الرئيسيةبحث

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 41/الملايو

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 41/الملايو

بتاريخ: 1 - 4 - 1918


أرسل إلينا هذه الرسالة حضرة الأديب الفاضل حسين أفندي عابدين المقيم بسنغافورة اليوم

يسكن الملايو شبه جزيرة ملقا وأرخبيل ماليزيا (جزر الهند الشرقية) الذي سمي كذلك نسبة إليهم، وقد اختلف المؤرخون في أصل هذه الأمة، فقال البعض أنهم من آسيا ثم تفرقوا في الجزر وينسبون اليابانيين إليهم، وقال آخرون أنهم من جزيرة سومطرة، وقال غيرهم أنهم من جزر المحيط الهادي نقلتهم الرياح الشرقية نحو آسيا ولا يزال يوجد قوم من نسلهم بجزيرة مدغشقر.

وبتوالي الغزوات على بلادهم قد اختلطوا بالعرب والفرس والهنود والصينيين والافرنج وغيرهم، ولكن لا يزال بسومطرة وملقا وغيرهما العنصر الأصلي خالصاً.

وهم يشبهون المغول في السحنة، قصار القامة، أقوياء البنية، طويلو الأصابع رفيعوها، ثقيلو الأرجل في السير أقوياء عليه، كرويو الرؤوس مع انبطاح من الخلف وغزارة في الشعر، قصيرو الأنوف ولكنها واسعة الفتحات، واسعو الأفمام ولكنها غليظة الشفاه جميلو الأسنان مربعو الوجوه، مرفوعو العيون بانحراف نحو الأصداغ (البعض أفقيوا العيون) ناميو عظام الوجنات بارزوها، يقل الشعر في أجسامهم ولحاهم، لون بشرتهم بين الصفرة والسمرة، ثديّ نسائهم صغيرة، ولسن جميلات القوام كالهنديات والمصريات والتركيات وغيرهن.

من عوائدهم مضع البتل ويسمونه سيرة وهو ورق نبات كاللبلاب (المعروف بمصر) له مفعول صحي قابض، ويضيفون إليه جو زالا رك ويسمونه بينغ والكاس ويسمونه كافور وثمر شجر الكات ويسمونه كمبير والتمباك ويسمونه تمباكو ومن يراهم لأول مرة وهم يمضغونه لا يظن أنهم يأكلون لحماً نيء تسيل منه الدماء فتشمئز منهم نفسه.

وقد كانت أسلحتهم السيف ويسمونه فدغ والخنجر ويسمونه كولوء والسهام المسمومة ويسمونها أنق فانه والسباطانة ويسمونها سمفيتن (وهي أنبوبة طويلة توضع بها قطع صغيرة من الطين الجاف أو غيره وينفخ فيها فتصيب الغرض، وهي تستعمل لصيد الطيور الصغيرة) وغيرها، ولكنهم الآن يستعملون الأسلحة النارية الحديثة.

وملاهيهم هي المراهنة بالورق والنرد والشطرنج ومضاربة الديكة وفحول البقر والجاموس والصيد والمبارزة والرقص، والميسر منتشرين بعضهم رجالاً ونساء.

وهم ذوو صفات غريزية فاضلة، فلرجالها ذكاء متوقد وحماس غريب، عزيزو النفس يترفعون عن الذل، أولو شجاعة قد تقودهم إلى حتفهم، كثيرو الحذر في المعاملات يتهمهم بعض المؤرخين بالخيانة وقساوة القلوب غير أني لا أعرف فيهم إلا الأخذ بالثأر وكظم الغيظ.

وهو من الأمم التي تعيش متكلة على غيرها، ترزق من خدمة الأمم الأخرى دون أن تسعى إلى ترقية نفسها بذاتها بل ولا بغيرها.

ولهم استعداد فطري للصناعة كالحياكة والصباغة والحفر على المعادن والنجارة، والصياغة، والدباغة، وعمل الأسلحة، ولا يضاهيهم في بعضها غيرهم من الأورباويين.

وقد كانت حكوماتهم قبل استعمار الافرنج لها استبدادية ارستوقراطية بمعنى الكلمة فالوالي ويسمونه راج أو تفكو بسر هو الحاكم المطلق، يتصرف فيهم نساء ورجالاً تصرف المرء في عبيده بل أشد.

ومنازلهم يصنعونها من الخشب وهي مربعة الشكل تقريباً، ويقيمونها على أوتاد لتقيم تحتها ماشيتهم وسقوفها مائلة ويصنعونها من سعف نخل يسمونه نيفا ومتى صنعت يسمونها أتف.

ويلبس الرجال عادة قميصاً قصيراً (لا على الركبة فقط) وسروالاً فوق قماش (كفوط الحمام المعروفة أو كالتي يستعملها بائعو شراب العرقسوس والخرنوب بمصر) ويسمونه ساروغ وعمامة (كالتي يستعملها مكاريو مصر المعروفة عندهم باللاسة) أو قبعة من القش (مخروطية الشكل) وقد يستعملون نعالاً في أرجلهم وتلبس النساء كالرجال تقريباً ولكن بدون سروال، ويضعن فوطة ساروغ على رؤوسهن (وهذا عوض من المئزر) ويرفعنه على أذرعهن إلى محاذاة الوجنتين، ويمسكن طرفيه بأيديهن فيشدونه بحيث تستر حافته وجههن، فلا ترى منه إلا العينين، فهن في ذلك كبعض قرويات مصر، ولهن شغف بالتحلي بالخواتم والأساور والقلائد والأقراط، ويفتخرن بكثرة ما يكتنزنه من الفوط ساروغ فقد تجد عند بعضهن ما يبلغ ثمنه من هذه الفوط فقط سبعين جنيهاً أو أكثر، وقد يبلغ ثمن الواحدة خمسة جنيهات أو أكثر بحسب صناعتها مع أنها مصنوعة من الحرير فقط؟؟!!

وقد كانوا يفتدون القتيل بالمال بدل إعدام القاتل، ويبارزون خصومهم، ويشترون نساءهم والرجل له عليها حق مطلق والفقير الغير قادر على الثمن يشتغل مدة معلومة عند أهل العروس ويكون عمله عندهم مهرها، ويرث الميت أبناء أخته قبل أولاد أبيه (هذه العادة متبعة للآن عند أهالي مفكابو بسومطرة من المسلمين) وقد احترمت الحكومات المستعمرة هذه العوائد إلى أن زالت ولم يبق منها إلا الأخيرة.

وقد كانت الديانة الشائعة بينهم هي الوثنية حتى القرن الثالث عشر (كما يزعم المؤرخون) فقدم إليها تجار من مسلمي الفرس نقلوا إليها آداب العرب وديانتهم، وأول بلد نزلوه هو ملقا، ثم انتقلوا إلى جزيرة سومطرة حيث كانوا بها في عصر ماركوفولو الرحالة الشهير، ثم ازداد نفوذهم في هذه الجزيرة حتى حملوا حكام هذه البلاد على اعتناق الإسلام في القرن السادس عشر (الميلادي)، وبعد ذلك ازداد الإسلام انتشاراً في جميع الجزائر والبر الأصلي.

على أنني أظن (كما يظهر لي من بعض الآثار القديمة) أن العرب هم أول قوم دخل هذه البلاد في القرن الخامس الهجري، وأكبر دليل حسي ظاهر أن مذهب الملايوهو الشافعية، أما ملوكهم وهم من أصل مغربي (كما تثبت ذلك الآثار) فقد كانوا مالكيي المذهب، وهم الآن شافعية، وللمغاربة في هذه البلاد آثار قديمة عجيبة.

وللغة الملايو لهجات مختلفة وإن كان الأصل واحداً. . وقد شاع استعمالها بينهم وبين التجار على اختلاف أجناسهم ابتداء من القرن الثالث عشر الميلادي.

وقد أثرت مخالطة الأجانب لهم في لغتهم، ففيها الآن كثير من أصل هندي (سنسكريتي) وعربي وبرتغالي وإسباني وغيرها، والأكثرية للأولى مع أنهم أخذوا عن الإسلام كلمات عديدة.

وقد أخذوا عن العرب حروفهم الهجائية وزادوا عليها حرف ج (جيم بثلاث نقط) وينطق به كحرفي في الانكليزية وتشا في العربية، وحرف غ (غين بثلاث نقط) وينطق به كحرفي في الانكليزية أو نجا باللغة العامية أو نقا في اللغة العربية حسب نطق عرب حضرموت وغيرهم، وحرف ف (فاء بثلاث نقط) وينطق به كحرف في اللغة الانكليزية أو با في الفارسية وحرف ن (نون بثلاث نقط)، وينطق به ككلمة في الانكليزية أو نيا في العربية، وينطقون بالحروف الهجائية العربية كما هي، غير أن الراء ينطقون بها كالغين كما ينطق بها بعض الفرنسيين، والقاف في آخر الكلمة ينطقون بها همزة، ويحذفون الهمزة في النطق بحروف الباء والتاء وما تنتهي بهمزة فينطقون بها باتا الخ وكذا حرف الزاي ينطقون به زا.

ولا يتغير شكل الكلمات بالتصريف أو الاشتقاق، ولا يثنى الاسم فيها، وفي جمعه يضعون رقم اثنين على كل كلمة يريدون جمعها، مثل كاين؟ ومعناها قماش وأقمشة، وينطقونها كاين كاين ولجعل الكلمة اسماً جامداً أو صفة أو فعلاً مبنياً للمعلوم أو للمجهول يزيدون مقاطع مخصوصة في أوائل الكلمات، وأرقامهم في الكتابة هي نفس الأرقام العربية المستعملة الآن عند الافرنج، وقد انتشرت الآن في بعض الجهات كتابة الملايو بالحروف الافرنجية خصوصاً بين الطائفة المتعلمة في مدارس الحكومات والقسس، ولولا همة البعض لاندثرت الكتابة بالحروف العربية، وقد اشتهر في الكتابة عندهم من الرجال راج علي الأحمدي وراج طاهر ومن النساء راج عائشة وكلهم من العائلة التي كانت حاكمة بجزائر ريهو التابعة لهولنده الآن، ولهم مؤلفات كثيرة مترجمة عن العربية خصوصاً الأخيرة، ونبغ من المولدين السيد شيخ بن أحمد الهادي في لغة الملايو، وليس له إلى الآن غير بعض مقالات وأشعار نشرت في بعض المجلات والجرائد، على أن له الآن همة وعزماً على إتمام ما سيخلده له التاريخ وفق الله الجميع لما فيه الخير.

البيان لحضرة صاحب العزة القاضي الفاضل الأستاذ صالح جودت بك رسالة قيمة أتى فيها على كل ما يتعلق بأمة الملايو هذه فمن أراد التوسع في هذا الباب فعليه هذه الرسالة الصافية، وقد أخذنا عنها صورتي السلطان عبد الحميد حليم شاه راجا قدح وهي إحدى ممالك شبه جزيرة ملقا وسمو نجله الكريم والمصور الجغرافي لجميع بلاد الملايو.