، فإنك ترى للأم والأب والمرضع آراء مخالفة جد المخالفة عن صاحبه في المثل الذي يضعه، والقدوة التي ينشأها لطفله، وليس الطفل المسكين إلا أن يذعن لقوانين ثلاثة من الخلق، ويتقبل ثلاثة مبادئ في التربية، ولهذا ينبغي للأبوين أن يكونا على علم تام بالخطر الذي ينجم عن هذا الاختلاف وأن يعملا على استخدام مبادئ واحدة وأن يطلبا إلى المرضع - إذا كانا قد استخدما للطفل مرضعاً - أن تنفذ تلك المبادئ وأن لا تحيد عنها إلى مبادئ لها خاصة وأرى أن يحسن بالأبوين أن يضعا معاً طريقة معينة في التربية أو أن يستعينا بمشد عام فيها، ولو اتبعت هذه النصيحة لتحسنت روابط الزواج بين الزوجين.
(5) أثر الأطفال الكبار في الصغار
قد يحتمل أن يكون لك ابن أو طفل واحد، فإذا كان ذلك فقد نجوت على الأقل من خطر واحد شديد، وإن كان الطفل ولا ريب سيخسر كثيراً، من جراء افتقاره إلى رفاق معه وأخوان. ولكن قد يحتمل كذلك أن يكون لديك أطفال كثر فإذا كان الأمر كذلك، فإنك ولا ريب ستعاني أمراًَ لا مرد عنه وهو أن كل طفل سيقلد أخاه، وهذا التقليد يبين في أول عهود الطفل الأصغر، إذ تراه صارفاً كل وقته إذا كان له أخ أكبر منه بعام أو أكثر من محاولة تقليد كل عمل يعمله وفي الإعجاب بكل ما يفعله أخوه الأكبر واحتذاء حذوه في جميع حركاته وسكناته وكذلك تجد الطفل الأصغر لا ينبعث إلى عمل إلا على هدي أخيه ولا يخف إلى فعل إلا مقلداً شقيقه الأكبر، وكذلك يبقى حتى الربيع الخامس من العمر، إذ تتسع ملكته فتقل رغبة التقليد لديه، ويفكر بعض التفكير في العمل على هواه وسنته.
وأنت تعلم أن القدوة والمثل والأسوة معدية بين الأطفال فإذا أنت أحسنت تأديب أطفالك الكبار خف عنك بعض أعباء تربيتك الصغار إذ تجعل الكبار هم الذين يربون في الحقيقة أخوتهم الصغار ويكونون لهم قدوة تحتذى ومثالاً يترسم ولهذا ينبغي عليك أن تضاعف مجهودك ودأبك في العناية بتأديب صغارك لأن سلوكهم سيحدث تأثيراً بينا في أولادك الذين سيخرجون للحياة بعدهم، وذريتك المستقبلين، وعليك أن تربي أطفالك الكبار ليكونوا قادة للصغار وهداة، وليشعروهم بالمسؤولية اللزام عليهم وبقوتهم على الخير والإحسان فلو نجحت في ذلك استفدت أنت وأطفالك الصغار وأمددت الكبار بباعث يحثهم على النماء الخلقي والذهني، فلا تنس مطلقاً هذا المبدأ وهو أ، يكون بنوك الكبار معلمين ومرشدين وهداة للصغار.
فإذا خابت مساعيك في هذه، فإنك حاصد من خيبتك أذى وضراً إذ لا تلبث أن تجد بنيك الكبار معلمين وهداة وقادة للشر والنقيصة والإثم ولهذا كان خليقاً بك أن تمسك بالزمة من ذوائب شعره ولا تضيع وقتاً في الدأت على تربية طفلك البكر الأول.
وما أعجب ما تؤدي إليه عاطفة التقليد، فإذا وضعت الطفلة إصبعها في فمها أو هزت كتفها وقطعت شعرها بأناملها وأصرت على أن يكون ما تريد، وأن تفعل ما تحب وأن لا تعبأ بما يقال لها، وكانت هي أكبر أخوتها وأخواتها، فلا تلبث أن تجد هؤلاء يفعلون جميع ما فعلت ويقطعون شعرهم بأناملهم، ويبكون مثلها ويصرخون ولا يكون من ذلك إلا أن يصبح المنزل حديقة من حدائق القردة أو الدببة وبدلاً من أن تصلح خلق طفل واحد من أطفالك، ترى أنه ينبغي عليك أن تعالج سلسلة متماثلة من النقائض في جميع أطفالك.
ولهذا عليك أن تكون أبداًُ على مرصد مفتح العين مرتقباً، تعالج كل نقيصة بمجرد ظهورها، وتمنع سريان نقيصة من طفل إلى جميع بنيك.