[قال]: ويقبل القاضي كتاب كل قاض عدل، ولا يقبل إلا بشاهدين عدلين، ولا يقبله بشاهدين عدلين حتى يفتحه، ويقرأه عليهما، ويشهدا على ما فيه، وأن القاضي الذي أشهدهما عليه قرأه بحضرتهما أو قرئ عليهما، وقال اشهدا أن هذا كتابي إلى فلان فإذا شهدا على هذا قبله، وإذا لم يشهدا على هذا، ولم يزيدا على أن يقولا هذا خاتمه، وهذا كتابه دفعه إلينا لم يقبله. وقد حضرت قاضيا جاءه كتاب قاض مختوم فشهد عنده شاهدان أن هذا كتاب فلان بن فلان إليك دفعه إلينا، وقال اشهدوا عليه ففتحه، وقبله فأخبرني القاضي المكتوب إليه أنه فض كتابا آخر من هذا القاضي كتب إليه في ذلك الأمر بعينه، ووقف عن إنفاذه، وأخبرني هو أو من أثق بخبره أنه رد إليه الكتاب يحكي له كتابا فأنكر كتابه الآخر، وبلغه أو ثبت عنده أنه كتب الكتاب، وختمه فاحتيل له فوضع كتابا مثله مكانه، ونحى ذلك الكتاب، وأشهد على ذلك الكتاب، وهو يرى أنه كتابه.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: فلما كان هذا موجودا لم يجز أن يقبل من الشهود حتى يقرأ عليهم الكتاب، ويقبضوه قبل أن يغيب عنهم، وينبغي للقاضي أن يأمرهم أن يأخذوا نسخة كتابه في أيديهم، ويوقعوا شهادتهم فيه فلو انكسر خاتمه أو ذهب بعض كتابه شهدوا أن هذا كتابه قبله، وليس في الخاتم معنى إنما المعنى فيما قطعوا به الشهادة كما يكون معاني في إذكار الحقوق، وكتب التسليم بين الناس.
[قال]: وإذا كتب القاضي إلى القاضي بما ثبت عنده ثم مات القاضي الكاتب أو عزل قبل أن يصل كتابه إلى القاضي المكتوب إليه ثم وصل قبله، ولم يمتنع من قبوله بموته، ولا عزله لأنه يقبل ببينته كما يقبل حكمه ألا ترى أنه لو حكم ثم عزل أو مات قبل حكمه هكذا يقبل كتابه.
[قال]: ولو كتب القاضي إلى القاضي فترك أن يكتب اسمه في العنوان أو كتب اسمه بكنيته فسواء، وإذا قطع الشهود أن هذا كتابه إليه قبله ألا ترى أني إنما أنظر إلى موضع الحكم في الكتاب، ولا أنظر إلى الرسالة، ولا الكلام غير الحكم، ولا الاسم فإذا شهد الشهود على اسم الكاتب والمكتوب إليه قبلته.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: كتاب القاضي كتابان أحدهما كتاب يثبت فهذا يستأنف المكتوب إليه به الحكم، والآخر كتاب حكم منه فإذا قبله أشهد على المحكوم له أنه قد ثبت عنده حكم قاضي بلد كذا وكذا فإن كان حكم بحق أنفذه له، وإن كان حكم عنده بباطل لا يشك فيه لم ينفذه له، ولم يثبت له الكتاب، وإن كان حكم له بشيء يراه باطلا، وهو مما اختلف الناس فيه، فإن كان يراه باطلا من أنه يخالف كتابا أو سنة أو إجماعا أو قياسا في معنى واحد منها فهذا من الباطل الذي ينبغي له أن يرده، وإن كان مما يحتمله القياس، ويحتمل غيره، وقلما يكون هذا أثبته له، ولم ينفذه، وخلى بينه وبين حكم الحاكم يتولى منه ما تولى، ولا يشركه بأن يكون مبتدئا للحكم به، وهو يراه باطلا، ويقبل القاضي كتاب القاضي في حقوق الناس في الأموال والجراح وغيرها، ولا يقبلها حتى تثبت إثباتا بينا والقول في الحدود اللاتي لله عز وجل واحد من قولين أحدهما أنه يقبل فيها كتاب القاضي، والآخر لا يقبله حتى تكون الشهود يشهدون عنده فإذا قبلها لم يقبلها إلا قاطعة.
[قال]: وإذا كتب القاضي لرجل بحق على رجل في مصر من الأمصار فأقر ذلك الرجل أنه المكتوب عليه بذلك الكتاب رفع في نسبه أو لم يرفع أو نسبه إلى صنعته أو لم ينسبه إليها أخذ به، وإن أنكر لم يؤخذ به حتى تقوم بينة أنه هو المكتوب عليه بهذا الكتاب فإذا رفع في نسبه أو نسبه إلى صناعة أو قبيلة أو أمر يعرف به فأنكره فقامت عليه بينة بهذا الاسم والنسب والقبيلة والصناعة أخذ بذلك الحق، وإن كان في ذلك البلد أو غيره رجل يوافق هذا الاسم والنسب والقبيلة والصناعة فأنكر المكتوب عليه، وقال قد يكتب بهذا في هذا البلد على غيري ممن يوافق هذا الاسم، وقد يكون به من غير أهله ممن يوافق هذا الاسم والنسب والقبيلة والصناعة لم يقض على هذا بشيء حتى يباين بشيء لا يوافقه غيره أو يقر أو تقطع بينة على أنه المكتوب عليه فإن لم يكن هذا لم يؤخذ به.
[قال]: وإذا كان بلد به قاضيان كبغداد فكتب أحدهما إلى الآخر بما يثبت عنده من البينة لم ينبغ له أن يقبلها حتى تعاد عليه إنما يقبل البينة في البلد الثانية التي لا يكلف أهلها إتيانه، وكتاب القاضي إلى الأمير والأمير إلى القاضي والخليفة إلى القاضي سواء لا يقبل إلا ببينة كما وصفت من كتاب القاضي إلى القاضي.