الرئيسيةبحث

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 2/شذرات

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 2/شذرات

بتاريخ: 23 - 9 - 1911


الجبل والبحر

لقد سكنت الجبل والشاطئ فلا والله لست قائلاً أيهما أحسن بيد أن ما كان فيه منزلك فذلك خير لك ثم اعرف بينهما هذا الفرق وهو أنك قد تروض الجبل وتذلله فتقتعد من ذروته مهاداً ليناً وتفترش من غاربه مجلساً وطيئاً فأما البحر فذاك الأبي الجامح العنان لا يمكنك من ظهره ولا يخولك من جانبه والجبل تستطيع أن تتخذ به كوخاً أو تعرف به صاحب كوخ وقد تبصر به مع المساء مصباحاً فتعرف أن هناك أناساً قد تضيفهم فيحسنوا قراك وقد تبصر بسفحه أشجاراً وأعشاباً وبقلاً وريحاناً تجري من تحتها مياه وأنهار إن شئت كان لك في جنابها سعة مرتع وتحت ظلالها حسن مستمتع ومن أغاريدها حلاوة مسمع فأما البحر فليس وراءه إلا الخديعة والخب يلحس قدمك ويلقاك من ترجيع الخرير بمثل مواء الهر حتى إذا وجد الفرصة لم يدع أن يحطم عظامك فيلتهمك ويزيل عن فكيه محمر الزبد فكأنما لم يكن شيء والجبل يرزق الحائر الضال ماء وفاكهة والبحر يسخرمن ظمأ ركابه ويسلمهم إلى الموت وللجبل جرم هائل الجسامة ولكنه مأمون المضطرب سليم المنقلب والبحر يملس من قطع أديمه حتى لا ترى مفاصلها ولكن لمعانها لمعان بطن الافعوان والجبل ينقص من سلسلة النسل الإنساني ويقصر من حبل ذريته ولكن البحر يغرق الإنسان والزمن ماله بأحد هذين من صلة ولكنه أخو الأبد وخريره الدائم إنما هو نشيد يرجعه احتفالاً بالأبد آخر الدهر وأنا بعد لا أكره أن يكون لي كوخ على شاطئ البحر ويسرني أن أشرف من نافذتي على العباب الزاخر كما يسرني أن أقف ناظراً إلى سبع في قفصه ويلذني أن أبصر البحر يمط صلبه الملتمع ويطوي من جانبيه ويبسط ثم لا ينشب أن يهيج ويحنق فيرغي ويزبد ويثب على شاطئه وثبة السبع على قضبان قفصه ويروح مجنون العباب يضج ويصرخ بما لا خوف على منه وأين الذي سرح في الطرف فلم يجد في سعة انفساحه وجلال مرآه مشغلة عن حقائر الحياة وضغائر شؤونها حتى ينسى في عظمة منظره من الحاكم والرئيس ومن أي شعب هو (الناظر إلى الماء) وأي لسان يتكلم وبأي مصابيح السماء مناط حظه وجده ومدار نحسه أو سعده أين الذي يعلم ذلك ثم لا يقبل برهة على جانب البحر فيصغى إلى دقات موجه على ساحله تتابع على ميزان الطبيعة من أوجد الله الإنسانية ولا تزال كذلك حتى تنقطع دقات قلبها ويصبح الإنسان صدفة على شاطئه.

الكذب

للحكيم جونسون

من غريب أمر هذه الرذيلة أنها من الخسة والمقت بحيث يترفع عنها الأشرار والفجار من كل صنف وطائفة فقلما تجد في السوءات والمعايب التي تصم الإنسانية إلا ما وجد فيه صاحبه اتباعاً له وأعواناً فهاتك أعراض العذارى قد يجد الحساد من الرجال والنصائر من النساء والسكير يحيط به نفر من المعربدين يعجبون به ويحتفلون بسبقه المبين للذين لم يبلغوا شأوه في مضمار الشراب ويفتخرون بأنهم خدام دولته. وعشاق بأسه ونجدته ويحدثون عن ضعفاء المناظرين الذين ساقهم غرور المساجلة والطمع - في اللحاق إلى قبورهم. بل إن اللص وقاطع الطريق لا يخلوان من الشيعة والأنصار يستحسنون جرأتهما وإقدامهما وما يدبران من أبواب الفكر والشر ويفتقان من حيل السلب والنهب

فأما الكذوب فذلك الذي وقف بملتقى سبل الذم والهجاء واجتمعت عليه الخلائق طرا بالبغض والازدراء. وتحاماه الأقرباء. وتناذره البعداء. فليس له من نصرة الحميم والولي. ما يقوم لخذلان الغريب والأجنبي ولا من حمد الخدن والنظير ما يوازن إزراء الشعب والجمهور. وماله من عصبة يأوى إليها ويرجع ولا شيعة يعتز بها ويمتنع.

ولا نفر يرون شره خيراً. وخزفه دراً. وتربه تبراً وعقوقه براً. وإنما يسلم إلي عداوة العالم أجمع. وينصب غرضاً لكل نابل. وصيدا لكل حابل وضريبة لكل سائف ورامح. ومشما لكل غاد ورائح وقد قال أحد الحكماء أن الشياطين لا يكذب بعضها بعضاً. والصدق لازم لكل فئة ولو كانت من سكان جهنم وقد كان المظنون في مثل هذه النقيصة أن يكون انصراف الناس عنها بقدر بغضهم لها أو على الأقل أن لا يكون يبعث عليها إلا باعث قوى وإن رذيلة لها من سهولة الانكشاف والجلاء وشدة العقوبة والجزاء مثلما للكذب لا يكون الحاصل عليها إلا بعيد الوقوع نادراً

ومع هذا فالأمر على خلاف ذلك حتى أصبح من يخالط الناس لا يقيه أشد الاحتراس والحذر أن ينخدع في كل حين لأكاذيب أناس ما كان يتوهم قط أن يكون منهم أدنى ميل إلى التذرع بالكذب لنفع أنفسهم أو إضرار الغير ثم يكذبون في الموضوعات ليس في طبيعتها ما يبعث على الكذب وفي الأحاديث الفاترة لا تتحرك رياحها بما فيه حركة للطبائع والاريحيات وهزة للنفوس والشهوات من مطمع أو مطمح. أو مفرح أو مترح: أو مطرب أو مغضب. أو مرهب أو مرغب. أو بالاختصار تراهم يكذبون حيث لا تجد من الأسباب ما يستحق أن تخطر له السمعة مهما حقرت في عين ربها وتنتهك من أجلها حرمة المروءة مهما هانت وإلى رذيلة حب الذات رجع معظم الأكاذيب التي تصادف آذانا صاغية. وقلوباً واعية. وذلك لأن كذبة التاجر أو كذبة الحسود تكون دائماً ظاهرة العلة. حتى لقلما تسوغ على المكذوب أو تروج عنده. وكيف والتهمة أبداً منتبهة. والنفس يقظة عند كل مالها به علاقة أو فيه مصلحة ومهما أثبته التاجر أو الحسود. بوحي الطمع الحرام أو إملاء الفؤاد الدغل كان خليقاً أن ينفيه المكذوب عن ساحته ويمحوه من صحيفته بأسباب أقوى ودواع أشد. ولكن المحب لذاته المفتون بنفسه تراه يفرح بأن يدعي لنفسه حقائر صفات وتافهات مما لا علاقة له بأحوال مجالسيه. ولا دخل له في أمور شؤون معاشريه. حتى إن أكاذيبه لا تهيج خوف إنسان ولا تغرى أحداً باستقرائها لاكتشاف أمرها. ولو حاول محاول أن يتتبع بالتهمة أكاذيب حب الذات يشغل صاحبه ما كان وأين كان. ولا جرم فمن أخطأ في الواقع والحقيقة مناه كان حرياً أن يلتمسها في الزور والباطل.

قال أحد الحكماء لا أحد إلا ويرغب أن يراه الناس فوق غيره ولو لم يكن إلا في امتيازه برؤية مالم يروا وهذه الميزة لخلوها من المجد وبراءتها من الفضل قد كان يجب ألا يكون إليها مطمح طامح ولا دعوى مدع ولكنها على حقارتها وخستها أبى عشاق الذات إلا أن يجعلوها منبع حكايات كاذبة لا تحد ولا تحصى نصيها من تصديق السامعين بمقدار حذاقة الكاذب أو ثقة السامع فكم بين الكذابين الثرثارين من يعد لك في أصحابه كل مخاطر فتاك ملء حياته أهوال ومهارب من مضايق يرى الموت فيها عياناً وتراءت له الحياة ماردا وشيطاناً وكل كاهن ساحر حشو أيامه غرائب وآيات وعجائب ومعجزات قد تلببت لخدمته الطبيعة لا تفتأ تصور له من المدهشات مالا يراه غيره وما ذاك إلا التحدث بأحاديث الكذب ومقالات الأفك والزور.

السعادة من قصيدة للشاعر الروماني مارشال

أما وقد سألتني يا صاح أن أنسق لك من فرائد السعادة نظاماً وأؤلف لك من أجزاء النعيم صورة فهاك سؤلك قد هيأته لك جهد المستطيع ولست أدعي له الكمال ولكني أقول أنه إن لم يستوف جميع أسباب الهناء فقد حوى أعيانها أو شذ عنه بعض فروع السعادة فقد أحرز أصولها وأركانها فاعلم علمت الخير أنك إن بغيت السعادة فاتخذ ضيعة وسطاً لا الكبيرة ولا الصغيرة تكفيك ولا تؤدك ولتكن ميراثاً لك عن أبوين صالحين وإلا أنفقت الطيب الكثير من عمرك في اقتنائها ولتكن من كرم التربة وبركة الثمرة بحيث تدعوك إلى استثمار نتاجها وابتغاء المزيد بخيرها وحاصلاتها وإذا أشتيت فارفع النار تكفكف بها من حدة البرد واضرب بها الشتاء في اخدعيه ضربة تدعه منقاداً ذلولاً واجعل لهيب مطبخك بها الشتاء في اخدعيه ضربة تدعه منقاداً ذلولا واجعل لهيب مطبخك كلسان الشمعة صافياً نقياً ونزه عن الحرام الخبيث أطرافك وساحتك ولا تجعل من قضايا الخصوم جاذبات لك من سكينة الريف إلى ضوضاء المدينة وقلل ما استطعت من دواعي الشغل هنالك وأنزل عقلك منزلة بين القلق المبرح والنوم المميت وابغ الصحة من الرياضة البدنية فهي وحدها الكفيلة بذاك وسو بين نصيبك من الحذر ونصيبك من حسن النية أعني لا تسيء الظن بالناس واحذرهم ولا تستكثرن من الصحاب ولا تأخذ منهم إلا من وفقت بينك وبينه طبيعة وحال واجعل زينة خوانك وحليته ارتفاع الكلفة واستفاضة الأنس والفكاهة لا وفرة الطعام والتأنق في صناعته وإذا جاءك النهار بهم فامسحه عن حشاك بكف الهجوع في الليل ولا تستعن على الهم بالكاس فإنها بئس المعين واستصحب الراحة حليفة الظلام إلى فراسك ولا تركض الكأس في سبل الغواية وترسل لها من شعاع الزجاج عنانا وتجعل لها صنوف الغناء حداة.

وصية التاجر

للبديع الهمذاني من إحدى مقاماته على لسان أبي فتحه يوصى ولده

يا بني إني وإن وثقت بمتانة عقلك وطهارة أصلك فإني شفيق والشفيق سيء الظن ولست آمن عليك النفس وسلطانها والشهوة وشيطانها فاستعن عليها نهارك بالصوم وليلك بالنوم إنه لبوس ظهارته الجوع وبطانته الهجوع وما لبسها أسد إلا لانت سورته وكما أخشى عليك ذاك فلا آمن عليك لصين أحدهما الكرم واسم الآخر القرم فإياك وإياهما أن الكرم أسرع في المال من السوس وإن القرم أشأم من البسوس ودعني من قولهم إن الله كريم أنها خدعة الصبي عن اللبن بلى أن الله لكريم ولكن كرم الله يزيدنا ولا ينقصه وينفعنا ولا يضره ومن كانت هذه حاله فلتكرم خصاله

فأما كرم لا يزيدك حتى ينقصني ولا يريشك حتى يبريني فخذلان لا أقول عبقري ولكن بقري إنما التجارة تنبط الماء من الحجارة وبين الأكلة والأكلة ريح البحر بيد أن لا خطر والصين غير أن لا سفر أفتتركه وهو معرض ثم تطلبه وهو معوز أنه المال عافاك الله فلا تنفقن إلا من الربح وعليك بالخبز بالملح ولك في الخل والبصل رخصة مالم تذمهما ولم تجمع بينهما واللحم وما أراك تأكله والحلو طعام من لا يبالي على أي جنبيه يقع والوجبات عيش الصالحين والأكل على الجوع واقية الفوت وعلى الشبع داعية الموت ثم كن مع الناس كلاعب الشطرنج خذ كل ما معهم واحفظ كل مامعك يا بني قد أسمعت وأبلغت فإن قبلت فالله حسبك وإن أبيت فالله حسيبك.

فضل التجارة وذم عمل السلطان الوظائف

(من فصل للجاحظ)

وهذا الكلام (ذم التجارة) لا يزال ينجم من حشوية اتباع السلطان فأما عليتهم ومصاصهم وذوو البصائر والتمييز منهم ومن فوقته الفطنة وأرهفه التأديب وأرهقه طول الفكر وجرى فيه الحياء وأحكمته التجاريب فعرف العواقب وأحكم التفصيل فإنهم يعترفون بفضيلة التجار ويتمنون حالهم ويحكمون لهم بسلامة الدين وطيب الطعمة ويعلمون أنهم أودع الناس بدنا وأهناهم عيشاً وآمنهم سرباً لأنهم في أفنيتهم كالملوك على أسرتهم يرغب إليهم أهل الحاجات وينزع إليهم ملتمسوا البياعات لا تلحقهم الذلة في مكاسبهم ولا يستعبدهم الضرع لمعاملاتهم وليس هكذا من لابس السلطان بنفسه وقاربه بخدمته فإن أولئك لباسهم الذلة وشعارهم الملق وقلوبهم ممن هم لهم خول مملوءة قد لبسها الرعب وألفها الذل وصحبها ترقب الاحتياج فهم مع هذا في تكدير وتنغيص خوفاً من سطوة الرئيس وتنكيل الصاحب وتغيير الدول واعتراض حلول المحن فإن هي حلت بهم وكثيراً ما تحل فناهيك بهم مرحومين يرق لهم الأعداء فضلا من الأولياء فكيف لا يميز بين بين من هذا ثمرة اختياره.

وغاية تحصيله. وبين من قد نال الوفاء عنه والدعة وسلم من البوائق مع كثرة الأثر أو قضاء اللذات من غير منة لاحد ولا منة يعتدي بها ومن هو من نعم المفضلين خلى وبين من قد استرقه المعروف واستعبده الطمع ولزمه ثقل الصنيعة وطوق عنقه الامتنان واسترهن بتحمل الشكر * وقد علم المسلمون أن خيرة الله من خلقه. وصفيه من عبادة والمؤتمن على وحيه من أهل بيت التجارة وهي معولهم وعليها معتمدهم وهي صناعة سلهم. وسيرة خلفهم. ولقد بلغتك بسالتهم. ووصفت لك جلادتهم. ونعتت لك أحلامهم. وتقدر لك سخاؤهم وضيافتهم وبذلهم ومواساتهم. وبالتجارة كانوا يعرفون ولذلك قالت كاهنة اليمن لله در الديار لقريش التجار وليس قولهم قرشي كقولهم هاشمي وزهري وتيمي لأنه لم يكن لهم أب يسمى قريشاً فينتسبون إليه ولكنه اسم اشتق لهم من التجارة والتقريش فهو أفخم أسمائهم. وأشرف أنسابهم. وهو الإسم الذي نوه الله تعالى به في كتابه وخصهم به في محكم وحيه وتنزيله فجعله قرآناً عربياً يتلى في المساجد ويكتب في المصاحف ويجهر به في الفرائض ولهم سوق عكاظ وفيهم يقول أبو ذؤيب:

إذا ضربوا القباب على عكاظ ... وقام البيع واجتمع الألوف

وقد عبر النبي ﷺ وآله برهة من دهره تاجراً وشخص فيه مسافراً وباع واشترى حاضراً والله أعلم حيث يجعل رسالته ولم يقسم الله مذهباً رضياً ولا خلقاً زكياً ولا عملاً مرضياً إلا وحظه منه أوفر الحظوظ وقسمه فيه أجزل الأقسام ولشهرة أمره في البيع والشراء قال المشركون ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق فأوحى الله إليه وما أرسلنا قبلك من المرسلين - إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق فأخبر أن الأنبياء قبله كانت لهم صناعات وتجارات.

والذي دعا صاحبك إلى ذم التجارة توهمه بقلة تحصيله أنها تنقص من العلم والأدب وتقتطع دونهما وتمنع منهما فأي صنف من العلم لم تبلغ التجار فيه غاية أو يأخذوا منه بنصيب أو يكونوا رؤساء أهله وعليهم هل كان في التابعين اعلم من سعيد بن المسيب أو أنبل وقد كان تاجراً يبيع ويشتري وهو الذي يقول ما قضى رسول الله ﷺ وآله ولا عمر ولا عثمان ولا علي رضوان الله عليهم قضاء إلا وقد علمته وكان أعبر الناس للرؤيا وأعلمهم بأنساب قريش وهو من كان يفتى أصحاب رسول الله ﷺ وآله وهم متوافرون وله بعد علم بأخبار الجاهلية والإسلام مع خشوعه وشدة اجتهاده وعبادته وأمره بالمعروف وجلالته في أعين الخلفاء.

ذم الغيرة

للشاعر مسكين الدارمي من شعراء الدولة الأموية

إلا أيها الغائر المستشيط ... علام تغار إذا لم تغر

فما حير عرس إذا خفتها ... وما خير بيت إذا لم يزر

تغار على الناس أن ينظروا ... وهل يفتن الصالحات النظر

فإني سأخلي لها بيتها ... فتحفظ لي نفسها أو تذر

إذا الله لم يعطه ودها ... فلن يعطي الود سوط ممر

ومن ذا يراعى له عرسه ... إذا ضمه والمطي السفر

وقال أيضاً في ذلك:

وإني امرؤ لا آلف البيت قاعداً ... إلى جنب عرسي لا أفرطها شبراً

ولا مقسم لا أبرح الدهر بيتها ... لا جعله قبل الممات لها قبراً

إذا هي لم تحصن أمام قبابها ... فليس بمنجيها بنائي لها قصراً

ولا حاملي ظني ولا قيل قائل ... على حائط حتى أحيط بها خبراً

فهبني امرأ راعيت ما دمت شاهدا ... فكيف إذا ما سرت من بيتها شهراً

وقال:

ما أحسن الغيرة في حينها ... وأقبح الغيرة في غير حين

من لم يزل متهماً عرسه ... مناصباً فيها لوهم الظنون

يوشك أن يغريها بالذي ... يخاف أو ينصبها للعيون

حسبك من تحصينها ضمها ... منك إلى خلق كريم ودين

لا تظهرن منك على عورة ... فيتبع المقرون حبل القرين

صفة بركة

عليها أشجار من ذهب وفضة ترمي فروعها المياه في قصر المنصور بين علناس من قصيدة لابن حمديس الصقلي المترجم في هذا العدد من البيان وضراغم سكنت عرين رياسة ... تركت خرير الماء فيه زئيراً

فكأنما غشي النضار جسومها ... وأذاب في أفواهها البلورا

أسد كأن سكونها متحرك ... في النفس لو وجدت هناك مثيرا

وتذكرت فتكاتها فكأنما ... أقعت على إدبارها لتثورا

وتخالها والشمس تجلو لونها ... ناراً وألسنها اللواحس نورا

فكأنما سلت سيوف جداول ... ذابت بلا نار فعدن غديرا

وكأنما نسج النسيم لمائه ... درعاً فقدر سردها تقديرا

وبديعة الثمرات تعبر نحوها ... عيناي بحر عجائب مسجورا

شجرية ذهبية نزعت إلى ... سحر يؤثر في النهى تأثيرا

قد سرجت أغصانها فكأنما ... قبضت بهن من الفضاء طيورا

وكأنما تأبى لوقع طيرها ... أن تستقل بنهضها وتطيرا

من كل أقعة ترى منقارها ... ماء كسلسال اللجين نميرا

خرس تعد من الفصاح فإن شدت ... جعلت تغرد بالمياه صفيرا

وكأنما في كل غصن فضة ... لانت فأرسل خيطها مجرورا

وتريك في الصهريج موقع قطرها ... فوق الزبرجد لؤلؤاً منثورا

ضحكت محاسنه إليك كأنما ... جعلت لها زهر النجوم ثغورا

ومصفح الأبواب تبراً نظروا ... بالنقش فوق شكوله تنظيرا

تبدو مسامير النضار كما علمت ... تلك النهود من الجنان صدورا

وإذا نظرت إلى غرائب سقفه ... أبصرت روضاً في السماء نضيرا

وعجبت من خطاف عسجده التي ... حامت لتبني في ذراه وكورا

وضعت به صناعها أقلامها ... فأرتك كل طريدة تصويرا

وكأنما للشمس فيه ليقة ... مشقوا بها التزويق والتشجيرا

وكأنما اللازورد فيه مخرم ... بالخط في ورق السماء سطورا

وكأنما وشوا عليه ملاءة ... تركوا مكان وشاحها مقصورا

صفة الليل قال أعرابي:

خرجت في ليلة حندس قد ألقت على الأرض أكارعها فمحت صور الأبدان فما كنا نتعارف إلا بالآذان.

وقال آخر:

سريت ليلة حين انحدرت أيدي النحوم وشالت أرجلها فما زلت أصدع الليل حتى انصدع الفجر.

صفاء الخمر ولطافة الكأس

قال المصحفي الوزير:

صفراء تطرق في الزجاج فإن سرت ... في الجسم دبت مثل صل لاذع

خفيت على شرابها فكأنما ... يجدون رياً من إناء فارغ

وقال غيره في هذا المعنى:

وزنا الكأس فارغة وملأى ... فكان الكأس بينهما سواء

أثر الخمر

قال بعض شعراء الفرس ما تعريبه:

مازلنا نشربها حتى بحنا بأسرارنا وكأننا بها أشفقت أن نبوح بسرها فعقدت ألسنتنا