→ باب ما ينوب الإمام في صلاة الخوف | كتاب الأم - كتاب صلاة الخوف المؤلف: الشافعي |
الحال التي يجوز للناس أن يصلوا فيها صلاة الخوف ← |
إذا كان العدو وجاه القبلة |
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أخبرنا الثقة عن منصور بن المعتمر عن مجاهد عن أبي عياش الزرقي قال ﷺ (صلاة الخوف بعسفان، وعلى المشركين يومئذ خالد بن الوليد، وهم بينه، وبين القبلة فكبر رسول الله ﷺ فصففنا خلفه صفين ثم ركع فركعنا ثم رفع فرفعنا جميعا ثم سجد النبي ﷺ والصف الذي يليه فلما رفعوا سجد الآخرون مكانهم ثم سلم النبي ﷺ).
[قال الشافعي]: أخبرنا ابن عيينة عن أبي الزبير عن جابر قال: صلاة الخوف نحو مما يصنع أمراؤكم. يعني، والله تعالى أعلم هكذا.
[قال الشافعي]: الموضع الذي كان فيه رسول الله ﷺ حين صلى هذه الصلاة والعدو صحراء ليس فيها شيء يواري العدو عن رسول الله ﷺ وكان العدو مائتين على متون الخيل طليعة، وكان النبي ﷺ في ألف وأربعمائة، وكان لهم غير خائف لكثرة من معه، وقلة العدو فكانوا لو حملوا أو تحرفوا للحمل لم يخف تحرفهم عليه، وكانوا منه بعيدا لا يغيبون عن طرفه، ولا سبيل لهم إليه يخفى عليهم فإذا كان هذا مجتمعا صلى الإمام بالناس هكذا، وهو أن يصف الإمام، والناس وراءه فيكبر، ويكبرون معا، ويركع، ويركعون معا ثم يرفع فيرفعون معا ثم يسجد فيسجدون معا إلا صفا يليه أو بعض صف ينظرون العدو لا يحمل أو ينحرف إلى طريق يغيب عنه، وهو ساجد فإذا رفع الإمام، ومن سجد معه من سجودهم كله ونهضوا سجد الذين قاموا ينظرون الإمام ثم قاموا معه ثم ركع، وركعوا معا، ورفع، ورفعوا معا، وسجد، وسجد معه الذين سجدوا معه أولا إلا صفا يحرسه منهم فإذا سجدوا سجدتين جلسوا للتشهد فسجد الذين حرسوا ثم تشهدوا، وسلم الإمام، ومن خلفه معا.
[قال الشافعي]: فإن خاف الذين يحرسون على الإمام فتكلموا أعادوا الصلاة، ولا بأس أن يقطع الإمام، وهم إن خافوا معا.
[قال الشافعي]: وإن صلى الإمام هذه الصلاة فاستأخر الصف الذي حرسه إلى الصف الثاني وتقدم الصف الثاني فحرسه فلا بأس، وإن لم يفعلوا فواسع، ولو حرسه صف واحد في هذه الحال رجوت أن تجزئهم صلاتهم، ولو أعادوا الركعة الثانية كان أحب إلي.
[قال الشافعي]: وإذا كان ما وصفت مجتمعا من قلة العدو، وكثرة المسلمين، وما وصفت من البلاد، فصلى الإمام مثل صلاة الخوف يوم ذات الرقاع "، ومن معه كرهت ذلك له، ولم يبن أن على أحد ممن خلفه إعادة ولا عليه.
[قال الشافعي]: وإن صلى الإمام صلاة الخوف فصلى بطائفة ركعة، وانحرفت قبل أن تتم فقامت بإزاء العدو ثم صلت الأخرى ركعة ثم انحرفت فوقفت بإزاء العدو قبل أن تتم، وهما ذاكرتان لأنهما في صلاة، كان فيها قولان، أحدهما أن يعيدا معا لانحرافهم عن القبلة قبل أن يكملا الصلاة.
[قال الشافعي]: ولو أن الطائفة الأخرى صلت مع الإمام ركعة ثم أتمت صلاتها وفسدت صلاة الأولى التي انحرفت عن القبلة قبل أن تكمل الصلاة في هذا القول، ومن قال هذا طرح الحديث الذي روي هذا فيه بحديث غيره.
[قال الشافعي]: والقول الثاني أن هذا كله جائز، وأنه من الاختلاف المباح فكيفما صلى الإمام، ومن معه على ما روي أجزأه، وإن اختار بعضه على بعض.
[قال الشافعي]: وكذلك لو كانت الطائفة الأولى أكملت صلاتها قبل أن تنحرف، ولم تكمل الثانية حتى انحرفت عن القبلة أجزأت الطائفة الأولى صلاتها، ولم تجزئ الطائفة الثانية التي انحرفت قبل أن تكمل في القول الأول.
[قال الشافعي]: ويجزئ الإمام في كل ما وصفت صلاته لأنه لم ينحرف عن القبلة حتى أكمل.
[قال الشافعي]: ولو صلى الإمام كصلاة الخوف " يوم ذات الرقاع " فانحرف الإمام عن القبلة قبل أن يكمل الصلاة أو صلاها صلاة خوف أو غيره فانحرف عن القبلة، وهو ذاكر لأنه لم يكمل الصلاة استأنف الصلاة.
[قال الشافعي]: أخبرنا الثقة ابن علية أو غيره عن يونس عن الحسن عن جابر بن عبد الله (أن النبي ﷺ صلى صلاة الظهر صلاة الخوف ببطن نخل فصلى بطائفة ركعتين، وسلم ثم صلى بأخرى ركعتين ثم سلم).
[قال الشافعي]: وإن صلى الإمام صلاة الخوف هكذا، أجزأ عنه.
[قال الشافعي]: وهذا في معنى صلاة معاذ مع النبي ﷺ العتمة ثم صلاها بقومه.
[قال الشافعي]: ويدل على أن نية المأموم أن صلاته لا تفسد عليه بأن تخالف نيته نية الإمام فيها، وإن صلى الإمام صلاة الخوف بطائفة ركعة ثم سلموا، ولم يسلم ثم صلى الركعة التي بقيت عليه بطائفة ركعة ثم سلم، وسلموا فصلاة الإمام تامة، وعلى الطائفتين معا الإعادة إذا سلموا ذاكرين لأنهم في صلاة " قال أبو يعقوب "، وإن رأوا أن قد أكملوا الصلاة بنى الآخرون، وسجدوا للسهو، وأعاد الأولون لأنه قد تطاول خروجهم من الصلاة.
[قال الشافعي]: وعلى المأموم من عدد الصلاة ما على الإمام لا يختلفان فيما على كل واحد منهما من عددها وليس يثبت حديث روي في صلاة الخوف بذي قرد أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي في الإملاء قال: ويصلي صلاة الخوف في الحضر أربعا، وفي السفر ركعتين فإذا صلاها في السفر، والعدو في غير جهة القبلة فرق الناس فرقتين فريقا بإزاء العدو في غير الصلاة وفريقا معه فيصلي بالذين معه ركعة ثم يثبت قائما فيقرأ فيطيل القراءة، ويقرأ الذين خلفه لأنفسهم بأم القرآن وسورة ويركعون، ويسجدون، ويتشهدون، ويسلمون معا ثم ينصرفون فيقومون مقام أصحابهم ثم يأتي أولئك فيدخلون مع الإمام، ويكبرون مع الإمام تكبيرة يدخلون بها معه في الصلاة ويقرأ الإمام بعد دخولهم معه قدر أم القرآن، وسورة من حيث انتهت قراءته لا يستأنف أم القرآن بهم، ويسجد، ويثبت جالسا يتشهد، ويذكر الله، ويصلي على النبي ﷺ ويدعو، ويقومون هم إذا رفع رأسه من السجود فيقرءون بأم القرآن، وسورة ثم يركعون ويسجدون، ويجلسون مع الإمام، ويزيد الإمام في الذكر بقدر ما أن يقضوا تشهدهم ثم يسلم بهم، وإن صلى بهم صلاة المغرب صلى بهم الركعة الأولى ثم يثبت قائما، وأتموا لأنفسهم، وجاءت الطائفة الأخرى فيصلي بهم ركعتين، وثبت جالسا، وأتموا لأنفسهم الركعة التي سبقوا بها ثم يسلم بهم، وصلاة المغرب، والصبح في الحضر والسفر سواء فإن صلى ظهرا أو عصرا أو عشاء صلاة خوف في حضر صنع هكذا إلا أنه يصلي بالطائفة الأولى ركعتين، ويثبت جالسا حتى يقضوا الركعتين اللتين بقيتا عليهم وتأتي الطائفة الأخرى فإذا جاءت فكبرت نهض قائما فصلى بهم الركعتين الباقيتين عليه وجلس حتى يتموا ليسلم بهم.
[قال الشافعي]: وإنما قلنا ثبت جالسا قياسا على ما جاء عن النبي ﷺ وذلك أنه لم يحك عنه في شيء من الحديث صلاة الخوف إلا في السفر فوجدت الحكاية كلها متوقفة على أن صلى بالطائفة الأولى ركعة، وثبت قائما، ووجدت الطائفة الأولى لم تأتم به خلفه إلا في ركعة لا جلوس فيها، والطائفة الأخرى ائتمت به في ركعة معها جلوس فوجدت الطائفة الأخرى مثل الأولى في أنها ائتمت به معه في ركعة وزادت أنها كانت معه في بعض جلوسه فلم أجدها في حال إلا مثل الأولى، وأكبر حالا منها فلو كنت قلت: يتشهد بالأولى، ويثبت قائما حتى تتم الأولى زعمت أن الأولى أدركت مع الإمام مثل أو أكثر مما أدركت الأخرى، وأكثر فإنما ذهبت إلى أن يثبت قاعدا حتى تدركه الآخرة في قعوده، ويكون لها القعود الآخر معه لتكون في أكثر من حال الأولى فتوافق القياس على ما روي عنه.
[قال الشافعي]: فإن كان العدو بين الإمام والقبلة صلى هكذا أجزأه إذا كان في حال خوف منه، فإن كان في حال أمان منه بقلة العدو، وكثرة المسلمين، وبأنهم في صحراء لا حائل دونها، وليسوا حيث ينالهم النبل ولا الحسام، ولا يخفى عليهم حركة العدو صفوا جميعا خلف الإمام، ودخلوا في صلاته، وركعوا بركوعه، ورفعوا برفعه، وثبت الصف الذي يليه قائما، ويسجد ويسجد من بقي فإذا قام من سجوده تبعه الذين خلفه بالسجود ثم قاموا معه، وهكذا حكى أبو عياش الزرقي (أن رسول الله ﷺ صلى يوم عسفان، وخالد بن الوليد بينه، وبين القبلة)، وهكذا أبو الزبير عن جابر أن صلاة الخوف ما يصنع أمراؤكم هؤلاء.
[قال الشافعي]: وهكذا يصنع الأمراء إلا الذين يقفون فلا يسجدون بسجوده حتى يعتدل قائما من قرب منهم من الصف الأول دون من نأى عن يمينه وشماله.
[قال الشافعي]: وأحب للطائفة الحارسة إن رأت من العدو حركة للقتال أن ترفع أصواتها ليسمع الإمام، وإن حوملت أن يحمل بعضها ويقف بعض يحرس الإمام. وإن رأت كمينا من غير جهتها أن ينحرف بعضها إليه، وأحب للإمام إذا سمع ذلك أن يقرأ بأم القرآن و {قل هو الله أحد}، ويخفف الركوع والسجود، والجلوس في تمام، وإن حمل عليه أو رهق أن يصير إلى القتال، وقطع الصلاة هل يقضيها بعده، والسهو في صلاة الخوف كهو في غير صلاة الخوف إلا في خصلة فإن الطائفة الأولى إذا استيقنت أن الإمام سها في الركعة التي أمها فيها سجدت للسهو بعد التشهد وقبل سلامها، وليس سبقهم إياه بسجود السهو بأكثر من سبقهم إياه بركعة من صلب الصلاة فإذا أراد الإمام أن يسجد للسهو أخر سجوده حتى تأتي الطائفة الثانية معه بتشهدها ثم يسجد للسهو، ويسجدون معه ثم يسلم ويسلمون معه، ولو ذهب على الطائفة الأولى أنه سها في الركعة الأولى أو خاف الإمام أن يذهب ذلك عليهم أحببت له أن يشير إليهم ليسجدوا من غير أن يلتفت فإن لم يفعل، وفعلوا فسجدوا حتى انصرفوا أو انصرف هو فلا إعادة، ولا سجود عليهم لأن سجود السهو ليس من صلب الصلاة، وقد ذهب موضعه.