الرئيسيةبحث

كتاب الأم/قسم الفيء/الأنفال

الأنفال


[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ثم لا يخرج من رأس الغنيمة قبل الخمس شيء غير السلب، أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن (أبي قتادة قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ عام خيبر فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين قال فاستدرت له حتى أتيته من ورائه قال: فضربته على حبل عاتقه ضربة وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر بن الخطاب فقلت له: ما بال الناس؟ فقال: أمر الله، ثم إن الناس رجعوا فقال: رسول الله ﷺ من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقمت فقلت من يشهد لي؟، ثم جلست، ثم قال: رسول الله ﷺ من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقمت فقال: رسول الله ﷺ ما لك يا أبا قتادة؟ فقصصت عليه القصة فقال: رجل من القوم صدق يا رسول الله وسلب ذلك القتيل عندي فأرضه منه فقال أبو بكر لاها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله عز وجل يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه فقال: رسول الله ﷺ صدق فأعطه إياه فأعطانيه فبعت الدرع وابتعت به مخرفا في بني سلمة فإنه لاول مال تأثلته في الإسلام).

[قال الشافعي]: هذا حديث ثابت معروف عندنا والذي لا أشك فيه أن يعطي السلب من قتل والمشرك مقبل يقاتل من أي جهة قتله مبارزا، أو غير مبارز، وقد أعطى النبي ﷺ سلب مرحب من قتله مبارزا وأبو قتادة غير مبارز ولكن المقتولين جميعا مقبلان، ولم يحفظ عن النبي ﷺ أنه أعطى أحدا قتل موليا سلب من قتله والذي لا أشك فيه أن له سلب من قتل الذي يقتل المشرك والحرب قائمة والمشركون يقاتلون ولقتلهم هكذا مؤنة ليست لهم إذا انهزموا، أو انهزم المقتول، ولا أرى أن يعطى السلب إلا من قتل مشركا مقبلا، ولم ينهزم جماعة المشركين، وإنما ذهبت إلى هذا أنه لم يحفظ عن رسول الله ﷺ قط أنه أعطى السلب قاتلا قتل مقبلا، وفي حديث أبي قتادة ما دل على أن النبي ﷺ قال: (من قتل قتيلا له سلبه) يوم حنين بعدما قتل أبو قتادة الرجل، وفي هذا دلالة على أن بعض الناس خالف السنة في هذا فقال: لا يكون للقاتل السلب إلا أن يقول الإمام قبل القتال من قتل قتيلا فله سلبه وذهب بعض أصحابنا إلى أن هذا من الإمام على وجه الاجتهاد، وهذا من النبي ﷺ عندنا حكم، وقد أعطى النبي ﷺ السلب للقاتل في غير موضع.

[قال الشافعي]: ولو اشترك نفر في قتل رجل كان السلب بينهم، ولو أن رجلا ضرب رجلا ضربة لا يعاش من مثلها، أو ضربة يكون مستهلكا من مثلها، وذلك مثل أن يقطع يديه، أو رجليه ثم يقتله آخر كان السلب لقاطع اليدين، أو الرجلين؛ لأنه قد صيره في حال لا يمنع فيها سلبه، ولا يمتنع من أن يذفف عليه، وإن ضربه وبقي فيه ما يمنع نفسه، ثم قتله بعده آخر فالسلب للآخر إنما يكون السلب لمن صيره بحال لا يمتنع فيها.

[قال الشافعي]: والسلب الذي يكون للقاتل كل ثوب عليه وكل سلاح عليه ومنطقته وفرسه إن كان راكبه، أو ممسكه فإن كان منفلتا منه أو مع غيره فليس له، وإنما سلبه ما أخذ من يديه، أو مما على بدنه، أو تحت بدنه.

[قال الشافعي]: فإن كان في سلبه سوار ذهب، أو خاتم، أو تاج، أو منطقة فيها نفقة، فلو ذهب ذاهب إلى أن هذا مما عليه من سلبه كان مذهبا، ولو قال: ليس هذا من عدة الحرب، وإنما له سلب المقتول الذي هو له سلاح كان وجها والله أعلم.

[قال الشافعي]: ولا يخمس السلب.

[قال الشافعي]: فعارضنا معارض فذكر أن عمر بن الخطاب قال: إنا كنا لا نخمس السلب وأن سلب البراء قد بلغ شيئا كثيرا، ولا أرى أني إلا خامسه قال: فخمسه وذكر عن ابن عباس أنه قال: السلب من الغنيمة، وفيه الخمس.

[قال الشافعي]: فإذا قال: النبي ﷺ (من قتل قتيلا فله سلبه) فآخذ خمس السلب أليس إنما يكون لصاحبه أربعة أخماسه لا كله، وإذا ثبت عن النبي ﷺ شيء لم يجز تركه فإن قال: قائل فلعل النبي ﷺ أعطى السلب أنه لم يكن ذا خطر وعمر يخبر أنه لم يكن يخمسه، وإنما خمسه حين بلغ مالا كثيرا فالسلب إذا كان غنيمة فأخرجناه من أن يكون حكمه حكمها وقلنا قد يحتمل أن يكون قول الله تعالى {فأن لله خمسه} على أكثر الغنيمة لا على كلها فيكون السلب مما لم يرد من الغنيمة وصفي النبي ﷺ وما غنم مأكولا فأكله من غنمه ويكون هذا بدلالة السنة وما بقي تحتمله الآية، وإذا كان النبي ﷺ أعطى السلب من قتل لم يجز عندي والله أعلم أن يخمس ويقسم إذ كان اسم السلب يكون كثيرا وقليلا، ولم يستثن النبي ﷺ قليل السلب، ولا كثيره أن يقول يعطى القليل من السلب دون الكثير ونقول دلت السنة أنه إنما أراد بما يخمس ما سوى السلب من الغنيمة.

[قال الشافعي]: وهذه الرواية من خمس السلب عن عمر ليست من روايتنا وله رواية عن سعد بن أبي وقاص في زمان عمر تخالفها. أخبرنا ابن عيينة عن الأسود بن قيس عن رجل من قومه يسمى سير بن علقمة قال: بارزت رجلا يوم القادسية فقتلته فبلغ سلبه اثني عشر ألفا فنفلنيه سعد بن أبي وقاص.

[قال الشافعي]: واثني عشر ألفا كثير.