الرئيسيةبحث

كتاب الأم/كتاب الرد على محمد بن الحسن/باب دية أهل الذمة


باب دية أهل الذمة


أخبرنا الربيع: قال أخبرنا الشافعي قال: قال أبو حنيفة رضي الله عنه ودية اليهودي والنصراني والمجوسي مثل دية الحر المسلم وعلى من قتله من المسلمين القود وقال أهل المدينة دية اليهودي والنصراني إذا قتل أحدهما نصف دية الحر المسلم ودية المجوسي ثمانمائة درهم وقال أهل المدينة لا يقتل مؤمن بكافر قال محمد بن الحسن: قد روى أهل المدينة أن: (رسول الله ﷺ قتل مسلما بكافر وقال أنا أحق من أوفى بذمته) قال محمد أخبرنا إبراهيم بن محمد عن محمد بن المنكدر عن عبد الرحمن بن البيلماني أن: (رجلا من المسلمين قتل رجلا من أهل الذمة فرفع ذلك إلى رسول الله ﷺ قال أنا أحق من أوفى بذمته، ثم أمر به فقتل) فكان يقول بهذا القول فقيههم ربيعة بن أبي عبد الرحمن وقد قاله أهل المدينة إذا قتله قتل غيلة وفرق بين قتل الغيلة وقتل غير الغيلة وقد بلغنا عن عمر بن الخطاب أنه أمر أن يقتل رجل من المسلمين بقتل رجل نصراني غيلة من أهل الحيرة فقتله به وقد بلغنا عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول إذا قتل المسلم النصراني قتل به فأما ما قالوا في الدية فقول الله عز وجل أصدق القول ذكر الله الدية في كتابه فقال: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله}، ثم ذكر أهل الميثاق فقال: {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة} فجعل في كل واحد منهما دية مسلمة ولم يقل في أهل الميثاق نصف الدية كما قال أهل المدينة وأهل الميثاق ليسوا مسلمين فجعل في كل واحد منهما دية مسلمة إلى أهله والأحاديث في ذلك كثيرة عن رسول الله ﷺ مشهورة معروفة أنه جعل دية الكافر مثل دية المسلم وروى ذلك أفقههم وأعلمهم في زمانه وأعلمهم بحديث رسول الله ﷺ ابن شهاب الزهري فذكر أن دية المعاهد في عهد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم مثل دية الحر المسلم فلما كان معاوية جعلها مثل نصف دية الحر المسلم فإن الزهري كان أعلمهم في زمانه بالأحاديث فكيف رغبوا عما رواه أفقههم إلى قول معاوية. أخبرنا ابن المبارك عن معمر بن راشد قال حدثني من شهد قتل رجل بذمي بكتاب عمر بن عبد العزيز: أخبرنا قيس بن الربيع عن أبان بن تغلب عن الحسن بن ميمون عن عبد الله بن عبد الله مولى بني هاشم عن أبي الجنوب الأسدي قال أتى علي بن أبي طالب رضي الله عنه برجل من المسلمين قتل رجلا من أهل الذمة قال فقامت عليه البينة فأمر بقتله فجاء أخوه فقال قد عفوت عنه قال فلعلهم هددوك أو فرقوك؟ قال لا ولكن قتله لا يرد علي أخي وعوضوني فرضيت قال أنت أعلم من كانت له ذمتنا فدمه كدمنا وديته كديتنا. أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال دية المعاهد دية الحر المسلم. حدثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أن رجلا من بني بكر بن وائل قتل رجلا من أهل الحيرة فكتب فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يدفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا فدفع الرجل إلى ولي المقتول إلى رجل يقال له حنين من أهل الحيرة فقتله فكتب عمر بعد ذلك إن كان الرجل لم يقتل فلا تقتلوه فرأوا أن عمر أراد أن يرضيهم من الدية. أخبرنا محمد بن يزيد قال أخبرنا سفيان بن حسين عن الزهري أن ابن شاس الجذامي قتل رجلا من أنباط الشام فرفع إلى عثمان بن عفان فأمر بقتله فكلمه الزبير وناس من أصحاب رسول الله ﷺ فنهوه عن قتله قال فجعل ديته ألف دينار. أخبرنا محمد بن يزيد قال أخبرنا سفيان بن حسين عن الزهري عن ابن المسيب قال دية كل معاهد في عهده ألف دينار. وأخبرنا ابن عبد الله عن المغيرة عن إبراهيم أنه قال دية اليهودي والنصراني والمجوسي سواء. أخبرنا خالد عن مطرف عن الشعبي مثله إلا أنه لم يذكر المجوسي.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: لا يقتل مؤمن بكافر ودية اليهودي والنصراني ثلث دية المسلم ودية المجوسي ثمانمائة درهم وقد خالفنا في هذا غير واحد من بعض الناس وغيرهم وسألني بعضهم وسألته وسأحكي ما حضرني منه إن شاء الله تعالى فقال ما حجتك في أن لا يقتل مؤمن بكافر؟ فقلت ما لا ينبغي لأحد دفعه مما فرق الله به بين المؤمنين والكافرين. ثم سنة رسول الله ﷺ أيضا، ثم الأخبار عمن بعده فقالوا وأين ما فرق الله به بين المؤمنين والكافرين من الأحكام؟ فأما الثواب والعقاب فما لا أسأل عنه ولكن أسأل عن أحكام الدنيا فقيل له يحضر المؤمن والكافر قتال الكفار فنعطي نحن وأنت المؤمن السهم ونمنعه الكافر وإن كان أعظم غناء منه ونأخذ ما أخذنا من مسلم بأمر الله صدقة يطهره الله بها ويزكيه ويؤخذ ذلك من الكفار صغارا قال الله تعالى: {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} فوجدت الكفار في حكم الله، ثم حكم رسوله في موضع العبودية للمسلمين صنفا متى قدر عليهم تعبدوا وتؤخذ منهم أموالهم لا يقبل منهم غير ذلك وصنفا يصنع ذلك بهم إلا أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون فإعطاء الجزية إذا لزمهم فهو صنف من العبودية فلا يجوز أن يكون من كان خولا للمسلمين في حال أو كان خولا لهم بكل حال إلا أن يؤدي جزية فيكون كالعبد المخارج في بعض حالاته كفؤا للمسلمين. وقد فرق الله عز وجل بينهما بهذا وبأن أنعم على المسلمين فأحل لهم حرائر نساء أهل الكتاب وحرم المؤمنات على جميع الكافرين مع ما يفترقون فيه سوى هذا قال إن فيما دون هذا لفرقا ولكن ما السنة؟ قلت أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن أبي حسين عن عطاء وطاوس ومجاهد والحسن أن النبي ﷺ قال في خطبته عام الفتح: (لا يقتل مسلم بكافر) قال هذا مرسل قلت نعم وقد يصله غيرهم من أهل المغازي من حديث عمران بن الحصين وحديث غيره ولكن فيه حديث من أحسن إسنادكم. أخبرنا ابن عيينة عن مطرف عن الشعبي عن ابن أبي جحيفة قال سألت عليا رضي الله تعالى عنه فقلت هل عندكم من رسول الله ﷺ شيء سوى القرآن؟ فقال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يؤتي الله عبدا فهما في القرآن وما في الصحيفة قلت وما في الصحيفة؟ قال العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مؤمن بكافر قال هذا حديث ثابت عندنا معروف أن النبي ﷺ قال: (لا يقتل مؤمن بكافر) غير أنا تأولناه وروى سعيد بن جبير أن النبي ﷺ قال: (لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده) فذهبنا إلى أنه عنى الكفار من أهل الحرب الذين لا عهد لهم لأن دماءهم حلال فأما من منع دمه العهد فيقول من قتله به فقلنا حديث سعيد مرسل ونحن نجعله لك ثابتا هو عليك مع هذه الأحاديث قال فما معناه؟ قلنا قال رسول الله ﷺ: (لا يقتل مسلم بكافر)، ثم إن كان قال: (ولا ذو عهد في عهده) فإنما قال ولا يقتل ذو عهد في عهده تعليما للناس إذ سقط القود بين المؤمن والكافر أنه لا يحل لهم قتل من له عهد من الكافرين قال فيحتمل معنى غير هذا؟ قلنا لو احتمله كان هذا أولى به لأنه الظاهر قال وما يدلك على أنه الظاهر؟ قلنا لأن ذوي العهد من الكافرين كفار قال فهل من سنة تبين هذا؟ قلنا نعم وفيه كفاية قال وأين هي؟ قلت قال رسول الله ﷺ: (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) فهل زعمت أن هذا على الكافرين غير أهل العهد فتكون قد تأولت فيه مثل ما تأولت في الحديث الآخر؟ قال لا ولكنها على الكافرين من كانوا من أهل العهد وغيرهم لأن اسم الكفر يلزمهم قلنا ولا تجد بدا إذا كان هذا صوابا عندك من أن تقول مثل ذلك في قول رسول الله ﷺ: (لا يقتل مؤمن بكافر) أو يكون ذلك صوابا فترد هذا فتقول يرث الكافر المسلم إذا كان من أهل العهد ولا يرثه إذا كان من أهل الحرب فتبعضه كما بعضت حديث: (لا يقتل مؤمن بكافر) قال ما أقوله قلنا لم؟ ألأن الحديث لا يحتمله؟ قال بلى هو يحتمله ولكن ظاهره غيره قلنا فكذلك ظاهر ذلك الحديث على غير ما تأولت وقد زعمت أن معاذا ومعاوية ورثا مسلما من كافر، ثم تركت الذي رويت نصا عنهما وقلت لا حجة في أحد مع النبي ﷺ، ثم أردت أن تجعل سعيد بن جبير متأولا حجة على النبي ﷺ وهو يأتيك بنفسه فلا تقبله منه وتقول رجل من التابعين لا يلزمني قوله قال فليس بهذا وحده قلته قلنا وقد يلزمك في هذا ترك ما ذهبت إليه لأنك إذا لم تقد المسلم من الحربي للعلة التي ذكرت فقد لا تقيده وله عهد قال وأين قلت؟ المستأمن يقتله المسلم لا تقتله به وله عهد هو به حرام الدم والمال فلو لم يلزمك حجة إلا هذا لزمتك قال ويقال لهذا معاهد؟ قلنا نعم لعهد الأمان وهذا مؤمن قال فيدل على هذا بكتاب أو سنة؟ قلنا نعم قال الله عز وجل: {براءة من الله ورسوله} إلى قوله: {أنكم غير معجزي الله} فجعل لهم عهدا إلى مدة ولم يكونوا أمناء بجزية كانوا أمناء بعهد ووصفهم باسم العهد: (وبعث رسول الله ﷺ عليا رضي الله عنه بأن من كان عنده من النبي ﷺ عهد فعهده إلى مدته) قال ما كنا نذهب إلا أن العهد عهد الأبد قلنا فقد أوجدناك العهد إلى مدة في كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله ﷺ وقال الله: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله، ثم أبلغه مأمنه} فجعل له العهد إلى سماع كلام الله وبلوغ مأمنه والعهد الذي وصفت على الأبد إنما هو إلى مدة إلى المعاهد نفسه ما استقام بها كانت له فإذا نزع عنها كان محاربا حلال الدم والمال فأقدت المعاهد الذي العهد فيه إلى المشرك ولم تقد المعاهد الذي عقد له العهد إلى مدة بمسلم، ثم هما جميعا في الحالين ممنوعا الدم والمال عندك معاهدين أفرأيت لو قال لك قائل أقيد المعاهد إلى مدة من قبل أنه ممنوع الدم والمال وجاهل بأن حكم الإسلام لا يقتل المؤمن به ولا أقيد المعاهد المقيم ببلاد الإسلام لأنه عالم أن لا يقتل مسلم به فقد رضي العهد على ما لم يرضه عليه ذلك ألا يكون أحسن حجة منك؟ قال فإنا قد روينا من حديث ابن البيلماني أن النبي ﷺ قتل مؤمنا بكافر قلت أفرأيت لو كنا نحن وأنت نثبت المنقطع بحسن الظن بمن رواه فروي حديثان أحدهما منقطع والآخر متصل بخلافه أيهما كان أولى بنا أن نثبته الذي ثبتناه وقد عرفنا من رواه بالصدق أو الذي ثبتناه بالظن؟ قال بل الذي ثبتناه متصلا فقلت فحديثنا متصل وحديث ابن البيلماني منقطع وحديث ابن البيلماني خطأ وإن ما رواه ابن البيلماني فيما بلغنا: (أن عمرو بن أمية قتل كافرا كان له عهد إلى مدة وكان المقتول رسولا فقتله النبي ﷺ به) ولو كان ثابتا كنت أنت قد خالفت الحديثين معا حديث ابن البيلماني والذي قتله عمرو بن أمية قبل بني النضير وقبل الفتح بزمان وخطبة النبي ﷺ: (لا يقتل مسلم بكافر) عام الفتح قلت فلو كان كما تقول كان منسوخا قال فلم لم تقبل به وتقول هو منسوخ وقلت هو خطأ؟ قلت عاش عمرو بن أمية بعد رسول الله ﷺ دهرا طويلا وأنت إنما تأخذ العلم من بعد ليس لك به مثل معرفة أصحابنا،: (وعمرو قتل اثنين وداهما النبي ﷺ ولم يزد النبي ﷺ عمرا على أن قال قتلت رجلين لهما مني عهد لادينهما) قال فإنما قلت هذا مع ما ذكرنا بأن عمر كتب في رجل من بني شيبان قتل رجلا من أهل الحيرة وكتب أن اقتلوه، ثم كتب بعد ذلك لا تقتلوه قلنا أفرأيت لو كتب أن اقتلوه وقتل ولم يرجع عنه أكان يكون في أحد مع رسول الله ﷺ حجة؟ قال لا قلنا فأحسن حالك أن تكون احتججت بغير حجة أرأيت لو لم يكن فيه عن النبي ﷺ شيء نقيم الحجة عليك به ولم يكن فيه إلا ما قال عمر أكان عمر يحكم بحكم، ثم يرجع عنه إلا عن علم بلغه هو أولى من قوله فهذا عليك أو أن يرى أن الذي رجع إليه أولى به من الذي قال فيكون قوله راجعا أولى أن تصير إليه؟ قال فلعله أراد أن يرضيه بالدية قلنا فلعله أراد أن يخيفه بالقتل ولا يقتله قال ليس هذا في الحديث قلنا وليس ما قلت في الحديث قال فقد رويتم عن عمرو بن دينار أن عمر كتب في مسلم قتل نصرانيا إن كان القاتل قتالا فاقتلوه وإن كان غير قتال فذروه ولا تقتلوه قلنا فقد رويناه، فإن شئت فقل هو ثابت ولا ننازعك فيه قال، فإن قلته؟ قلت فاتبع عمر كما قال فأنت لا تتبعه فيما قال ولا فيما قلنا فنسمعك تحتج بما عليك قال فيثبت عندكم عن عمر في هذا شيء؟ قلت لا ولا حرف وهذه أحاديث منقطعات أو ضعاف أو تجمع الانقطاع والضعف جميعا قال فقد روينا فيه أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أمر بمسلم قتل كافرا أن يقتل فقام إليه ناس من أصحاب رسول الله ﷺ فمنعوه فوداه بألف دينار ولم يقتله فقلت هذا من حديث من يجهل، فإن كان غير ثابت فدع الاحتجاج به وإن كان ثابتا فعليك فيه حكم ولك فيه آخر فقل به حتى نعلم أنك قد اتبعته على ضعفه قال وما علي فيه؟ قلنا زعمت أنه أراد قتله فمنعه ناس من أصحاب رسول الله ﷺ فرجع إليهم فهذا عثمان في أناس من أصحاب رسول الله ﷺ مجتمعين أن لا يقتل مسلم بكافر فكيف خالفتم؟ قال فقد أراد قتله قلنا فقد رجع فالرجوع أولى به قال فقد روينا عن الزهري أن دية المعاهد كانت في عهد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم دية مسلم تامة حتى جعل معاوية نصف الدية في بيت المال قلنا أفتقبل عن الزهري مرسله عن النبي ﷺ أو عن أبي بكر أو عن عمر أو عن عثمان فنحتج عليك بمرسله؟ قال ما يقبل المرسل من أحد وإن الزهري لقبيح المرسل قلنا وإذا أبيت أن تقبل المرسل فكان هذا مرسلا وكان الزهري قبيح المرسل عندك أليس قد رددته من وجهين قال فهل من شيء يدل على خلاف حديث الزهري فيه؟ قلنا نعم إن كنت صححته عن الزهري ولكنا لا نعرفه عن الزهري كما نقول قال وما هو قلت أخبرنا فضيل بن عياض عن منصور بن المعتمر عن ثابت الحداد عن ابن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى في دية اليهودي والنصراني بأربعة آلاف وفي دية المجوسي بثمانمائة درهم.

[قال الشافعي]: أخبرنا ابن عيينة عن صدقة بن يسار قال أرسلنا إلى سعيد بن المسيب نسأله عن دية المعاهد فقال: قضى فيه عثمان بن عفان رضي الله عنه بأربعة آلاف قال فقلنا فمن قبله؟ قال فحسبنا.

[قال الشافعي]: هم الذين سألوه آخرا قال سعيد بن المسيب عن عمر منقطع قلنا إنه ليزعم أنه قد حفظ عنه، ثم تزعمونه أنتم أنه خاصة وهو عن عثمان غير منقطع قال فبهذا قلت؟ قلت نعم وبغيره قال فلم قال أصحابك نصف دية المسلم قلت روينا عن عمرو بن شعيب أن النبي ﷺ قال: (لا يقتل مسلم بكافر وديته نصف دية المسلم) قال فلم لا تأخذ به أنت؟ قلت لو كان ممن يثبت حديثه لاخذنا به وما كان في أحد مع رسول الله ﷺ حجة قلنا فيكون لنا مثل ما لهم قال نعم قال فعندهم فيه رواية غير ذلك قلت له نعم شيء يروونه عن عمر بن عبد العزيز قال هذا أمر ضعيف قلنا فقد تركناه قال فإن من حجتنا فيه أن الله عز وجل قال: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله} وقال: {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة} فلما سويت وسوينا بين قتل المعاهد والمسلم في الرقبة بحكم الله كان ينبغي لنا أن نسوي بينهما في الدية قلنا الرقبة معروفة فيهما والدية جملة لا دلالة على عددها في تنزيل الوحي فإنما قبلت الدلالة على عددها عن النبي ﷺ بأمر الله عز وجل بطاعته أو عمن بعده إذا لم يكن موجودا عنه قال ما في كتاب الله عدد الدية قلنا ففي سنة رسول الله ﷺ عدد دية المسلم مائة من الإبل وعن عمر من الذهب والورق فقبلنا نحن وأنت عن النبي ﷺ الإبل وعن عمر الذهب والورق إذا لم يكن فيه عن النبي ﷺ شيء قال نعم قلنا فهكذا قبلنا عن النبي ﷺ عدد دية المسلم وعن عمر عدد دية غيره ممن خالف الإسلام إذا لم يكن فيه عن النبي ﷺ شيء نعرفه أرأيت إذا عشوت إلى أن كلتيهما اسم دية أفي فرض الله من قتل المؤمن الدية والرقبة ومن قتل المؤمنة مثل ذلك لأنها داخلة في ذلك؟ قال نعم فرض الله عز وجل على من قتلها تحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة قلنا فلما ذكر أن المؤمن يكون فيه تحرير رقبة ودية هل سوى بينهما في الدية المسلمة؟ قال لا قلنا وهي أولى بمساواته مع الإسلام والحرية فإن مؤمنا يحتمل مؤمنا ومؤمنة كما يحتمل المؤمنين الرجال والنساء والكافرين الذين ذكر منفردا فيه أورأيت الرجل يقتل الجنين أليس عليه فيه كفارة بعتق رقبة ودية مسلمة؟ قال بلى قلت لأنه داخل في معنى مؤمن؟ قال نعم قلت فلم زعمت أن ديته خمسون دينارا وهو مساو في الرقبة أو رأيت الرجل يقتل العبد أليس عليه تحرير رقبة لأنه قتل مؤمنا؟ قال بلى قلت ففيه دية أو هي قيمته؟ قال بل هي قيمته وإن كانت عشرة دراهم أو أكثر قلت فترى الديات إذا لزمت وكان عليه أن يؤدي دياتهم إلى أهليهم وأن يعتق رقبة في كل واحد منهم سواء فيه أعلاهم وأدناهم ساويت بين دياتهم قال لا. قلت فلم أردت أن تسوي بين الكافر والمسلم إذا استويا في الرقبة وأن تلزم قاتلهما أن يؤدي دية ولم تسو بين المسلمين الذين هم أولى أن تسوي بينهم من الكفار.

[قال الشافعي]: فقال بعض من يذهب مذهب بعض الناس إن مما قتلنا به المؤمن بالكافر والحر بالعبد آيتين قلنا فاذكر إحداهما فقال إحداهما قول الله عز وجل في كتابه: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} قلت وما أخبرنا الله عز وجل أنه حكم به على أهل التوراة حكم بيننا؟ قال نعم حتى يبين أنه قد نسخه عنا فلما قال: {النفس بالنفس} لم يجز أن تكون كل نفس بكل نفس إذا كانت النفس المقتولة محرمة أن تقتل قلنا فلسنا نريد أن نحتج عليك بأكثر من قولك إن هذه الآية عامة فزعمت أن فيها خمسة أحكام مفردة وحكما سادسا جامعا فخالفت جميع الأربعة الأحكام التي بعد الحكم الأول والحكم الخامس والسادس جمعتهما في موضعين في الحر يقتل العبد والرجل يقتل المرأة فزعمت أن عينه ليس بعينها ولا عين العبد ولا أنفه بأنفها ولا أنف العبد ولا أذنه بأذنها ولا أذن العبد ولا سنه بسنها ولا سن العبد ولا جروحه كلها بجروحها ولا جروح العبد وقد بدأت أولا بالذي زعمت أنك أخذت به فخالفته في بعض ووافقته في بعض فزعمت أن الرجل يقتل عبده فلا تقتله به ويقتل ابنه فلا تقتله به ويقتل المستأمن فلا تقتله به وكل هذه نفوس محرمة قال اتبعت في هذا أثرا قلنا فتخالف الأثر الكتاب؟ قال لا قلنا فالكتاب إذا على غير ما تأولت فلم فرقت بين أحكام الله عز وجل على ما تأولت؟ قال بعض من حضره دع هذا فهو يلزمه كله قال والآية الأخرى قال الله عز وجل: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل} فقوله: {فلا يسرف في القتل} دلالة على أن من قتل مظلوما فلوليه أن يقتل قاتله قيل له فيعاد عليك ذلك الكلام بعينه في الابن يقتله أبوه والعبد يقتله سيده والمستأمن يقتله المسلم قال فلي من كل هذا مخرج قلت فاذكر مخرجك قال إن شاء الله تبارك وتعالى لما جعل الدم إلى الولي كان الأب وليا فلم يكن له أن يقتل نفسه قلنا أفرأيت إن كان له ابن بالغ أتخرج الأب من الولاية وتجعل للابن أن يقتله؟ قال لا أفعل قلت فلا تخرجه بالقتل من الولاية؟ قال لا. قلت فما تقول في ابن عم لرجل قتله وهو وليه ووارثه لو لم يقتله وكان له ابن عم هو أبعد منه أفتجعل للأبعد أن يقتل الأقرب؟ قال نعم قلنا ومن أين وهذا وليه وهو قاتل قال القاتل يخرج بالقتل من الولاية قلنا والقاتل يخرج بالقتل من الولاية قال نعم قلنا فلم لم تخرج الأب من الولاية وأنت تخرجه من الميراث؟ قال اتبعت في الأب الأثر قلنا فالأثر يدلك على خلاف ما قلت قال فاتبعت فيه الإجماع قلنا فالإجماع يدلك على خلاف ما تأولت فيه القرآن قلنا فالعبد يكون له ابن حر فيقتله مولاه أيخرج القاتل من الولاية ويكون لابنه أن يقتل مولاه؟ قال لا بالإجماع قلت فالمستأمن يكون معه ابنه أيكون له أن يقتل المسلم الذي قتله قال لا بالإجماع قلت أفيكون الإجماع على خلاف الكتاب؟ قال لا قلنا فالإجماع إذا يدلك على أنك قد أخطأت في تأويل كتاب الله عز وجل وقلنا له لم يجمع معك أحد على أن لا يقتل الرجل بعبده إلا من مذهبه أن لا يقتل الحر بالعبد ولا يقتل المؤمن بالكافر فكيف جعلت إجماعهم حجة وقد زعمت أنهم أخطئوا في أصل ما ذهبوا إليه؟ والله أعلم.