المرتد عن الإسلام |
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ومن انتقل عن الشرك إلى إيمان ثم انتقل عن الإيمان إلى الشرك من بالغي الرجال والنساء استتيب فإن تاب قبل منه، وإن لم يتب قتل قال الله عز وجل: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} إلى {هم فيها خالدون}.
[قال الشافعي]: أخبرنا الثقة من أصحابنا عن حماد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عثمان بن عفان أن رسول الله ﷺ قال (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس).
[قال الشافعي]: أخبرنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن أبي تميمة عن عكرمة قال: لما بلغ ابن عباس أن عليا رضي الله تعالى عنه حرق المرتدين أو الزنادقة قال: لو كنت أنا لم أحرقهم، ولقتلتهم لقول رسول الله ﷺ (من بدل دينه فاقتلوه) ولم أحرقهم لقول رسول الله ﷺ (لا ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله).
[قال الشافعي]: أخبرنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم أن رسول الله ﷺ: قال (من غير دينه فاضربوا عنقه).
[قال الشافعي]: حديث يحيى بن سعيد ثابت، ولم أر أهل الحديث يثبتون الحديثين بعد حديث زيد لأنه منقطع، ولا الحديث قبله.
قال: ومعنى حديث عثمان عن النبي ﷺ (كفر بعد إيمان)، ومعنى، " من بدل قتل " معنى يدل على أن من بدل دينه دين الحق، وهو الإسلام لا من بدل غير الإسلام وذلك أن من خرج من غير دين الإسلام إلى غيره من الأديان فإنما خرج من باطل إلى باطل، ولا يقتل على الخروج من الباطل إنما يقتل على الخروج من الحق لأنه لم يكن على الدين الذي أوجب الله عز وجل عليه الجنة وعلى خلافه النار إنما كان على دين له النار إن أقام عليه قال الله جل ثناؤه {إن الدين عند الله الإسلام}، وقال الله عز وجل: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه} إلى قوله {من الخاسرين} وقال، {ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب} إلى قوله {مسلمون}.
[قال الشافعي]: وإذا قتل المرتد أو المرتدة فأموالهما فيء لا يرثها مسلم ولا ذمي، وسواء ما كسبا من أموالهما في الردة أو ملكا قبلها، ولا يسبى للمرتدين ذرية امتنع المرتدون في دارهم أو لم يمتنعوا أو لحقوا في الردة بدار الحرب أو أقاموا بدار الإسلام لأن حرمة الإسلام قد ثبتت للذرية بحكم الإسلام في الدين والحرية، ولا ذنب لهم في تبديل آبائهم، ويوارثون، ويصلى عليهم، ومن بلغ منهم الحنث أمر بالإسلام فإن أسلم، وإلا قتل، ولو ارتد المعاهدون فامتنعوا أو هربوا إلى دار الكفار، وعندنا ذراري لهم ولدوا من أهل عهد لم نسبهم، وقلنا لهم إذا بلغوا ذلك - إن شئتم فلكم العهد، وإلا نبذنا إليكم فاخرجوا من بلاد الإسلام فأنتم حرب -، ومن ولد من المرتدين من المسلمين، والذميين في الردة لم يسب لأن آباءهم لا يسبون، ولا يؤخذ من ماله شيء ما كان حيا فإن مات على الردة أو قتل جعلنا ماله فيئا، وإن رجع إلى الإسلام فماله له، وإذا ارتد رجل عن الإسلام أو امرأة استتيب أيهما ارتد، فظاهر الخبر فيه أن يستتاب مكانه فإن تاب، وإلا قتل، وقد يحتمل الخبر أن يستتاب مدة من المدد، أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري عن أبيه أنه قال: قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل أبي موسى الأشعري فسأله عن الناس فأخبره ثم قال: هل كان فيكم من مغربة خبر؟ فقال: نعم رجل كفر بعد إسلامه قال: فما فعلتم به؟ قال: قربناه فضربنا عنقه، فقال عمر: " فهلا حبستموه ثلاثا وأطعمتموه كل يوم رغيفا، واستتبتموه لعله يتوب، ويراجع أمر الله اللهم إني لم أحضر، ولم آمر، ولم أرض إذ بلغني ".
[قال الشافعي]: وفي حبسه ثلاثا قولان: أحدهما أن يقال ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: (يحل الدم بثلاث كفر بعد إيمان)، وهذا قد كفر بعد إيمانه، وبدل دينه دين الحق، ولم يأمر النبي ﷺ فيه بأناة مؤقتة تتبع فإن قال قائل إن الله جل ثناؤه أجل بعض من قضى بعذابه أن يتمتع في داره ثلاثة أيام فإن نزول نقمة الله بمن عصماه مخالف لما يجب على الأئمة أن يقوموا به من حق الله فإن قال قائل: ما دل على ذلك؟ قيل: دل عليه ما قضى الله تبارك وتعالى من إمهاله لمن كفر به، وعصاه، وقيل: أسلناه مددا طالت، وقصرت، ومن أخذه بعضهم بعذاب معجل، وإمهاله بعضهم إلى عذاب الآخرة الذي هو أخزى فأمضى قضاءه على ما أراد لا معقب لحكمه، وهو سريع الحساب، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه فما وجب من حقوقه فالمتأنى به ثلاثا ليتوب بعد ثلاث كهيئته قبلها إما لا ينقطع منه الطمع ما عاش لأنه يئس من توبته ثم يتوب، وإما أن يكون إغرامه يقطع الطمع منه فذلك يكون في مجلس، وهذا قول يصح والله تعالى أعلم، ومن قال: لا يتأنى به من زعم أن الحديث الذي روي عن عمر لو حبستموه ثلاثا، ليس بثابت لأنه لا يعلمه متصلا، وإن كان ثابتا كأن لم يجعل على من قتله قبل ثلاث شيئا، والقول الثاني أنه يحبس ثلاثا، ومن قال به احتج بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر به، وأنه قد يجب الحد فيتأنى به الإمام بعض الأناة فلا يعاب عليه قال الربيع قال الشافعي في موضع آخر: لا يقتل حتى يجوز كل وقت صلاة فيقال له: قم فصل فإن لم يصل قتل.
[قال الشافعي]: اختلف أصحابنا في المرتد فقال منهم قائل: من ولد على الفطرة ثم ارتد إلى دين يظهره أو لا يظهره لم يستتب وقتل، وقال بعضهم سواء من ولد على الفطرة، ومن أسلم لم يولد عليها فأيهما ارتد فكانت ردته إلى يهودية أو نصرانية أو دين يظهره استتيب فإن تاب قبل منه، وإن لم يتب قتل، وإن كانت ردته إلى دين لا يظهره مثل الزندقة وما أشبهها قتل، ولم ينظر إلى توبته، وقال بعضهم سواء من ولد على الفطرة، ومن لم يولد عليها إذا فأيهما ارتد استتيب، فإن تاب قبل منه، وإن لم يتب قتل.
[قال الشافعي]: وبهذا أقول فإن قال قائل: لم اخترته؟ قيل له: لأن الذي أبحت به دم المرتد ما أباح الله به دماء المشركين ثم قول النبي ﷺ (كفر بعد إيمان) فلا يعدو قوله أن يكون كلمة الكفر توجب دمه كما يوجبه الزنا بعد الإحصان فقتل بما أوجب دمه من كلمة الكفر إلى أي كفر رجع، ومولودا على الفطرة كان أو غير مولود، أو يكون إنما يوجب دمه كفر ثبت عنه إذا سئل النقلة عنه امتنع، وهذا أولى المعنيين به عندنا لأنه روي عن النبي ﷺ أنه قتل مرتدا رجع عن الإسلام وأبو بكر قتل المرتدين وعمر قتل طليحة، وعيينة بن بدر، وغيرهما.
[قال الشافعي]: والقولان اللذان تركت ليسا بواحد من هذين القولين اللذين لا وجه لما جاء عن النبي ﷺ غيرهما، وإنما كلف العباد الحكم على الظاهر من القول والفعل، وتولى الله الثواب على السرائر دون خلقه، وقد قال الله عز وجل لنبيه ﷺ {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله} إلى قوله {فطبع على قلوبهم}.
قال: وقد قيل في قول الله عز وجل: {والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} ما هم بمخلصين، وفي قول الله آمنوا ثم كفروا ثم أظهروا الرجوع عنه قال الله تبارك اسمه {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم} فحقن بما أظهروا من الحلف ما قالوا كلمة الكفر دماءهم بما أظهروا.
قال: وقول الله جل ثناؤه {اتخذوا أيمانهم جنة} يدل على أن إظهار الإيمان جنة من القتل، والله ولي السرائر.
[قال الشافعي]: أخبرنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار عن (المقداد أنه أخبره أنه قال: يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال رسول الله ﷺ لا تقتله قلت يا رسول الله إنه قطع إحدى يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها فقال رسول الله ﷺ لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال) قال الربيع معنى قول النبي ﷺ " إن شاء الله تعالى (فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال)، يعني أنه بمنزلتك حرام الدم، وأنت إن قتلته بمنزلته كنت مباح الدم قبل أن يقول الذي قال ".
[قال الشافعي]: وفي سنة رسول الله ﷺ في المنافقين دلالة على أمور منها، لا يقتل من أظهر التوبة من كفر بعد إيمان، ومنها أنه حقن دماءهم وقد رجعوا إلى غير يهودية، ولا نصرانية، ولا مجوسية، ولا دين يظهرونه إنما أظهروا الإسلام، وأسروا الكفر فأقرهم رسول الله ﷺ في الظاهر على أحكام المسلمين فناكحوا المسلمين ووارثوهم وأسهم لمن شهد الحرب منهم، وتركوا في مساجد المسلمين.
[قال الشافعي]: ولا رجع عن الإيمان أبدا أشد ولا أبين كفرا ممن أخبر الله عز وجل عن كفره بعد إيمانه فإن قال قائل أخبر الله عز وجل عن أسرارهم، ولعله لم يعلمه الآدميون فمنهم من شهد عليه بالكفر بعد الإيمان، ومنهم من أقر بعد الشهادة، ومنهم من أقر بغير شهادة، ومنهم من أنكر بعد الشهادة، وأخبر الله عز وجل عنهم بقول ظاهر فقال عز وجل: {وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله رسوله إلا غرورا} فكلهم إذا قال ما قال، وثبت على قوله أو جحد أو أقر، وأظهر الإسلام ترك بإظهار الإسلام فلم يقتل فإن قال قائل: فإن الله عز وجل قال {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا} إلى قوله {فاسقون} فإن صلاة رسول الله ﷺ مخالفة صلاة المسلمين سواه لأنا نرجو أن لا يصلي على أحد إلا صلى الله عليه ورحمه، وقد قضى الله {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا}، وقال جل ثناؤه {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} فإن قال قائل: ما دل على الفرق بين صلاة رسول الله ﷺ إذ نهي عنهم، وصلاة المسلمين غيره، فإن رسول الله ﷺ انتهى عن الصلاة عليهم بنهي الله له ولم ينه الله عز وجل ورسوله ﷺ عنها، ولا عن مواريثهم فإن قال قائل فإن ترك قتلهم جعل لرسول الله ﷺ خاصة فذلك يدخل عليه فيما سواه من الأحكام فيقال فيمن ترك عليه السلام قتله أو قتله جعل هذا له خاصة وليس هذا لأحد إلا بأن تأتي دلالة على أن أمرا جعل خاصة لرسول الله ﷺ وإلا فما صنع عام، على الناس الاقتداء به في مثله إلا ما بين هو أنه خاص أو كانت عليه دلالة بخبر.
[قال الشافعي]: وقد عاشروا أبا بكر وعمر وعثمان أئمة الهدى، وهم يعرفون بعضهم فلم يقتلوا منهم أحدا، ولم يمنعوه حكم الإسلام في الظاهر إذ كانوا يظهرون الإسلام، وكان عمر يمر بحذيفة بن اليمان إذا مات ميت فإن أشار عليه أن اجلس جلس، واستدل على أنه منافق ولم يمنع من الصلاة عليه مسلما، وإنما يجلس عمر عن الصلاة عليه لأن الجلوس عن الصلاة عليه مباح له في غير المنافق إذا كان لهم من يصلي عليهم سواه، وقد يرتد الرجل إلى النصرانية ثم يظهر التوبة منها وقد يمكن فيه أن يكون مقيما عليه لأنه قد يجوز له ذلك عنده بغير مجامعة النصارى ولا غشيان الكنائس، فليس في ردته إلى دين لا يظهره إذا أظهر التوبة شيء يمكن بأن يقول قائل لا أجد دلالة على توبته بغير قوله إلا، وهو يدخل في النصرانية، وكل دين يظهره ويمكن فيه قبل أن يظهر ردته أن يكون مشتملا على الردة فإن قال قائل لم أكلف هذا إنما كلفت ما ظهر، والله ولي ما غاب فأقبل القول بالإيمان إذا قاله ظاهرا وأنسبه إليه، وأعمل به إذا عمل فهذا واحد في كل أحد سواء لا يختلف، ولا يجوز أن يفرق بينه إلا بحجة إلا أن يفرق الله ورسوله بينه، ولم نعلم لله حكما، ولا لرسوله ﷺ يفرق بينه، وأحكام الله ورسوله تدل على أن ليس لأحد أن يحكم على أحد إلا بظاهر، والظاهر ما أقر به أو ما قامت به بينة تثبت عليه، فالحجة فيما وصفنا من المنافقين وفي (الرجل الذي استفتى فيه المقداد رسول الله ﷺ وقد قطع يده على الشرك، وقول النبي ﷺ فهلا كشفت عن قلبه؟) يعني أنه لم يكن لك إلا ظاهره، وفي (قول النبي ﷺ في المتلاعنين إن جاءت به أحمر كأنه وحرة فلا أراه إلا قد كذب عليها، وإن جاءت به أديعج جعدا فلا أراه إلا قد صدق فجاءت به على النعت المكروه فقال رسول الله ﷺ إن أمره لبين لولا ما حكم الله) وفي قول رسول الله ﷺ (إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ به فإني إنما أقطع له قطعة من النار).
[قال الشافعي]: ففي كل هذا دلالة بينة أن رسول الله ﷺ إذا لم يقض إلا بالظاهر فالحكام بعده أولى أن لا يقضوا إلا على الظاهر، ولا يعلم السرائر إلا الله عز وجل والظنون محرم على الناس، ومن حكم بالظن لم يكن ذلك له والله تعالى أعلم.
[قال الشافعي]: وإذا ارتد الرجل أو المرأة عن الإسلام فهرب، ولحق بدار الحرب أو غيرها، وله نساء وأمهات أولاد، ومكاتبون ومدبرون، ومماليك، وأموال ماشية، وأرضون وديون له عليه أمر القاضي نساءه أن يعتددن، وأنفق عليهن من ماله، وإن جاء تائبا، وهن في عدتهن فهو على النكاح، وإن لم يأت تائبا حتى تمضي عدتهن فقد انفسخن منه، وينكحن من شئن، ووقف أمهات الأولاد فمتى جاء تائبا فهن في ملكه، وينفق عليهن من ماله فإن مات أو قتل عتقن، وكان مكاتبوه على كتابتهم تؤخذ نجومهم فإن عجزوا رجعوا رقيقا، ونظر فيمن بقي من رقيقه فإن كان حبسهم أزيد في ماله حبسهم أو من كان منهم يزيد في ماله بخراج أو بصناعة أو كفاية لضيعة، وإن كان حبسهم ينقص من ماله أو حبس بعضهم باع من كان حبسه منهم ناقصا لماله وهكذا يصنع في ماشيته، وأرضه، ودوره، ورقيقه ويقتضي دينه، ويقضي عنه ما حل من دين عليه فإن رجع تائبا سلم إليه ما وقف من ماله وإن مات أو قتل على ردته كان ما بقي من ماله فيئا.
[قال الشافعي]: وإن جنى في ردته جناية لها أرش أخذ من ماله، وإن جني عليه فالجناية هدر لأن دمه مباح فما دون دمه أولى أن يباح من دمه.
[قال]: وإن أعتق في ردته أحدا من رقيقه فالعتق موقوف ويستغل العبد، ويوقف عليه فإن مات فهو رقيق، وغلته مع عنقه فيء، وإن رجع تائبا فهو حر، وله ما غل بعد العتق.
قال: وإن أقر في ردته بشيء من ماله فهو كما وصفت في العتق، وكذلك لو تصدق.
قال: وإن، وهب فلا تجوز الهبة لأنها لا تجوز إلا مقبوضة.
[قال الشافعي]: فإن قال قائل: ما الفرق بينه وبين المحجور عليه في ماله يعتق فيبطل عتقه ويتصدق فتبطل صدقته، ولا يلزمه ذلك إذا خرج من الولاية؟ الفرق بينهما أن الله تبارك وتعالى يقول {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم} فكان قضاء الله عز وجل أن تحبس عنهم أموالهم حتى يبلغوا ويؤنس منهم رشد فكانت في ذلك دلالة على أن لا أمر لهم، وأنها محبوسة برحمة الله لصلاحهم في حياتهم، ولم يسلطوا على إتلافها فيما لا يلزمهم ولا يصلح معايشهم فبطل ما أتلفوا في هذا الوجه لأنه لا يلزمهم عتق ولا صدقة، ولم يحبس مال المرتد بنظر ماله ولا بأنه له وإن كان مشركا، ولو كان يجوز أن يترك على شركه لجاز أمره في ماله، لأنا لا نلي على المشركين أموالهم فأجزنا عليه ما صنع فيه إن رجع إلى الإسلام، وإن لم يرجع حتى يموت أو يقتل كان لنا بموته قبل أن يرجع ما في أيدينا من ماله فيئا، فإن قيل أو ليس ماله على حاله؟ قيل: بل ماله على شرط.