الرئيسيةبحث

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 35/متفرقات

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 35/متفرقات

بتاريخ: 20 - 4 - 1917


دائرة المعارف الصينية

كل شيء في الصين غريب، حتى دائرة المعارف، فإن في القسم الصيني من المتحف البريطاني كتاباً واحداً يشتمل على خمسة آلاف مجلد وثمانية وعشرين مجلداً، وهذا الكتاب الصيني العجيب الذي خرج من المطابع الصينية ابتاعته الحكومة الإنكليزية منذ أعوام بنحو من ألف وخمسمائة جنيه، ولا يوجد منه الآن إلا نسخ معدودات، والكتب دائرة معارف أدبية تحتوي آداب الصين منذ ثمانية وعشرين قرناً وابتدأت من عهد الإمبراطور كنغ هي الذي كان على عرش الصين من عام 1662 إلى عام 1722 وكان مولعاً بالأدب مفتوناً بالعلم، فرأى فيما رأى في أبحاثه ودراسته الأدب الصيني القديم أن شيئاً كثيراً من التحريف والفساد وقع في النسخ الحديثة الطبع، ففكر في أن يعيد طبع الأصل ويحفظ في مجلد واحد، فجمع كنغ هي طائفة من العلماء ليختاروا ويفحصوا القطع التي يراد إعادة طبعها واستعان بالمرسلين الجزويت على سبك حروف من النحاس لجمع هذه الكتب، فلبثت الجماعة في سبيل إخراج هذه الدائرة فأوصى خلفه بأن يعمل على إتمامه فأنفذ الإمبراطور الجديد وصاة سلفه، والكتاب مقسم إلى ستة أبواب، وكل باب منها يختص بفرع من فروع العلم.

المتسولون المتنعمون

لعل البلد الوحيد الذي فشى فيه المتسولون حتى أصبحوا طائفة يعتد بها في تعداد السكان، هو مملكة هولانده، ويظهر أن للمتوسلين في هذه المملكة تاريخاً وماضياً، لأن الحكومة اضطرت منذ عشرين سنة إلى وضع قوانين صارمة في معاملتهم وقد أفردت لهم مستعمرات لنفيهم إليها وتشغيلهم في زرع أرضها وحرثها، وهذه المستعمرات مجدبة، قاحلة، تطلب جهداً وتستلزم الدأب والعناء الشديد، ولكن وباء التسول قد أصبح الآن أشد خطراً وأكثر تفشياً منه منذ عشرين عاماً، فإن الحرب قد ساقت ألوفاً من التجار الألمان إلى المملكة الهولندية وجمعاً كبيراً من الزوار والهاربين واللاجئين، جاؤوا يهربون بأنفسهم من مآثم الحرب في مملكهم ومجازر القتال في ديارهم، فعلمت الأطفال صناعة الحاويوبيع أوراق اللعب الكوتشينا والرقص والغناء فاكتسب المتسولون من ذلك مئات من الجنيهات، وأصبحت أسرة المتسول منهم تعيش الآن في أرغد نعمة وأحسن حال، حتى عادت الحكومة فسنت قانوناً جديداً يعد بموجبه إعطاء المتسول شيئاً من الحسنة مخالفة من المخالفات المعاقب عليها في المحاكم وأصبح يقبض الآن على المتسول والمتصدق معاً.

ونحن نقول إن ما وقع في هولانده لا يكاد يختلف في شيء عما يقع الآن في مصر، فقد غصت الطرق بالمتسولين من الأطفال والفتيات والشيوخ والشباب وأصبح الإنسان لا يطيق الجلوس في قهوة أو منتزه، فهل يرضى الجمهور أن يذعن إلى قانون مثل هذا يغل يده عن إعطاء المتسولين وتشجيع البلادة والكسل ويمسكه عن الإفراط في القروش التي تخرج من جيبه لتجعل من المتسول رجلاً مثرياً من أصحاب الأموال، أم تتنازعه الرحمة الشرقية التي أكثر ما تكون شراً وويلاً وضراً فيأبى إلا أن يكون في الدنيا سائلون ومستجدون ويصبح السؤال صناعة من الصنائع الفنية الناجحة؟؟.

جريدة شفوية

إن الشرط الأول في الجريدة أن تكون مكتوبة ومطبوعة، وموزعة في الطرق لتأدية مطالب الباحثين عن الأنباء والمشغوفين بتتبع شؤون المدينة وأحداثها وأخبارها، وهذا هو المبدأ الذي سارت عليه جميع صحف الأرض، وأكن في الولايات المتحدة الأمريكية الآن صحيفة غير مطبوعة قد أغنت عن وجود الجرائد والصحف السيارة، وهذا النظام هو بواسطة التليفون، وذلك أن شركة التليفون توزع نشرة شفهية على جميع خطوطها للمشتركين وغير المشتركين. ففي ساعة معينة من النهار يفتح المركز الرئيسي للشركة جميع خطوط التليفون في المدينة من أقصاها إلى أقصاها ويستدعى المشتركين فيدلى إليهم بجميع الأخبار الجديدة الخاصة بالولاية والأنباء السياسية والشؤون الدولية وكل ما يهم السكان من أحداث العالم، وكذلك الوفيات في الولاية والأعراس والطلاق والمواليد والملاهي وأحوال الجو وما إلى ذلك، وبذلك عطلت شركة التليفون على الصحفيين، وجعلت من بنات التليفون سياسات كبيرات.

الساعات الخطرة من النهار

اكتشف منذ أيام عالم من كبار علماء الجراثيم الذين قضوا أكثر دهرهم في دراسة الجراثيم وكل ما يختص بعلم البكتريولوجيا. . إنه في الساعة التاسعة من الصبح وفي مثلها من الليل يكون عدد الميكروبات المتطايرة في الهواء أكثر من أية ساعة أخرى من ساعات اليوم، وإن مقدار الميكروبات في الساعة الثالثة من الصباح والساعة الثالثة من المساء (بعد الظهر) أقل من أية ساعة أخرى وطريقة ذلك أنه أخذ عينات من الهواء في ساعات مختلفة من النهار وأجرى فحصها أدق الفحص، واستطاع بالدقة أن يعرف مقدار الميكروبات الموجودة في كل بوصة مكعبة منها، وسرميل الجراثيم إلى الساعة التاسعة في الصباح وحبها للساعة التاسعة من الليل هو حركة الناس في هاتين الساعتين إذ يبدأ القوم في الخروج من بيوتهم من الساعة السادسة إلى التاسعة ويعودون في مثلها من المساء إلى دورهم من أعمالهم أو يمرحون في الشوارع بحثاً عن اللهو والرياضة وترويح النفس. وقد لاحظ أنه لا تكاد الساعة السادسة من الصباح أو المساء حتى تبدأ في الجو أعراض تنبئ بحلول هجوم الميكروبات، ثم تأخذ كتائبها في الزيادة، والازدحام حتى تملأ الفضاء في الساعة التاسعة وفيها الكتيبة الصالحة، وفيها الشرادم الخطرة المخيفة ثم تأخذ بعد ذلك في الإختفاء والغروب حتى تكون الساعة الثالثة.

القرائح الفياضة والقرائح الناضبة

من الكتاب والمؤلفين كثيرون مقلون، لا يكاد الكاتب منهم ينتهي من السطر الثالث أو الخامس حتى يتصبب جبينه عرقاً، وتنضب قريحته، ولعله لا يعاود الكتابة إلا بعد حين، وكثيرون مثلهم يستغرقون وقتاً طويلاً في التأنق وإكراه المعاني على الحضور إلى أذهانهم والتجويد في انتقاء اللفظ الفخم والعبارة الرقيقة، وقد يرتحلون عن الدنيا ولم يستطيعوا أن يخرجوا للعالم غير كتاب واحد أو نصف كتاب، ولعل القراء يذكرون الآن كتاب (عيسى بن هشام) فهو على تفاهته لا يزال الجزء الأول، وسيمضي هذا القرن، وتتتابع مراحل المستقبل، ولا يزل على حاله الأولى من النقص، وكثيرون من كتاب هذا البلد يعدون في الأدباء الكبار والكتاب المعروفين، ولم يكتبوا في حياتهم أكثر من بضع صفحات، ومنهم من لا يعرف إلا بقطعة واحدة، لا يزال الحكم فيها كذلك متبايناً، ولعلها أقرب إلى السخف والركاكة وبرودة المعنى، وأغرب منه أن رجلاً يعده الملتفون حوله أديباً وهو لم يكتب إلا قطعة صغيرة تافهة منذ خمسة عشر عاماً، وهو يقرؤها الآن على الناس من ذاكرته ويتلوها غيباً كما يقوا العامة. على أن هناك كتاباً كثراً لا تستطيع أن تحصي عدد ما خرج لهم من المقالات والموضوعات لأنها تربي إذا جمعت على المجلدات الضخمة، ولكنك لا تظفر منها جميعاً بأكثر من أسطر قلائل تستطيع أن تقول عنها لا بأس بها.

ولكن ماذا تقول إذا علمت أن السير كونان دويل، الروائي الإنكليزي الطائر الذكر، بلغ من سرعته في الكتابة أنه وضع رواية تحتوي 1200 كلمة، في جلسة واحدة ولا يفارق مكتبه، وإن ستيفلسون، وهو من كبار الروائيين، وضع رواية كبيرة من روايته في سبعة أيام. وإن الكاتب الكبير هول كيل أتم أكبر كتاب له وهو حياة الشاعر كول ريدج في عشرين يوماً، أما الرجل الإيديالي المفكر المشهور

هـ. ج. وويلز، فيكتب عشرة آلاف كلمة بين الصبح والعصر وإن مسز ميد أتمت عشرين ألف كلمة في يوم واحد ولكن أسرع من كل هؤلاء ولعله أشد كتاب الأرض فيضاً، وأطولهم نفساً في الكتابة هو ديماس الكبير. فقد لبث سنة كاملة يكتب في كل أسبوع مجلداً كاملاً.