الرئيسيةبحث

كتاب حجة الوداع/مقدمة المؤلف

مقدمة المؤلف


وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والله حسبي


قال الشيخ الفقيه الإمام الأوحد الحافظ ناصر السنة أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب الأندلسي رحمه الله وغفر له بمنه وكرمه : الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ، وصلى الله على محمد عبده ورسوله خاتم أنبيائه وسلم تسليما ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله .

أما بعد فإن الأحاديث كثرت في وصف عمل رسول الله ﷺ في حجة الوداع ، وأتت من طرق شتى وبألفاظ مختلفة ووصفت فصول ذلك العمل المقدس في أخبار كثيرة غير متصل ذكر بعض ذلك ببعض ، حتى صار هذا سببا إلى تعذر فهم تأليفها على أكثر الناس ، حتى ظنها قوم كثير متعارضة ، وترك أكثر الناس النظر فيها من أجل ما ذكرنا ، فلما تأملناها وتدبرناها بعون الله عز وجل لنا وتوفيقه إيانا ، لا بحولنا ولا بقوتنا ، رأيناها كلها متفقة ومؤتلفة منسردة متصلة بينة الوجوه واضحة السبل ، لا إشكال في شيء منها حاشا فصلا واحدا لم يلح لنا وجه الحقيقة في أي النقلين هو منها فنبهنا عليه وهو :

أين صلى رسول الله ﷺ الظهر يوم النحر ، أبمنى أم بمكة ؟

فلعل غيرنا يلوح له بيان ذلك ، فمن استبان له ما أشكل علينا منه يوما ما فليضفه إلى ما جمعناه ؛ ليقتني بذلك الأجر الجزيل من الله عز وجل ، فلما يئسنا من أين يشرق لنا وجه الصحيح مع طول البحث وتقري الأحاديث ، وبالله عز وجل نتأيد ، فلما وجدنا الآثار الواردة كما ذكرنا ، تكلفنا ذكرها وترتيبها وضمها واختصار التكرار ، إلا ما لم نجد مندوحة عن تكراره لضرورة إيراد لفظه ﷺ أو لفظ الراوي على نصه ؛ لئلا نحيل الرواية عما أخذناها عليه فنقع وأعوذ بالله تحت صفة الكذب ، التي لا شيء أقبح منها في الدنيا والآخرة ، وبالله تعالى التوفيق .

ثم رأينا أن الأظهر في البيان على من أراد فهم هذا الباب والوقوف عليه ، كأنه شاهده أن يحكي بلفظنا ذكر عمله ﷺ منقلة منقلة ، من حين خروجه ﷺ من المدينة إلى مكة إلى حين رجوعه ﷺ إلى المدينة .

ثم نثني إن شاء الله تعالى بذكر الأحاديث الواردة بكيفية ما ذكرناه نحن بالأسانيد المتصلة الصحاح المنتقاة إلى رسول الله ﷺ ، إما بلفظه وإما بلفظ من شاهد فعله ﷺ ، من أصحابه ، رضي الله عن جميعهم ، ليكون ببينة عدل وشواهد حق على صدق ما أوردناه بألفاظنا من ذلك .

ثم نثلث إن شاء الله عز وجل بذكر ما ظن قوم أنه يعارض بعض هذه الآثار التي استشهدنا بها ، ونبين بتأييد الله تعالى لنا أنه لا تعارض في شيء من ذلك ببراهين ظاهرة لكل من له حظ من الإنصاف والتمييز حاشا الفصل الذي ذكرنا أنه اغتم علينا :

أي النقلين الواردين فيه هو الصحيح وأيهما هو الوهم ، فإننا أوردناهما معا وما عارضهما أيضا ، فما هو دونهما في الصحة ووقفنا حيث وقف بنا علمنا الذي آتاناه الله عز وجل واهب الفضائل لمن يشاء من عباده ، ولم نقتحم الحكم فيما لم نقف على بيانه ، ولا جسرنا على القطع فيما لم يلح لنا وجهه ، ولا قضينا بالنصين فيما لم نشرف على حقيقته ، ومعاذ الله من هذه الخطة ، فهي خطة خسف لا يرضى بها لنفسه ذو دين ولا ذو عقل ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، وهذا حين نبدأ بحول الله وقوته في إيراد كيفية عمله ﷺ في ذلك ، فنقول وبالله تعالى التوفيق .