[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وتقبل شهادة المحدودين في القذف وفي جميع المعاصي إذا تابوا، فأما من أتى محرما حد فيه فلا تقبل شهادته إلا بمدة أشهر يختبر فيها بالانتقال من الحال السيئة إلى الحال الحسنة، والعفاف عن الذنب الذي أتى، وأما من قذف محصنة على موضع الشتم وغيره من غير مواضع الشهادات فلا تقبل شهادته حتى يختبر هذه المدة في الانتقال إلى أحسن الحال، والكف عن القذف، وأما من حد في أنه شهد على رجل بالزنا فلم تتم الشهادة فإن كان عدلا يوم شهد فساعة يقول قد تبت وكذب نفسه تقبل شهادته مكانه؛ لأنا وإن حددناه حد القاذف فلم يكن في معاني القذفة، ألا ترى أنهم إذا كانوا أربعة لم نحدهم، ولو كانوا أربعة شاتمين حددناهم، والحجة في قبول شهادة القاذف أن الله عز وجل أمر بضربه وأمر أن لا تقبل شهادته وسماه فاسقا، ثم استثنى له إلا أن يتوب والاستثناء في سياق الكلام على أول الكلام وآخره في جميع ما يذهب إليه أهل الفقه إلا أن يفرق بين ذلك خبر وليس عند من زعم أنه لا تقبل شهادته وأن الثنيا له إنما هي على طرح اسم الفسق عنه خبر إلا عن شريح وهم يخالفون شريحا لرأي أنفسهم، وقد كلمني بعضهم فكان من حجته أن قال إن أبا بكرة قال لرجل أراد أن يستشهده استشهد غيري فإن المسلمين فسقوني فقلت له لو لم تكن عليك حجة إلا هذه كنت قد أحسنت الاحتجاج على نفسك قال وكيف؟ قلت أرأيت أبا بكرة هل تاب من تلك الشهادة التي حد بها قال فإن قلت نعم؟ قلت فلم يطرح المسلمون عنه اسم الفسق، فأي شيء استثنى له بالتوبة؟ قال فإن قلنا لم يتب قلت فنحن لا نخالفك في أن من لم يتب لم تقبل شهادته قال فما توبته إذا كان حسن الحال قلت إكذابه لنفسه كما قال صاحبكم الشعبي قال فهل في هذا خبر؟ قلت ما نحتاج مع القرآن إلى خبر ولا مع القياس إذا كنت تقبل شهادة الزاني، والقاتل، والمحدود في الخمر إذا تاب وشهادة الزنديق إذا تاب، والمشرك إذا أسلم وقاطع الطريق، والمقطوع اليد والرجل إذا تاب لا تقبل شهادة شاهد بالزنا فلم تتم به الشهادة فجعل قاذفا قال فهل عندك أثر؟ قلت نعم أخبرنا سفيان أنه سمع الزهري يقول زعم أهل العراق أن شهادة القاذف لا تجوز وأشهد لاخبرني، ثم سمى الذي أخبره أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال لأبي بكرة تب تقبل شهادتك، أو إن تبت قبلت شهادتك قال سفيان فذهب على حفظي الذي سماه الزهري فسألت من حضرني فقال لي عمر بن قيس هو سعيد بن المسيب.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: فقلت لسفيان فهو سعيد؟ قال نعم إلا أني شككت فيه فلما أخبرني لم أشك ولم أثبته عن الزهري حفظا.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وبلغني عن ابن عباس أنه كان يجيز شهادة القاذف إذا تاب وسئل الشعبي عن القاذف فقال أيقبل الله توبته ولا تقبلون شهادته؟ أخبرنا ابن علية عن ابن أبي نجيح في القاذف إذا تاب قبلت شهادته وقال كلنا يقوله عطاء وطاوس ومجاهد.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: والقاذف قبل أن يحد مثله حين يحد لا تقبل شهادته حتى يتوب كما وصفت، بل هو قبل أن يحد شر حالا منه حين يحد؛ لأن الحدود كفارات للذنوب فهو بعد ما يكفر عنه الذنب خير منه قبل أن يكفر عنه فلا أرد شهادته في خير حاليه وأجيزها في شر حاليه وإنما رددتها بإعلانه ما لا يحل له فلا أقبلها حتى ينتقل عنها وهذا القاذف، فأما الشاهد بالزنا عند الحاكم فلا يحده الحاكم لمحاباة، أو شبهة فإذا كان عدلا يوم شهد، ثم أكذب نفسه قبلت شهادته مكانه؛ لأنه ليس في معاني القذفة.