مجلة البيان للبرقوقي/العدد 37/مطبوعات جديدة
→ متفرقات | مجلة البيان للبرقوقي - العدد 37 مطبوعات جديدة [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 1 - 12 - 1917 |
ظهر في هذه الفترة التي احتجب فيها البيان هذه الكتب الثلاث، وبما أنه ليس هناك متسع للكلام على الكتابين الأولين أرجأنا القول عليهما إلى العدد القادم ونكتفي الآن بالكلام على كتاب التعليقات الجديدة، وقد كلفنا أحد المشتغلين بالقانون أن يكتب عنه كلمة مختصرة وها هي:
كتاب التعليقات الجديدة
على قانون العقوبات الأهلي
تأليف محمد عبد الهادي الجندي بك
إن خير طريق للوقوف على حقائق الأمور كما يجب هي الطريقة التاريخية التي سلكها سبنسر وغيره من كبار الفلاسفة في الأبحاث الاجتماعية، وقد سلك هذه الطريقة ثقاة الفقهاء الغربيين في شرح المواد القانونية يمهدون الطريق بذكر تاريخ هذه المادة ومصدرها المأخوذة منه والأسباب التي دعت الشارع إلى وضعها والمناقشات البرلمانية التي دارت حولها والأدوار التي تقلبت فيها، أما غير هذه الطريقة فتخبط ورجم بالغيب وجولات خيالية لا رائد لها يرشدها إلى الصواب ولا ضابط يكبح جماحها ويلم شاردها.
ولما كان القانون المصري صورة مترجمة للقانون الفرنسي كان الرجوع إلى الشراح الفرنسيين وأحكام المحاكم الفرنسية خير طريق يسلكه القضاة والمحامون في تطبيق القانون المصري وتعرف معناه.
ولكن الشارع المصري الذي تعجل في أول الأمر ولم يكلف نفسه العناء في وضع قانون يلائم الجو المصري والعادات المصرية بل أخذه من القانون الفرنسي مع التباين العظيم بين البلدين أصلح غلطته هذه وأخذ يعدل المواد القانونية ويحاول إلباسها ثوباً مصرياً ملائماً للذوق المصري وقد عنى على الأخص بمواد قانون العقوبات حتى صار هذا القانون كالمرقعة بعضه مصري يلتئم مع عاداتنا والبعض الآخر افرنجي - وأصبح الرجوع إلى كتب الشراح الفرنسيين غير كاف للوقوف على غرض الشارع بل مدعاة في بعض الأحايين إلى الخطأ والبعد عن الصواب والواجب أن يلجأ المرء إلى الكتب الفرنسية فيما هو مأخوذ عن أصل فرنسي وإلى الأعمال التحضيرية كتعليقات الحقانية ومناقشات مجلس الشورى ومذكرات لجنته فيما هو من عمل الشارع المصري.
غير أن هذه الأعمال التحضيرية مبعثرة يصعب على الباحث الاهتداء إليها فلم شعنها حضرة الأستاذ عبد الهادي الجندي بك ورتبها أحسن ترتيب معقباً كل مادة بالأعمال التحضيرية الخاصة بها بحيث إذا أراد أحد الحقوقيين أن يدرس مادة من مواد قانون العقوبات فما عليه إلا أن ينظر في كل ما جاء من الأعمال التحضيرية لهذه المادة ويقارنها بعضها ببعض ثم يستخلص قصد الشارع.
فالأستاذ عبد الهادي الجندي بك بكتابه التعليقات الحديثة على قانون العقوبات قد وضع الحجر الأساسي في مصر للطريقة العلمية لدراسة القوانين ولم يسبقه إلى هذه الفكرة أحد ففضله على القانون المصري وكل مشتغل به فضل كل مخترع ونأمل أن يكمل عمله ولا يقف عند هذا الحد فإنه وإن كان قد أنجز عملاً جليلاً يستحق عليه الشكر والثناء إلا أن خبرته وكفاءته تبعثان على الرجاء في أن لا يكتفى بتكديس أدوات البناء وتهيئتها تاركاً إياها لغيره يشيد بها ما يريد أن يشيده، بل نريد منه أكثر من ذلك - نريد منه أن يستخدم هذه الأعمال التحضيرية في شرح القانون واستخلاص المبادئ القانونية ونقدها كما فعل الأستاذ جارسون في تعليقاته على قانون العقوبات الفرنسي وهذا ليس بالأمر السهل ولكن كفاءة عبد الهادي بك أهل للنهوض بكل عظيم.
وعلاوة على ما تقدم قد عني المؤلف بتذييل كل مادة بطائفة منتقاة من أحكام محكمة النقض ومحاكم الاستئناف والمحاكم الجزئية، وفائدة هذه الأحكام جلية لا تحتاج إلى بيان.
وبودنا أن لو تعرض المؤلف إلى تحليل هذه الأحكام وإيضاح المبادئ التي بنيت عليها فلا يكتفى بسردها مجردة عن كل تعليق بل يأتى بها لنقدها أو ليستشهد بها على رأيه.
وبعد فإن كتاب عبد الهادي الجندي بك جليل جمع بين الجديد والمفيد وقرب مناهل القانون للحقوقيين وفتح لهم مضماراً جديداً للمسابقة فاستحق منهم الشكر والثناء.