كراء الإبل والدواب |
[قال: الشافعي] رحمه الله تعالى: كراء الإبل جائز للمحامل والزوامل والرواحل وغير ذلك من الحمولة، وكذلك كراء الدواب للسروج والأكف والحمولة [قال الشافعي]: ولا يجوز من ذلك شيء على شيء مغيب لا تجوز حتى يرى الراكب والراكبين وظرف المحمل والوطاء وكيف الظل إن شرطه؛ لأن ذلك يختلف فيتباين، أو تكون الحمولة بوزن معلوم أو كيل معلوم، أو ظروف ترى، أو تكون إذا شرطت عرفت مثل غرائر الحلبة وما أشبه هذا [قال: الشافعي] فإن قال: أتكارى منك محملا، أو مركبا، أو زاملة فهو مفسوخ، ألا ترى أنهما إذا اختلفا لم يوقف على حد هذا، وإن شرط وزنا؟ وقال: المعاليق أو أراه محملا وقال: ما يصلحه فالقياس في هذا كله أنه فاسد؛ لأن ذلك غير موقوف على حده، وإن شرط وزنا وقال: المعاليق أو أراه محملا فكذلك ومن الناس من قال: أجيزه بقدر ما يراه الناس وسطا.
[قال الشافعي]: فعقدة الكراء لا تجوز إلا بأمر معلوم كما لا تجوز البيوع إلا معلومة.
[قال الشافعي]: وإذا تكارى رجل محملا من المدينة إلى مكة فشرط سيرا معلوما فهو أصح، وإن لم يشترط فالذي أحفظ أن المسير معلوم وأنه المراحل فيلزمان المراحل؛ لأنها الأغلب من سير الناس، فإن قال قائل: كيف لا يفسد في هذا الكراء والسير يختلف؟ قيل ليس للإفساد ها هنا موضع فإن قال: فبأي شيء قسته؟ قيل: بنقد البلد، البلد له نقد وصنج وغلة مختلفة فيبيع الرجل بالدراهم، ولا يشترط نقدا بعينه، ولا يفسد البيع ويكون له الأغلب من نقد البلد، وكذلك يلزمهما الغالب من مسير الناس.
[قال الشافعي]: فإن أراد المكتري مجاوزة المراحل أو الجمال التقصير عنها أو مجاوزتها فليس ذلك لواحد منهما إلا برضاهما فإن كان بعدد أيام فأراد الجمال أن يقيم ثم يطوي بقدر ما أقام أو أراد المكتري فليس لواحد منهما وذلك أنه يدخل على المكتري التعب والتقصير، وكذلك يدخل على الجمال.
[قال الشافعي]: فإن تكارى منه لعبده عقلة فأراد أن يركب الليل دون النهار بالأميال، أو النهار دون الليل، أو أراد ذلك به الجمال فليس ذلك لواحد منهما ويركب على ما يعرف الناس العقبة ثم ينزل فيمشي بقدر ما يركب ثم يركب بقدر ما مشى، ولا يتابع المشي فيفدحه، ولا الركوب فيضر بالبعير، قال: وإن تكارى إبلا بأعيانها ركبها، وإن تكارى حمولة، ولم يذكر بأعيانها ركب ما يحمله فإن حمله على بعير غليظ فإن كان ذلك ضررا متفاحشا أمر أن يبدله، وإن كان شبيها بما يركب الناس لم يجبر على إبداله.
[قال الشافعي]: وإن كان البعير يسقط، أو يعثر فيخاف منه العنت على راكبه أمر بإبداله.
[قال الشافعي]: وعليه أن يركب المرأة البعير باركا وتنزل عنه باركا؛ لأن ذلك ركوب النساء أما الرجال فيركبون على الأغلب من ركوب الناس وعليه أن ينزله للصلوات وينتظر حتى يصليها غير معجل له ولما لا بد له منه كالوضوء وليس عليه أن ينتظره لغير ما لا بد له منه، قال: وليس للجمال إذا كانت القرى هي المنازل أن يتعداها إن أراد الكلا، ولا للمكتري إذا أراد عزلة الناس، وكذلك إن اختلفا في الساعة التي يسيران فيها، فإن أراد الجمال، أو المكتري ذلك في حر شديد نظر إلى مسير الناس بقدر المرحلة التي يريدان.
[قال الشافعي]: ولا خير في أن يتكارى بعيرا بعينه إلى أجل معلوم، ولا يجوز أن يتكارى إلا عند خروجه؛ لأن المكارى ينتفع بما أخذ من المكتري، ولا يلزم الجمال الضمان للحمولة إن مات البعير بعينه لا يجوز أن يشتري شيئا غائبا بعينه إلى أجل، وإنما يجوز الكراء على مضمون بغير عينه مثل السلم، أو على شيء يقبض المكتري فيه ما اكترى عند اكترائه كما يقبض المبيع.
[قال الشافعي]: فإن تكارى إبلا بأعيانها فركبها ثم ماتت رد الجمال مما أخذ منه بحساب ما بقي، ولم يضمن له الحمولة وذلك بمنزلة المنزل يكتريه والعبد يستأجره، وإنما تلزمه الحمولة إذا شرطها عليه غير إبل بأعيانها كانت لازمة للجمال بكل حال والكراء لازم للمكتري والكراء بكل حال لا يفسخ أبدا بموتهما، ولا بموت واحد منهما، هو في مال الجمال إن مات ومال المكتري إن مات وتحمل ورثة الميت حمولته، أو وزنها وراكبا مثله وورثة الجمال إن شاءوا قاموا بالكراء وإلا باع السلطان في ماله واستأجر عليه من يوفي المكتري ما شرط له من الحمولة.
[قال الشافعي]: وإن اختلفا في الرحلة رحل لا مكبوبا، ولا مستلقيا، وإن انكسر المحل، أو الظل أبدل محملا مثله، أو ظلا مثله، وإن اختلفا في الزاد الذي ينفد بعضه فقال صاحب الزاد أبدله بوزنه فالقياس أن يبدل له حتى يستوفي الوزن، قال: ولو قال قائل: ليس له أن يبدل من قبل أنه معروف أن الزاد ينقص قليلا، ولا يبدل مكانه كان مذهبا والله أعلم من مذاهب الناس.
[قال الشافعي]: والدواب في هذا مثل الإبل إذا اختلفا في المسير سار كما يسير الناس إن لم يكن بينهما شرط لا متعبا، ولا مقصرا كما يسير الأكثر من الناس ويعرف خلاف الضرر بالمكتري للدابة والمكرى فإن كانت صعبة نظرا فإن كانت صعوبتها مشابهة صعوبة عوام الدواب، أو تقاربها لزمت المكتري، وإن كان ذلك منها مخوفا فإن تكاراها بعينها، ولم يعلم تناقضا الكراء إن شاء المكتري، وإن تكارى مركبا فعلى المكري الدابة له غيرها مما لا يباين دواب الناس.
[قال الشافعي]: وعلف الدواب والإبل على الجمال أو مالك الدواب فإن تغيب واحد منهما فعلف المكتري فهو متطوع إلا أن يرفع ذلك إلى السلطان، وينبغي للسلطان أن يوكل رجلا من أهل الرفقة بأن يعلف ويحسب ذلك على رب الدابة والإبل، وإن ضاق ذلك فلم يوجد أحد غير الراكب فإن قال قائل: يأمر الراكب أن يعلف؛ لأن من حقه الركوب والركوب لا يصلح إلا بعلف ويحسب ذلك على صاحب الدابة، وهذا موضع ضرورة ولا يوجد فيه إلا هذا؛ لأنه لا بد من العلف وإلا تلفت الدابة، ولم يستوف المكتري الركوب كان مذهبا.
[قال الشافعي]: وفي هذا أن المكتري يكون أمين نفسه وإن رب الدابة إن قال: لم يعلفها إلا بكذا وقال الأمين علفتها بكذا لأكثر فإن قبل قول رب الدابة في ماله سقط كثير من حق العالف، وإن قيل: قول المكتري العالف كان القول قوله فيما يلزم غيره، وإن نظر إلى علف مثلها فصدق به فيه، فقد خرج مالك الدابة والمكتري من أن يكون القول قولهما، وقد ترد أشباه من هذا في الفقه فيذهب بعض أصحابنا إلى أن لا قياس وأن القياس ضعيف، وقد ذكر في غير هذا الموضع ويقولون يقضي فيما بين الناس بأقرب الأمور في العدل فيما يراه إذا لم يجد فيه متقدم من حكم يتبعه.
[قال الشافعي]: فيعيب هذا المذهب بعض الناس ويقول لا بد من القياس على متقدم الأحكام ثم يصير إلى أن يكثر القول بما عاب ويرد ما يشبه هذا فيما يرى رده من كره الرأي فإن جاز أن يحكم فيه بما يكون عدلا عند الناس فيما يرى الحاكم فهو مذهب أصحابنا في بعض أقاويلهم، وإن لم يجز، فقد يترك أهل القياس القياس فيكون والله أعلم فمن ذهب مذهب أصحابنا حمل الناس على أكثر معاملتهم وعلى الأقرب من صلاحهم وأنفذ الحكم على كل أحد من المتنازعين بقدر ما يحضره مما يسمع من قضيتهما مما يشبه الأغلب ومن ذهب مذهب القياس أعاد الأمور إلى الأصول ثم قاسها عليها وحكم لها بأحكامها، وهذا ربما تفاحش.
كتاب الأم - الإجارة وكراء الأرض | |
---|---|
كراء الأرض البيضاء | كراء الدواب | الإجارات | كراء الإبل والدواب | مسألة الرجل يكتري الدابة فيضربها فتموت | مسألة الأجراء | اختلاف الأجير والمستأجر |