مجلة البيان للبرقوقي/العدد 3/العلوم والفنون
→ أثار المتقدمين والمتأخرين | مجلة البيان للبرقوقي - العدد 3 العلوم والفنون [[مؤلف:|]] |
المقالات والرسائل ← |
بتاريخ: 21 - 11 - 1911 |
ننشر في هذا الباب كل مجد من المباحث العلمية البحتة والفنون المختلفة من طبيعية وكيماوية وفلكية وطبية وزراعية وما إليها حتى تتم الفائدة وتكمل العائدة ويجد كل طالب طلبته وكل ناشد ضالته إن شاء الله.
في الزراعة
الدورة الزراعية
او
نظام التعاقب الزراعي
للفاضل البحاثة أحمد أفندي الألفى
1
ترتيب زراعة الأرض بأنواع النبات وتعاقبها زرعة بعد زرعة وتواليها سنة بعد سنة - هذا هو نظام تعاقب الزروعات المسمى بالدورة الزراعية وإذا نظم التعاقب الزراعي على أن يزرع الصنف الواحد في الأرض الواحدة كل سنتين اثنتين مرة واحدة وصفت الدورة بأنها ثنائية أو على أن يزرع كل ثلاث سنين وصفت بأنها ثلاثية وعليه قولهم الدورة الثنائية والدورة الثلاثية.
وأصول الفلاحة والاقتصاد تقضي بزراعة الأرض بترتيب يساعد على زيادة ربحها وتيسير خدمتها وتوفير خصبها إذ هو أهم مادة في رأس مال الفلاح والنظر في ذلك يستدعي البحث في مسائل عديدة تتعلق بالتربة والنبات والمناخ (الجو) والبيئة (الصقيع) ووسائل الخدمة والاقتصاد وغيرها فلنبحث فيما ذكرنا
أولاً لكل نوع من أنواع التربة - طبقة الأرض الزراعية - أصناف من النبات تجود فيه أكثر من جودتها في غيره فيجب أن يزرع في كل أرض الصنف الأحسن نمواً فيها.
ففي الأرض الصفراء - أجود الأراضي - تجود أنواع النبات المختلفة عدا القطن فإن جودته فيها أقل منها في الأرض الكحلة أي السوداء الخفيفة وعدا النبات الذي أكثر ما يجود في الأرض الرملية كالفول السوداني مثلاً.
وفي الأرض السوداء تنجح أكثر أصناف النبات المعروفة ماعدا نبات الأرض الرملية والنباتات الدرنية والبصلية كالبطاطس والقلقاس والبصل والتوم فلا تجود إلا في الأرض السلسة الرخوة وأحسن ما يجود في هذه الارض السوداء القطن والقمح والفول.
وفي الأرض الرملية يزرع الشعير والذرة الرفيعة خاصة وبعض النباتات الصغرى كالحنا والفول السوداني والسمسم والنباتات البصلية والدرنية والخضروات بشرط أن تسمد كل هذه النباتات بما يوافقها من الأسمدة وينجح فيها بدون تسميد أكثر نباتات الفصيلة البقلية المخصبة للأرض كالبرسيم والحلبة والترمس.
وفي الأرض الرقيقة والمستحدثة لا ينجح إلا القطن والبرسيم والشعير والأرز إلى أن تتوفر فيها المواد العضوية ويتم تحسين طبيعتها فيمكن أن ينجح فيها القمح ثم الذرة أخيراً.
وقد اختبر من وجهة اقتصادية أن تزرع الأصناف الأكثر أهمية وربحاً كالقطن والقمح والقصب والفول والذرة في الأرض إلا على جودة وأن تزرع الأصناف الأخرى كالشعير والحلبة والترمس والحنا في الأرض الأقل خصباً وإن كانت هذه الأصناف كغيرها أحسن ما تجود في الأرض الخصبة.
ثانياً إن بعض النباتات كالقطن والقصب والنيلة يجهد الأرض أو كما يعبر الفلاحون يتعبها أو ينخعها أو يعييها أكثر من غيره فإذا كثرت زراعته في أرض استفرغ خصوبتها وأضعفها عن إنماء سائر النبات إنماءً جيداً كما لوحظ ذلك الآن في الأرض التي يزرع القطن فيها بكثرة.
فلحفظ جودة الأرض يجب الاقتصار في زراعة ذلك النبات المنهك للتربة إلى الحد الذي لا تجهد الأرض معه هذا مع تنويع زراعتها بالنبات المخصب للتربة كالبرسيم والفول والحلبة ونحوها من الزروعات التي تسمى الأرض عقبها باق وهذه اللفظة في العرف الزراعي دليل الخصب والجودة.
وزراعة القمح عقب القطن مخالفة لأصول الدورة وإن كان الأول أقل إجهاداً للأرض من الثاني فإن الغرض المنشود أن يعوض المحصول التالي على الأرض ما أفقده المحصول السابق منها لا أن يكون أقل إجهاداً لها منه ونبات القمح يحتاج لعنصر الازوت فيمتصه بجذوره السطحية من سطح التربة فيفقره منه ويكون القطن قبله قد أفقر جميع التربة من هذا العنصر المهم بامتصاص جذور الطويلة له مع عمقها واذن تصير التربة بعد هذين المحصولين مجهدة من ظاهرها إلى عمقها.
وأغلب أصناف الذرة من النبات الذي يحتاج نموه الجيد لغذاء وفير والمدة القليلة التي تمكثها الذرة في الأرض لا تكفي لاغتذاءه منها الغذاء الكافي لنموه النمو المناسب بدون أن يجهد خصوبتها فيلزم تسميد الأرض له بكمية كبيرة من السماد الجيد وإذن يكون فيه عوض بل ونفع للأرض أما إذا لم تسمد بكمية وفيرة فإن محصوله فيها لا يكون جيداً ويكون مع ذلك ذا تأثير منهك للتربة خصوصاً إذا كانت الذرة من الصنف الأمريكي.
ثالثاً لكل نبات قدرة مخصوصة به على أخذ الغذاء المناسب له من الأرض قاذا زرع صنف واحد مرتين متعاقبتين على أرض واحدة فلا يجد نبات الزرعة التالية في الأرض كفايته من الغذاء الذي يحتاجه لتمام نموه لأن المحصول السابق يكون قد استهلك أكثره منها فتأتي الزرعة التالية أقل نمواً وأشد تأثيراً وإذن لا يصح زراعة قمح بعد قمح ولا فول بعد فول لضعف استعداد الأرض وقابليتها عن إنماء الزرعة التالية بما استغرقته منها الزرعة السابقة.
والفول وإن أفاد التربة في الازوت الذي هو أهم عنصر في خصبها فإنه ينقص منها عنصر آخر هو البوتاسا ولايسد مسده وفرة عنصر آخر غيره وخصوبة الأرض لأي محصول إنما تكون بوفرة جميع العناصر اللازمة لنموه وإنما كان الأزوت أهم عنصر في خصب الأرض لأنه ألزم من غيره لنمو النبات ولكن لأنه لا يوجد فيها الابقلة فإذا زاد هو عن حاجة زرع ما ونقص عنصر آخر يحتاجه ذلك الزرع اعتبرت الأرض غير خصبة له للمقال بقية.