→ باب جراح العبد | كتاب الأم باب القصاص بين المماليك الشافعي |
باب دية أهل الذمة ← |
قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا قصاص بين المماليك فيما بينهم إلا في النفس وقال أهل المدينة القصاص بين المماليك كهيئته بين الأحرار نفس الأمة بنفس العبد وجرحها كجرحه. وقال أبو حنيفة إذا قتل عبد عبدا متعمدا فلمولى العبد المقتول القصاص وليس له غير ذلك إلا أن يعفو، فإن عفا رجع العبد القاتل إلى مولاه ولا سبيل لمولى العبد المقتول عليه. وقال أهل المدينة مولى العبد المقتول بالخيار، فإن شاء قتل وإن شاء أخذ العقل، فإن أخذ العقل أخذ قيمة عبده وإن شاء رب العبد القاتل أعطى ثمن المقتول وإن شاء أسلم عبده فإذا أسلمه فليس عليه غير ذلك وليس لرب العبد المقتول إذا أخذ العبد القاتل أن يقتله وذلك كله في القصاص بين العبيد في قطع اليد والرجل وأشباه ذلك بمنزلته في القتل. قال محمد بن الحسن إذا قتل العبد العبد عمدا وجب عليه القصاص ينبغي لمن قال هذا الوجه أن يقول في الحر يقتل الحر عمدا أن ولي المقتول إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية. أرأيتم إذا أراد أن يأخذ الدية فقال القاتل اقتل أو دع ليس لك غير ذلك فأبى ولي المقتول أن يقتل أله أن يأخذ الدية؟ أورأيت لو أن رجلا حرا قطع يد رجل حر عمدا فقال المقطوعة يده آخذ دية العبد فقال القاطع اقطع أو دع أكان يجبر القاطع على أن يعطيه دية اليد ليس هذا بشيء وليس له إلا القصاص إما أن يأخذ وإما أن يعفو قال الله عز وجل في كتابه: {أن النفس بالنفس والعين بالعين}. [قرأ الربيع] إلى: {والجروح قصاص} فما أستطيع فيه القصاص فليس فيه إلا القصاص كما قال الله عز وجل وليس فيه دية ولا مال وما كان من خطأ فعليه ما سمى الله في الخطأ من الدية المسلمة إلى أهله فمن حكم بغير هذا فهو مدع فعليه البينة في نفس العبد وغير ذلك فمن وجب له القصاص في عبد أو حر لم يكن له أن يصرفه إلى عقل ومن وجب له عقل فليس له أن يصرفه إلى قود في حر ولا مملوك فمن فرق بين المملوك في هذا وبين الحر فليأت عليه بالبرهان من كتاب الله عز وجل الناطق ومن السنة المعروفة.
[قال الشافعي]: قال الله تعالى: {كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} إلى: {لعلكم تتقون} وقال الشافعي فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول كان في أهل الإنجيل إذا قتلوا العقل ولم يكن فيهم قصاص وكان في أهل التوراة القصاص ولم يكن فيهم دية فحكم الله عز وجل في هذه الأمة بأن في العمد الدية إن شاء الولي أو القصاص إن شاء فأنزل الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} إلى قوله: {لعلكم تتقون}.
[قال الشافعي]: وذلك والله أعلم بين في التنزيل مستغنى به عن التأويل وقد ذكر عن ابن عباس بعضه ولم أحفظ عنه بعضه فقال والله أعلم في كتاب الله عز وجل إنه أنزل فيما فيه القصاص وكان بينا أن ذلك إلى ولي الدم لأن العفو إنما هو لمن له القود وكان بينا أن قول الله عز وجل: {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف} أن يعفو ولي الدم القصاص ويأخذ المال لأنه لو كان ولي الدم إذا عفا القصاص لم يبق له غيره لم يكن له إذا ذهب حقه ولم تكن دية يأخذها شيء يتبعه بمعروف ولا يؤدى إليه بإحسان. وقال الله عز وجل: {ذلك تخفيف من ربكم ورحمة} فكان بينا أنه تخفيف القتل بأخذ المال. وقال: {ولكم في القصاص حياة} أن يمتنع بها من القتل فلم يكن المال إذا كان الولي في حال يسقط عنه القود إذا أراد. قال وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس في تفسير هذه الآية شبيها بما وصفت في أحد المعنيين ودلت سنة رسول الله ﷺ على مثل معناه أخبرنا محمد بن إسماعيل عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله ﷺ قال: (من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين إن أحبوا العقل وإن أحبوا فلهم القود) أخبرنا الثقة عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي ﷺ مثله أو مثل معناه.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: الكتاب والسنة معا يدلان دلالة لا إشكال فيها أن لولي الدم أن يقتص أو يعفو القتل ويأخذ المال، أي ذلك شاء أن يفعل فعل ليس إلى القاتل من ذلك شيء وإذا كان هذا في النفس كان فيما دون النفس من الجراح هكذا وكان ذلك للرجل في عبده فإذا قتل عبد رجل فسيده بالخيار بين أن يقتل أو يكون له قيمة عبده المقتول في عنق العبد القاتل، فإن أداها سيد العبد القاتل متطوعا فليس لسيد العبد إلا ذلك إذا عفا القصاص وإن أبى سيد العبد القاتل أن يؤديها لم يجبر عليها وبيع العبد القاتل، فإن كان ثمنه أقل من قيمة العبد المقتول أو ثمنه فليس لسيد العبد المقتول إلا ذلك وإن كان فيه فضل رد على سيد العبد القاتل. قال وإذا بان الفضل في العبد القاتل خير سيد العبد بين أن يباع بعضه حتى يوفى هذا ثمنه ويبقى هذا على ما بقي من ملكه أو يباع كله فيرد عليه فضله وأحسبه سيختار بيعه كله لأن ذلك أكثر لثمنه. وكل نفسين أبدا قتلت إحداهما بالأخرى جعلت القصاص بينهما فيما دون النفس لأني إذا جعلت القصاص في النفس التي هي أكثر كان جميع البدن فأنا مضطر إلى أن أقيد في الأقل من البدن إلا أن يكون فيه خبر يلزم يخالف هذا ولا خبر فيه يلزم يخالف هذا والكتاب يدل على هذا وذلك أن الله عز وجل حين ذكر القصاص جملة قال: {النفس بالنفس والعين بالعين} إلى: {والجروح قصاص} وقد احتج بهذا محمد بن الحسن على أصحابنا وهو حجة عليه وذلك أنه يقال له إن كان العبد ممن دخل في هذه الآية فلم يفرق الله بين القصاص في الجروح والنفس وإن كان غير داخل في هذه الآية فاجعل العبدين بمنزلة البعيرين لا يقتص أحدهما من الآخر فأما ما أدخل محمد بن الحسن على من أدخل عليه من أصحابنا من أنهم جعلوا لسيد العبد الخيار في أن يقتل أو يأخذ ثمن عبده ولم يجعلوا ذلك في الأحرار ولا فرق بين العبيد والأحرار فكما قال يدخل عليه منه ما أدخل غير أنهم قد أصابوا في العبد الكتاب والسنة وإن كانوا قد غفلوا عنهما في الأحرار وهو غفل عنه فيهما جميعا واحتج محمد بن الحسن بأن الله تبارك وتعالى ذكر في العمد القصاص وفي الخطأ الدية، ثم زعم أن من جعل في العمد الدية فقد خالف حكم الله، فإن كان هذا كما ذكر كان ممن قد دخل في خلاف حكم الله من قبل أنه إذا كان زعم من حكم الله أن لا يكون في عمد مال فإنما أنزله بمنزلة الحدود التي يقذف بها المرء فلا يكون عليه مال بقذفه إنما يكون عليه عقوبة في بدنه فيلزمه فيما لا يقيد منه من العمد أن يبطله ولا يجعل فيه مالا، فإن قال إنما أجعل فيه المال إذا لم أستطع فيه القود قلنا فمن استثنى لك هذا؟ إن كان أصل حكم الله كما وصفت في العمد والخطأ وقد يكون الدم بين مائة فيعفو أحدهم أو يصالح فيجعل محمد الدية للباقين بقدر حقوقهم منها فقد جعل أيضا في العمد الذي يستطاع فيه القصاص مالا رضيه أولياء الدم أو لم يرضوه، فإن قال فإنما جعلنا فيه مالا حين دخله العفو فكان يلزمه على أصل قوله واحد من قولين أن يجعله كالرجلين قذف أبوهما فأيهما قام بالحد فله الحد ولو عفا الآخر لم يكن له عفو ويزعم أنه إذا كان الأحرار يعفون بشركهم في الدم فحقن الدم بعفو أحدهم لم يكن للآخرين مال لأنه لم يكن لهم مال إنما وجب لهم ضربة سيف فلا تتحول مالا، فإن قال فأنت تقول مثل هذا معي قلت أجل على ما وصفت من حكم الله عز وجل وحكم رسوله ﷺ على خلاف ما قلت أنت كله وذلك للآثار.