الرئيسيةبحث

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 34/مركز المرأة الإجتماعي

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 34/مركز المرأة الإجتماعي

مجلة البيان للبرقوقي - العدد 34
مركز المرأة الإجتماعي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 20 - 3 - 1917


ـ 6 ـ

النتيجة

مما تقدم يتضح جلياً أن المرأة في جميع أنحاء العالم أحط قدراً وأقل حقوقاً من الرجل غير أنها في الأمم المتمدنة أحسن حالاً وأكثر حرية منها في القبائل المتوحشة. وفي مصر لا تزال العادات القومية آخذة بعنق المرأة مانعة إياها من الرقي والوصول إلى الدرجة التي تليق بوظيفتها الإجتماعية ولا يكفي لتحريرها خروجها سافرة الوجه فإن أمامها عقبات كثيرة خلاف الحجاب. وليس بكافٍ لتذليل هذه العقبات جيل أو اثنان بل لا بد لذلك من أجيال عديدة. فإن المرأة لا تعاني فقط ظلم الرجل واستبداده بها بل تعاني أيضاً جهلها واحتقارها لنفسها واستخفافها بحقوقها.

لا يكفي السجين الذي أقام جل حياته في السجن والأغلال أن تفك قيوده ويخلى سبيله بل يجب مع هذا مساعدته بالتعليم والتهذيب ورفع شأنه في نظره ومحو الأثر الذي علق بنفسه من جراء السجن والإذلال.

فالواجب علينا إزاء المرأة أن نعيد إليها كبرياءها ونبدد غياهب جهلها وننتشلها من الأوهام والخرافات الآخذة بتلابيبها وسواء علينا أخرجت المرأة بعد ذلك سافرة الوجه أو مؤتزرة بالسواد إذا كان هذا بمحض إرادتها وكانت مصونة الجانب رفيعة القدر.

إنا لا نحارب الحجاب لذاته فإنه لا يعنينا كثيراً وإنما نحاربه لأنه عنوان ذل المرأة والعلم الذي يستظل به الرجال وتجتمع حوله اللافتيات على حرية النساء.

لا يقتتل الجنود من أجل علمها لذاته فإنه خرقة يمكن الإستعاضة عنها بأخرى كلما بلى أو فقد. وإنما يذبون عنه لأنه عنوان الأمة ومثال قوتها وعظمتها ففي الدفاع عنه دفاع عن بيضة الأمة وصون لمجدها ومحافظة على حقوقها.

كذلك شأن خصومنا مع الحجاب فإنهم يدافعون عنه لأنه علم على قوتهم ومثال تسلطهم على المرأة وسيادتهم عليها. فإن فقدوه تلاشت قوتهم وذهب بأسهم مع طول الزمن. وما دام باقياً فهم مطمئنون على مجدهم الذي قد دبت في عظامه عوامل الفناء من زمن غير بعيد ولكنها لا محالة ستقضي عليه ولا يبقى لهم منه إلا إطار فارغ لا يحوي شيئاً.

لا تبتكر النظريات الإجتماعية ولا تخترع ولا تخلق من عدم وإنما تتنبت عن جذور لها في الأمة. هذه الجذور هي الحوادث التي تمر على الهيئة الإجتماعية والتقلبات التي تصيبها في طريقها. ولا تقف الأمة إزاء هذه الحوادث والتقلبات جامدة ساكنة بل لابد أن تغير من نظامها وتعدل من سيرها بحيث تصبح على وفاق مع هذه الحوادث. وهذا ما يسمون بالتطور الاجتماعي. فمعنى التطور الاجتماعي ترك نظام قديم غير ملائم لما أصبحت عليه الأمة بسبب ما أصابها من الطوارئ والسير نحو نظام جديد يلائم الحالة الجديدة التي صارت بها الأمة.

والعالم البصير الذي يرقب هذه الحوادث ويحلل أجزائها ويعرف كنهها يمكنه أن يقف على مجرى طريقها فيرسمه سلفاً ويحث أمته على إتباعه كالرياضي حينما يقع نظره على قوس يعرف مركز القوس بعد الاختبار والامتحان ثم يطيل القوس ويمد حتى بصير دائرة. وما يستخلصه العالم الاجتماعي من الحوادث وما يرسمه قياساً على ما مر فيها هي نظريته الاجتماعية التي إن جاءت الحوادث مصدقة لها كانت صحيحة والتف حولها الأتباع وتوافر المدافعون وإن كذبتها الأيام تخاذل عنها أعوانها وتلاشي أمرها.

ونظرية السفور هي بنت الزمان ووليدة الحوادث أظهرها قاسم أمين بقوة فكره وبعد نظره. ومن ثم أخذت تنمو وتشتد ويتهافت عليها المتعلمون من كل حدب ويفر أمامها أعداؤها لائذين بالعادات القديمة مستصرخين إياها مستنجدين بها طالبين المعونة من كل شارد ووارد ولم يجدهم الاستصراخ شيئاً فإن الطبيعة قاسية القلب تجهز على الضعيف ولا تبقى لا على القوي الصالح. والسفور خير نظام يكفل للأمة الهناء والسعادة في حيانها المنزلية. وستنتهي إليه الأمة ولو كره أصار الحجاب.

ومن العبث أن يعارضوا حركته أو يناهضوها أو يعرقلوا من سيرها فإنهم لن يفوزوا بغرضهم ولن يرجعوا بطائل إذ من المحال أن يسبق الإنسان الحوادث ويقف في وجهها ومن الهذيان أن يعترض عليها فإنها لا تصغي لأحد.

وإذا كان مآل المرأة المصرية إلى الحرية والسفور كما هو واضح من استقراء أحوال الأمم التي سبقتنا في الحضارة ومن مجرى الحوادث بيننا فما الداعي إلى الكتابة في هذا الموضوع وسيتم التاريخ دورته من غير احتجاج إلى معونة إنسان.

أجل سيتم التاريخ دورته من غير معونة ولكن لو وقف الإنسان على سير التاريخ وأدرك حقيقة الحوادث ونبه الأفكار إليها لتكون في علم واستعداد لملاقاتها فقد دفع عن أمته ألم البغتة والمفاجأة وقصر عليها زمن الانتظار ولطف ما تعانيه من المتاعب والآلام أبان التطور والانتقال، ومن عارض التاريخ فحاول الوقوف في وجه الحوادث استفز غضبها وأزكى أجيجها وضاعف من أتعابه وآلامه. وهذه حال أنصار الحجاب فكل ما فعلوه أن استشاطوا غضباً وألماً غيظاً وحرقوا علينا الأرّم.

الدكتور عبده البرقوقي