مجلة البيان للبرقوقي/العدد 48/الإسبراتيواليزم
→ البولشفية | مجلة البيان للبرقوقي - العدد 48 الإسبراتيواليزم [[مؤلف:|]] |
باب تدبير المنزل ← |
بتاريخ: 1 - 5 - 1919 |
أو مناجاة الأرواح
(2)
تاريخها في الغرب
ومن بين الذين اشتهروا في هذا العلم خلاف هوم - الذي قضى نحبه عام 1886 وكان له شأن عظيم في نمائه وتقدمه نذكر القس ستانتون موسي في بلاد الطليان فإن تاريخ حياته أكثر إدهاشاً وتحييراً للعقول من حياة هوم هذا، وقد كان مولد هذا الرجل عام 1839 وكان أبوه ناظر مدرسة نحو وآجرومية في لينكولنشير فنشأ على ما نشأ عليه أبوه، وكان له في جامعة أكسفورد شأن يذكر.
ثم دخل الكنيسة فصار قسيساً في غربي إنجلترا وقد أصابته علة في حنجرته فاضطر إلى ترك أعمال القسيس، واشتغل مؤدباً خصوصياً لابن الطبيب ستانهوب سيبر من أشهر أطباء ذلك العهد ففي عام 1872 قرأ كتاباً ظهر في أمريكا عن الإسبراتيواليزم فتأثر فيه تأثراً شديداً حتى أنه جلس إلى وساطات متعددة ومن بينها هوم الذي سبق ذكره وشاهد تجاريب عديدة. ومن هنا بدأت موهبته في هذا العلم تظهر، وأصبح كذلك وسيطاً للأرواح وكانت له اليد الطولى بعد ذلك في تأسيس الجمعية البريطانية الأهلية لعلماء الإسبراتيواليزم. ثم كان عضواً هاماً في جمعية الأبحاث النفسانية حتى استقال منها عام 1886 لأنه لم يرض عن تلك الحيطات التي جعلت الجمعية تتخذها والاضطهادات التي كانت تظهر حيال كثيرين من الوسائط ثم أصبح منذ ذلك العهد رئيس الجمعية الإسبراتيولية في لندن إلى عهد وفاته سنة 1892، وكان عدة سنوات محرراً لمجلة (الضياء النفسانية).
وأعجب ما كان من خلق هذا الرجل أنه كان على مثال هوم لا يتخذ هذا العلم حرفة يكتسب منها بل كان أرقى نفساً من هوم لأنه لم يكن يتقبل عطاء أو أجراً على ما يفعل أو تحفة أو هدية كهوم على عمله، ولم يكن يطلب الشهرة والإعلان عن نفسه وحشد الناس حوله، بل كان يأوي إلى كهف صديقه الدكتور سبير وزوجته وعاش عيشة ساكنة شريفة، محترماً من جميع الذين عرفوه، ولم تدرك عليه ريبة، أو يلحظ القوم عليه ميناً أو خداعاً، بل لم يتهم بأقل تهمة من هذا القبيل أو يقرف بأية ظنة أو شك في سيرته وعمله.
وبعد وفاة هذا الرجلن راس تحرير مجلة الضياء داوسون روجرس، الذي قضى عام 1910 ويقوم الآن على رئاسة تحريرها مستر والس وإليه يعود فضل احتفاظ تلك المجلة بمبدئها الأول، ورقيها وانتعاشها الحاضر، ويعذر علينا أن نحصي عدد العلماء والكتاب الذين يحفلون بالأبحاث الإسبرايتيوالية، ولكنا نقول أنهم لم يؤلفوا بعد جمهوراً عظيماً، على أنه لا تزال هناك جمعيات منتشرة في بلاد كثيرة تقيم يوم الأحد قداساً لها وتنتدي في ذلك اليوم الديني المسيحي فتلقي الأناشيد والخطب، وجلسات عدة لمناجاة الأرواح، حيث يصف الوسيط أرواح الموتى وأشكالهم لأقاربهم أو أصدقائهم الحاضرين في المجلس، وقد يبلغ الوصف في بعض احيان إلى حد الحقيقة والبينة والإثبات المقنع ولا سيما إذا ذكر الوسيط اسم الميت لذوي قرباه. على أننا نقول مع ذلك أن الاجتماعات التي تقيمها تلك الجمعيات لا تجذب فريقاً من الراقين المهذبين حتى لا تجد الجلسات الإسبرايتولية في الأقاليم لا يحضرها إلا الغوغاء والعامة ولكنها ولا ريب توافق حاجات طائفة من الناس، لا تقل مستوى عقولها عن الطبقات التي تدخل الكنائس ودور الصلوات.
على أن هذه الحركة الإسبرايتوالية لا تزال قوية في فرنسا ولكنها تختلف عن الحركة في إنجلترا بميزة وحيدة وهي أن الإسبرايتواليزم في فرنسا ينزع إلى مبدأ تقمص الأرواح، وهذا يرجع إلى كتابة كاتب قديم يدعى آلان كورديك كان يؤمن بصحة تقمص الأرواح، ويلوح لنا أنه حاول إقناع الأرواح بالاعتراف بذلك، ومن ذلك ترى الوسطاء في فرنسا يعلمون الناس وينشرون مبدأ تقمص الأرواح على حين لا يفعل ذلك علماء الإنكليز بل ينكرون هذه الفكرة بتاتاً. وهذا اختلاف يكاد يكون مضحكاً لأنه ضد الفكرتين.
أما في ألمانيا فلم تنتشر الإسبراتيواليزم انتشارها في إنكلترا وفرنسا، وإن كان العالم زولتر والعالم ويبر قد أثرا أثراً شديداً في أذهان الجماهير في زمنهما. ولكن يلوح لنا أن التصوف في ألمانيا قد بز الإسبراتيواليزم واستبقه وعلا عليه وقد أصبح الدكتور رودلف استرنر الخطيب الأكبر والقسيس الأعظم لهذه الطريقة الصوفية في برلين.
وقد كان في إيطاليا أبحاث كثيرة في هذا الشأن ولا سيما إذا نبغت تلك المرأة العجيبة التي اشتهرت بأنها من أكبر الوسائط الروحية، وهي من أهل نابولي وتدعى يوزابيا بلادينو، وقد استطاعت أن تقنع عدة أبطال من علماء هذا المبدأ والعلماء الآخرين، أمثال العالم الطلياني لومبروزو وثقم مروسيلي وريشت، وكذلك السير أوليفر لودج بصحة جلساتها، ومخاطبتها الأرواح، ويوجد في ميلان اليوم مجلة شهرية للإسبراتيواليزم تسمى (ليس أومبر).
أما عن البلدان الأخرى، فنقول أنه توجد جمعية للإسبراتيوليزم في بلاد الأرجنتين في أمريكا الجنوبية، وأخرى في إسبانيا ومركزها لشبونة ثم لا تزال هناك جمعيات منتشرة في هولاندة، والدانمارك وروسيا ولكن هذه الحركة لم تذع ولم تشتهر إلا في البلاد الإنكليزية وفي أرض فرنسا ولا سيما المستعمرات البريطانية وبالأخص في مدينة ملبورن في أوستراليا إذ تصدر هناك مسز أني برايت المجلة المسماة (رسول النور).
وخلاصة هذه الحركة أن الإسبراتيواليزم في شكله الحاضر يعلم الناس أولاً أن المخلوقات الإنسانية تعيش بعد الموت وأن الحياة التي بعد العاجلة تشبه هذه في المشاغل والمصالح، وأن مآلنا تلك يتوقف على عملنا في هذه، وهذا رأي من الوجهة الفلسفية راجح، ومن الوجهة الأخلاقية باعث على الأمل والرجاء والعزاء فإننا إذا كنا لنا أن نفكر أو نتخيل الحياة الأخرى فلا بد من أن نتخيلها على شكل الحياة الوحيدة التي عشناها أي الحياة العاجلة.
وقد يكون ذلك خطأ وخيالاً فاسداً ولكن ذلكم كل ما في مكنتنا، ولا يسعنا أكثر من ذلك، وأما من الناحية الأدبية، فليس أصلح للنفوس وأبعث للآمال، وادعى للعزاء من الاعتقاد بأننا على قد رما نزرع نحصد، ونفعل نجزى، والإسبراتيواليزم كذلك يراد منه كما يراد من اليتوبيا الاعتقاد بأن الموتى مرفرفون حولنا، حافون بنا، وإن كانت عيوننا الحسيرة الآدمية لا تستطيع أن تشق الحجب فترآها عياناً، لأنه (كما يقول كتاب النزعة الإسبراتيولية) يعد من القسوة ولا ريب، لو أنهم طرحوا جانباً الرغبة في زيارة أصدقائهم ورؤية أصحابهم وشهود ذوي قرابتهم، الذين كان يربطهم بهم في هذه الحياة الحب المتبادل، والصداقة المشتركة، والألفة العظيمة، بل كان خليقاً بهذه الصداقة وتلك اللفة أن تزداد في الأخيار وتشتد، لا أن تضعف وتهن، ومن هنا تدرك أن علماء الإسبراتيوالزم يعتقدون أن الموتى حاضرون حياتنا كشهود ومتفرجين لأعمالنا وفعالنا.
هذا وسننشر أبحاثاً أخرى عن تاريخ جمعية الأبحاث النفسانية وما يتعلق بالإسبراتيواليزم من جميع الوجوه في الأعداد القادمة.