الرئيسيةبحث

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 20/صفحة من التاريخ

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 20/صفحة من التاريخ

مجلة البيان للبرقوقي - العدد 20
صفحة من التاريخ
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 31 - 8 - 1914


النساء في الأندلس

إن الناظر في تاريخ المسلمين في الأندلس ليقضي عجباً إذ يرى ضروب الحضارة جمعاء من علم وأدب وصناعة وتجارة وفلسفة وطب وزراعة واختراع وجيش بري وبحري وأسطول ودولة وما إلى ذلك قد أربت على الغاية حتى ليصح للناظر أن يقول إن مدينة الأندلس كانت بحيث لا يتعلق بأذيالها مدينة أمة أخرى في هاتيك الأزمان، بل يرفع عقيرته قائلاً إن هذه المدينة جاءت سابقة أوانها، لا بل كانت حلماً في الكرى أو خلسة المختلس.

ولسنا نقصد بهذه الرسالة إلى التعرض لجميع أنواع الحضارة العربية في الأندلس فإن ذلك قد أتينا عليه مفصلاً في كتابنا حضارة العرب في الأندلس الذي نسأل الله أن يعين على تمامه وإنما النية بهذه الرسالة أن تذكر طرفاً مما كان عليه نساء الأندلس من علم وأدب عسى أن يكون لنا من ذلك عبرة إن شاء الله.

فأول ذلك أن كان في أحد أرباض (ضواحي) قرطبة أيام عبد الرحمن الناصر مائة وسبعون امرأة يكتبن المصاحف بالخط الكوفي: وكان لبعض قضاة لوشة إحدى مدائن الأندلس زوجة بزت العلماء في معرفة الأحكام والنوازل وكان قبل أن يتزوجها وصفت له فتزوجها فكان يجلس في منصة القضاء فترفع إليه الخصومات وتنزل النوازل فيلجأ إليها فتشير عليه بما يحكم به: وقد كتب إليه بعض أصحابه يداعبه.

بلوشة قاض له زوجة ... وأحكامها في الورى قاضية

فيا ليته لم يكن قاضياً ... ويا ليتها كانت القاضية

فأطلع زوجته على هذه المداعبة فقالت ناولني القلم فناولها فكتبت بديهة:

هو شيخ سوء مزدري ... له شيوب عاصية

كلا لئن لم ينته ... لتسفعاً بالناصية

ومن مشهورات نساء الأندلس حمدة ويقال حمدونة بنت زياد المؤدب الوادي آشي من وادي آش إحدى مدائن الأندلس واحتها زينب.

قال المقري وحمدونة هي خنساء المغرب وشاعرة الأندلس وممن روى عنها أبو القاسم ب البراق ومن قولها:

ولما أبى الواشون ألا فراقنا ... وما لهم عندي وعندك من ثار

وشنوا على أسماعنا كل غارة ... وقل حماتي عند ذاك وأنصاري

غزوتهم من مقلتيك وأدمعي ... ومن نفسي بالسيف والسيل والنار

وقالت وقد خرجت مع نسائها إلى واد نهره منقسم الجداول بين الرياض فنضون ثيابهن وسبحن في الماء وتلاعبن.

أباح الدمع أسراري بوادي ... له للحسن آثار بواد

فمن نهر يطوف بكل روض ... ومن روض يرف بكل واد

ومن بين الظباء مهاة أنس ... سبت لبي وقد ملكت فؤادي

لها لحظ ترقده لأمر ... وذاك الأمر يمنعني رقادي

إذا سدلت ذوائبها عليها ... رأيت البدر في أفق السواد

كأن الصبح مات له شقيق ... فمن حزن تسربل بالحداد

وقد أجمع مؤرخو الأندلس على أن حمدونة هذه هي صاحبة الأبيات المشهورة المنسوبة إلى المنازي الشاعر:

وقانا لفحة الرمضاء واد ... سقاه مضاعف الغيث العميم

نزلنا دوخة فحنا علينا ... حنو المرضعات على الفطيم

وأرشفنا على ظملأ زلالا ... ألذ من المدامة للنديم

يصد الشمس إني واجهتنا ... فيحجبها ويأذن للنسيم

يروع حصاه حالية العذارى ... فتلمس جانب العقد النظيم

قال الرعيني وهو ممن وفد من الأندلس إلى المشرق ونزلت بحلب وكانت حمدونة من ذوي الألباب. وفحول أهل الآداب. حتى أن بعض المنتحلين تعلق بهذه الأهداب. وادعى نظم هذه الأبيات: يعني ولما أبي الواشون إلى آخره: لما فيها من المعاني والألفاظ العذاب. وما غره في ذلك إلا بعد دارها. وخلو هذه البلاد المشرقية من أخبارها. وقد تلبس بعضهم بشعارها. وادعى غير هذا من أشعارها. وهو قوله وقانا لفحة الرمضاء واد الخ وإن هذه الأبيات نسبها أهل البلاد للمنازي من شعرائهم. وركبوا التعصب في جادة ادعائهم. وهي أبيات لم يجلبها غير لسانها. ولا رقم برذيها غير إحسانها ولقد رأيت المؤرخين من أهل بلادنا وهي الأندلس أثبتوها لها قبل أن يخرج المنازي من العدم إلى الوجود، ويتصف بلفظة الموجود.

ومن أديبات الأندلس نزهون الغرناطية من أهل المائة الخامسة وصفها صاحب المسهب بخفة الروح والانطباع الزائد والحلاوة وحفظ الشعر والمعرفة بضرب الامثال مع الجمال الفائق والحسن الرائق حكى أنها كانت تقرأ علي أبن بكر المخزومي الأعمى فدخل عليهما أبو بكر الكتندي فقال يخاطب المخزومي.

لو كنت تبصر من تجالسه

فأفحم وأطال الفطر فما وجد شيئاً فقالت نزهون:

لندوت أخرس من خلاخله:

البدر يطلع من أزرته ... والغصن يمرح في غلائله

ومن شعرها:

لله در الليالي ما أحيسنها ... وما احيسن منها ليلة الأحد

لو كنت حاضرنا فيها وقد غفلت ... عين الرقيب فلم تنظر إلى أحد

أبصرت شمس الضحى في ساعدي قمر ... بل ريم خازمة في ساعدي أسد

ولها نوادر مع كثير من أدباء الأندلس لا يتسع لها هذا المقال.

ومنهن عائشة بنت أحمد القرطبية، قال ابن حيان: لم يكن في زمانها من حرائر الأندلس من يعد لها علماً وفهماً وأدباً وشعراً وفصاحة تمدح ملوك الأندلس وتخاطبهم بما يعرض لها من حاج وكانت حسنة الخط تكتب المصاحف، وماتت عذراء لم يمسها أحد سنة أربعمائة: وقال ابن سعيد في المغرب إنها من عجائب زمانها، وغرائب أوانها، وأبو عبد الله الطبيب عمها ولو قيل أنها أشعر منه لجاز، دخلت على المظفر بن المنصور بن أبي عامر وبين يديه ولد فارتجلت:

أراك الله فيه ما تريد ... ولا برحت معاليه تزيد

فقد دلت مخايله على ما ... تؤمله وطالعه السعيد

تشوقت الجياد له وهز الحس ... ام هوى وأشرفت البنود وكيف يخيب شبل قد نمته ... إلى العليا ضراغمة أسود

فسوف تراه بدراً في سماء ... من العليا كواكبه الجنود

فأنتم آل عامر خير آل ... زكا الأنباء عنكم والجدود

وليدكم لدي رأي كشيخ ... وشيخكم لدى حرب وليد

ومنهن الرميكية جارية المعتمدين عباد أحد ملوك الطوائف وأم أولاده وقال في المغرب ركب المعتمد في النهر ومعه ابن عمار ووزيره وقد زردت الريح النهر فقال ابن عباد لابن عمار أجز. صنع الريح من الماء زرد.

فأطال ابن عمار الفكرة فقالت امرأة من الغسالات. . . أي درع لقتال لو جمد.

فتعجب ابن عباد من حسن ما أتت به مع عجز ابن غمار ونظر إليها فإذا هي من أجمل ما خلق الله فأعجبته فسألها أذات زوج هي فقالت لا فتزوجها وولدت له أولاده واشتهرت بالرميكية واسمها اعتماد.

ومن غريب الأمر أن ذلك لم يقف عند المسلمات بل جاوزهن إلى اليهوديات فكان منهن أديبات كما كان من اليهود أدباء فحول وبحسب اليهود في الأندلس إبراهيم بن سهل الإسرائيلي الشاعر الغزل صاحب الموشحة التي عارضها لسان الدين بن الخطيب بموشحته المشهورة ولا بأس أن نورد هنا موشحة الإسرائيلي ونعقبها بموشحة ابن الخطيب والشيء يذكر بالشيء والحديث شجون قال إبراهيم بن سهل:

هل دري ظبي الحمي أن قد حمي ... قلب صب حله عن مكنس

فهو في حر وخفق مثل ما ... لعبت ريح الصبا بالقبس

يا بدورا أطلعت يوم النوى ... غررا تسلك في نهج الغرر

ما لقلبي في الهوى ذنب سوى ... منكم الحسن ومن عيني النظر

أجتني اللذات مكلوم الجوي ... والتذاذي من حبيبي بالفكر

كلما أشكوه وجدا بسما ... كالربى بالعارض المنبجس

إذ يقيم القطر فيها مأتما ... وهي من بهجتها في عرس

غالب لي غالب بالتؤده ... بأبي أفديه من جاف رقيق

ما رأينا مثل ثغر نضدة ... أقحوانا عمرت منه رحيق أخذت عيناه منه العربدة ... وفؤادي سكره ما أن يفيق

فاحم الجمة معسول اللمى ... أكحل اللحظ شهي اللمس

وجهه يبتلو الضحى مبتسماً ... وهو من أعراضه في عبس

أيها السائل عن ذلي لديه ... لي يجني الذنب وهو المذنب

أخذت شمس الضحى من وجنتيه ... مشرقاً للصب فيه مغرب

ذهبت أدمع أجفاني عليه ... وله خد بلحظي مذهب

يطلع البدر عليه كلما ... لاحظته مقلتي في الخلس

ليت شعري أي شيء حرما ... ذلك الورد على المفترس

كلما أشكو إليه حرقي ... غادرتني مقلتاه دنفا

تركت الحاظة من رمقي ... أثر النمل على صم الصفا

وأنا أشكره. فيما بقى ... لست الحاه على ما أتلفا

فهو عندي عادل إن ظلما ... وعذولي نطقه كالخرس

ليس لي في الحب حكم بعدما ... حل من نفسي محل النفس

منه للنار بأحشائي اضطرام ... يلتظى في كل حين ما يشا

وهي في خديه برد وسلام ... وهي ضر وحريق في الحشا

اتقى منه على حكم الغرام ... أسد الغاب وأهواه رشا

قلت لما أن تبدي معلما ... وهو من الحاظه في حرس

أيها الآخذ قلبي مغنما ... اجعل الوصل مكان الخمس

وهذه موشحة لسان الدين بن الخطيب:

جادك الغيت إذا الغيث هما ... يا زمان الوصل بالأندلس

لم يكن وصلك إلا حلما ... في الكرى أو خلسة المختلس

إذ يقود الدهر أشتات المنى ... ينقل الخطو على ما يرسم

زمراً بين فرادة وثنا ... مثل ما يدعو الوفود الموسم

والحيا قد جلل الروض سنى ... فثغور الزهر منه تبسم

وروى النعمان عن ماء السما ... كيف يروي مالك عن أنس فكساه الحسن ثوباً معلما ... يزدهي منه بأبهى ملبس

في ليال كتمت سر الهوى ... بالدجى لولا شموس الغرر

مال نجم الكاس فيها وهوى ... مستقيم السير سعد الأثر

وطر ما فيه من عيب سوى ... انه مر كلمح بالبصر

حين لذ النوم منا أو كما ... هجم الصبح هجوم الحرس

غارت الشهب بناء أو ربما ... أثرت فينا عيون النرجس

أي شيء لامرئ قد خلصا ... فيكون الروض قد مكن فيه

تنهب الأزهار منه الفرصا ... أمنت من مكره ما تنقيه

فإذا الماء تناجي والحصا ... وخلا كل خليل بأخيه

تبصر الورد غيوراً برما ... يكتسي من غيظه ما يكتسي

وترى الآس لبيباً فهما ... يسرق السمع بادني فرس

يا اهيل الحي من وادي الغضى ... وبقلبي سكن أنتم به

ضاق عن وجدي بكم رحب الفضا ... لا أبالي شرقه من غربه

فأعيدوا عهد أنس قد مضى ... تعتقوا عانيكم من كربه

واتقوا الله وأحيوا مغرماً ... يتلاشى نفساً في نفس

حبس القلب عليكم كرماً ... أفترضون عفاء الحبس

وبقلبي منكم مقترب ... بأحاديث المنى وهو بعيد

قمر أطلع منه المغرب ... شقوة المغرى به وهو سعيد

قد تساوى محسن أو مذنب ... في هواه بين وعد ووعيد

ساحر المقلة معسول اللمي ... جال في النفس مجال النفس

سدد السهم وسمي ورمي ... بفؤادي نهبة المفترس

إن يكن جار وخاب الأمل ... وفؤاد الصب بالشوق يذوب

فهو للنفس حبيب أول ... ليس في الحب لمحبوب ذنوب

أمره معتمل ممتثل ... في ضلوع قد براها وقلوب

حكم اللحظ بها فاحتكما ... لم يراقب في ضعاف الأنفس ينصف المظلوم ممن ظلما ... ويجازي البر منها والمسي

ما لقلبي كلما هبت صبا ... عادة عيد من الشوق جديد

كان في اللوح له مكتتباً ... قوله إن عذابي لشديد

جلب الهم له والوصبا ... فهو للأشجان في جهد جهيد

لاعج في أضلعي قد أضرما ... فهي نار في هشيم اليبس

لم يدع في مهجتي إلا الذما ... كبقاء الصبح بعد الغلس

سلمى يا نفس في حكم القضا ... واعمري الوقت برجعي ومتاب

دعك من ذكرى زمان قد مضى ... بين عتبي قد نقضت وعتاب

وأصر في القول إلى المولى الرضا ... ملهم التوفيق في أم الكتاب

الكريم المنتهي والمنتمي ... أسد السرج وبدر المجلس

ينزل النصر عليه مثل ما ... ينزل الوحي بروح القدس

نرجع الآن إلى ما نحن بصدده، قلنا إن الأدب العربي لم يكن قاصراً في الأندلس على المسلمات بل كان كذلك من اليهود أديبات. وذاك لعمري دليل آخر على استبحار الحضارة العربية وخاصة الأدب في تلك العصر حتى غمرت جميع الأندلسيين مسلميهم ومسيحيهم واليهود، رجالاتهم والنساء، فمن أديبات اليهود في الأندلس قسمونة بنت إسماعيل اليهودي وكان أبوها شاعراً وعنى بتأديبها. قال المقري وربما صنع من الموشحة قسماً فأتمتها هي بقسم آخر قال لها أبوها يوماً أجيزي:

لي صاحب ذو بهجة قد قابلت ... منها يظهر واستحلت جرمها

ففكرت غير كثير وقالت:

كالشمس منها البدر يقبس نوره ... أبداً ويكسف بعد ذلك جرمها

فقام كالمختبل وضمها إليه وجعل يقبل رأسها ويقول أنت والعشر كلمات أشعر مني ونظرت في المرآة فرأت جمالها وقد بلغت أوان التزوج ولم تتزوج فقالت:

أرى روضة قد حان منها قطافها ... ولست أري جان يمد لها يدا

فواسفا يمصى الشباب مضيعاً ... ويبقي الذي ما أن اسميه مفردا

ومن قولها في ظبية كانت عندها: يا ظبية ترعي بروض دائماً ... إني حكيتك في التوحش والحور

أمسى كلانا مفرداً عن صاحب ... فلنصطبر أبداً على حكم القدر

ومن أديبات الأندلس اللواتي ملأن الدنيا أدباً وفضلاً ولادة بنت المستكفي بالله محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد الرحمن الناصر قال ابن بشكوال صاحب كتاب الصلة كانت ولادة أديبة شاعرة جزلة القول حسنة الشعر وكانت تناضل الشعراء وتساجل الأدباء وعمرت عمراً طويلاً ولم تتزوج قط. ماتت لليلتين خلتا من صفر سنة ثمانية وأربعمائة وكان أبوها المستكفي قد بايعه أهل قرطبة لما خلعوا المستظهر وكان خاملاً ساقطاً وخرجت هي في نهاية من الأدب والظرف حضور شاهد، وحرارة أوابد، وحسن منظر ومخبر، وحلاوة مورد ومصدر، وكان مجلسها بقرطبة منتدى لأحرار المصر، وفناؤها ملعباً لجياد النظم والنثر. يعشو أهل الأدب إلى ضوء غرتها، ويتهالك أفراد الشعراء والكتَّاب على حلاوة عشرتها، وعلى سهولة حجابها، وكثرة منتابها، تخلط ذلك بعلو نصاب وكرم أنساب، وطهارة أثواب. مرت يوماً بالوزير ابن أبي عامر بن عبدوس وأمام داره بركة تتولد عن كثرة الأمطار وربما استمدت بشيء مما هنالك من الأقذار وقد نشر أبو عامر كمية، ونظر في عطفيه، وحشر أعوانه إليه، فقالت له:

أنت الخصيب وهذه مصر ... فتدفقا فكلا كما بحر

فتركته لا يحير حرفاً، ولا يرد طرفاً. وقال ابن سعيد في المغرب بعد أن ذكر أنها بالمغرب كعلية في المشرق. إلا أن هذه تزيد بمزية الحسن الفائق، وأما الأدب والشعر والنادرة وخفة الروح فلم تكن تقصر عنها، وكان لها صنعة في الغناء، وكان لها مجلس يغشاه أدباء قرطبة وظرفاؤها. فيمر فيه من النادر وإنشاد الشعر كثير لما اقتضاه عصرها من مثل ذلك. قال المقري: وفيها خلع ابن زيدون عذاره وقال فيها القصائد الطنانة والمقطعات وفيها يقول:

بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا ... شوقاً إليكم وما جفت مآقينا

نكاد حين تناجيكم ضمائرنا ... يقضي علينا الأسى لولا تأسينا

إلى آخر القصيدة وهي مشهورة متداولة. وبسببها خاطب ابن عبدوس برسالته المشهورة، ومن قوله يخاطب ابن عبدوس:

أثرت هزبر الثري إذ ربض ... ونبهته إذ هدا فاغتمض وما زلت نبسط مسترسلاً ... إليه يد البغى لما انقبض

حذار حذار فإن الكريم ... إذا سيم خسفا أبي فامتعض

وإن سكون الشجاع النهو ... ش ليس يمانعه أن يعض

عمدت لشعري ولم تتئد ... تعارض جوهره بالعرض

اضاقت أساليب هذا القري ... ض أم قد عفى رسمه فانقرض

لعمري فوقت سهم النضال ... وأرسلته لو أصبحت الغرض

إلى أن قال:

وغرك من عهد ولادة ... سراب ترآءى وبرق ومض

هي الما يعز على قابض ... ويمنع زبدته من مخض

وقالت وقد زارت ابن زيدون فأرادت الانصراف وودعته بهذه الأبيات:

ودع الصبر محب ودعك ... ذائع من سره ما استودعك

يقرع السن على إن لم يكن ... زاد في تلك الخطى إذ شيعك

يا أخا البدر سناء وسنى ... حفظ الله زمانا أطلعك

أن يطل بعدك ليلى فلكم ... بت أشكو قصر الليل معك

وأرسل إليها ابن زيدون مرة هذه الأبيات:

ألا هل لنا بعد هذا التفرق ... سبيل فيشكو كل صب بما لقى

وقد كنت أوقات التزاور في الشتا ... أبيت على جمر من الشوق محرق

فكيف وقد أمسيت في حال قطعه ... لقد عجل المقدور ما كنت أتقي

تمر الليالي فلا البين ينقضي ... ولا الصبر من رق التشوق معتقي

سقي الله أرضاً قد غدت لك منزلاً ... بكل سكوب هاطل الوبل مغدق

فأجابته بقولها:

لحى الله يوماً لست فيه بملتقي ... محياك من أجل النوى والتفرق

وكيف يطيب العيش دون مسرة ... وأي سرور للكئيب المؤرق

وكتبت أثناء الكلام بعد البيتين: وكنت ربما حثتني على أن أنبهك على ما أجدك فيه عليك نقداً وإني انتقدت عليك قولك: سقي الله أرضاً قد غدت لك منزلاً

فإن ذا الرمة قد انتقد عليه قوله مع تقديم الدعاء بالسلامة:

ألا يا سلمى يا دار مي على البلى ... ولا زال منهلاً بجرعائك القطر

إذ هو أشبه بالدعاء على المحبوب من الدعاء له وأما المستحسن فقول الآخر:

فسقى ديارك غير مفسدها ... صوب الربيع وديمة تهمي

وأخبار ولادة كثيرة رحمها الله - وبعد فإن أدبيات الأندلس يخطئهن العد والإحصاء، فنجتزئ الآن بمن ذكرنا وفيهن إن شاء الله الغناء.