المقالة الأولى | عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات المقالة الثانية المؤلف: زكريا بن محمد بن محمود القزويني |
الحمد للّه الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، الأزلي الذي لا أول لوجوده، ولا ينتقل من حالة إلى أخرى، الأبدي الذي لا آخر لدوامه، وإليه المرجع والمنتهى، خلق الأرض والسمـٰوات العلى، وأبدع الأركان والأمزجة والأعضاء والقوى، وأنشأ الجماد والحيوان وأزواجا من نبات شتى: لَهُ ما فِي السمـٰوات وَما فِي الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين، محمد خير الورى، وعلى آله مصابيح الدجى، ومفاتيح الهدى.
أما بعد: فقد أردنا أن نذكر بعض عجائب ما دون فلك القمر من كرة الأثير وعجيب آثارها وكرة الهواء وصحوها وأمطارها، وفوائد معادنها وخواص، نباتها وأشجارها وخواص حيوانها وآثارها مستعينا باللّه ومتوكلا على اللّه، وباللّه التوفيق.
وهو ما دون فلك القمر من العناصر والمولدات والنظر فيها في أمور: حقيقة العناصر وطباعها وترتيبها وانقلاب بعضها إلى بعض.
ذهبوا إلى أن العنصر هو الأصل، وإنما سميت هذه الأجسام عناصر، لأنها أصل المولدات أعني المعادن والنبات والحيوان، وتسمى أيضا أركاناً وهي أربعة: النار والهواء والماء والتراب، فالنار حارة يابسة مكانها الطبيعي تحت الفلك، وفوق الهواء، والهواء حار رطب ومكانه الطبيعي تحت النار وفوق الماء، والماء بارد رطب ومكانه الطبيعي تحت الهواء وفوق الأرض، والأرض باردة يابسة ومكانهاالطبيعي الوسط ثم إن كل واحد من هذه الأركان متكيف بكيفيتين يشاكل الذي يقربه بكيفية ويضاده بأخرى فلأجل مشاكلتها تقاربت مراكزها، ولأجل تضادها تباينت، واختص كل بمركز لا يقف إلا فيه إذا منعه مانع، فإذا ارتفع المانع كان النزوع إلى مركز العالم فهو ثقيل، وإن كان إلى المحيط فهو خفيف، واللّه أعلم.
أما الهواء فينقلب ماءً كما يشاهد في القطرات المجتمعة على سطح الإناء المنخذ من الصفر، فإنك إذا تركت فيه ماء يرى على أطراف الإناء قطرات من الماء، ومعلوم أن ذلك ليس من ترشح الإناء، بل سببها أن الهواء المحيط بالكون يصير بارداً بسبب برودة الجمد، فيصير ماء ويقع على أطراف الإناء والماء أيضاً ينقلب هواء كما يشاهد من البخارات الصاعدة من حرارة الشمس أو النار، والهواء ينقلب ناراً كما يشاهد من السموم في بعض المواضع عند شدّة الحر وكما نرى من كير الحدادين إذا بالغوا في نفخه فإن هواءه يصير بحيث إذا دنا منه شيء يحترق، والماء ينقلب أرضا كما نرى من بعض المياه أنها تصير حجرا، والأرض تنقلب ماء كما يفعله أصحاب الإكسير بسحق أجزائها، وخلط بعض الأدوية بها حتى تصير كلها ماء، ولا يبقى فيها أجزاء الأرضية، واللّه تعالى هو الموفق للصواب.
النار جرم بسيط، طباعه أن يكون حارّا يابسا مكانه تحت كرة الفلك لا لون لها، زعموا أن النار الصرف لا يدركها البصر لأنا نرى الشمع إذا اشتعل كانت شعلته منفصلة عن الفتيلة ولا شك أن الحرارة عند اتصال الفتيلة أقوى، وأيضا إن كير الحدادين إذا بالغوا في نفخه صار هواء، بحيث إذا دنا منه شيء يحترق ولا ضوء له، فعلم أن النار القوية الصرف لا لون لها، والنار هي فوق العناصر في غاية القوة والخواص، فلذلك لا تدركه الأبصار، انظر إلى حكمة الباري كيف جعل كرة الأثير دون فلك القمر كيما تحترق بحرارتها الأدخنة الغليظة الصاعدة، وتلطف البخارات العفنة ليكون الجو أبدا شفافاً، وجعلها طبقة واحدة شديدة الحرارة، محيلة لكل ما وصل إليها من الأبخرة والأدخنة ناراً صرفا لما ذكرنا من الحكمة وخلقها غير ملونة إذا لو كانت مضيئة كالنار التي عندنا لمنعت الإبصار عن رؤية عالم الأفلاك ثم حجبها بكرة الزمهرير ليمنع برد الزمهرير رهج الأثير عن الحيوانات والنبات، وإلا لأدى إلى هلاكها، ثم أي شيء أعجب من خروج هذا الجرم النوراني من الحديد والحجر الكثيفين، أو من الشجر الأخضر الذي يخالف طبيعة النار، أو من الحرارة والضياء اللتين يلازمانها ثم من غلبتها وسلطانها على الأجسام حتى على الصخرة الصماء، فتجعلها ترابا، وعلى الحديد فتذيبه، وإذا تفكرت في المصابيح المتعلقة بها للخلق سيما لنوع الإنسان وجدت فهم الإنسان عن ضبطها قاصرا ولهذا قال تعالى: ﴿ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ﴾ فسبحان ما أعظم شأنه.
ومن النيران العجيبة نار خلقها اللّه لقبول القرابين تنزل من السماء تأكل القربان المقبول، وهي التي أكلت قربان هابيل دون قربان قابيل، وكان ذلك الامتحان في بني إسرائيل أيضا إذا أرادوا امتحان إخلاصهم تركوا القربان في بيت لا سقف له ونبيهم يدخل البيت ويدعو اللّه تعالى، والناس خارج البيت، فينزل من السماء نار بيضاء لها دوي محيط بالقربان فتأكله، وهي التي أخبر اللّه تعالى عنها حيث قال: ﴿ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ ﴾ فهذه نار الرضا، فسبحان من جعلها مرة للرضا و مرة للسخط.
ومنها نار جعلها اللّه تعالى لسخطه كنار أصحاب الجنة التي ذكرها اللّه تعالى، وهو أنه كان لرجل صالح بستان إذا كان يوم قطافه يطعم من جاء من المساكين، فلما مات عزم أولاده على أن لا يعطوا المساكين شيئاً يقطفوها سرّا، فلما ذهبوا إليها وجدوها قد احترقت، ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ﴾ إلى قوله: ﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ ﴾.
ومنها نار الصاعقة وهي نار تسقط من السماء تحرق أي جسم صادفته وتنقد في الصخرة الصماء لا يرد عليها إلا الماء، ذكروا أنها ربما تحجرت فتصير ألماسا فقطاع الألماس منها، واللّه تعالى أعلم بذلك.
ومنها نار الحرتين، كانت ببلاد عبس، فإذا كان الليل تسطع من السماء، وكانت بنو طيئ تنفش بها إبلها من مسير ثلث، وربما بدر منها عبق، فيأتي كل شيء بقربها فتحرقه، وإذا كان النهار كانت دخانا، فبعث اللّه تعالى خالد ابن سنان العبسي وهو أوّل نبي من بني إسماعيل فاحتفر لها بئراً وأدخلها والناس ينظرون حتى غيبها، وقصتها مشهورة.
زعموا أن الدخان إذا صعد الهواء ولم تصبه برودة حتى يصل إلى الطبقة النارية، فإن لم تنقطع مادته عن الأرض وكان في الدخان دهنية تشتعل النار فيه، ويصير كله نارا، ويرجع إلى مادة الدخان، مثاله: أن السراج إذا طفئ وجعل تحت شعلته سراج آخر، فإذا وصل دخان المنطفئ إلى الشعلة ترجع النار عن الشعلة وتوقد السراج المنطفئ، وأما إذا كانت مادته لطيفة تأخذها النار وتصير نارا صرفا، وقد ذكرنا أن النار الصرف لا ترى وإن كانت المادة كثيفة، فإذا أخذت النار فيها تبقى زمانا، فترى منها أشكالا بحسب مادة الدخان وهيئتها، فربما ترى كوكبا ذا زاوية على شكل تنين أو على شكل حيوان ذي قرنين، أو على شكل أعمدة مخروطة، وربما يرى على شكل كرة تتدحرج على شكل الفلك، وربما كانت المادة الدخانية كثيرة، فإذا أخذت النار فيها اشتعلت اشتعالاً عظيما حتى أضاء الهواء منها، واستنار وجه الأرض منها، واللّه الموفق للصواب.
خاتمة: من الحكماء من شبه تعلق النفس الإنسانية ببدنه إذا صار مستعدّا لقبول النفس بتعلق النار بالفتيلة إذا صارت مستعدة لذلك، وكما أن إبطال هذا التعلق سهل بنفخة أو غيره، فكذلك إبطال تعلق النفس بالبدن سهل بطريق سهل الاحترام، وكما أن السراج ينطفيء بانتهاء الدهن، فكذلك النفس تفارق عند انتهاء الرطوبة الغريزية بحدوث الحمى وغيرها، والإنسان يعيش في مكان لا ينفطئ فيه النار، لذلك إذا أراد أصحاب المعادن والخبايا دخول فتق أو مغارة أخذوا شعلة على رأس خشبة طويلة وقدموها، فإن بقيت الشعلة دخلوها، وإن انطفأت لم يتعرضوا لها وتركوها. والمصباح عند ذهاب دهنه وانطفائه ينتعش مرتين أو ثلاث انتعاشا ساطعا ثم يخمد، كما أن الإنسان قبيل موته يزيد قوة وتسمى راحة الموت، ولم يكن بعد ذلك لبث، واللّه الموفق للصواب.
الهواء جرم بسيط طباعه أن يكون حارا رطباً شفافاً متحركاً إلى المكان الذي تحت كرة النار و فوق الماء، زعموا أن الأجرام الواقعة ما بين سطح الماء وسطح فلك القمر ثلاثة أقسام: أولها ما يلي القمر، وآخرها ما يلي سطح الماء والأرض، وأوسطها الهواء الواقع بينهما، أما الهواء المماس لفلك القمر فلدوام دورانه مع الفلك و سرعة حركته صار ناراً في غاية الحرارة، ويسمّى الأثير، وقد مر ذكرها، وكلما كان منهبطاً إلى أسفل كان أبطأ حركة وأقل حرارة، وكلما قلت الحرارة غلبت البرودة إلى أن تصير في غاية البرد، ويسمى الزمهرير، وأما القسم الثالث: فإنه بواسطة مطارح شعاعات الشمس وغيرها من الكواكب على سطح الأرض وانعكاسها صار معتدلا، ولو لا ذلك لكان الهواء المماس لسطح الأرض أشد برداً ممّا سواه كما يعرض ذلك للموضع الذي تحت القطب الشمالي لبعد الشمس عنه، فيبرد فيه الهواء ويجمد الماء ويظلم الجو ويهلك الحيوان والنبات، وذكروا أن أكثر ما تكون كرة النسيم ستة عشر ألف ذراع ارتفاعاً، وأقله ما يطابق سطح الأرض، فإن أعلى جبل يوجد على وجه الأرض لا يبلغ ارتفاعه هذا المبلغ، ولا تمنع حرارة الجو هناك من انعقاد الغيم فإن المانع من انعقاد الغيم في الهواء حرارة الجو، وأما سطح كرة النسيم فإنه متداخل في عمق الأرض إلى نهاية ما ثم يقف، فإن النازلين إلى أسفل لطلب المعادن إذا احتاجوا إلى النسيم نفخوا بالمنافخ والأنابيب ليستنشقوا النسيم ويضيء سراجهم، فإن النسيم متى انقطع عنهم انطفأ سراجهم واختنقوا. ولا يعيش الحيوان دون البرية إلا في موضع يوجد به النسيم، وللهواء تغيرات عجيبة واستحالات من النور والظلمة والحر والبرد وقد سبق القول فيه، وأما ما يحدث من كثرة الأبخرة والأدخنة واختلاف الرياح والزوابع والهالة وقوس قزح والغيوم والرعود والبروق والصواعق والأمطار والضباب والطل والصقيع والثلوج والشهب وذوات الأذناب فإن بعضها يقع في كرة الأثير و قد ذكرناه، ومنها ما يقع في كرة الزمهرير وكرة النسيم فلنذكر الآن ذلك، واللّه الموفق للصواب.
زعموا أن الشمس إذا أشرقت على الماء والأرض حللت من الماء أجزاء لطيفة مائية تسمى بخارا، ومن الأرض أجزاء لطيفة أرضية تسمى دخاناً، فإذا ارتفع البخار والدخان في الهواء ودافعهما الهواء إلى الجهات ومن فوقهما برد الزمهرير، ومن أسلفهما مادة البخار غلظاً في الهواء، وتداخلت أجزاء بعضها في بعض فيكون منهما سحاب مؤلف متراكم، ثم إن السحاب كلّما ارتفع انضمت أجزاء البخار بعضها إلى بعض حتى يصير ما كان منهما دخاناً ركاماً، وما كان بخاراً ماء، ثم تلتئم تلك الأجزاء المائية بعضه إلى بعض فتصير قطرا ثم تأخذ راجعة إلى أسفل فإن كان صعود ذلك البخار بالليل والهواء شديد البرد منعه من الصعود وأجمده أوّلا فصار سحاباً رقيقاً، وإن كان البرد مفرطاً أجمده البخار في الغيم، وكان ذلك ثلجاً لأن البرد يجمد الأجزاء المائية ويختلط بالأجزاء الهوائية و ينزل برفق، فلذلك لا يكون له في الأرض وقع شديد كما للمطر والبرد، فإن كان الهواء دفيئاً ارتفع البخار في الغيوم وتراكمت منه السحب طبقات بعضها فوق بعض كما ترى في أيام الربيع والخريف كأنها جبال من قطن مندوف، فإذا عرض لها برد الزمهرير من فوق غلظ البخار وصارت ماء وانضمت أجزاؤها فصارت قطراً عرض لها الثقل، فأخذت تهوى من أعلى السحب و تلتئم القطرات الصغار بعضها إلى بعض حتى إذا خرجت من أسلفها صارت قطراً كباراً، فإن عرض لها برد مفرط في طريقها جمدت و صارت بردا قبل أن تبلغ الأرض، وإن لم تبلغ الأبخرة إلى الهواء البارد فإن كانت كثيرة صارت ضباباً، وإن كانت قليلة وتكاثفت ببرد الليل ولم تجمد نزلت طلاً، وإن انجمدت نزلت صقيعاً، واللّه أعلم.
واعلم أن من لطف الباري عز وجل أن أنزل المطر في كل سنة مقداراً معلوماً عنده إلى مستقر الحيوان لا إلى القفار البلاقع التي لا حيوان بها، فإن أهل التجربة زعموا أن كل بقعة بينها وبين البحر لا يكون أكثر من مسيرة أربعين يوماً، فإنها لا تصلح لمسكن الحيوان لأن المطر لا ينزل بها، ثم من تمام لطفه عز و جل أن أنزل القدر الذي يكون كافياً لا قاصراً فلا ينبت شيئا ولا زائداً على الحاجة فيعفن النبات، ويفسده ويضر بالحيوان كما فعل بقوم نوح عليه السلام، وإلى هذا المعنى أشار جلت قدرته بقوله: ﴿ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ ﴾ ثم إنزاله قطرات صغيرة فلو صبه صبّاً خدش الأرض وأتلف الزرع، فسبحانه ما أعظم شأنه وأعز سلطانه وأوضح برهانه، واللّه الموفق.
زعموا أن حدوث الرياح من تموج الهواء و تحركه إلى الجهات، كما أن تموّج البحر هو تدافع الماء بعضه لبعض إلى الجهات، فإن الهواء والماء بحران واقعان غير أن أجزاء الماء ثقيلة الحركة وأجزاء الهواء خفيفة الحركة، وأما كيفية حدوثها فإن الأدخنة التي تصعد من الأرض من تأثير الشمس وغيرها إذا وصلت إلى الطبقة الباردة إما أن ينكسر حرها وإما أن تبقى على حرارتها، فإن انكسر حرها تكاتفت وقصدت النزول فيموج بها الهواء فيحدث الريح، وإن بقيت على حرارتها تصاعدت إلى كرة النار المتحركة بحركة الفلك فتردها الحركة الدورية إلى أسفل، فيموج بها الهواء فيحدث الريح وربما يحلل تلك الأدخنة الهواء فتحرك من جانب إلى جانب، فيحدث منها الريح أيضاً، وسبب تحلل الهواء لها إما من خروجها من مخرج معوج أورد الرياح النازلة إياها من الصعود المستقيم، وربما تصل إليها رياح أخر، وتمدها أدخنة من السفل فتميلها إلى جهة أخرى، واللّه الموفق.
ومن الرياح العجيبة الزوبعة وهي الريح التي تدور على نفسها شبه منارة وأكثر تولدها من رياح ترجع من الطبقة الباردة فتصادف سحابا تذروه الرياح المختلفة فيحدث من دوران الغيم تدوير في الريح فينزل على تلك الهيئة، وربما يكون مسلك صعودها مدورا فيبقى هبوبها كذلك مدورا، كما يشاهد في الشعر الجعد فإن سبب جعودته قد يكون لا عوجاج المسام وربما يكون سبب الزوبعة التقاء ريحين مختلفين الهبوب، فإنهما إذا تلاقيا تمنع إحداهما الأخرى عن الهبوب فيحدث بسبب ذلك ريح مستديرة تشبه منارة، وربما صادفت الزوبعة السفينة فترفعها وتدورها وتغرقها، وربما وقعت قطعة من الغيم في وسط الزوبعة فتدورها في الهواء فترى شبه تنين يدورها في الجو، وهذا كله من أمر اللّه وقدره، واللّه أعلم بالصواب.
أصول الرياح أربعة:
- الشمال ومهبها من بنات نعش إلى مغرب الشمس
- الجنوب ومهبها من مطلع سهيل إلى مشرق الشمس.
- الصبا ومهبها من مطلع بنات نعش إلى لمشرق.
- الدبور ومهبها من مطلع سهيل إلى المغرب.
أما الشمال فإنّها باردة يابسة لأنها تأتي من الناحية التي لا تسامتها الشمس أصلاً بل لا تقرب منها، وتكون الثلوج والمياه الجامدة بها كثيرة، فالريح يجتاز بها ويكتسب منها، وأيضاً هذه الناحية ليلة البحار كثيرة البراري والجبال، فتكتسب منها يبساً وتكون أشد هبوباً من الجنوب لأنّها تهب من موضع ضيق من وسط الجبال، والجبال بناحية الشمال كثيرة، فيكون مهبها كخروج الماء من الأنبوب الضيق.
وأما الجنوب فمهبها على البحار المتسعة فتكون كخروج الماء من الإناء الواسع الرأس. والشمال تصح الأبدان و تصلبها وتقوى الأدمغة وتصفى اللون و تصحح الحواس و تهيج الشهوة، وزعموا أن الرياح الشمالية والجنوبية إذا دام هبوبها على مواضع تولد الحيوان، و الشمالية تجعل أكثر أولادها ذكوراً، والجنوبية أكثر أولادها إناثاً، واللّه أعلم.
وأما الجنوب فحارة رطبة لأن هبوبها من ناحية خط الاستواء، والحر مفرط هناك لأن الشمس تسامتها في السنة دفعتين ولا تباعد عنها، فتزداد بذلك حرّا، وأيضاً هذه الجهة كثيرة البحار، فتبخر الشمس منها أبخرة رطبة، فتكسب الجنوب منها رطوبة، والجنوب ترخي الأبدان وتورث الكسل وتحدث ثقلا في الأسماع وغشاوة في البصر، ويظهر عند هبوب الجنوب في البحر سواد عظيم.
ومن العجب أن الجنوب إذا هبت على الماء الحار بردته، والشمال إذا هبت عليه تركته على حرارته كما كان، قالوا: سبب ذلك أن عند هبوب الشمال تكمن الحرارة في داخل الماء، كما ترى في الشتاء أن الحرارة تكمن في جوف الأرض فيبقى داخلها حارا، وأما عند هبوب الجنوب فتخرج الحرارة من داخل الماء كما ترى في الصيف، فإن الحرارة تخرج من جوف الأرض إلى خارجها ويبقى داخلها باردا فخرجت الحرارة من داخل الماء عند هبوب الجنوب، والماء في نفسه بارد يعود إلى طبعه.
والعرب تزعم أن اللواقح من الجنوب و لا يأتي بالمطر إلا الجنوب.
وأمّا الصبا: قريبة من الاعتدال فإن كان هبوبها في أول النهار، فهي مثائلة إلى البرد لأنها تمر على مواضع باردة فبردت ببعد الشمس عنها بالليل فتكون طيبة جدّا إلا أن زمانها قليل؛ لأن شعاع الشمس يسوقها من خلفها، فإذا طلعت الشمس ساقها إلى قدامها فلا تزال كذلك تمر قدام الشعاع والشمس تلطفها وتسخنها بحرها وضيائها حتى تصير معتدلة، وهي النسيم السحري الذي يلتذ به الإنسان، ويطيب النوم عليه، ويجد المريض راحة عند هبوبها ويكون هبوب هذا الريح بالأسحار من الليل والغدوات من النهار، واللّه الموفق.
وأما الدبور: فإنها مخالفة للصبا؛ لأنها و الشمس مدبرة عنها فلا تسخنها تسخين الصبا، وكذلك تهب في آخر النهار ولا تهب قبله ولا تهب بالليل، لأن الشمس تبلغ موضع مبهبها في ذلك الوقت فتحلل منه البخارات ولهذا المعنى يكون زمن هبوبها قليلا وجميع ما ذكرناه من فوائد الصبا أمر الدبور ضد ذلك، وحسبك قول النبي ﷺ: « نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور ».
منها: حكايتها لما تمر به من صوت أو رائحة أو كيفية أو بخار أو دخان، ومنها إلقاحها الشجر وترطيبها الزرع، وتجفيفها إياه، وتغييرها طباع الحيوان حتى قيل: إن لها تأثيرا في الذكور والإناث كما ذكرنا، وتأثيرها في الحيوان أن بعضها يرخي البدن وبعضها يصلب،
ومنها: ما يصحح القوى ويصفي البشرة، ويذكي الحواس ويهيج الشهوة، ومنها ما يكون بضد ذلك، ومنها إجراء السفينة الثقيلة وقطع المسافة الطويلة بمدة يسيرة وأعجب من هذا نشرها السحاب وسوقها إياه إلى المواضع المحتاجة إلى السقي لإحياء البلاد والعباد كما قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ﴾.
زعموا أن الشمس إذا أشرقت على الأرض حللت منها أجزاء أرضية يخالطها أجزاء نارية، و يسمى المجموع دخانا، ثم الدخان يمازجه البخار ويرتفعان معا إلى الطبقة الباردة من الهواء، فينعقد البخار سحاباً ويحتبس الدخان فيه، فإن بقي على حرارته قصد الصعود، وإن صار بارداً قصد النزول وأيّا ما كان يمزق السحاب تمزيقا عنيفاً، فيحدث منه الرعد، وربما يشتعل نار لشدة المحاكة، فيحدث منه البرق إن كان لطيفاً والصاعقة إن كان غليظاً كثيراً، فتحرق كل شيء أصابته، فربّما يذيب الحديد على الباب، ولا يضر بخشبه وربّما يذيب الذهب في الخرقة ولا يضر الخرقة، وقد يقع على الماء فيحرق حيتانه، وعلى الجبل فيشقه، واعلم أن الرعد والبرق يحدثان معا، لكن يرى البرق قبل أن يسمع الرعد، وذلك لأن الرؤية تحصل بمراعاة البصر، وأما السمع فيتوقف على وصول الصوت إلى الصماخ، و ذلك يتوقف على تموج الهواء، وذهاب النظر أسرع من وصول الصوت، ألا ترى أن القصار إذا ضرب الثوب ثم يسمع الصوت بعد ذلك بزمان. والرعد والبرق لا يكونان في الشتاء لقلة البخار الدخاني ولهذا المعنى لا يوجد في البلاد الباردة عند نزول الثلج لأن شدة البرد تطفئ البخار الدخاني، والبرق الكثير يقع عنده مطر كثير، وذلك لتكاثف أجزاء الغمام فإنها إذا تكاثفت انحصر الماء فيها، فإذا نزل نزل بشدة كما إذا احتبس الماء ومنع جريه ثم أطلق فإنه يجري جرياً شديداً، و لهذه العلة من أمسك نفسه عن الضحك قهقه بغتة، واللّه الموفق.
قال القاضي عمر بن سهلان المناوي رحمه اللّه تعالى: تحقيق هذه الأمور موقوف على مقدمات.
المقدمة الأولى: في معنى انعكاس البصر وهو لا يقاس على انعكاس الضوء لأن انعكاس الضوء له حقيقة في الخارج، وأمّا انعكاس البصر فلا حقيقة له في الخارج، وإنّما يقدر بطريق التوهم إذ لا فرق في مقصودنا بين الانعكاسين، أمّا انعكاس الضوء فهو أن يقع شعاع من جسم مضيء على جسم كثيف صقيل ويعكس منه ويقع على جسم يكون وضعه من هذا الجسم الصقيل كوضع الجسم المضيء، من ذلك الصقيل، لكنه يخالفه في الجهة على وجه تكون زاوية الاتصال كزاوية الانعكاس، وليس ذلك بشكل هندسي ولتكن دائرة (كز) جرم الشمس، ودائرة خط المرآة الصقيلة وخط (اب) شعاع الشمس و(لح) الجسم الكثيف الذي هو في خلاف جهة الشمس من المرآة، فإن الشعاع يرجع من المرآة ويقع على الجسم الكثيف إذا لم يكن بينهما حائل، فلو قدرنا أن من شعاع (اب) يقوم على سطح المرآة خط كالعمود، وفرضنا على سطح المرآة خطّا وهو (دهـ) تظهر من خط (اب) الذي هو شعاع (يه) المفرض على سطح المرآة زاوية من خط (لح) الذي هو الشعاع الراجع من خط (يه) زاوية أخرى موازية للزاوية المتقدمة، فزاوية (ا ي د) زاوية اتصال الشعاع وزاوية (هـ ب ح) زاوية انعكاس الشعاع، فإذا فرضنا خط الشعاع عمودا على سطح المرآة كخط (و ي) كان ناقصا على أعقابه، فإذا عرف انعكاس الضوء فيقاس عليه انعكاس البصر، فنقول: إذا كان في محاذاة النظر جسم صقيل وتوهّمنا أن خطّا خرج من الحدقة واتصل بالجسم الصقيل، وقدرنا خروج خط من هذا السطح بين سطح الجسم الصقيل وبين سطح الخط المتصل من الناظر فيظهر من الخطين أعني الخط المتصل من الناظر إلى الجسم الصقيل والخط المرسوم على سطح الجسم زاويتان، فإن كانتا قائمتين فانعكاس البصر ناكص على أعقابه، وإن لم تكونا قائمتين فالتي تكون من طرف الناظر حادة، والأخرى منفرجة فلو فرضنا خطّا خارجاً من النقطة المشتركة بين هذين الخطين مخالفاً لجهة الناظر ويكون وضعه من هذا الجسم الصقيل كوضع خط الناظر، فكل جسم كثيف وقع في طريق هذا الخط يراه النّاظر، وتسمى هذه الرؤية انعكاس البصر كما إذا رأى الإنسان في المرآة من كان خلفه أو على جانبيه أو كان فوقه أو تحته إذا كان بهذه الشرائط، و اللّه الموفق.
المقدمة الثانية: إن المرآة الصغيرة لا يرى فيها شكل الأشياء كما هي بل يرى منها لونها كالشكل المربع والمثلث وأمثالهما، فإن شكلها لا يرى في المرآة الصغيرة بل يرى لونها كأحمر وأسود.
المقدمة الثالثة: إن المرآة إذا كانت ملونة لا يرى فيها لون الأشياء كما هي، بل فيها مشوبة بلون المرآة كالكافور في الشيء الأخضر، فإنه يرى أبيض مشوبا بلون الخضرة، وهكذا سائر الألوان.
المقدمة الرابعة: إن ما يرى في المرآة لا حقيقة له في المرآة لأنه لو كان له في المرآة حقيقة لكان الناظر إذا انتقل إلى مكان آخر رأى ذلك الشيء فيه على وضعه وليس كذلك لأنا نرى شجرة في المرآة، ثم إذا انتقلنا إلى جانب آخر نرى الشجرة في جانب غير ذلك الجانب وما كان حقيقيّا لا يتغير مكانه بسبب تغير مكان الناظر إليه، فثبت أن ما يرى في المرآة لا حقيقة له، بل هو من باب الخيال، ومضي الخيال في هذا المقام أن ترى صورة الشيء مع صورة غيره بتوهم أن إحداهما داخلة في الأخرى ولا يكون في الحقيقة كذلك، بل إحداهما ترى بواسطة الأخرى من غير ثبوتها فيها، فإذا نظر الناظر في المرآة فكل جسم تكون نسبته إلى المرآة كنسبة الناظر على ما بيناه في انعكاس شعاع البصر يصير مرئيّاً، إذا عرفت هذه المقدمات فنقول وباللّه التوفيق:
أما الهالة: فتحدث من أجزاء ثقيلة صغيرة حدثت في الجوّ وأحاطت بغيم رقيق لطيف لا يستر ماوراءه وانعكس من الأجزاء الثقيلة شعاع البصر إلى القمر لأن ضوء البصر وغيره إذا وقع على الصقيل ينعكس إلى الجسم الذي يكون وضعه من ذلك الصقيل كوضع المضيء منه إذا كانت جهته مخالفة لجهة المضيء فيرى ضوء القمر ولا يرى شكله لأن المرآة إذا كانت صغيرة لا يرى شكل المرئي فيها، بل ضوءه، فيؤدي كل واحد من تلك الأجزاء ضوءه، فيؤدي كل واحد من تلك الأجزاء ضوء القمر، فترى دائرة مضيئة و هي الهالة.
وأمّا قوس قزح: فإنّما يكون إذا حدثت في خلاف جهة الشمس أجزاء مائية شفافة صافية من نزول مطر وبخار، وكانت الشمس مكسوفة قريبة من الأفق المقابل، ووراء تلك الأجزاء جسم كثيف مثل جبل أو سحاب مظلم، وإذا استدبر الناظر الشمس ونظر إلى تلك الأجزاء صارت الشمس في خلاف جهة الناظر، فانعكس شعاع البصر من تلك الأجزاء إلى الشمس لكونها صقيلة، فأدّت ضوء الشمس دون الشكل لكونها أجزاء صغيرة، فكل واحد يؤدي ضوء الشمس دون شكلها كما بينا، وسبب استدارة القوس وقوع الأشياء مستديرة بحيث لو جعلنا مركز جسم الشمس قطب دائرة على محيط فلكها لكانت تلك الأجزاء مسامتة لتلك الدائرة، وتختلف ألوان القوس بحسب تركب لون المرآة ولون الشمس كما بينّا، فترى قسيا مختلفة الألوان بعضها أحمر وبعضها أخضر وبعضها أرجواني وأغلب الأوقات لونها مركب من ثمانية، وقد ترى في بعض الأوقات فيها أصفر أيضاً، فلو لم يكن وراء الأجزاء الثقيلة التي حدثت بعد المطر أو البخار جسم كثيف لا يظهر قوس قزح لأن الأجزاء الشفافة ينفذ شعاع البصر فيها ولا ينعكس كالبلور إذا جعلته في مقابلة الشمس من غير أن يكون وراءه جسم كثيف ينعكس عنه شعاع البصر، قال بعضهم: سبب اختلاف ألوانها قربها من الشمس و بعدها، فما يرى منها أحمر فإنه أقرب إلى الشمس، و ما يرى أصفر فإنّه أبعد من الأحمر، وما يرى أرجوانيّاً فبعيد عن الشمس ومخالط للظلمة، وما يرى كميتاً فمركب من الصفرة والأرجواني والبنفسجي. وحكى الشيخ الرئيس أنه كان على الجبل الذي بين باورد وطوس وأنّه أعلى الجبال، وكانت السماء مكشوفة، فقال: كنت في وسط الجبل، بيني وبين الأرض سحاب رطب، والشمس في وسط السماء، فنظرت إلى السحاب الذي كان بيني وبين الأرض فرأيت دائرة نقية بلون قوس قزح، فشرعت في النزول عن الجبل، والدائرة تصغر، فكلما نزلت رأيتها أصغر مما كانت قبل ذلك إلى أن وصلت إلى السحاب فاضمحلت.
الماء جرم بسيط طباعه أن يكون بارداً رطباً شفافاً متحركاً إلى المكان الذي تحت كرة الهواء وفوق كرة الأرض. زعموا أن شكل الماء كروي لأنّ راكب البحر إذا قرب من جبل ظهر أعلاه أوّلاً ثم أسفله مع أنّ البعد بينه وبين الأعلى أكثر ممّا بينه وبين الأسفل، ولو لم يكن للماء حدبة تمنع من ذلك لما رأي أعلاه قبل أسفله لكن استدارة كرة الماء غير صحيحة لأن الباري تعالى لمّا أراد أن يجعل الأرض مقرّاً للحيوان، وحيوانات البر لابد لها من الهواء للتنفس، ومن الأرض للمقر، فخلق جلت قدرته الأرض ذات تضاريس خارجة من الماء بمنزلة خشونات تكون على ظاهر الكرة، وذلك لا يقدح في أن يكون شكل الماء أو شكل الأرض كروياً ثم إنه تعالى جعل التضاريس محلا للحيوانات البرية والوهاد للحيوانات المائية وكل واحد من الأركان في حيّزه محيط بالآخر إلا الماء فإنه منعته العناية الإلهية عن الإحاطة بجميع جوانب الأرض لما ذكرنا من الحكمة.
واعلم أن الماء عذب ومالح وكل واحد منهما له فائدة لا توجد في الآخر، أمّا المالح فملوحته من الأجزاء الأرضية السبخة التي احترقت من تأثير الشمس، واختلطت بالمياه وجعلتها مالحة، فلو بقيت على عذوبتها لتغيرت من تأثير الشمس وكثرة الوقوف لأن من شأن الماء العذب أن ينتن من كثرة الوقوف وتأثير الشمس فيه، ولو كان كذلك لسارت الرياح بنتنها إلى أطراف الأرض فأدّى إلى فساد الهواء، ويسمى ذلك طاعوناً، فصار ذلك سببا لهلاك الحيوان، فاقتضت الحكمة أن يكون ماء البحر مالحاً لدفع هذا الفساد، ومن فوائد الماء المالح الدر والعنبر وأنواع ما يؤتى به من البحر، وسيأتي شرحها مفصلا إن شاء اللّه تعالى. والمياه المالحة في الحماءة فيها شفاء للأمراض الصعبة وماء زمزم صالح لجميع الأمراض المتفاوتة، قالوا: لو جمع جميع من داواه الأطباء لا يكون شطرا ممن عافاه اللّه بشرب ماء زمزم.
وأما العذب فمعظم فائدته الشرب، وفيه قوة إذا نقعت فيه مطعوماً كالزبيب مثلاً يمص جميع حلاوتها حتى لا يترك فيها شيئا من الحلاوة، وإذا خالط شيئا يأخذ طبعه ولونه فيصير عسلاً و زيتاً و خلّا و لبنا ودماً، يقبل جميع الألوان والطعوم ولا لون له ولا طعم، ومن عجيب لطف اللّه تعالى أنّ كل مأكول ومشروب يحتاج إلى تحصيل أو معالجة حتى يصلح للأكل إلا الماء، فإن اللّه تعالى أكثر منه، ولا حاجة إلى معالجته لعموم الحاجة إليه، فإن اللّه تعالى كفى الخلق ومعالجة إصلاح الماء بتأثير الشمس في مياه البحر وارتفاع البخار منها، ثم إن الرياح تسوق ذلك البخار إلى المواضع التي شاء وينزلها مطراً، ثم يخزن ذلك في الأوشال والكهوف في جوف الجبال وتحت الأرض، وتخرج منها شيئاً بعد شيء، وتجري الأنهار والأودية، وتظهر من القنى والآبار بقدر ما يكفي العباد لعامهم، فإذا جاء العام المقبل أتاهم مطر، وهكذا مثل الدولاب يدور حتى يبلغ الكتاب أجله، فسبحانه ما أعظم شأنه.
إن من عجيب صنع اللّه تعالى انحسار الماء عن وجه بعض الأرض، ولو لا ذلك لكان الأمر الطبيعي يقتضي أن يكون الماء لابسا جميع وجه الأرض حتى تصير الأرض في وسطه شبيه بمح البيض، والماء حولها بمنزلة البياض. ولو كان كذلك لبطل النظام الحسي والحكمة العجيبة التي مر ذكرها من خلق الحيوان والنبات، فاقتضى التدبير الإلهي المخالفة بين مركز الأرض ومركز الشمس لتدور على مركزها الخاص الذي هو غير مركز الأرض ليقرب من ناحية من الأرض، ويبعد الأخرى، فصارت الناحية القريبة منها تحمي ماءها، ومن شأن الماء إذا حمي أن ينجذب إلى الجهة التي يحمى فيها بالبخار، فإذا انجذب إلى هناك انحسر عن وجه الأرض من الجانب الذي يقابله من الشق الذي تبعد عنه الشمس. والشق الذي قربت منه الشمس هو الجنوب، والشق الذي بعدت عنه هو الشمال، فصار جانب الجنوب بحرا، وجانب الشمال يبساً لتتم حكمته وينتظر أمر العالم على ما هو موجود، وما نرى من البحار مستنقعات على وجه الأرض، وسيأتي شرحها إن شاء اللّه تعالى.
إن للبحار أحوالاً عجيبة من ارتفاع مياهها وهيجانها في أوقات مختلفة من الفصول الأربعة وأوائل الشهور وأواخرها وساعات الليل والنهار.
أما ارتفاعها فزعموا أن الشمس إذا أثرت في مياهها لطفت وتحللت وملأت مكاناً أوسع ممّا كان فيه قبل فدافعت أجزاؤها بعضها بعضا إلى الجهات الخمس الشرق والغرب والجنوب والشمال والفوق، فتكون على سواحلها في وقت واحد رياح مختلفة، هذا ما ذكروه في سبب ارتفاع مياهها، وأما مد بعض البحار في وقت طلوع القمر، فزعموا أن في قعر البحر صخورا صلدة وأحجارا صلبة، وإذا أشرق القمر على سطح ذلك البحر وصلت مطارح أشعته إلى تلك الصخور والأحجار التي في قرارها ثم انعكست من هناك متراجعة فسخنت تلك المياه وحميت ولطفت، فطلبت مكانا أوسع، وتموجت إلى ساحلها ودفع بعضها بعضاً وفاضت على شطوطها وتراجعت المياه التي كانت تنصب إليها إلى خلف فلا تزال كذلك ما دام القمر مرتفعاً على وسط سمائه، فإذا أخذ ينحط سكن غليان تلك المياه وبردت تلك الأجزاء وغلظت ورجعت إلى قرارها وجرت الأنهار على عادتها، فلا يزال كذلك دائما إلى أن يبلغ القمر إلى الأفق الغربي ثم يبتدئ المد على مثال عادته في الأفق الشرقي، ولا يزال ذلك دائماً إلى أن يبلغ القمر إلى وتد الأرض وينتهي المد ثم إذا زال القمر عن وتد الأرض أخذ الماء راجعاً إلى أن يبلغ القمر إلى أفقه الشرقي، هذا قولهم في مد البحار وجزرها، وأمّا هيجانها فكهيجان الأخلاط في الأبدان فإنك ترى صاحب الدم والصفراء و غيرهما يهتاج به الخلط ثم يسكن قليلاً قليلاً، وقد عبر النبي ﷺ عن ذلك بعبارة لطيفة فقال: « إن الملك الموكّل بالبحر يضع رجله بالبحر، فيكون منه المد ثم يرفع فيكون منه الجزر ».
ولنذكر الآن هيئات البحار و بعض ما يتعلق بها من العجائب، و اللّه الموفق.
البحر المحيط والبحر العظيم الذي منه مادة سائر البحار، و لم يعرف ساحله، يسميه اليونانيون أوقيانوس، والبحار التي تراها على وجه الأرض هي بمنزلة الخلجان له، وفيها من الجزائر المسكونة والخربة ما لا يعلمه إلا اللّه تعالى، قال أبو الريحان الخوارزمي (رحمه اللّه تعالى): إن البحر الذي في مغرب المعمورة على ساحل بلاد الأندلس يسمى البحر المحيط ويسميه اليونانيون أوقيانوس لا يولج فيه، وإنما يسلك بالقرب من ساحله، ويمتد من هذه البلاد نحو الشمال فيخرج منه خليط نبطس عند اليونانيين وعند غيرهم بحر طرابنده يمر عليه سور القسطنطينية، ويتضايق حتى يقع في بحر الشام ثم يمتد نحو الشمال على محاذاة أرض الصقالبة، و يخرج منه خليج عظيم في شمال الصقالبة يمتد إلى أرض قريبة من أرض البلغار.
البحر الأبيض ينحرف نحو المشرق بين سالحه وبين أقصى أرض الترك أرضون وجبال مجهولة وخربة غير مسلوكة ثم يتشعب منه خليج من أعظم الخلجان يكون منه البحر الذي يسمى في الموضع من الأرض التي تحاذيه باسمه فيكون أولاً بحر الصين ثم بحر الهند ثم يخرج منه خليجان عظيمان أحدهما بحر فارس، والآخر بحر القلزم، ثم ينتهي إلى بحر معروف ببحر البربر، و يمتد من عدن إلى سفالة الزنج، وهذا البحر لا يتجاوزه مركب لعظم المخاطرة، ثم ينتهي إلى الجبال المعروفة بالقمر التي ينبع منها عيون نيل مصر ثم إلى أرض سودان المغرب ثم إلى بلاد الأندلس وبحر أوقيانوس، وفي هذا البحر من الجزائر ما لا يعرفه إلا اللّه تعالى. وأمّا ما وصل إليه الناس فكثير، كل جزيرة من عشرين فرسخاً إلى مائة فرسخ وإلى ألف فرسخ، والمشهور منها جزيرة قبرص وجزيرة سامس وجزيرة رودس وجزيرة صقلية، وفي جهة الجنب جزائر الزنج وسرنديب وسقطر أو جزائر الدنيجات، وأمّا بحر الخزر، فإنه غير متصل بالمحيط ولا بشيء من البحار، وهو مستدير إذا أراد السائر أن يطوف به على ساحله لا يمنعه شيء. وذكر السمرقندي في كتابه أن ذا القرنين أراد أن يعرف ساحلي هذا البحر فبعث مركباً فيه، وأمره بالمسير سنة كاملة، لعله أن يأتي بخبر فسار المركب سنة كاملة ما رأى سوى سطح الماء و أراد الرجوع، فقال بعضهم: نسير شهراً آخر لعلنا نطلع على شيء نبيض به وجوهنا عند الملك، ونقلل الزاد والماء في الرجوع، فساروا شهراً آخر فإذا هم بمركب فيه أناس، فالتقى المركبان ولم يفهم أحدهما كلام الآخر، فدفع قوم ذي القرنين إليهم امرأة وأخذوا منهم رجلا، ورجعوا به وزوجوه امرأة منهم، فأتت بولد يفهم كلام الوالدين، فقالوا له: سل أباك من أين جئت؟ فقال: من ذلك الجانب، فقال: لأي شيء؟ قال: بعثنا الملك لنعرف حل هذا الجانب، فقيل له: وهل لكم ملك؟ قال: نعم، أعظم من هذا الملك، واللّه أعلم بصحة هذا القول.
بحر الصين هو متصل بالبحر المحيط حده من المشرق إلى القلزم ومنه إلى المغرب وليس على الأرض بحر أكبر منه إلا المحيط، ويقال له بحر الهركند، وهو كثير الموج عظيم الإضراب بعيد العمق. قال البحريون: جميع المد والجزر في بحر الهركند وما يتصل به كما في بحر فارس وكيفيته أن القمر إذا بلغ مشرق البحر ابتدأ بالمد، ولا يزال كذلك إلى أن يبلغ القمر وسط سماء ذلك الموضع، فعند ذلك ينتهي المد منتهاه، فإذا انحط القمر عن وسط سمائه خرس الماء ورجع، ولا يزال كذلك إلى أن يصل القمر مغرب ذلك الموضع، فعند ذلك ينتهي الجزر منتهاه، فإذا زال القمر من مغرب ذلك ابتدأ المد هناك مرة ثانية، ولا يزال كذلك إلى أن يصل القمر إلى وتد الأرض، فحينئذ ينتهي المد منتهاه ثانياً، ويبتدئ الجزر مرة ثانية إلى أن يبلغ القمر أفق ذلك الموضع، فيعود الحال المذكور مرة ثانية. قال أبو الريحان في كتابه المسمى بالآثار الباقية إن بحر الصين إذا قرب هيجانه يستدل على ذلك بارتفاع السمك من قعره إلى وجه الماء، وإذا دنا سكونه يبيض طائر مشهور في البر في مجمع القرى، وهو طائر لا يصير إلى الأرض أبدا ولا يعرف غير لجة البحر، ووقت سكون البحر وقت بيضه، و في هذا البحر من الجزائر ما لا يحصى، وفيه مغاص الدر في الماء العذب يقع فيه الحب الجيد، وفي بعض جزائره ينبت الذهب، وفيه الحيوانات العجيبة الأشكال، وفيه الدردور وهو الموضع الذي إذا وقعت السفينة فيه لا تخرج، ولنذكرها إن شاء اللّه تعالى.
جزائر هذا البحر كثيرة لا يعلمها إلا اللّه، لكن بعضها مشهور يصل إليه الناس، منها جزيرة رانج، وهي جزيرة كبيرة في حدود الصين أقصى بلاد الهند، يملكها ملك يقال له: المهراج، قال محمد بن زكريا: للمهراج جباية تقع في كل يوم مائتي من الذهب زنة كل من ستمائة درهم يتخذ منها لبنا ويطرحه في الماء وخزانته الماء. وقال ابن الفقيه: بها سكان شبه الآدميين إلا أن أخلاقهم بالوحش أشبه، ولهم كلام لا يفهم، وبها أشجار وهم يطيرون من شجرة إلى شجرة، قال: وبها نوع من النسانيس له أجنحة كأجنحة الخنافس من أصل الأذن إلى ذنب، وفيها وعول كالبقر الوحشية ألوانها حمر منقطة ببياض، وأذنابها كأذناب الظباء، ولحومها حامضة، وبها دابة الزباد، وهي شبه الهر يجلب منها الزباد، وبها فأر المسك، وبها جبل يسمى النصان، وهو جبل مشهور به حيات عظام منها ما يبتلع الفيل، وبها قردة بيض كأمثال الجواميس وأمثال الكباش، ونوع آخر أبيض الصدر أسود الظهر، قال زكريا بن يحيى بن خاقان: بجزيرة الرانج صنف من الببغاء بيض وحمر وصفر يتكلم بأي لغة تكون بها خلق على صورة الإنسان يتكلم بكلام لا يفهم، يأكل ويشرب كالإنسان، و هم بيض وسود وخضر، ولها أجنحة تطير بها، وقال ابن بحر السيرافي: كنت في بعض جزائر الرانج فرأيت ورداً كثيراً أحمر وأصفر وأزرق وغير ذلك، فأخذت ملاءة حمراء وجعلت فيها شيئاً من الورد الأزرق، فلمّا أردت حملها رأيت نارا في الملاءة أحرقت جميع ما فيها من الورد ولم تحرق الملاءة، فسألت الناس عنها فقالوا: إن في هذا الورد منافع كثيرة ولا يمكن إخراجه من هذه الغيضة، قال محمد بن زكريا: من عجائب هذه الجزيرة شجر الكافور، وهو عظيم جدّاً، الشجرة تظل مائة إنسان وأكثر، فيقرأ على الشجرة فيسيل ماء الكافور عدة جرار ثم ينقر أسفل من ذلك وسط الشجرة فتنثر منها قطع الكافور وهو صمغ تلك الشجرة، فإذا أخذ منها ذلك يبست.
ومنها جزيرة رامني، وفيها عجائب كثيرة، قال ابن الفقيه: فيها ناس حفاء عراة رجالا ونساء لا يعرف كلامهم، مساكنهم رؤوس الأشجار، وعلى أبدانهم شعور تغطي سوآتهم، وهم أمة لا يحصى عددها، مأكلهم ثمار الأشجار، ويستوحشون من الناس، فإذا حمل أحد منهم إلى موضع الناس لا يستقر، وينفر إلى الغياض، وقال محمد بن زكريا الرازي: بجزيرة الرامنى ناس عراة لا يفهم كلامهم؛ لأنه شبه صفير، و يستوحشون من الناس، طول أحدهم أربعة أشبار، وجوههم عليها زغب أحمر، و يصعدون على الأشجار، و بها شجر الكافور و الخيزران و البقم، و يغرس شجر البقم غرسا، و حمله أشبه بالخرنوب، و طعمه طعم العلقم، قال محمد بن زكريا الرازي: بجزيرة الرامنى الكركدن، و هو حيوان على شكل الحمار العظيم جدّا، على رأسه قرن واحد معقف، و قال أيضا: إن بها جواميس لا أذناب لها.
ومنها جزائر السلاهي، وهي جزائر كثيرة، من دخلها من الآدميين لا يخرج منها؛ لكثرة خيرها، وفيها ذهب كثير وبزاة شهب وشواهين، و من العجائب ما حكي أن ملوك السلاهي بها دون ملك الصين، ويزعمون أنهم إن لم يفعلوا ذلك قحطت بلادهم ولم يمطروا، حكاه ابن الفقيه في كتابه.
ومنها جزيرة الواق واق، تتصل بجزائر الرانج، والمسير إليها بالنجوم، قالوا: إنها ألف و سبعمائة جزيرة تملكها امرأة. قال موسى بن المبارك السيرافي: دخلت عليها فرأيتها على سرير عريانة، وعلى رأسها تاج من ذهب، وعندها أربعة آلاف وصيفة أبكارا، قالوا: إنما سميت بهذا الاسم؛ لأن بها شجرا يسمع من يمر بها صوته كأنه يقول: واق واق، وأهلها يفهمون من هذا الصوت شيئا فيتطيرون منه. قال محمد بن زكريا: هي جزيرة كثيرة الذهب حتى إن أهلها يتخذون منه سلاسل كلابهم وأطواق قرودهم من الذهب، وبها شجر الأبنوس.
ومنها جزيرة البنات، فيها قوم عراة ألوانهم بيض ولهم جمال وحسن صورة، يأوون إلى رؤوس الجبال، ويأكلون الناس، و من وراء ذلك جزيرتان عظيمتان طولاً وعرضاً، فيهما قوم سود لهم خلق عادي، أجسامهم عظيمة وشعورهم مغلغلة ووجوههم طوال، وقدم أحدهم مقدار ذراع، ويأكلون الناس أيضا.
ومنها جزيرة أطوران، وهي جزيرة كبيرة بها الكركدن ونوع من القردة كالحمر العظام، وبها شجرة الكافور. ذكر أن مراكب الإسكندر وقعت في هذا البحر فوصلت إلى جزيرة فيها قوم على هيئة الإنسان، رؤوسهم كرؤوس السباع، فلما دنوا منهم غابوا عن أبصارهم.
منها أنه إذا كثرت أمواج هذا البحر ظهرت فيه أشخاص سود، طول الواحد منهم أربعة أشبار كأنهم أولاد الحبشة، فيصعدون المراكب من غير ضرر.
ومنها ما حكى التجار أنهم يرون في هذا البحر شبه طائر من نور لا يستطيع الناظر أن ينظر إليه؛ لأنه ملأ بصره، فإن ارتفع على أعلى الرقل يرون البحر يسكن و الأمواج تهدأ، و يكون ذلك دليل السلامة، ثم إنه يفقد فلا يدرون كيف ذهب.
ومنها طائر يسمى خرشة أكبر من الحمام، قال في تحفة الغرائب: إذا طار هذا الطائر يأتيه طائر آخر- يقال له: كركر- يطير تحته، و يتوقع وقوع ذرقه، فإن غدا كركر تحته ذرق خرشة عليه، وإنه لا يذوق إلا في طيرانه.
ومنها دابة المسك، تخرج من الماء في كل سنة في وقت ملعوم فتصاد، وهي شبيهة بالظباء تذبح، ويوجد في سرتها دم هو المسك، ولا يوجد لها هناك رائحة حتى تحمل إلى غيرها من البلاد.
ومنها دابة تستوطن شيئا من الجزائر هناك، لها رؤوس كثيرة ووجوه مختلفة وأنياب مقعقعة، ولها جناحان تأكل دواب البحر.
ومنها سمكة تزيد على ثلاثمائة ذراع، يخاف على السفينة منها، وتوجد عند جزيرة واق واق، فإذا عرف القوم مرورها صاحوا وضربوا بالخشب لتهرب من أصواتهم، فإذا رفعت جناحها يكون كالشراع.
ومنها سلاحف استدارة، كل سلحفة عشرون ذراعا، تبيض كل واحدة ألف بيضة، وهذا أيضا يوجد بقرب جزيرة واق واق.
ومنها سمكة تسمى سيلان، قال صاحب تحفة الغرائب: هذه السمكة تبقى على اليبس يومين حتى تموت، فإذا جعلت في القدر وغطي رأسه تنضج، وإن ترك رأس القدر مكشوفا فإذا أثرت فيها النار ظفرت وهربت و تختبئ في كل موضع كابن عرس.
ومنها سمكة يقال لها: الأطم، ووجهها كوجه الخنزير، ولها فرج كفرج النساء، ولها مكان الفلوس شعر، وهو طبق من لحم وطبق من شحم.
ومنها نوع من السرطان يخرج من البحر يكون كالشبر وأصغر من ذلك وأكبر، فإذا بانت عن الماء بسرعة حركة وطارت إلى البر عادت حجرا وزالت عنها الحيوانية، وتدخل في أكحال العين وأدويتها وأمره مستفيض.
ومنها حيّات عظيمة تتخرج إلى البر وربما تبلع الجاموس والفيل وتنطوي على صخرة أو شجرة فتكسر عظامها في بطنها، فيسمع لكسر العظام صوت، وفي هذا البحر مغاص الدردور، فإذا وقعتٍ السفينة دارت فيه ولم تكد تخرج والملاحون يعرفون مكانه ويجتنبون عنه. وحكى بعض التجار قال: ركبت هذا البحر في جمع من التجار فجاءتنا ريح عاصف صرفت المركب عن طريق المقصد، وكان معلم المركب شيخاً حاذقاً إلا أنه كان أعمى، وكان يستصحب معه في السفينة شيئاً كثيراً من الحبال، وأصحابه ينكرون عليه ويقولون: لو حملنا مكان الحبال أحمال التجارة لأصبنا خيراً كثيراً، فلمّا أصابتنا الريح العاصف كان المعلم يقول لأصحابه: انظروا ماذا ترون؟ وهم يخبرونه بالحال إلى أن قالوا نرى طيراً أسود على وجه الماء، فجعل يدعو بالويل والثبور ويضرب على رأسه ويقول: هلكنا والله، فسألناه عن سبب ذلك، فقال: سترون ما يغنيكم عن إخباري، فما كان إلا يسير حتى وقعنا في الدردور الذي حسبناه طيراً أسود كانت مراكب فيها أناس موتى، فبقينا حياري، وانقطع رجاؤنا عن الحياة وانتظرنا الموت، فلمًّا شاهد المعلم منا ذلك قال: يا قوم هل لكم أن تجعلوا إل شطر أموالكم على إخراجي إِيّاكم من هذه الغمرة؟ فقلنا: رضينا بذلك، فأمر بأخذ قنبتين مملوءتين من الدهن فأدليتا في البحر، فاجتمع عليها السمك ما لا يحصى، ثم أمر بتشريح الموتى الذين كانوا في المركب وشدها في الحبال التي كانت معه ورموها فى البحر، فأكلها السمك، ثم أمر القوم بضرب الدف والأخشاب والصياح والتصفي فإذا المركب تحرك عن مكانه وجرى فلم يزل يفعل ذلك حتى خرجنا من الدردور، ثم أمر بقطع الحبال، فنجونا سالمين بإذن الله تعالى.
بحر الهند: هو أعظم البحار وأوسعها وأكثرها خيراً، ولا يعلم أحد بكيفية اتصاله بالبحر المحيط لعظم اتصال الموضع وسعته، وليس كالبحر الغربي، فإن انفصال البحر الغربي عن المحيط ظاهر، ويتشعب من الهند خلجان، وأعظمها بحر فارس والقلزم، فالآخذ منه نحو الشمال بحر فارس، والآخذ منه نحو الجنوب بحر الزنج. قال ابن الفقيه: بحر الهند حاله مخالف لبحر فارس؛ لأنْ عند نزول الشمس الحوت وقربها من الاستواء الربيعي يبدأ بالظلمة وكثرة الأمواج؛ فلا يركبه أحد لظلمته وصعوبته، ولا يزال كذلك إلى قرب الاستواء الخريفي، وأشد ما تكون ظلمته وصعوبته عند نزول الشمس في الجوزاء، فإذا صارت الشمس إلى السنبلة تقل ظلمته وتنقص أمواجه ويلين ظهره ويسهل ركوبه إلى أن تصير الشمس إلى الحوت، وألين ما يكون عند نزول الشمس بالقوس، وفي هذا البحر عجائب كثيرة من الجزائر والحيوان وغيرهما، فلنذكر بعضها إن شاء الله تعالى.
قال بطليموس: إِن في هذا البحر من الجزائر ما يزيد على عشرين ألف جزيرة، وفيها من الأمم ما لا يحصى عددهم لكن المشهور منها ما يصل إليه أهل بلادنا.
منها جزيرة برطاييل، وهي قريبة من جزيرة الرانج، قال ابن الفقيه: بها قوم وجوههم كالمجان المطرقة وشعورهم كأذناب البراذين، وبها الكركدن، وبها جبال يسمع منها بالليل صوات الطبل والدف والصياح المزعجة والصيحة المنكرة. والبحريون يقولون إن الدجال فيها ويخرج منها، وفي هذه الجزيرة يباع القرنفل، وذلك أن التجار ينزلون عليها ويضعون بضاعتهم وأمتعتهم على الساحل، ويعودون على مراكبهم ويبيتون فيها، فإذا أصبحوا جاءوا إلى أمتعتهم فيجدون إلى جانب كل بضاعة شيئاً من القرنفل، فإن رضيه أخذه وترك البضاعة، وإن أخذ البضاعة والقرنفل لم تقدر مراكبهم على السير حتى يرد أحدهما إلى مكانه، وإن طلب أحدهم الزيادة ترك البضاعة والقرنفل فيزاد له فيه.
وذكر بعض التجار أنه صعد هذه الجزيرة فرأى قوماً مرداً صفراً، وجموههم كوجوه الأتراك آذانهم مخروقة، ولهم شعور على زي النساء، فغابوا عن بصيرهم ثم إن التجار بعد ذلك قاموا مدّة يترددون إلى الساحل، فلم يخرجوا إليهم شيئاً من القرنفل، فعلموا أن ذلك بسبب نظرهم إليهم ثم عادوا بعد سئين إلى ما كانوا عليه. وخاصية هذا القرنفل أنه إذا أكله الإنسان رطباً لا يهرم ولا يشيب شعره، ولباس هذه الأمّة ورق شجرة يقال لها اللوف يأكلون ثمرتها ويلتحفون بورقها، ويأكلون أيضاً السمك والموز والنارجيل، ويصطادون من البحر حيواناً على شكل السرطان، وهذا الحيوان إذا خرج إلى البر صار حجراً صلداً، وهو مشهور يدخل في الأدوية التي تتعلق بالكحل.
ومنها جزيرة السلامة يجلب منها الصندل والنيل والكافور ويخرج إليها من البحر سمكة تصعد الأشجار وتأكل فواكها وتمصها مصاً ثم تسقط كالسكران، فيأتي الناس فيأخذونها، وقال في تحفة الغرائب: بهذه الجزيرة عين فوارة يفور الماء منها كان من الرشاشات في النهار يصير حجرأ أبيض، وما كان في الليل يصير حجراً أسود.
ومنها جزيرة القصر وهي جزيرة فيها قصر أبيض يتراءى للمراكب، فإذا شاهدوا ذلك تباشروا بالسلامة، والربح والفائدة، ذكروا أنه قصر مرتفع شاهق لا يدرى ما في داخله. وكان بعض الملوك سار إليها فدخل القصر بأتباعه فغلبهم النوم وخدرت أجسامهم، فلم يقدروا على الحركة، فبادر بعضهم إلي المراكب، وهلك الباقون.
ومنها أنْ أصحاب ذَي القرنين رأوا في بعض الجزائر أمّة رؤوسهم رؤوس الكلاب، وأنيابهم خارجة من أفواههم مثل لهيب النار، خرجوا إلى المراكب وحاربوهم فرأوا نوراً بعيداً ساطعاً، فإذا هو قصر من البلور تخرج منه هذه الأمة، فأراد ذو القرنين النزول عليهم ودخول القصر فمنعه بهرام الفيلسوف، وقال: من نزل هذا القصر يغلبه النوم والغشي ولا يستطيع الخروج فتظفر به هذه الأمة.
ومنها الجزائر الثلاث، قال صاحب تحفة الغرائب: هي ثلاث جزائر، إحداها يجنب الأخرى، في إحداها تبرق السماء طول الليل، وفي الثانية تهب ريح شديدة، وفى الثالثة تمطر السحاب، ولا تزال كذلك من سنة إلى سنة أخرى.
ومنها جزيرة حارة، بها جبل عليه نار عظيمة بالليل ترى من بعد بعيد وبالنهار دخان ولا يقدر أحد على الدنو منها، وبها العود والموز والنارجيل وقصب السكر، وسكانها قوم شقر على صورة الناس إلا أن وجوههم على صدورهم.
ومنها سمكة كبيرة معروفة عندهم يكتب الكتاب برطوبتها لا يبين على الكاغد شيء، فإذا كان الليل يظهر على الكاغد كتابة واضحة، ويكتب برطوبتها من أراد أن لا يطلع على مكتوبه أحد.
ومنها سمكة خضراء رأسها كرأس الحية، من أكل منها اعتصم من الطعام أياماً.
ومنها سمكة مدورة يقال لها مارما، على ظهرها شبه عمود محدد الرأس لا تقوم لها في البحر سمكة إلا تضربها بذلك العمود وتقتلها.
واعلم أن في البحر حيوانات كثيرة ذوات صور شتّى، وليس في ذكرها فائدة، فالاقتصار على البعض أولى، وقد قيل حدّث عن البحر ولا حرج. وأما الحيوانات المائية المشهورة فنذكرها إن شاء الله تعالى.
بحر فارس: هو شعبة من بحر الهند الأعظم من أعظم شعبها، وهو بحر مبارك كثير الخير، لم يزل ظهره مركوباً واضطرابه وهيجانه أقل من سائر البحار، قال محمد بن زكريا: سئل عبد الغفار الشامي البحري عن مد البحار وجزرها فقال: لا يكون المد والجزر في البحر الأعظم في السنة إلا مرتين، مرّة يمد في شهور الصيف شرقاً بالشمال ستة أشهر، فإذا كان ذلك طما الماء في مغارب البحر وانحسر عن مشارقه.
وأمًا بحر فارس فإنه يكون على مطالع القمر، وكذلك بحر الصين والهند وبحر طرابزندة، فإِن القمر إذا صار في أفق من آفاق هذا البحر أخذ المد مقبلاً مع القمر، ولا يزال كذلك إلى أن يصير القمر إلى وسط سماء ذلك الموضع، فيجزر الماء ولا يزال راجعاً إلى أن يبلغ القمر مغربه، فعند ذلك انتهى الجزر منتهاه، فإذا زال القمر من مغرب ذلك الموضع ابتدأ المد هناك مرة ثانية إلا أنه أضعف من من الأولى، ثم لا يزال كذلك إلى أن يصير القمر إلى وتد الأرض ، فحينئذ انتهى المد إلى منتهاه في المرّة الثانية في ذلك الموضع، ثم يبتدئ الموضع بالجزر والرجوع، ولا يزال كذلك حتى يبلغ القمر أفق مشرق ذلك الموضع، فيعود الماء على مثال ما كان عليه أولاً، ولهذا البحر مد آخر بحسب امتلاء القمر ونقصانه، فإذا كان أوّل الشهر أخذ الماء في الزيادة ويزداد كل يوم إلى منتصف الشهر، فعند ذلك بلغ المد منتهاه، ثم يأخذ في النقصان، وينقص كل يوم إلى آخر الشهر، فعند ذلك بلغ الجزر منتهاه، ثم يعود إلى ما كان أولاً، ويأخذ في المد.
قال ابن الفقيه: بحر فارس وإن كان متصلاً ببحر الهند إلا أنْ حالهما مختلف في السكون والاضطراب لأنّ بحر فارس تكثر أمواجه ويصعب ركوبه عند لين بحر الهند وسكونه، وكذلك بحر الهند تكثر أمواجه عند سكون بحر فارس، فأوّل ما تبدو صعوبة بحر فارس عند نزول الشمس ببرج السنبلة قريبة من الاستواء الخريفي، ولا يزال يزداد في كل يوم أضطرابه حتى تصير الشمس في الحوت، وأصعب ما يكون آخر الخريف عند نزول الشمس القوس، فإذا قربت من الاستواء الربيعي يعود إلى السكون، وأسهل ما يكون ظهره آخر الربيع حال نزول الشمس الجوزاء.
قال أبو عبد الله الحسيني: خصّص الله تعالى بحر فارس بمزيد الخيرات والفوائد والعجائب، فَإِنٌ فيه المد والجزر وغزارة الماء، فَإِنَ الماء فيه من سبعين ذراعاً إلى ثمانين، وفيه مغاص اللؤلؤ الجيد البالغ الذي لا يوجد مثاله في شيء من البحار، وفي جزائره معدن العقيق وأنواع اليواقيت والسنبادج ومعادن الذهب والفضة والحديد والنحاس وأنواع الطيب والأفاويه، وفيه الدردور أيضاً الذي لا ينجو منه شيء من المراكب إذا وقع فيه إلا ما شاء الله، وفيه عوير وكثير وهما موضعان قلما يسلم منهما مركب، وفيه حيوانات عجيبة الأشكال والصور، وسيأتي ذكر بعضها إن شاء الله تعالى.
ومنها جزيرة ليكالوس، أهلها عراة وطعامهم الموز والسمك الطري والنارجيل وأموالهم الحديد يتعاملون عليه، وتأتي التجار ويعاملونهم في الحر، ويتحلون بالحديد كما يتحلّى الناس بالذهب،
ومنها جزيرة التنين، وهي جزيرة واسعة عامرة، وفيها جبال وأشجار وعلى حصونها سور عال يظهر به تنين عظيم، فاستغاث أهلها بالإسكندر، وذكروا أن التنين أتلف مواشيهم وأنهم يأخذون له كل يوم ثورين وينصبونهما قريباً من موضعه، فيقبل كالسحابة السوداء وعيناه يقدان كالبرق الخاطف، والنار تخرج من فيه فيبلع الثورين ويعود إلى موضعه، فلما سمع الإسكندر ذلك أمر باحضار الثورين فسلخّهما وحشا جلدهما زفتاً وكبريتاً وكلساً وزرنيخاً وجعل مع ذلك كلاليب من حديد وجعلهما في ذلك المكان، فخرج التنين وابتلعهما، فاضطربت أحشاؤه في جوفه وتعلقت الكلاليب بأحشائه، فانتظره الناس في اليوم الآخر فما وجدوا له أثراً، فذهبوا إليه فإذا هو ميت فاتح فاه، ففرح الناس بموته وشكروا سعي الإسكندر، وحملوا إليه هدايا عجيبة ومن جملتها دابة عجيبة يقال لها المهراج، مثل الأرنب أصفر اللون وعلى رأسها قرن واحد أسود لم يرها شيء عن السباع إلا هرب، والله أعلم.
قال صاحب عجائب الأخبار: في هذا البحر طائر يقال له فنسون وهو مكرم لأبويه، وذلك أن هذا الطائر إذا كبر وعجز عن القيام بأمر نفسه اجتمع عليه فرخان من فراخه يحملانه على ظهرهما إلى مكان ويبنيان له عشّاً و طيئاً ويتعاهدانه بالماء والعلف، ذكروا أن الله تعالى أكرم هذا الطائر بن سخر له البحر، فَإنّه إذا باض سكن البحر أربع عشرة ليلة حتى تخرج فراخه في هذه المدة اليسيرة، والبحريون يتبركون به، فإذا كان أوّل سكون البحر علموا أن هذا الطائر قد باض.
ومنها سمكة وجهها كوجه الإنسان، وبدنها كبدن السمك، وعلى وجهها نقط وتظهر على وجه الماء.
ومنها سمكة تطفو على وجه الماء، فإذا رأت حيواناً مفتوح الفم تدخل في فمه وتصير غذاءه، ذكره صاحب تحفة الغرائب، ومنها حيوان يطلع من الماء ويرتفع والنار تخرج من منخره وتحرق ما حول مرتعه، فإذا رأوا الأرض المحترقة عرفوا أنّها مراتع ذلك الحيوان، ذكره صاحب تحفة الغرائب.
ومنها سمكة طيارة، تطير ليلاً وتأكل الحشيش طول الليل، فإذا كان قبل طلوع الشمس غادت إلى البحر.
اعلم أن أكثر جزائر هذا البحر مسكونة معمورة يأتيها الرجال، منها جزيرة خارج بها معادن اللؤلؤ، ذكر البحريون أن صدف الدر لا يوجد إلا فى بحر تصب فيه الأنهار العذبة، فإذا أتى وقت الربيع يكثر هبوب الرياح وارتفاع الأمواج، فتحمل الرياح رشاشات من بحر أوقياس، وفيه ماء شبيه بالزئيق لزج مثل الغراء، فيتولد منه الدريان، تقع تلك الرشاشات في محل الصدف فيلقمه الصدف كما يلقم الرحم المني، فرّبما وقعت فيه قطرة كبيرة فتنعقد دراً كبيراً، وربّما تقع رشاشات فتنعقد منها أجزاء صغار، كما ترى في أكثر الأصداف، ثم إن الصدفة إذا التقمت المطر خرجت من قعر الماء إلى ظاهره عند هبوب الشمال وطلوع الشمس وغروبها، ولا يخرج في وسط النهار، فإن شدة حرارة الشمس ووهجها تفسد الدر، فإذا خرجت فتحت فاها ليقع الشمال على الدر، فينعقد من الأثر الشمال وحرارة الشمس، ويتكوّن في الصدف كما يتكوّن الجنين في الرحم، ثم إنْ جوف الصدف إن كان خالياً من الماء المر يكون الدر كدراً أو أصغر غير مهندم، وإذا تم الدر في الصدف ينتقل الصدف إلى موضع
صلب، وتثبث عروقه فيه، ويكون عند الناس خيراً من وصول قفل الصدف، فإذا انتقل إلى أرض البحريين يهني الناس بعضهم بعضاً بوصول قفل الصدف، والغواص إذا نزل لإخراجه يقلعه من الأرض بالقوة، فما أخرج في وقته يبقى طرياً صقيلاً، وما أخرج قبل وقته أو بعده لا يبقى كذلك بل بتغيّر لونه، والله الموفق.
ومنها جزيرة جاشك، وهي بقرب جزيرة قيس، لأهلها خبرة وصبر على الحركة في الماء، فإن الرجل منهم يسبح في الماء أياماً كثيرة وهو يجالد بالسيف كما يجالد غيره على وجه الأرض وغير أهل هذه الجزيرة يعجز عن ذلك، وسمع من غير واحد أنّ بعض ملوك الهند أهدى إلى بعضهم جواري هنديات في مراكب، فوقع شيء من تلك المراكب إلى هذه الجزيرة، فخرج الجواري يتفسحن في الجزيرة فاختطفتهن وافترستهن فولدت هؤلاء الذين بها، فلذلك فيهم الجلادة ما يعجر عنها غيرهم.
ومنها جزيرة كندولاودي، وأنا شاك في أن هذه الجزيرة في بحر فارس، أظن أنّها في غيره، وقد ذكر جمع من العمانيين والسرافيين أن العنبر ينبت في قعر هذا البحر كما ينبت القطن في الأرض، فإذا اشتد اضطراب البحر قذفه البحر، فلذلك يرى قطعاً، وربما أكل منه السمك الكبير فيموت ويطفو على الماء، فإذا اجتاز به أصحاب المراكب جذبوه بالكلاليب والحبال إلى الساحل، وأخذوا العنبر من بطنه، والله أعلم.
منها نوع السمك يطفو على وجه الماء، وسبب طفوه هيجان البحر، يعرفه البحريون قال أبو الريحان في الآثار الباقية: في اليوم الثالث عشر من كانون الثاني يضطرب البحر إلى فارس وإلى الأسكندرية، ويبقى أياماً يتغطمط وتشتد أمواجه، ويتكدر هواءه وتكثر ظلمته، ذكروا أنه يقع في قعره ريح تهيج البحر، ويستدل على ذلك بنوع من السمك يظهر فيه، وظهوره إنذار بتحرك الريح في قعره، وربما يتقدم بيوم.
ومنها الأسيور، وهو نوع من السمك يأتي بالبصرة في وقت معين يعرفه أهل البصرة، ويبقى مقدار شهرين وبعده لا توجد هناك واحدة من هذا النوع.
ومنها الجراف، وهو أيضاً نوع من السمك، ووصفه مثال وصف الأسيور.
ومنها البرستوح، قال البحريون: إن البرستوح يقبل من بلا الزنج، يستعذب ماء دجلة البصرة ويعرف هذا النوع بأرضى الزنج ثم يعود ما فضل من صيد الناس إلى مكانه ولا يوجد هذا النوع فيما بين البصرة والزنج إلا في أوان مجيئه، فإذا انقضى أوانها لا يوجد فيه واحد، وذكر البحريون أن البرستوح في الوقت الذي يوجد في البصرة لا يوجد بالزنج، وفي الوقت الذي يوجد في الزنج لا يوجد في البصرة، وحاله كحال الخطاطيف وغيرها من الطيور ينتقل عن موضع إلى موضع، فسبحان من ألهم كل حيوان ما فيه مصالح نفسه.
ومنها الكوسج، وهو نوع من السمك شر من الأسد في الماء، يقطع الحيوان بأسنانه كما يقطع السيف الماضي، رأيته وهو سمك مقدار ذراع أو ذراعين، وأسنانه كأسنان الإنسان، ينفر الحيوان منه، وإذا أدرك سمكة كبيرة قطعها، وإذا أدرك آدمياً قتله أو قطع يده أو رجله، فإِنّه نائبة عظيمة في هذا البحر، وله وقت معين يكثر فيه بدجلة البصرة.
ومنها حيوان يعرف بالتنين شر من الكوسج، في فمه أنياب مثل أسنة الرماح، وهو طويل مثل النخلة، وهو أحمر العينين مثل الدم، كريه المنظر جدا، يفر منه الكوسج وغيره.
ومنها سمكة خضراء اللون أطول من ذراع، لها خرطوم عظمى أقصر من ذراع يشبه منشاراً يكون كلا حدّيه أسناناً يضرب بها الحيوان يجرحه، ومن هذا النوع في بحر الحبابة كثير رأيتهم يصطادونه ويبيعونه مقلياً في السوق هناك.
ومنها سمكة مدورة، ذنبها أطول من ثلاثة أذرع، وعلى وسط ذنبها شوكة معقفة شبه كلاب، وهي سلاحها تضرب بها وهي نمراء بياضها في غاية البياض ونقط سوادها في غاية السواد ولها منخران على ظهرها وفم على بطنها، وفرج كفرج النساء، والبحر لا تحصى عجائبه، وفى هذا القدر كفاية، والله الموفق.
ولنختم عجائب هذا البحر بحكاية عجيبة من دردوره أوردها صاحب كتاب (عجائب البحر) في كتابه: حدّثني رجل من أصفهان أنه ركبته ديون ونفقة عيال عجز عنها ففارق أصفهان ودارت به الدوائر حتى ركب البحر مع بعض التجار قال: فتلاطمت بنا الأمواج حتى جعلنا في دردور بحر فارس المشهرر، فاجتمع التجار إلى المعلم وقالوا: هل تعرف لأمرنا مخلصاً؟ فقال المعلم: يا قوم إن هذا دردور لا يتخّلص منه مركب إلا ما شاء الله تعالى، فإن سمح أحدكم بنفسه لأصحابه وأنا أبذل جهدي لعل الله يخلصنا، فقلت أنا: يا قوم كلتا في معرض الهلاك، وأنا رجل سئمت من الشقاء وكنت أتمنى الموت، وكان في السفينة جمع من الأصفهانيين فقلت لهم احلفوا أنكم تقضون ديوني وتحسنون إلى أولادي، وأنا أفديكم بنفسي فأجابوا إلى ذلك فقلت للمعلم: ماذا تأمرني؟ فقال: أن تقف على هذه الجزيرة وكان بقرب الدردور جزيرة مسيرة ثلاثة أيام بلياليها ولا تفتر عن ضرب هذا الدهل، فقلت لهم: أفعل ذلك، فحلفوا لي أيماناً مغلظة على ما شرطت عليهم وأعطوني من الماء والزاد ما يكفينى أياماً وأنا على طرف الجزيرة، فذهبت ووقفت وشرعت في ضرب الدهل، فرأيت المياه تحركت وجرت المركب وأنا أنظر ليه حتى غاب عن بصري، قال: فلما غاب عني المركب جعلت أتردد في الجزيرة، فإذا أنا بشجرة عظيمة لم أر أعظم منها، وعليها شبه سطح غليظ، فلما كان آخر النهار أحسست بهدة شديدة، فإذا طائر لم أر حيواناً أعظم منه جاء ووقع على سطح تلك الشجرة، فاختفيت منه خوف أن يصطادني إلى أن بدا ضوء الصباح، فنفض بجناحيه وطار، فلما كانت الليلة الثانية جاء ووقع على عشّه، وكنت أيضاً آيساً من حياتي، ورضيت بالهلاك، ودنوت منه فلم يتعرض لي بشيء، وطار مصبحاً، فلما كانت اليلة الثالثة قعدت عنده من غير دهشة إلى أن نفض جناحيه عند الفجر، فتمسكت برجله، فطار أسرع طيران إلى أن ارتفع النهار، فنظرت نحو الأرض فما رأيت سوى لجة البحر، فكدت أترك رجله من شدة ما نالني من الوجع، فحملت نفسي على الصبر إلى أن نظرت نحو الأرض، فرأيت القرى والعمارات، فدنا من الأرض وتركني على صبرة تبن في بيدر لبعض القرى والناس ينظرون إلي، ثم طار نحو الهواء وغاب عني، فاجتمع علي الناس وحملوني إلى رئيسهم، فأحضر لي رجلاً يفهم كلامي، فقالوا لي: من أنت؟ فحدثتهم بحديثي كله فتعجبوا مني وتبركوا بي، وأمر الرئيس لي بمال، فبقيت عندهم أياماً، فمشيت يوماً إلى طرف البحر أتفرّج فإذا قد وصل مركب أصحابي، فلما رأوني أسرعوا إلي سائلين عن حالي، فقلت لهم: ياقوم، إِنّي بذلت نفسي لله تعالى، فأنقذني بطريق عجيب، وجعلني آية للناس ورزقني المال وأوصلني إلى المقصد قبلكم. فهذه حكاية عجيبة وإن كانت غير بعيدة من لطف الله تعالى.
بحر القلزم: هو شعبة من بحر الهند جنوبي بلاد البربر والحبشة، وعلى ساحله الشرقي بلاد العرب وعلى الغربي اليمن، والقلزم اسم مدينة على ساحله سمي البحر بها، وأمًا حديث هيجانه ومده وجزره كما في بحر الهند فلا نعيده، وهو البحر الذي أغرق الله تعالى فيه فرعون لعنه الله وجنوده. قالوا: كان بين البحر وأرض اليمن جبال يحول الماء عنها، وامتداده في أرضي اليمن، وكان بين البحر واليمن مسافة، فقد بعض الملوك ذلك الجبل بالمعاول ليدخل منها خليجاً يهلك بعض أعدائه، فقطع من الجبل غلوني سهم، وأطلق البحر في أراضي اليمن، فطفا الماء وأهلك أمماً كثيرة، واستولى على بلاد كثيرة، وصار بحرا عظيماً، وصل إلى بلاد اليمن وجدة وجاوى وينبع ومدين مدينة شعيب عليه السلام، وأيلة إلى القلزم.
وأكثرها له مسلوكة ولا مسكونة. منها جزيرة ثارات، وهي قريبة من أيلة يسكنها قوم يقال لهم بنو جدان، معاشهم السمك، وليس لهم زرع ولا ضرع ولا ماء عذب، وبيوتهم السفن المكسرة، يسألون الماء والخبز ممن يمر بهم في الدهر الطويل، وعندهم دوارة مأء في سفح جبل إذا وقع الريح على دورته انقسمت قسمين وتلقى المركب بين شعبتين متقابلتين، فتخرج الريح من كليهما، فيثور البحر على كل سفينة تقع في تلك الدوران باختلاف الريحين فتنقلب ولا تسلم، ومقدار طوله ستة أميال، قيل هذا الموضع الذي غرق فيه فرعون بجنوده لعنه الله.
ومنها الحسامية، وفيها دابة تتجسس الأخبار وتأتي بها الدجال، روى الشعبى عن فاطمة بنت قيس قالت: خرج علينا رسول الله ﷺ في الظهيرة وقام خطيباً، وقال: «إي لم أجمعكم لرغبة ولا لرهبة ولكن لحديث حدثنيه تميم الداري، حدثني أن نفراً من قومه أقبلوا في البحر فأصابهم ريح عاصف الجأهم إلى جزيرة فإذا هم بدابة، قالوا لها: من أنت؟ قالت: أنا الجساسة، قالوا: أخبرينا الخبر، قالت: إن أردتم الخبر فعليكم بهذا الدير، فإنّه فيه رجلاً بالأشواق إليكم، قال: فأتيناه، فقال: من أنتم؟ فأخبرناه، فقال: ما فعلت بحيرة طبرية؟ قلنا: تدفق بين أجوافها، قال: فما فعلت نخل عمان؟ قلنا: يجتنيها أهلها، قال: فما فعلت عين زعر؟ قلنا: يشرب منها أهلها، فقال: لو يبست أنفذت من وثاقي فوطئت بقدمي كل منهل إلا مكة والمدينة».
ومنها جبل المغناطيس، وهو جبل في هذا البحر يوجد فيه المغناطيس الذي يجذب الحديد والمراكب المستعملة في هذا البحر لا يجعل فيها شيء من الحديد خوفاً من أن يجذبها المغناطيس.
أما الحيوانات التي توجد في غيره فلا نعيدها، والتي توجد في هذا البحر:
منها سمكة عظيمة تضرب السفينة بذنبها فتغرقها، طولها مائتا ذراع، يخاف على المراكب منها خوفاً شديداً.
ومنها سمكة مقدار ذراع، بدنها بن السمك، ووجهها وجه البوم.
ومنها سمكة طولها عشرون ذراعاً، وظهرها الذبل الجيد، وإنها تلد وترضع، وفيه سمكة كخلقة القبر، تلد وترضع، والله الموفق.
بحر الزنج: وهو بحر الهند بعينه، وبلاد الزنج منه في جانب الجنوب بجنب سهيل، ومن ركب هذا البحر يرى القطب الجنوبي وسهيلاً، ولا يرى القطب الشمالي ونبات نعش أبدا، وأقصى هذا البحر يتصل بالبحر المحيط، وموج هذا البحر عظيم كالجبال الشواهق، ونفحه يرتفع كالأطواد الشوامخ وينخفض، وماؤه يحفظ ليكون من الأدوية ، ولا ينكسر موجه ولا يظهر منه زيد كما يكون لسائر البحار، وفيه جزائر كثيرة ذات أشجار وغياض، لكنها غير ذات ثمار، وإنما هي نحو شجر الآبنوس والصندل والساج والقنا، والعنبر يلتقط من سواحله، فربما توجد قطعة كتل عظيم. ولنذكر شيئاً من جزائره وحيوانه:
منها الجزيرة المحترقة وهي جزيرة واغلة في هذا البحر، قلما يصل إليها من بلادنا أحد، حكى بعض التجار قال: ركبت هذا البحر فدارت بي الدوائر حتى حصلت في هذه الجزيرة، فرأيت فيها خلقاً كثيراً وبقيت بها زماناً، واستأنست بهم وتعلّمت لغتهم، فإذا الناس في بعض الأيام مجتمعون ينظرون إلى كوكب طلع من أفقهم، ثم شرعوا في البكاء والعويل، وقالوا: إنّ هذا الكوكب يطلع في كل ثلاثين سنة مرة، فإذا وصل إلى سمت رؤوسنا يحرق ما في هذه الجزيرة، فتأهبوا للنقل في المراكب، فلما دنا الكوكب من سمت رؤوسهنا ركبوا فيها وأخذوا معهم ما خف من القماش، فركبت معهم فغبنا عنها مدة، فلما علموا أنْ الكوكب زال عن سمت رؤوسهم عادوا إليها، فوجدوا جميع ما كان فيها رماداً، فشرعوا في استتناف العمارة.
ومنها جزيرة الضوضاء، وهي جزيرة مما يلي بلاد الزنج، وحكى بعض التجار أن بهذه الجزيرة مدينة من حجر أبيض يسمع منها ضوضاء زجلية ولا ساكن بها من البشر، وربما دخلها البحريون وشربوا من مائها، فوجدوه حلواً طيباً فيه رائحة الكافور، ويقولون: كنا نعرف منتهاها، غير أن بقربها جبالاً عظيمة تتوقد منها بالليل نار عظيمة، وذكر أن في حواليها حيّة تظهر في كل سنة مرة، فيحتال ملوك الزنج في أخذها، فإذا أخذوها يطبخونها ويتخذون من جلدها فراشاً يجلس عليها صاحب السل يأمن من غائلته، ويوجد ذلك في خزائن الملوك.
ومنها جزائر العور، حكى يعقوب بن إسحاق السراج قال: رأيت رجلاً من أهل رومية قال: ركبت هذا البحر فألقتني الريح إلى بعض الجزائر، فوصلت بها إلى مدينة أهلها ناس قامتهم قدر ذراع، وأكثرهم عور، فاجتمع على جمع منهم وساقوني إلى ملكهم، فأمر بحبسي، فجعلوني في شبه قفص، فكسرته فأمنوني، فرأيتهم في بعض الأيام يتأهبون للقتال، وقالوا: لنا عدو يأتينا، وهذا أوان مجيئه فلم نلبث أن طلعت عليهم عصابة من الغرانيق، وكان عور نفر من الغرانيق أعينهم، فأخذت عصا وشددت عليها، فطارت وذهبت فأكرموني، وذكر أرسطاطاليس فى كتاب الحيوان أن الغرانيق تنتقل من خراسان إلى ناحية مصر حيث يسيل ماء النيل، تقاتل هناك رجالاً قامتهم قدر ذراع.
وعنها جزيرة سكسار، حكى يعقوب بن إسحاق السراج قال: رأيت رجلاً في بعض الأسفار في وجهه خموش فسألته عن ذلك، فقال: ركبت البحر فألقتنا الريح إلى جزيرة لم نستطع أن نبرح عنها، فأتي قوم وجوههم وجوه الكلاب، وسائر أبدانهم كأبدان الناس، فسبق إلينا واحد منهم بعصا، ووقف الأخرون، فساقنا إلى منازلهم، فرأينا هناك الجماجم والسيقان وأذرع الناس، فأدخلونا بيتاً رأيت فيه إنساناً فجعلوا يأتوننا بالفواكه والمأكول، فقال ذلك الرجل: يطعمونكم لتسمنوا، ومن سمن منكم أكلوه، قال: فكنت أقلل المأكول حتى لا أسمن، وكل من سمن من أصحابي أكلوه حتى بقيت أنا وذلك الرجل لأني كنت هزيلاً، والرجل كان عليلاً، فقال ذلك الرجل: إنهم إذا حضر لهم عيد يخرجون كلهم إليه ثلاثة أيام، فإن أردت النجاة فانج بنفسك، وأما أنا فقد ذهبت رجلاي لا يمكنني الهرب، وأعلم أنهم أسرع شيء طلباً وأشد استتشاقا، واعرف بالأثر إلا من دخل تحت شجرة كذا، فإنهم لا يطلبونه ولا يقدرون عليه، قال: فكنت أسير ليلاً وأكمن نهاراً، فلمّا رجعوا وتفقدوني جعلوا يقصون أثري، فأدركوني وكنت تحت الشجرة فانقطعوا عني، فلمّا أمنت منهم جعلت أسير في تلك الجزيرة إذا رفعت لي أشجاراً كثيرة، فانتهيت إليها، فإذا بها من كل الفواكه، وتحتها رجال أحسن صورة، فقعدت إليهم لا أفهم كلامهم ولا بفهمون كلامي، فبينما أنا جالس معهم إِذ دنا إليّ واحد منهم ووضيع يده على عاتقي، فإذا هو جالس على رقبتي ثم لوى رجليه عليّ، فأنهضني فجعلت أعالجه لأطرحه عن رقبتي فخمشني في وجهي وسخّرني كما يسخر أحدكم مركوبه، فجعلت أدور على الأشجار وهو يقطع ثمارها ويرمي بها إلى أصحابه وهم يضحكون، فبينا أسير به في وسط الأشجار إذا أصاب عينيه بعض عيدان الأشجار فعمي، فعصرت له شيئاً من العنب ثم قلت له: اكرع فكرع، فتحللت رجلاه، فرميته وبقي أثر الخموش في وجهي، والله الموفق.
منها المنشار قال بعض التجار: إِنها سمكة مثل الجبل العظيم، ومن رأسها إلى ذنبها مثل أسنان المنشار، من عظام سود مثل الأبنوس كل سن منها في رؤية العين مقدار ذراعين، وعن رأسها عظمان طويلان كل عظم مقدار عشرة أذرع، وكانت تضرب بالعظمين البحر يميناً وشمالاً، فيسمع صوته صوتاً هزيلاً، قال: وكنا نرى الماء يخرج من فيها وأنفها ويصعد نحو السماء، وتصل إلينا رشاشاته مثل المطر، وبيننا مسافة بعيدة، وهذه السمكة نقطع السفينة إذا عبرت من تحتها أى خرجت عليها، فإذا رأى أصحاب المراكب هذه السمكة يضجون إلى الله تعالى حتى يدفعها عنهم مكرمة.
ومنها سمكة تعرف بالبال، طولها أربعمائة ذراع إلى خمسمائة ذراع، فيظهر في بعض الأوقات طرف من جناحه يكون كالشراع العظيم، ويظهر رأسه وينفخ فيه الماء، فيذهب الماء في الجو أكثر من غلوتين، والمراكب تفزع منها ليلا ونهارا، فإذا أحسوا بها ربوا بالدبادب وضحوا حتي تنفر، وإنها تحسو بذنبها وأجنحتها السمك إلى فيها، فإذا بغت على حيران البحر بعث الله سمكة نحو الذراع تدعى اللشك تلتصق بأذنابها ولا خلاص للبال منها، فتطلب قعر البحر وتضرب الأرض بنفسها حتى تموت، وتطفو فوق الماء كالجبل العظيم، وربما يقذف البحر عند اشتداده قطعاً من العنبر كالتلال فيأكلها البال، فيقلها فتطوف فوق الماء، ولها أناس يرصدونها فى المراكب من الزنج، فإذا أحسوا بذلك طرحوا فيها الكلاليب وجذبوها إلى الساحل، ويشقون بطنها ويستخرجون العنبر منها، فما يكون في بطنها يكون شهكاً تعرفه التجار والعطارون بالعراق وفارس والهند، وما يكون في ظهرها يكون جيداً نقيّا والله الموفق.
بحر المغرب: هو من بحر الشام وبحر قسطنطينية، مأخذه من البحر المحيط، ثم يمتد شرقاً فيمر بشمالي أندلس، ثم ببلاد الفرنج إلى قسطنطينية، ويمتد من جهة الجنوب إلى بلاد أولها سلا ثم سبتة وطنجة إلى طرابلس والإسكندرية، ثم سواحل الشام إلى أنطاكية، وفيه الجزائر العظيمة كجزائر أندلس وغيرها، وذكر في كتاب أخبار مصر أنه بعد هلاك الفراعنة كان ملوك بني دلوكة في شق البحر المحيط من المغرب، وهو بحر الظلمات، نغلب على كثير من البلدان العامرة والممالك العظيمة، وامتد إلى الشام ويلاد الروم، وصار حاجزا بين بلاد مصر والروم، وهو الخليج الذي في زماننا هذا على أحد ساحليه المسلمون، وعلى الآخر النصارى والفرنج، وهناك مجمع البحرين، وهما بحر الروم والمغرب، وعرضه ثلاثة فراسخ، وطوله خمسة وعشرون فرسخاً وفيه يظهر المد والجزر في كل يوم وليلة أربع مرات، وذلك في البحر الأسود وهو بحر المغرب، عند طلوع الشمس يعلو يصب في مجمع البحرين حتي يدخل في بحر الروم وهو البحر الأخضر إلى وقت الزوال، فإذا زالت الشمس غاض البحر الأسود وانصب فيه الماء من البحر الأخضر إلى مغرب الشمس، ثم يغيض الماء الأخضر ويعلو البحر الأسود إلى نصف الليل، ثم يغيض البحر الأسود وانصباب الماء من البحر الأخضر إلى طلوع الشمس، وفي هذا البحر من الجزائر والحيوان ما يتعجب منه، فلنذكر بعضها إن شاء الله تعالى.
ذكر أبو حامد الأندلسي في كتابه الذي ألّفه للوزير ابن هبيرة أنّ مجمع الترب جزيرة فيها منارة مبنية من الصخر الصلد لا يعمل فيها الحديد شيئاً، ولها أساس راسخ، وليس للمنارة باب، وعلى رأس المنارة صورة إنسان ملتحف بثوب كأنّه من ذهب، يده اليمنى ممودة إلى البحر الأسود يشير بإصبع إلى شيء، وعلو المنارة أكثر من مائة ذراع، وقال غيره: إن تلك الصورة طلسم عمله بعض الملوك صيانة لذلك الموضع من إتيان العدو، وإنّه مأمون ما دام ذلك الطلسم باقياً.
ومنها جزيرة تيس، وهي في بحر الروم، وذكر أبو احد الأندلسي أنها جزيرة عظيمة فيها مدن وقرى كثيرة، من عجائبها أنه يخرج إليها في كل يوم طير يصطادونه مائة ونيفا وثلاثين نوعاً، وأساميها مكتوبة، رأيت في نقل ذلك سآمة.
ومنها جزيرة ذكرها صاحب الغرائب قال: إن في بحر الروم جزيرة كثيرة الأشجار والأزهار من شم شيئاً منها نام في ساعته.
ومنها ما ذكره أبو حامد الأندلسي على البحر الأسود من ناحية أندلس جبل عليه كنيسة من الصخر منقورة في الجبل وعليها قبة عظيمة، وعلى القبّة غراب لا يبرح من أعلى القبّة، وفي مقابلته الفبّة وهي كشبه مسجد يزوره الناس ويقولون إِنْ الدعاء فيه مستجاب، وقد شرط على القسيسين ضيافة لمن زار المسجد عن المسلمين، فإذا قدم زائر أدخل الغراب رأسه في روزنة على تلك القبة ويصيح، وإذا قدم اثنان صاح صيحتين، وهكذا كلما وصل زائر أو زوار صاح على عددهم فيخرج الرهبان بطعام يكفى الزائرين، وتعرف الكنيسة بكنيسة الغراب، وزعم القسيسون أنهم ما زالوا يرون غراباً على تلك الكنيسة ولا يدرون من أين مأكله.
ومنها جزيرة مالطة، قال أبو حامد الأندلسي: رأيت في بحر الروم هذه الجزيرة مملوءة من الغنم الجبلية مثل الجراد المنتشر لا يمكنها الفرار من الناس لكثرتها، فإذا وصلت المراكب إليها أخذت منها ما شاء الله، وهي أغنام سمان كبار نعاج وحملان وليس فيها غير الغنم، وفيها أشجار وعشب كثير، وهي على طريق الإسكندرية في البحر، تقصدها السفن من كل جانب، وظني أنه لو حملت كل سفيئة في ذلك البحر منها لا تفنى الغنم، ومنها جزيرة الدير، ذكر البحريون أنْها بقرب قسطنطينية، وهي دير يتكشف عنه الماء في كل سنة يوماً واحداً يحجها أهل تلك النواحي، وينتظرون ذلك اليوم ويزورون الدير ويحملون إليها الهدايا حتى إذا كان ذلك اليوم يتكشف عنه الماء، فيبقى ظاهراً إلى وقت العصر ثم يأخذ الماء في الازدياد، ويغطيها إلى العام القابل، والله الموفق.
حكى عبد الرحمن بن هارون المغاربي قال: ركبت هذا البحر فوصلنا إلى موضع يقال له البطرون، وكان معنا غلام صقلي معه صنارة، فألقاها في البحر فصاد بها سمكة نحو البشر، فنظرنا فإذا خلف أذنها اليمنى مكتوب لا إله إلا الله، وفي قفاها محمد، وتخلف أذنها اليسرى رسول الله.
ومنها ما حكى أبو حامد قال: رأيت ملاح غاص بحر الروم فانكشف عن سنام جبل وعليه نارنج أحمر كأنه قطف الآن من شجرة، فظننت أنّها سقطت من بعض السفن فقبضت على واحدة منها، فإذا هي حيوان التصق بالحجر لم أقدر على قلعه، فرمت قطعة بالسكين، فلم تعمل فيه السكين، وليس له عين ولا رأس، وفمه في موضع العرجون، فكنت ألف الثوب عليه، وأجرّه بقوتي فيخرج من فمه مائية كاللعاب، وهو لين محبب شديد الحمرة لا يغادر من النارنج شيئا، فإذا تركته كان يفتح فاه ويتحرك كأنه يتنفس.
ومنها ما ذكر صاحب تحفة الغرائب أن في بحر المغرب طائراً يقال له الماروز طائر مبارك يتبرك به أصحاب المراكب، يبيض عند سكون البحر على الساحل، فإذا رأوا بيضها عرفوا أن البحر يسكن، وهذا الطائر إذا كانت المراكب قريبة من مكان مخوف يأتي ويطير قدام المركب، ويصعد وينزل كأنه يخبرهم بالخوف حتى يدبروا أمرهم، والملاحون يعرفونه، والله الموفق.
ومنها الشيخ اليهودي، قال أبو حامد: حيوان وجهه كوجه الإنسان، وله لحية بيضاء، وبدنه على شبه بدن الضفدع، وشعره كشعر البقرة، وهو فى حجم عجل يخرج من البحر ليلة السبت إلى البر حتى تغيب الشمس ليلة الأحد، فإذا غابت الشمس ليلة الأحد وثب كما يثب الضفدع ويدخل الماء فلا تلحقه السفن، وذكروا أن جلده إذا وضع على النقرس أزال وجعه في الحال، والله الموفق.
ومنها سمكة تعرف بالبغل، قال أبو حامد الأندلسي: رأيت بمجمع البحرين سمكة مثل جبل عظيم صاحت صيحة ما سمعت أهول منها يكاد القلب ينشق منها، فاضطرب الماء منها وكثرت الأمواج حتى خفنا الغرق قال البحريون: إنها سمكة يقال لها البغل: هربت من السمكة الكبيرة وذلك أنّ السمكة الكبيرة تتبعها لتأكلها في بحر الظلمات فتنفر منها وتعبر في مجمع البحرين إلى بحر الروم، وتأتي السمكة الكبرى خلفها لتعبر في مجمع البحرين فلا يمكنها لعظمها، هكذا ذكر أهل ذلك الموضع يعني مجمع البحرين.
ومئها حوت موسى ويوشع عليهما السلام، قال أبو احامد الأندلسي: رأيت سمكة بقرب مدينة سبتة، هي نسل الحوت المشوي الذي أكل موسى و يوشع نصفه فأحيا اللّه النصف الآخر فاتخذ سبيله في البحر عجبا، ولها نسل في البحر إلى الآن في ذلك الموضع، وهي سمكة طولها أكثر من ذراع، وعرضها شبر واحد في أحد جنبيها شوك وعظام، وجلدها رقيق ملتصق على أحشائها ورأسها نصف رأس، فمن رآها من هذا الجانب استقذرها ويحسب أنها مأكولة ميتة، ونصفها الآخر صحيح، والناس يتبركون بها ويهدونها إلى المحتشمين ويشويها اليهود ويقددونها ويحملونها إلى الأماكن البعيدة.
ومنها سمكة بلغارية كأنّها قلنسوة بلغارية، قال أبو حامد الأندلسي: رأيتها وفي جوفها شيه المصارين، ولا رأس لها ولا عين، ولها مرارة كمرارة البقر سوداء، فإذا اصطادها أحد تحركت فيسود الماء الذي حولها مثل الحبر، وأظن ذلك السواد من تلك المرارة، فإذا وقعت في الشبكة يبقى ما حولها أسود جداً، فيؤخذ من ذلك الماء ويكتب به أحسن عن كل مداد لا ينمحي وله سواد وبريق.
ومنها سمكة، ذكر أبو حامد: أنها تقطم قطعاً وهي تتحرك، وربما قلبت القدر إذا أرادوا طبخها فيها، ولا يسكن اضطرابها حتى تصير نضجا، وهي سمكة لحمها طيب الطعم جداً.
ومنها سمكة تعرف بالخطاف، قال أبو حامد: ولها جناحان، على ظهرها أسودان، وأنّها تخرج من الماء وتطير في الهواء وتعود إلى البحر.
ومنها سمكة تعرف بالمنارة ترمي نفسها على السفين فتكسرها ويعرفها أهلها، فإذا أحس الناس بها ضربوا بالطشوت والبوقات لتبعد عنهم وهي محنة عظيمة في البحر.
ومنها سمكة كبيرة، إذا نقص الماء بقيت على الطين ولا تزال تضطرب إلى ست ساعات ثم تنسلخ من شدة اضطرابها وقوة تأملها فيظهر لها جناحان من تحت جلدها فتطير وتتحول إلى البحر، ذكرها أبو حامد، والتنانين في هذا البحر كثيرة، وأكثر ما يكون عند طرابلس واللاذقية والجبل الأقرع من أعمال إنطاكية، وسياتي ذكرها إن شاء الله تعالى.
بحر الخزر: هو البحر الذي في جهة الشمال على شرقيه جرجان وطبرستان وفي شماله بلاد الخزر، وفي غربيه جبال العقيق، وفي جنوبه الجبل والديلم وهو بحر عظيم واسع لا اتصال له بشيء من البحار على وجه الأرض، فلو أنْ رجلا طاف حوله رجع إلى مكانه الذي ابتدأ منه، وهو بحر صعب المسلك سريع المهلك كثير الاضطراب، شديد الأمواج، لا مد فيه ولا جزر، ولا يرتفع منه شيء من اللآلئ والجواهر، وجزائره غير مسكونة، ولكن في جزائره غياض ومياه وأشجار، وليس فيها أنيس، قالوا: إن دوران هذا البحر ألف وخمسمائة فرسخ، وطوله ثمانمائة ميل، وعرضه ستّمائة ميل، وهو مدور الشكل، فلنذكر شيئاً من جزائره وبحاره.
منها ما ذكره أبو حامد، قال: رأيت في هذا البحر جبلاً من طين أسود كالقير والبحر محيط به، وفي سنام ذلك الجبل شق طويل يخرج منه الماء، ويوجد في ذلك الماء سناج الدانق من الصفر، وربما يكون أكبر أو أصغر يحملها الناس إلى الآفاق للتعجب. ومنها جزيرة الحيات، قال أبو حامد: إِنّها بقرب الجبل الذي ذكر وهي جزيرة امتلأت من الحيات، وفيها حشيش كثير، والحيّات في وسطها لا يقدر أحد أن يضع رجله على الأرض لكثرة ما فيها من الحيّات المتلفة بعضها على بعض، وفيها طيور كثيرة، والحيّات لا تتعرض لبيض الطيور وفراخها، رأيت الناس يأخذون بأيديهم العصا ويزيلون الحيات بها عن مكان أقدامهم، ويمشون بين الحيّات ويأخذون بيض الطيور، وفراخها والحيّات لا تؤذي أحداً منهم.
ومنها جزيرة الجن وهي جزيرة ليس بها أنيس ولا شيء من الوحوش، وتسمع أصوات كأنهم يقولون: غلب الجن عليها ولا يجسر أحد أن يقربها والله أعلم.
ومنها جزيرة الغنم، قال سلام الترجمان رسول الخليفة إلى ملك الخزر وهي جزيرة ما بين الخزر والبلغار، فيها من الأغنام الجبلية مثل الجراد لا يمكنها الفرار لكثرتها، وما رأيت في تلك الجزيرة حيواناً غيرها، وفيها عيون وحشيش وأشجار كثيرة فسبحان من لا تحصى نعمه.
ذكر أبو حامد الأندلسي في كتاب العجائب الذي ألفه للوزير ابن هبيرة عن سلام الترجمان رسول الخليفة إلى ملك الخزر قال: أقمت عند ملك الخزر أياماً، ورأيت أنهم اصطادرا سمكة عظيمة جداً وجذبوها بالحبال، فانفتحت أذن السمكة وتخرجت منها جارية بيضاء حمراء طويلة الشعر، حسنة الصورة، فأخرجوها إلى البر وهي تضرب وجهها وتنتف شعرها وتصيح، وقد خلق الله تعالى في وسطها غشاء كالثوب الصفيق من سرتها إلى ركبتيها كأنّه إزار مشدود على وسطها فأمسكوها حتى ماتت.
ومنها التنين العظيم، ذكروا أنه يرتفع من هذا البحر تنين عظيم شبه السحاب الأسود، والناس ينظرون إليه. زعموا أنّها دابة تؤذي دواب البحر فيبعث الله إليه سحاباً يخرجه من البحر ويحتمله، وهو على صورة حيّة سوداء لا يمر ذنبها على شيء من شجر أو بناء عظيم إلا هدته، وربما تتنفس فتحرق الشجر، فيلقيها إلى يأجوج مأجوج و تكون لهم غذاء، وعن ابن عباس رضي اللّه عنه نحو هذا.
ولنختم هذا الفصل بحكاية عجيبة وهي أنَّ كسرى أنوشروان لما فرغ من سد بليخ وأحكمه سُر بذلك سروراً شديداً، وأمر بنصب سريره على السد ورقي على السرير، وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا رب الأرباب أنت ألهمتني سد هذا الثغر وقمع العدو، فأحسن الموهبة إلي وعزني، وسجد سجدة أطالها ثم استوى على فراشه واستلقى وقال: الآن استرحت، يعني من سطوة الخزر ومقاساة الترك، ثم أغفى، فطلع طالع من البحر سد الأفق بطوله وارتفعت معه غمامة سدت الضوء، فتبادرت الأساورة إليه، فتنبه أنوشروان وقال: ما شأنكم؟ قالوا: الذي ترى، فقال: أمسكوا عن سلاحكم لم يكن الله عز وجل يلهمني الشغل اثني عشر عاماً وستّة أشهر وتهده بهيمة من بهائم البحر، فنحى الأساورة، وأقبل الطالع نحو السد حتى علاه، ثم قال: أيها الملك أنا من سكان البحر، رأيت هذا الثغر مسدودا سبع مرات، فأوحى الله تعالى أن ملكاً عصره عصرك، وصورته صورتك، يسد هذا الثغر فينسد أبداً، وأنت ذلك الملك، فأحسن اللّه معونتك، ثم غاب عن البصر كأنه طار في الجو أو غاص في الماء، واللّه الموفق.
القول في حيوان الماء حيوان الماء على قسمين: منه ما ليس له رئة كأنواع السمك، فإنّه لا يعيش إلا في الماء، ومنه ما له رئة كالضفدع، فإنه يجمع بين الماء والهواء، فأما التي لا تعيش إلا في الماء فلا حاجة لها إلى استتشاق الهواء، لأنّ الباري تعالى لما خلقها في الماء جعل حياتها منه، وجعلها على طبيعة الماء، وركب أبدانها تركيباً بحيث يصل إليها برد الماء وروح الحرارة الغريزية التي في بدنها، وينوب عن استتشاق الهواء، فلذلك تراها لا صوت لها لفقد الرئة التي لا حاجة لها إليها. والحكمة الألهية اقتضت أن يكون لكل حيوان أعضاء كثيرة مختلفة، وكل حيوان يكون أنقص، فهو أقل حاجة، ثم اقنضت أن لكل حيوان أعضاء مشاكلة لبدنه ومفاصل مناسبة لحركاته وجلود صالحة لوقايته فجعل أبدان حيوان الماء إمًا صدفية صلبة لا يعمل فيها الشيء الحاد أو فلوسية أو ما شاكلهما غطاء ووقاية من العاهات العارضة، وجعل لبعضها أجنحة وأذناباً تسبح بها في الماء، كما يطير الطير في الهواء وجعل بعضها آكلا وبعضها مأكولا، وجعل نسل المأكورل أكثر لبقاء أشخاصها، فسبحانه ما أعظم شأنه، ولنذكر بعض حيوان الماء وعجائبه وخواصه على ترتيب حروف المعجم، والله أعلم بالصواب.
أرنب البحر: هو حيوان رأسه كرأس الأرنب وبدنه كيدن السمك، قال الشيخ الرئيس ابن سينا: هو حيوان صدفي إلى الحمرة، ما بين أجزائه شبيه بورق الأشنان ينفي الكلف والبهق، وراسه تحرق لتنبت الشعر في داء الثعلب، سيّما مع شحم الدب.
إليس: نوع من السمك عظيم جداً، وحيوانات الماء كلها تصطاد إلاّ هذه السمكة من خواصه أنه لو شوي وأطعم شخصان منه، وكان بينهما خصومة شديدة تبدلت بالمحبة.
إنسان الماء: يشبه الإنسان إلا أنْ له ذنباً، وقد جاء شخص بواحد منه في زماننا فى بغداد، فعرضه على الناس وشكله على ما ذكرناه، وقل ذكر أنّه في بحر الشام ببعض الأوقات، يطلع من الماء إلى الحاضرة إنسان، وله لحية بيضاء يسمّونه شيخ البحر ويبقى أياماً ثم ينزل، فإذا رآه الناس يستبشرون بالخصب.
وحكي أنْ بعض الملوك حمل إليه إنسان مائي فأراد الملك أن يعرف حاله فزوجه امرأة، فجاء منها ولد يفهم كلام الأبوين، فقيل للولد: ماذا يقول أبوك؟ قال: يقول أذناب الحيوانات كلها على أسافلها ما بال هؤلاء أذنابهم على وجوههم.
بقرة الماء: زعموا أنه حيوان يطلع إلى البر للرعي، روثه عنبر، والله أعلم بصحته فإن الناس ذهبوا إلى أن العنير ينبت فى قعر البحر كالقير والنفط، فإن كان صحيحاً فروث هذا الحيوان ينفع الدماغ والحواس والقلب، والله أعلم.
بال: نوع من السمك عظيم يأكل العنبر فيموت، وقد ذكرناه في بحر الزنج، فلا نعيده، وفي دماغه دهن كثير، ويستعملونه لإشعال السرج.
تمساح: هو حيوان على صورة الضب من أعجب حيوان الماء، له فم وأسع وستون ناباً في فكه الأعلى وأربعون ناباً في الأسفل، وبين كل نابين سن صغير مربع يدخل بعضه في بعض عند الانطباق، ولسان طويل، وظهره كظهر السلحفاة ولا يعمل الحديد فيه وله أربعة أرجل وذنب طويل، رأسه ذراعان، وغاية طوله ثمانية أذرع، يحرك فكّه الأعلى عند المضغ بخلاف سائر الحيوانات، ولا يقدر أن يلتوي ولا أن بنقبض لأله ليس لظهره خرزات بل ظهره قطعة واحدة، وهو كريه المنظر جدّاً، كثير العدوان يلتقم الآدمي والشاة، ويقتل الخيل والجمال، ولا يوجد إلا في النيل ونهر السند، وإذا رأى إنساناً على طرف الماء يمشي تحت الماء إلى أن يقرب منه، ثم يشب وثبة واحدة يأخذه، ويبيض كالطيور، ويشم من بيضه رائحة المسك، وزبله يخرج من فيه إذ لا منفذ له، وإذا أكل يبقى في خلل أسنانه شيء يتولد منه الدود، فيخرج من الماء ويفتح فاه مستقبل الشمس فيأتيه طائر مثل العصفور ويدخل فاه ويلتقط ما في خلل أسنانه، فإذا رأى صياداً رفرف وصاح وأخبر التمساح حتى يرجع إلى الماء، فإذا أحسن التمساح أنه نقى خلال أسنانه أطبق فاه على الطائر ليأكله، وقد خلق الله تعالى على رأس ذلك الطائر عظما أحد من الإبرة فيضرب به حنك التمساح، فيرفع حنكه فيطير الطائر، وإذا انقلب التمساح لم يستطع أن يتحرك، وإذا أراد السفاد خرج من النيل وأنثاه معه، فيلقي الأنثى على ظهرها، فإذا قضى وطره قلبها، فإن تركها صيدت، فإنها لا تقدر أن تتقلب.
زعموا أن عينه تشذ على صاحب الرمد يسكن وجعه في الحال اليمنى على اليمنى واليسرى على اليسرى، وسنه الأيمن تعلق على الإنسان يزيد فى الباه، وأوّل سن من جانب فكه الأيسر تشد على صاحب القشعريرة تذهب فى الحال، ومرارته يكتحل بها تزيل بياض العين، وشحمه يجعل ضماداً على عضته فإنّه نافع في الحال، وكبده يدهن به المصروع يزول ما به وزبله يزيل بياض العين اكتحالا، وجلده يشد على جبهة الكبش في النطاح.
تنين: حيوان عظيم الخلقة، هائل المنظر، طويل الجثة عريضها كبير الرأس بِراق العينين، واسع الفم والجوف كثير الأسنان، يبلع من الحيوان كثيراً يخافه حيوان البر والبحر، إذا تحرك يموج البحر لكثرة قوته، والتنين أول أمره يكون حيّة متمردة تأكل من دواب البر ما ترى، فإذا عظم فسادها يبعث الله تعالى ملكا يحتملها ويلقبها في البحر، فتفعل بدواب البحر ما كانت تفعله بدواب البر، ويعظم جسمها فيبعث ألله تعالى ملكا قيحملها ويلقيها إلى يأجوج ومأجوج. وروي عن بعضهم أنه رأى تنيناً سقط فوجد طوله نحو الفرسخين، ولونه مثل لون التمر مفلساً كفلوس السمك وله جناحان عظيمان على هيئة جناح السمك ورأس مثل التل العظيم كرأس الإنسان، وأذنان طويلان وعينان مدورتان كبيران جدا، ويتشعب من عنقه ستة أعناق طوال، كل عنق نحو عشرين ذراعاً، على كل عنق رأس كرأس الحية.
أمَا خاصية أجزائه، فزعموا أنّ أكل لحمه يورث الشجاعة، ولحمه يوضع على عضه ينفع تفعاً بينا ودمه إذا طلي به على الذكر وجامع تحصل المرأة لذة عظيمة.
جري: هو الذي يقال له مارماهي متولد من الحيّة والسمك، قال الجاحظ: إِنّه يأكل الجرذان وهو آكل لها من السنانير، وذلك أنْ جرذان السنانير تخرج بالليل إلى شارع البصرة للماء، والجري قل يكمن لها واضعاً فاه على الشرعة، فإذا دنا الجرذان إلى الماء التقمها، مرارته يسعط بها الفرس المجنون يذهب جنونه، ولحمه يجود الصوت وينفع قصبة الرئة، وإذا تضمد به أخرج السلاء من أعماق اللحم، وأكله يزيد في الباه سيما الطري.
جلكا: نوع منه يشبة المارماهي، يخرج من البرك والعنس لطلب الغذاء، وإذا ذبح لا يخرج منه دم، وعظمه رخو يؤكل مع لحمه، ولحمه يسمن النساء إذا أكل، وهو نعم العلاج لذلك.
دلفين: حيوان مبارك، إذا رآه أصحاب المراكب استبشروا، وذلك أنه إذا رأى غريقاً في البحر ساقه نحو الساحل، وربما دخل تحته وحمله، وربّما جعل ذنبه في يده ويمشى به إلى الساحل، وقيل له جناحان طويلان، فإذا رأى المركب تسير بقلوعها رفع جناحيه تشبيهاً بالمركب وينادي، وإذا رأى الغريق قصده.
رعاد: سمكة صغيرة مخدرة جداً، إذا وقعت في الشبكة والصياد ماسك حبل الشبكة يرتعد من برودة هذه السمكة، والصيادون يعرفون ذلك، فإذا أحسوا به شدوا حبل الشبكة في وتد أو شجر حتى يموت، فإذا مات بطلت خاصيته، وأطباء الهند يستعملونه في الأمراض الشديدة الحر، وأما في غير بلاد الهند لا يمكن استعماله، وقال ابن سينا: الرعاد إذا قرب من رأس المصروع وهو حي أخدره عن الحس، وإذا علقت المرأة منه شيئاً على نفسها لم يقدر زوجها على فراقها، والله الموفق.
دامور: سمكة مباركة يحبها البحريون والصيادون إذا رأوها في الشبكة أطلقوها، زعموا أنَّ هذه السمكة تحب الإنسان، وإذا رأت مركباً في البحر تمشي قدامه كالدليل، وإذا قصد السفينة شيء من الحيات الكبار تدخل أذنها وتشغلها عن السفينة بتحريك دماغها، فالسمكة العظيمة تطلب حجراً وتضرب رأسها عليه حتى تموت، فإذا ماتت خرجت من دماغها.
سرطان: هو حيوان لا رأس له، وعيناه على قفاه، وفمه على صدره، وله ثمانية أرجل يمشي على أحد جانبيه، وفي كل سنة يسقط جلده سبع مرات، ولمكانه بابان: أحدهما إلى الماء، والآخر إلى اليبس، فإذا انسلخ جلده يسد الباب الذي في الماء لئلا يدخل بيته شيء من حيوانات الماء في حال ضعفه وعجزه، ويترك الباب الذي على اليبس مفتوحاً ليهب الهواء منه، وإذا كثر وقوع الهواء عليه يصلب جلده ويعود إلى حالة فحينئذ يفتح باب الماء فيخرج منه لطلب معاشه، وزعموا أنه إذا وجد سرطان ميت في حفرة مستلقياً على ظهره في أرض أو قرية تأمن تلك البقعة من الآفات السماوية، وإذا علق على الأشجار يكثر ثمرها وما عليها من الثمار يبقى ويذبح السرطان ويوضع على الجراحات تخرج النصول والشوك وينفع من لسع الحيات والعقارب وإذا أحرق وشرب نفع من عضة الكلب، وإذا اكتحل به نفع من بياض العين، ونزول الماء، وإذا أحرق وطلي به يجلي الأسنان، ورماده يوضع على العضو يخرج منه النصل والشوك. قال ابن سينا: لحمه صالح للمسلولين جداً سيما بلبن الأتن، وينفع من نهش العقارب والرتيلاء، وعينه تشد على النائم يرى منامات صالحة، وإن كان به رمد زال عنه، وعيناه إن علقتا على شجرة لم يسقط ثمرها، وشوكه يدخن به تحت ذيل صاحب الحمى الربع ويكرر ذلك سبع مرات يبرأ، ورجله يعلق على صاحب الخنازير مع الكافور والعنبر يدفع عنه الخنازير، وإذا علق رجل السرطان على أحد لم تعرض له الخنازير ما دامت عليه.
سرطان البحر: هو حيوان عجيب الشكل كأنه خمس حيات برأس واحد، إذا أحرق بعظامه وسحق جلا البهق والكلف والأسنان، وينفخ في عيون الدواب يزيل عنها البياض العارض، ويكتحل به مع الكحل يزيل الظفر، وقال ابن سينا: محرقه يجلو الأسنان ويجفف القروح و ينفع من الجرب.
سقنقور: قال ابن سينا: إنه وبرمائي يصطاد في نيل مصر، وقال غيره إنه من نسل التمساح، إذا وضع خارج الماء فما قصد الماء صار تمساحاً وما قصد البر صار سقنقورا، وذكروا أنّه إذا عض إنساناً الإنسان معضه بريقه، فإن كان قبل عود السمك إلى الماء مات السمك، وإن كان بعد عوده إلى الماء مات الإنسان، وله قضيبان كما للضب، لحمه إذا أكل هيج قوة الباه، وكلّما كان جسمه أكبر كانت خاصية لحمه أقوى، وشحمه يهيّج الباه تهييجاً لا يسكن إلا بحسو مرق الخس والعدس، وخرزته الوسطى التي في صلبه إذا علقها الإنسان على صلبه هيجت به الباه.
سلحفاة: حيوان بري وبحري، أما البحري فقد يكون عظيماً جداً حتى نظن أصحاب المراكب أنه جزيرة، وحكى بعض التجار قال: وجدنا في وسط البحر جزيرة مرتفعة عن الماء، فيها نبات أخضر، فخرجنا إليها وحفرنا للطبخ إذ تحركت الجزيرة، فقال الملاحون: هلمّوا إلى مكانكم، فإنها سلحفاة أصابها حرارة النار لئلا تنزل بكم قال: وكان من عظم جسمها ما شابه جزيرة، واجتمع التراب على ظهرها بطول الزمان: حتى صار كالأرض، ونبت، قالوا: إذا أراد الذكر السفاد والأنثى لا تطاوعه يأتي الذكر بحشيشة في فمه من خاصيتها أن حاملها يكون مقضي الحاجة، فعند ذلك تطاوعه الأنثى وهي حشيثة تسمّيها العجم مهركياه، لكن الناس لا يعرفونها، وإذا باضت صرفت همّتها إلى بيضها محاذية له، ولا تزال كذلك حصى يخلق الله الولد فيها إذ لا بد لها أن تحضن البيض حتي يدرك بحرارتها فإن أسفلها صلب لا حرارة فيه وربما تقبض السلحفاة على ذنب الحيّة وتمضغ من ذنبها، والحية تضرب بنفسها على ظهر السلحفاة حتى تموت، قال بليناس الحكيم: إذا قلبت السلحفاة على ظهرها في مكان فيه البرد لا يقع في ذلك المكان من البرد ضرر.
أما خواص أجزائها فعينها تشد علي صاحب الرمد يبرأ وقالوا: كل عضو من أعضاء السلحفاة إذا شد على مثله من أعضاء الإنسان، وكان رجعا أبرأه ورجلها تشد على المنقرس اليمني على اليمنى، واليسرى على اليسرى تنفعه، ودمها يطلى به على العانة والإبط بعدما ينتف ما عليهما مرتين أو ثلاثاً لا ينبت شعره، وتأثيرها في النساء أقوى، ومرارة البحري أقوى منها تخلط يعسل النحل الشهد، تمنع من نزول الماء إذا اكتحل بها، وتزيل البياض والكدورة، وتصلح للخناق شربا، وإذا وضعت على منخر المصروع نفعته، وظهرها إذا اتخذ منه مكبية ووضعت على رأس القدر لم تغل أصلا وبيضها إِذا سقي من صفرته ثلاث مثاقيل باللبن الحليب نفع من السعال الشديد.
سمك: أصناف السمك كثيرة جداً، ولكل صنف اسم خاص منها ما لا يدرك الطرف أولها وآخرها لعظمها، ومنها ما لا يدركها الطرف لصغرها، وحكى بعض التجار قال: مرت بنا سمكة، وانتهى ذنبها بعد أربعة أشهر، وذكروا أن السمكة إذا باضت تأتي إلى ماء ضحضاح وتحفر فيه حفرة وتبيض فيها وتغطيها بالطين فتفقس فيها بإذن الله تعالى، وأما خاصيته فإن السكران الثمل إذا شمّه يرجع إليه عقله، ويزول سكره، وقال ابن سينا: لحم السمك نافع لماء العين، ويحد البصر مع العسل، وقال غيره: يزيد في الباه ويخصب البدن، ومرارة السمك إذا شربت تنفع للخناق وكذلك إذا تفخت في الحلق مع شيء من السكر، والله أعلم .
شبوط: نوع من السمك مشهور وطوله ذراع، وعرضه أربع أصابع طيب اللحم جداً يكثر منه بدجلة، ذكر بعض الصيادين أنْ الشبوط ينتهي إلى الشبكة، فلا يستطيع الخروج منها فيعلم أنه ليس ينجيه إلا الرسوب فيتأخر قاب رمح، ثم يقبل جامزا بجراميزه حتى يثبت، فربما كان وثوبه في الهواء أكثر من عشرة أذرع، فيخرق الشبكة ويخرج منها.
شفنين: حيوان بحمري تسمي بهذا الأسم، وله وجمة وشكل عجيب، وجمته منقلبة إلى خلاف الناحية التي ينبت منها قشره، تدلك به السن يسكن وجعها في الحال.
صيرة: سمكة صغيرة يسميها أهل الشام بهذا الاسم، يتخذ منه المري، ويتمضمض به صاحب القلاع الخبيث، ينفع نفعا بينا.
ضفدع: حيوان بري وبحري له عينان بارزتان غاية البروز وخاصة سمعه وبصره حادة جدا. عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله كليه: « لا تقتلوا الضفدع » فإنْها مرت بنار إبراهيم عليه السلام، فحملت في أفواهها الماء، وكانت ترشه على النار، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: لا تقتلوا الضفدع، فإِنّ نقيضهن تسبيح، وأول نشء الضفادع أن تظهر في الماء شبه معي رقيق، وترى في الماء شبه حب أسود كالدخن، فإذا امتلأ ذلك الوعاء من ذلك الحب خرجت منه كالدعموص، ثم بعد أيام تنبت منه اليدان والرجلان، قال الشبخ الرئيس: إذا كثرت الضفادع في شيء من السنين على خلاف العادة وقع الوباء عقيبه، والضفدع كثير النقيق بالليل، فإذا النهار ترك النقيق، وقال بعضهم: إذا ألقي في النبيذ يموته وإذا ألقي في الماء عادت حياته، قال الجاحظ: الضفدع لا يمكنه النقيق إلا إذَا كان حنكه الأسفل في الماء، فإذا صار الماء في فمه صاح ولهذا لا تصيح الخارجات من الماء، وضفدع البر أخضر وهو سم، من سقي منه فسد مزاجه، ويتتفخ بطنه، ويعرض له الاستسقاء، واذا وضع على الثآليل قلعها، وإذا شق بطنه ووضع على لسعة الحيّة ينفع نفعاً بينا، وقال الشيخ الرئيس: الضفادع الإجامية الخضرة والبحرية تورث من شربها كمودة اللون وظلمة البصر ونتن الفم والدوار أيضاً، ويعرض له اختلاط عقل، ومن سلم تسقط أسنانه، قال الجاحظ: إن الأشد في مناقع المياه والآجام تأكلها أشد أكل، قال بليناس : إن جعلت ضفدعاً فوق قدر تغلي زال غليانها، وإن علق على صاحب حمى الربع برئ.
ومن خواصه العجيبة ما ذكر أنّ الضفدع إذا أخذ فقد نصفين من رأسه إلى أسفله، وتنظر إليه امرأة غلبت شهوتها وكثر ميلها إلى الرجال، فإِنْ شهوتها تنكسر، وأما خواص أجزائه: فإن لسانه إذا جعل في الخبز ويطعم من اتهم بالسرقة أقر بها، و إن وضعته امرأة نائمة تكلمت بما عملت في اليقظة وهي نائمة، وأطرافه تحرق بنار القصب، ويطلى برمادها الموضع الذي ينبت عليه الشعر، فإن الشعر لا ينبت عليه، ودمه يطلى به على الموضع الذي نتف شعره فإنه لا ينبت. وقال بليناس: من لطخ به وجهه أحبه كل من يراه، شحمه يوضع على اللثة يسقط السن بلا وجع.
ولنختم خواص الضفادع بحكاية عجيبة، وهي أني كنت بالموصل وبنى صاحب الموصل في بستان مجلسا وبركة، وتوالدت الضفادع فيها، وكان نقيقها يؤذي سكان المجلس طول الليل، فقال الأمير: دبروا دفع هذا النقيق فما أفاد شيئاً، حتى جاء رجل وقال: اجعلوا طشطا على وجه الماء مكبوباً ففعلوا، فلم يسمع بعد ذلك شيء من النقيق أصلا.
علق: حيوان أسود اللون بقدر الأصبع الخنصر يوجد في المياه، يستعمل في المعالجات، فإنّ الأطباء إذا أرادوا إخراج الدم من موضع مخصوص أخذوا هذا الحيوان في قطعة طين وقرّبوه من العضو، فإنّه يتشبث به، ويمص الدم منه، وإذا أرادوا سقوطه رشُوا عليه ماء الملح، فإنه يسقط في الحال، وربما يكون العلق الماء يشربه الحيوان يتشبث العلق بحلقه، فطريقه أن يدخن بربر الثعلب، فإذا أصابها دخانه سقط قي الحال، وإن دخنت البيت بالعلق هلك ما فيه من الأنحل والبق والبعوض وأمثاله، وإذا ترك العلق في قارورة حتى يموت، ثم يسقى وينتف الشعر ويطلى به موضعه، فإنه لا ينبت الشعر بعد ذلك أبدا.
قطا: صنف من الدواب الصدفية، يوجد ببلاد الهند في المياه القائمة المنبثة للناردين، ويوجد بأرض بابل أيضاً، وهو من أعجب الحيوانات، له بيت صدفي يخرج منه، وجلده أرق شيء، وله رأس وأذن وعينان وفم، فإذا دخل في بيته يحسبه الإنسان صدفة، وإذا خرج منه ينساب على الأرض، ويجر بيته معه فإذا جفت المياه في الصيف تجمع، ورائحته عطرة لِأن هذا الحيوان يرتعي الناردين، وإذا بخر بها ينفع من الصرع، وإذا أحرق يجلو رماده الأسنان، وإذا نثر على حرق النار وترك حتى يجف عليه نفع نفعاً بينا، والله الموفق.
فرس الماء: قالوا إِنه كفرس البر إلا أنه أكبر عرفا وذنباً وأحسن لوناً، وحافره مشقوق كحافر بقر الوحش، وجثته دون فرس البر وفوق الحمار بقليل، وربما يخرج هذا الفرس من الماء وينزو على فرس البر، فيتولد منهما ولد في غاية الحسن.
حكي أن الشيخ أيا القاسم ويعرف بكركان رحمه الله وهو من مشايخ خراسان نزل على ماء وكان معه حجرة فخرج من الماء فرس أدهم عليه نقط بيض كالدراهم ونزا على الحجرة، فولدت مهراً شبيهاً بالذكر، عجبب الصورة، فلمًا كان ذلك الوقت عاد إلى ذلك المكان، والحجرة والمهر معه طمعاً في مهر آخر فخرج الفحل وشم مهرة، ثم وثب في الماء ووثب المهر بعده فكان الشيخ يعاود ذلك الموضع مع الحجرة فسمي أبا الاسم كركان، قال عمر بن سعد: فرس الماء بمصر يؤذن بطلوع النيل بأثر وطئه، فإنّهم حيث وجدوا أثر رجله عرفوا أنّ ماء النيل ينتهى إلى ذلك الموضع.
أما خواص أجزائه فسنه نافعة لوجع البطن، ذكروا أن جمعاً من السودان الذين يسكنون شاطىء النيل من الحبشة يشربون الماء المكدر ويأكلون السمك النيئ، فيصييهم المغص، فيشدون هذا السن على العليل فيزول عنه في الحال، عظامه تحرق وتخلط بشحمه ويضمد به السرطان يردعه ويزيل أثره في الحال، خصيته تجفف وتسحق وتشرب لنهش الهوام، جلده إن دفن وسط قرية لم يقع بها شيء من الآفات ويحرق ويجعل على الورم يسكن.
قاطوس: سمكة عظيمة تكسر السفينة، والملاحون يعرفونها، يتخذون خرق الحيض ويعلقونها على السفينة، فإنها تهرب عنهم.
قطا: سمكة عظيمة، ذكروا أن عظم ضلعه يتخذ قنطرة يعبر الناس عليها، شحمه إذا طلي به البرص يزول بإذن اللّه.
قندر: برّي وبحري، يكون في الأنهار العظام في بلاد إيسودون، ويتخذ من البر بيتاً إلى جانب النهر، ويجعل لنفسه فيه مكاناً عالياً كالصفة، ولزوجته دون الذي له بدرجة، وعن شماله لأولاده، وفي أسفل البيت لعبده، ولمسكنه بابان باب إلى البر، وباب إلى البحر، فإن جاءه العدو من جهة الماء أو طغى الماء خرج إلى البر، وإن جاءه من جهة البر خرج إلى الماء يأكل لحم السمك وخشب الخليج، والتجار في تلك البلاد يعرفون جلد الخادم والمخدوم، لأن الخادم يجذب خشب الخليج، فتسقط طاقات جلده.
أَمَا خواص أجزائه فخصيته تسمى الجنديادستر تنفع من ريح أم الصبيان، إذا سقي منه قدر حبة الجلبان، وهو مجرب، وينفع أيضاً من الفالج واللقوة والنسيان والرياح الغليظة كلها، قال الشيخ الرئيس: إنه ينفع من القروح القتالة والرعشية والتشنج والكزاز والخدر والفالج، وينفع من النسيان، ويخرج المشيمة والجنين، وهو نافع من لسع الهوام.
قنفذ الماء: هو حيوان مقدمه يشبه القنفذ البري ومؤخره يشبه السمك، لحمه طيب الطعم، يدر البول، جلده ينفع الجرب إذا طلي به، زعموا أنه إذا أخذ طائر أسفيدرون وشد عليه من جلد هذا السمك فإن الهوام تموت من صوته والسباع تهرب.
قوقى: صنف من السمك، عجيب جدا، على رأسه شوكة قوية يضرب بها، حكى الملاحون أن هذه السمكة إذا جاعت رمت نفسها إلى شيء من الحيوان ليبلعها، ثم إِنّها نضرب بشوكتها أحشاءه حتى تهلكه، وربما تخرج من شق بطنه وتتغذى به هو وغيره، وإذا قتصدها قاصد في الماء تضرب السفينة بالشوكة، فتفتحها وتغرق أهلها وتأكل منها، والملاحون لما عرفوا ذلك ألبسوا السفينة جلد ذلك السمك الذي تقدم ذكره، فإِنْ شوكته لا تعبر عليه.
كلب الماء: حيوان مشهور، يدأه قصيرتان، ورجلاه طول منهما، ذكروا أنه يلطخ بدنه بالطين ليحسبه التمساح طيناً ثم يدخل جوفه ويقطع أحشاءة ويأكلها، ثم يمرق ويخرج منه، ذلك من كان معه شحم كلب الماء، يأمن غائلة التمساح، وذكر بعضهم أن جندبادستر خصية هذا الحيوان، وأنّ الذكر لا يصلح جلده للفراءء وإنما الأنثى جلدها جيد والذكر لا يصلح إلا لخصيتيه، والصيادون إذا ظفروا به سلوا خصيتيه وسيبوه، فإن وقع في الشبكة مرة أخرى يرفع الصياد رجليه ليعلم أن خصيتيه قد نزعتا ليخلصه من الشبكة.
أمّا خواص أجزائه فإنّ دماغه ينفع من ظلمة العين اكتحالاً، ومرارته قدر عدسة عنها سم قاتل، وقال أبن سينا: خصيته تنفع من نهش الهوام، مجرب لريح أم الصبيان، إذا سقي قدر حبة الجلبان، وجلده يتخذ منه جورب يلبسه المنقرس يزول عنه بإذن الله تعالى، والله الموفق.
كوسج: صنف من السمك معروف، طولها مقدار ذراع لها أسنان كأسنان الناس، يضرب بها الحيوان يقطعه وأكثرها بقرب البصرة، قال الجاحظ: في جوف الكوسج شحمة طيبة يسمونها الكبد، فإن اصطادوا هذه السمكة ليلاً وجدوا هذه الشحمة وافرة، وإن اصطادوها نهاراً لم يجدوا تلك، و قد مر ذكر كوسج في بحر فارس فلا نعيده.
الأرض جسم بسيط طباعه أن يكون بارداً يابساً متحركاً إلى الوسط، زعموا أن شكل الأرض كرة والقدر الخارج من الماء جذبته لأنْ القوم أعتبروا خسوفاً واحدا، فوجدوه في البلاد الشرقية والغربية مختلف الأوقات، فلو كان طلوع القمر وغروبه في وقت واحد بالنسبة إلى الأماكن لما اختلف، وإِنما خلقت باردة يابسة للغلظ والتماسك إِذ لو لا ذلك لما أمكن قرار الحيوان على ظهرها، وجذوب المعادن والنبات في بطنها وهي مركز الأفلاك واقفة في الوسط بإذن الله تعالى، والماء محيط بها إلا القدر البارز الذي جعله الله تعالى مقرّا للحيوان وبعد الأرض من السماء من جميع جهاتها متساوية ليس شيء من ظاهر سطح الأرض أسفل كما توهم كثير من الناس ممن ليس له دراية بالهيئة والهندسة، ثم إن الإنسان في أي موضع وقف على سطح الأرض فرأسه أبداً مما يلي السماء، ورجله أبداً مما يلي الأرض، وهو يرى السماء نصفها، وإذا انتقل إلى موضع آخر ظهر له من السماء بقدر ما خفي من الجانب الآخر تسعة وعشرين فرسخاً درجة. والبحر المحيط الأعظم احاط بأكثر وجه الأرض، والمكشوف منها قليل على مثال بيضة غائصة في الماء، وانكشف بعضها، وعلى المنكشف منها الجبال والتلال والوهاد، ولها منافذ و خلجان وأنهار و بطائح وآجام وغدران، وما فيها قيد شبر إلا وهناك معدن أو نبات أو حيوان، ولا يعلم تفصيلها إلا اللّه ﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾
قال بعضهم: إنّها مبسوطة التسطيح في أربع جهات: الشرق والغرب والجنوب والشمال، وقال بعضهم: هي كشكل الترس، ومنهم هن زعم أنها كهيئة الطبل، وذهب آخرون إلى أنّها كنصف الكرة، والذي يعتمد عليه جماهيرهم أن الأرض مدورة كالكرة موضوعة من جوف الفلك كالمحة في جوف البيضة، وأنّها في الوسط على مقدار واحد من جميع الجوانب: ومن القدماء من أصحاب فيثاغورس من قال: الأرض متحركة دائماً على الاستدارة، والذي نرى من دوران الفلك إنّما هو دور الأرض لا دور الكواكب، وقال بعضهم إنّها واقفة في الوسط على مقدار واحد من كل جانب، والفلك محيط بها من كل وجه فلذلك لا تميل إلى ناحية من الفلك دون ناحية لأنّ قوة الأجزاء متكافئة، مثال ذلك حجر المغناطيس الذي يجذب الحديد لأن في طبع الفلك أن يجتذب الأرض وقد استوى الجذب من جميع الجهات، فوقعت في الوسط، ومنهم من قال إنّها مدورة واقفة في الوسط، وسببه دوران الفلك وسرعة حركته ودفعه إياها من كل جهة إلى الوسط كما أنه لو جعل تراب أو حجر في قارورة مدورة وأديرت في الخرط بقوة قام التراب أو الحجر في الوسط، والله الموفق.
قال أبو الريحان: طول قطر الأرض بالفراسخ ألف ومائة وثلاثة وستون فرسخاً وثلثاً فرس ودورها بالفراسخ ستة آلاف وثمانمائة فرسخ، فعلى هذا يكون مساحة سطحها الخارج أربعة عشر ألفاً وسبعمائة وأربعة وأربعين ألفاً ومائتين واثنين وأربعين فرسخاً وخمسي فرسخ، وقال المهندسون: لو حفر في الوهم وجه الأرض لأدى إلى الوجه الآخر، ولو نقب بأرض فرسخ مثلاً نفذ بأرض الصين واحتجوا على هذا ببراهين هندسية واعتبرت مساحة الأرض في زمن أمير المؤمنين المأمون بارتفاع قطب معدل النهار، فكان نصيب كل درجة فلكية ستة وخمسين ميلاً وثلئي ميل.
قال أبو الريحان: سطح معدل النهار يقطع بنصفين على دائرة تسمى خط الاستواء، فيسمى أحد نصفيها شمالياً والآخر جنوبياً، وإذا توهمت دائرة عظيمة على الأرض مارة على قطب خط الاستواء قسمت كل واحد من نصغى الأرض بنصفين، فانقسم جملتها أرباعاً جنوبيان وشماليان، فالربع الشمالي المسكون يسمى ربعا معمورا، وهذا الربع يشتمل على ما يعرف ويسلك من البحار والجزائر والجبال والأنهار والمفاوز والبلدان والقرى إلا أنه بقي منه قطعة غير معمورة من إفراط البرد وتراكم الثلوج، وقال غيره: معدل النهار يقطع الأرض بنصفين، كل نصف بربعين شماليين وجنوبيين، فالشماليان هما المعمورة وهو من العراق إلى الجزيرة والشام ومصر والروم وفرنجة ورومية والسوس إلى جزائر السعادات، فهذا الربع غربي شمالي، ومن العراق إلى الأهواز والشمال وخراسان، وتثبت إلى الصين إلى واقرها، فهذا الربع شرقي شمالي، وكذلك النصف الجنوبي ربعان شرقي جنوبي فيه بلاد الزنج والحبشة والنوبة وربع غربي جنوبي لم يطأه أحد البتة وهو متاخم للسودان الذين يتاخمون البرير، وحكي أن بطليموس الملك اليوناني بعث إلى هذا الربع قوم ليبحثوا عن بلاده، فذهبوا وبحثوا عن أهل بلاده ثم انصرفوا وأخبروا أنه خراب يباب ليس فيها عمارة ولا حيوان، فسمّي هذا الربع الخراب، وقيل الربع المحترق.
واعلم أن الربع المسكون قد قسم سبعة أقسام، كل قسم يسمى إقليماً كأنه بساط مفروش من المشرق إلى المغرب طوله وعرضه من جهة الجنوب إلى جهة الشمال، وهي مختلفة الطول والعرض، فأطولها وأعرضها الإقليم الأوّل، فإن طوله من المشرق إلى المغرب نحو من ثلاثة آلاف فرسخ وعرضه من الجنوب إلى الشمال نحو من مائة وخمسين فرسخاً، وأقصرها طولاً وعرضها الإقليم السابع، فإِن طوله من المشرق إلى المغرب نحو من ألف وخمسمائة فرسخ، وعرضه من الجنوب إلى الشمال نحو من سبعين فرسخاً، وأما سائر الأقاليم التي بينهما فيختلف طولها وعرضها بالزيادة والنقصان ثم إن هذه الأقسام ليست أقساماً طبيعية لكنها خطوط وهمية وضعها الملوك الأولون الذين طافوا بالربع المسكون من الأرض ليعلم بها حدود البلدان والممالك مثل أفريدون وإسكندر وأردشير.
زعموا أن الأبخرة والأدخنة الكثيرة إذا اجتمعت تحت الأرض ولا يقاومها برودة حتى تصير ماء، وتكون مادتها كثيرة لا تقبل التحليل بأدنى حرارة، ويكون وجه الأرض صلباً لا يكون فيها منافذ ومسام، فالبخارات إذا قصدت الصعود ولا تجد المسام والمنافذ تهتز منها بقاع الأرض وتضطرب كما يضطرب بدن المحموم عند شذة الحمى بسبب رطوبات عفنة احتبست في خلال أجزاء البدن، فتشتعل فيها الحرارة الغريزية فتذيبها وتحللها وتصيّرها بخاراً ودخاناً، فيخرج عن مسام جلد البدن فيهتز من ذلك البدن ويرتعد ولا يزال كذلك إلى أن تخرج تلك المواد، فإذا خرجت يسكن، وهكذا حركات بقاع الأرض بالزلزال، فربما ينشق ظاهر الأرض ويخرج من الشق تلك المواد المحتبسة دفعة واحدة، والله أعلم.
قالوا: إذا امتزج الماء بالطين كان في الطين لزوجة وأثرت فيه حرارة الشمس مدة طويلة، صار حجراً كما ترى النار إذا أثرت في اللبن صلبتها وجعلتها آجراً، فإن الآجر نوع من الحجر إلا أنه رخو، وكلّما كان تأثير النار فيه أكثر كأن أشبه بالحجر فزعموا أن تولد الجبال من اجتماع الماء والطين وتأثير الشمس، وأما سبب ارتفاعها وشموخها فجاز أن يكون بسبب زلزلة فيها خسف فتخفض بعض الأرض وترفع بعضها ثم المرتفع يصير حجراً كما ذكرنا، وجاز أن يكون يسبب أن الرياح تنقل التراب من مكان إلى مكان فتحدث تلال ووهادا، ثم يتحجر بسبب ما قلنا، وذكر صاحب علم المجسطي: أن في كل ستة وثلاثين سنة ينتقل أوجات الكواكب ويدور في البروج الاثني عشر دورة واحدة، فإذا انتقلت من الشمال إلى الجنوب تختلف مسامتات الكواكب ومطارح شعاعاتها على بقاع الأرض، فيختلف بها الليل والنهار والشتاء والصيف والحر والبرد ويتغير أرباع الأرض فيصير العمرانٍ خراباً والخراب عمراناً والبراري بحاراً والبحار براري والسهول جبالاً والجبال سهولاً، وأما صيرورة الجبال سهولاً فإن الجبال من شدّة إشراق الشمس والقمر وسائر الكواكب عليها بطول الزمان تنشف رطوبتها وتزداد يبساً وجفافاً وتنكسر خاصته عند الصواعق، فتصير أحجاراً وصخوراً ورمالاً، ثم إِن السهول تحملها إلى بطون الأنهار والأودية، ثم تحملها بشدة جريانها إلى البحار فتنبسط في قعرها ساقاً بعد ساق بطول الزمان ويتلبد بعضها في بعض، فيحصل في البحار جبال وتلال كما يتلبد من هبوب الرياح دعاص الرمل في البر، ولذلك قد يوجد في جوف الأحجار إذا كثرت صدفة أو عظم وذلك يسبب اختلاط طين هذا الموضع بالصدف والعظم، وقد يصير البحر يبساً واليبس بحراً لأنْه كلما انطمت قطعة من البحار على الوجه الذي ذكرناه فالماء يرتفع ويطلب الاتساع على سواحله ويغطي بعض البر بالماء ولا يزال كذلك حتى تصير مواضع البر بحراً وهكذا لا تزال الجبال تنكسر وتصير حصى ورمالاً يحملها سيول الأمطار مع طين في ممرها إلى قعر البحر وينعقد فيها كما ذكرناه حتى يستوي مع وجه الأرض. فيجف ويتكشف وينبت العشب عليها والأشجار فتصير مسكناً للسباع والوحوش فيقصده الناس لطلب المنافع من الصيد والحطب وغيرهما، فيصير مسكناً للناس موضعاً للزرع والغرس فيصير مدناً وقرى فسبحانه ما أعظم شأنه.
أما فائدتها العظمى فما ذكره الله تعالى في كتابه: ﴿ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ﴾ وقال بعضهم لو لم تكن الجبال لكان وجه الأرض مستديراً أملس فكان مياه البحار تغطيها مع جميع جياتها وتحيط بها إحاطة كرة الهواء بالماء، فبطلت الحكمة المودعة فى المعادن والنبات والحيوانات فاقتضت الحكمة الإلهية وجود الجبال لما ذكرناه من الحكمة، وقال بعضهم إِن الجبال لوجود الماء العذب السائح على وجه الأرض الذي هو مادة حياة النبات والحيوان، وذلك لأنّ سبب هذا الماء انعقاد البخار في الجو، فيصير سحاباً والجبال الشامخة الطوال في المشرق والمغرب والجنوب والشمال تمنع الرياح أن تسوق البحار، بل تجعلها منحصرة حتى يلحقها البرد فيصير مطراً أو ثلجاً، فلو فرضت الجبال مرتفعة على وجه الأرض لكانت الأرض كرة لا غور فيها ولا نتوء، والبخار المرتفع لا يبقى في الجو منحصراً إلي وقت يضربه البرد، بل يتحلل ويستحيل هواء فلا يجري الماء على وجه الأرض إلا قدراً ينزل مطراً ثم تنشفه الأرض فيعرض من ذلك أن الحيوان والنبات يعدم الماء فى الصيف عند شدة الحاجة إليه كما في البادية البعيدة فاقتضى التدبير الالهي وجود الجبال ليحصر البخار المرتفع من الأرض من أغوارها ويمنع من السيلان، ويمتع الرياح أن تسوقها، كما يمنع السقف الماء، فيبقي محفوظاً إلى أن يلحقه البرد زمان الشتاء، فيجمده ويعصره فيصير ماء، ثم ينزل مطراً وثلجاً، والجبال في أجرامها مغارات وأهوية وأوشال وكهوف، فيقع على قللها الأمطار والثلوج وينصب إلي تلك المغارات والأوشال وتبقى فيها مخزونة وتخرج من أسافلها من منافذ ضيقة وهي العيون، فساحت منها المياه على وجه الأرض فينتفع بها النبات والحيوان وما فضل ينصب إلى البحار، فإذا فني ما استفادته من الأمطار والثلوج لحقها نوبة الشتاء فعادت مكان ولا يزال دأبها كذلك إلى أن يبلغ الكتاب أجله، ولنذكر بعض الجبال وخواصها العجيبة مرتباً على حروف المعجم إن شاء الله تعالى:
جبل أولشان: بأرض الروم في وسط هذا الجبل درب فيه دوران عن اجتاز فيه وهو في حال اجتيازه يأكل الخبز بالجبن، ويدخل من أوله ويخرج من آخره فلا يضره عضة الكلب الكَلِب، وإن عض إنساناً غيره يعبر بين رجلي هذا المجتاز يأمن غائلته، وهذا أمر مشهور عندهم.
جبل أبي قبيس: مطل على مكة، يزعم الناس أنَّ من أكل عليه الرأس المشوي يأمن من أوجاع الرأس، وكثير من الناس يفعلون ذلك.
جبل أروند: مطل على همذان أخضر نضر، دخل رجل من همذان على جعفر الصادق رضي الله عنه فقال: من أين أنت؟ قال: من همذان، قال: أتعرف جبلها أروند؟ قال: نعم، قال: إن فيها عيناً من عيون الجنة وأهل همذان يرون أنها الماء الذي على قلة الجبل، وذلك أن ماءها يخرج في وقت من أوقات السنة معلوم ومنبعه من شق في صخرة، وهو ماء عذب شديد البرد لا بجد شاربه منه ثقلاً، فإذا جاوزت أيامه المعدودة انقطع إلى وقته عن العام الآخر لا يزيد ولا ينقص وهو شفاء للمرضى يأتونه من كل وجه، قالوا: إنه يكثر إذا كثر الناس ويقل إذا قلّوا.
جبل أروند: جبل آخر بسيستان، فيه ماء ينبت فيه قصب كثير، فما كان من القصب في الماء فهو كالحجر، وما كان خارج الماء فهو قصب، وما سقط من ذلك القصب في الماء يصير حجراً وكذلك لى كان قشراً أو ورقاً، هكذا ذكره صاحب تحفة الغرائب.
جبل أسبرة: بناحية الشام بما وراء النهر، قال الإصطخري: هناك جبال فيها منافع كثيرة من النفط والحديد والنحاس والآنك والصفر والفيروزج والذهب، وفيها حجر كله أسود مثل الفحم ويحترق مثل الفحم، يباع منه وقور وقران بدرهم، فإذا احترق اشتد بياضاً، وماؤه يستعمل في تبيض الثياب لا يعرف مثله من المواضع أصلاً.
جبل التر: على ثلاث فراسخ من قزوين شامخ جدّا لا تخلو قلته من الثلج لا صيفاً ولا شتاء، وعليه مسجد يأوي إليه الأبدان والناس يقصدونه للتبرك، ويتولد من ثلجه دود أبيض إذا غرزت فيه بأدنى شيء يخرج منه ماء أبيض صاف مقدار ما يروي دابة، وقال بعضهم: إِنّه ليس بحيوان.
جبل أندلس: في جيل منها غار لا ترى منه النار وإذا أخذ فتيلة ودهنها وشدها على رأس خشبة طويلة ودخل الغار اشتعل، وبقرب هذا الجبل جبل آخر تشتعل النار على قلته بالليل والنهار، يصعد مته دخان عظيم شديد الحرارة، وعلى جبل من جبالها عينان بينهما مقدار شبرين ينبع من إحداهما ماء شديد الحرارة، ومن الأخرى ماء بارد شديد البرودة، والله أعلم.
جبل هجنة: بتركستان، على قلّته شبه خرقات من الحجر، وداخل الخرقات عين ينبع الماء منها، وعلى الخرقات شبه كوة يخرج منها الماء وينصب من الخرقات إلى الكوة، ومنها إلى الجبل ومن الجبل إلى الأرض، وتفوح من ذلك الماء رائحة طيبة، والله الموفق.
جبل البرانس: بالأندلس، فيه معدن الكبريت الأحمر والأصفر، ومعدن الزئبق وهو غزير جداً يحمل إلى سائر الآفاق، وبه معدن الزنجفر وليس في جميع الأرض يعرف إلا هناك.
جبل القدس: قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض القدس جبل فيه شبه بيت غار يمشي إليه الزوار، فإذا أظلم الليل يضيء البيت ولا سراج فيه ولا كوة يدخل منها الضوء فيه من خارج.
جبل تحميد: قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض أندران جبل يقال له تحميد، وفيه قرية في طريقها مضيق لو صاح المار فيه صيحة يهب فيه هواء لا يقدر الإنسان على الوقوف فيه.
جبل نيسون: بين حلوان وهمدان جبل عال ممتنع لا ترتقي ذروته، قال مسعود بن مهلهل: هو على فرسخ من قرمسين حفر فيه إيوان فيه صورة شبرين خطه كسرى أبرويز على حائط الإيوان وعلى وسط الإيوان صورة أبرويز على فرشه سرير منحوت من حجر عليه درع كأنه من الحديد، وقد ثبت بمسامير وردة وقد بولغ في تجويدها إلى حد من يراه يحسب أنه متحرك، وبين يدي أبرويز رجل في زي فاعل على رأسه قلنسوة وهو مشدود الوسط، بيده مسحاة كأنه يحفر الأرض والماء يخرج من تحت رجله.
جيل ثبير: بمكة بقرب منى، وهو جبل مبارك يقصده الزوار، وهو الذي أهبط عليه الكبش الذي جعله الله تعالى فداء لإسماعيل عليه الصلاة والسلام، والعرب تقول: أشرق ثبير كيما نغير.
جبل ثور الطحل: بقرب مكة فيه الغار الذي كان فيه رسول الله ﷺ مع الصديق رضي الله تعالى عنه لمّا خرجا من مكة مهاجرين، وقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز حيث قال: ﴿ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ﴾.
جبل حراب: بأرض الهند، في ذروته نار تتقد مقدار مائتي ذراع فى مثلها، وبالنهار دخان وحواليه منابت العطر يجلب منها إلى سائر الآفاق.
جيل جيش إرم: في بلاد طيىء، على ذروته مساكن لعاد إرم فيها صور منحوتة من الحجر لا يعرف حالها الله أعلم بفائدتها.
جبل الجودي: بقرب جزيرة ابن عمر من الجانب الشرقي استوت عليه سفينة نوح عليه الصلاة والسلام كما أخبر الله تعالى، وقد بنى فيه نوح عليه الصلاة والسلام مسجداً وهو باق إلى الآن تزوره الناس.
جبل جوشن: في يمين حلب، وفيه معدن النحاس الأحمر، قيل إنه بطل منذ عبر عليه الحسين رضي الله عنه، وكانت زوجة الحسين رضي الله عنه حاملا، فأسقطت هناك، فطلبت منهم الماء في ذلك الجبل فمنموها وشتموها فدعت عليهم، فإلى الآن من عمل فيها لا يربح.
جبل الحارث والحويرث: جبلان بأرمينية لا يقدر أحد على ارتقائهما، قال ابن الفقيه: كان على نهر الرس بأرمينية ألف مدينة، فبعث الله إليهم نبياً دعاهم إلى الله تعالى، فكذبوه وعصوا أمره فدعا عليهم فحول الله عليهم الحارث والحويرث من الطائف، وأرسلهما عليهم: فقالوا: أهل الرس تحت هذين الجبلين.
جبل حراء: بمكة على ثلاثة أميال منها، به غار كان رسول الله ﷺ قبل الوحي قبل الوحي يأتيه للخلوة، فأتاه جبريل عليه السلام هناك، وهو موضع مبارك يزوره الناس، واللّه أعلم.
جبل حودقور: حدث أحمد بن يحيى التميمي أن في ناحية قورش في جبل يقال له: حودقور، غور مقداره خمسة أرماح، وعرضه قليل بنبت فيه دكة، فمن أراد أن يتعلم شيئاً من السحر عمد إلى ماعز أسود ليس فيه شعرة بيضاء، وذبحه وسلخه وقسمه سبعة أجزاء وأعطى جزءاً منها للراعي المقيم بالجبل وستّة أجزاء، ينزل بها إلى الغار ويأخذ الكرش، فيشقها وينطلي بما فيه ويلبس جلد الماعز مقلوباً، ويدخل الغار ليلاً، ومن شرطه أن لا يكون له أب ولا أم، فإذا دخل الغار لم ير أحداً فينام، فإذا أصبح ووجد جسمه نقياً مما كان عليه كأنّه مغسول، دل على القبول، وإن أصبح بحاله دل على أنه لم يقبل، فإذا خرج من الغار لم يحدث أحداً ثلاثة أيام بعد القبول فيصير ساحراً، وحودقور بين حضر موت وعمان.
جبل الحيات: بأرض تركستان، فيه حيات من نظر إليها يموت إلا أنّها لم تخرج من ذلك الجبل البتة.
جبل دامغان: جيل مشهور ودامغان يقرب من الري، وعلى هذا الجبل عين ماء، إذا ألقي فيها نجاسة تهب ريح قوية بحيث يخاف منها الهدم، ذكره صاحب تحفة الغرائب.
جبل نهاوند: بقرب الري، يناطح النجوم ارتفاعاً ويحكيها امتناعاً، قال مسعود بن مهلهل: إِنّْه جبل شاهق لا يفارق أعلاه الثلج شتاء ولا صيفاً، ولا يقدر الإنسان أن يعلو ذروته، زعموا أن سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام حبس به مارداً يقال له صخر، وذكروا أنَّ أفريدون حبس به بني راسف الذي يقال له الضحاك، قال: فصعدت الجبل إلى أن وصلت إلى نصفه بمشقة ومخاطرة بالنفس، وما أظن أحداً يجاوز هذا الموضع الذي وصلت إليه، رأيت عيناً كبريتاً وحولها كبريت مستحجر، إذا طلعت الشمس عليها التهبت وصارت ناراً، وسمعت من أهل تلك الناحية يقولون إنّ النمل إذا كثر جمع الحب على هذا الجبل يكون بعده جدب وقحط، وإِنّهم إذا دامت عليهم الأنداء والأمطار فصبوا لبن الماعز على النار انقطع قال: فاعتبرت هذا فوجدتهم صادقين، وإنَّه ما يرى في وقت من الأوقات قلة الجبل منحسراً عن الثلج إلا وقد وقعت فتنة وأهرقت الدماء من الجانب الذي يرى منحسراً، وهذه أيضاً صحيحة بإجماع أهل تلك الناحية، وقال محمد بن إبراهيم الضراب: إن أبى عرف أن بجبل نهاوند الكبريت الأحمر، فاتخذوا مغارف حديد طول السواعد، فذكروا أنه لا يقرب من ناره حديدة إلا ذابت في ساعتها، وذكر أهل نهاوند أنه جاءهم رجل من خراسان ومعه مغارف حديد طوال مطلية بماء عالجها بها، وأخرج الكبريت منها لبعض الملوك؛ وذكر محمد بن إبراهيم أن الأمير موسى بن حفص كان والياً على الري إذ ورد عليه كتاب المأمون يأمره بالشخوص إلى نهاوند ويعرفه حال المحبوس به قال: فوافينا القرية التي بحضيض الجبال ومكثنا أياما لا نرى الاهتداء حتى أتانا شيخ فعرفناه أمر الخليفة، فقال: أما الوصول إلى ذلك المكان فلا سبيل إليه: لكن إذا أردتم صحة ذلك أريتكم، فاستحسن الأمير قوله، فعند ذلك صعد الشيخ بين أيدينا وصعدنا خلفه وأوققنا على موضع فبالغنا في حفره حتى انكشف لنا عن بيته منقور من الحجارة، وفيه تمئال على صورة عجيبة يضرب بمطرقة على أعلاه ساعة بعد ساعة من غير فتور، فاستخبرنا الشيخ عن شأنه، فقال: هذا طلسم لبوراسف المحبوس هاهنا، لثلا ينحل من وثاقه، ثم أمرنا أن لا نتعرض للطلسم وأن رده إلى ما كان ففعلنا ثم دعا بسلالم أطول ما يكون، فأمر الأمير بإحضارها فشد بعضها إلى بعض حتى بلغ مقدار ماثة ذراع ثم رفعها ونقب موضعها فظهر باب، فوصلنا إلى أسكفته وعليها مسامير من حديد مذهبة، كأن الصائغ قد فرغ منها عن قريب، وفوق الأسكفة كتابة بالذهب تنطق بأن على هذه القبّة سبعة أبواب من حديد، على كل باب مصراع أربعة أقفال من حديد، وعلى العضادة مكتوب: هذا حيوان له أمد إلى غاية لا يتعرض أحد لهذه الأبواب، فِإنْ من فتحه يهجم على هذا الإقليم آفة لا تدفع، فقال الأمير: لا يتعرض أحد لشيء من هذا حتى نستأذن اللخليفة، فأمر برد البيت على ما كان، واستأذن الخليفة فيه، فكتب المأمون إليه أن يترك ذلك على حاله، والله تعالى الموفق للصواب.
جبل ربوة: على فرسخ من دمشق، ذكر بعض المفسرين أن المراد بقوله تعالى : ﴿ وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ ﴾ هو جبل عال على قلته مسجد حسن وهو في بعض البساتين من جميع جوانيها الخضرة والأشجار والرياحين، وللمسجد مناظر إلى البساتين، ولمًا أرادوا إجراء نهر بردى وقع هذا الجبل في طريقه فنقبوا تحته وأجرو| الماء فيه ويجري على رأسه نهر يزيد وينزل من أعلاه إلى أسفله، وفى هذا الجبل كهف صغير زعموا أنَ عيسى عليه الصلاة والسلام ولد فيه، ورأيت في هذا المسجد في بيت صغير حجراً كبيراً ذا ألوان عجيبة، حجمه كحجم صندوق، وقد انشق نصفين، وبين شقيه مقدار ذراع لم ينفصل أحد النصفين عن الآخير، بل متصل به كرمان متشقق، ولأهل دمشق في ذلك أقاويل، والله أعلم بصحّتها، ولا ريب أنه شيء أنه شيء عجيب.
جبل رضوى: قال عامر بن أصبع: هو من المدينة على سبعة مراحل وهو جبل منيف ذو شعاب وأودية يرى من البعد أخضر، وبه مياه وأشجار كثيرة، زعم الكيسانية أن محمد بن الحنفية مقيم فيه وأنّه حي وأنّه بين أسد ونمر يحفظانه وعنده عينان نضاختان تجريان بماء وعسل، ويعود بعد الغيبة يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وهو المهدي المنتظر، وإنما عوقب بهذا الحبس لخروجه إلى عبد الملك بن مروان، وقتله أبا يزيد بن معاوية، وكان السيد الحميري على هذا المذهب، وهو يقول:
| ||
ألا قل للوصي فدتك نفسي | أطلت بذلك الجبل المقاما |
ومن رضوى يقطع حجر المسن ويرفع إلى جميع الآفاق، والله الموفق.
جبل الرقيم: هو المذكور في القرآن: ﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ﴾ قيل الرقيم: اسم الجبل الذي فيه الكهف، وقيل: اسم القرية التي كان أصحاب الكهف منها، والجيل بالروم بين عمورية ونبقية، روي عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه أنه قال: بعثني أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه رسولاً إلى ملك الروم أدعوه إلى الإسلام، قال: فسرت حتى دخلت بلاد الروم، فلاح لنا جبل أحمر قالوا: إن جبل أصحاب الكهف، فوصلنا إلى دير فيه وسألنا أهلها عنهم، فأوقفونا على سرب في الجبل، فقلنا لهم: نحن نريد أن ننظر إليهم ووهبنا لهم هبة فدخلوا ودخلنا معهم في ذلك السرب، وكان عليه باب من حديد ففتحوه فانتهينا إلى بيت عظيم محفور في الجبل فيه ثلاثة عشر رجلا مضجعين على ظهورهم كأنّهم رقود، على كل واحد منهم جبة غبراء وكساء أغبر قد غطوا بها رؤوسهم إلى أرجلهم، فلم نر ما ثيابهم من صوف أو وبر إلا أنْها أصلب من الديباج، وإذا هي تقعقع هن الصفاقة وعلى أكثرهم خفاف إلى انصاف سوقهم متنعلين بنعال مخصوفة ولنعالهم وخفافهم من جودة الخرز ولين الجلود ما لم ير مثله، فكشفنا عن وجوههم رجلاً بعد رجل، فإذا هم من وضاءة الوجوه وصفاء الألوان كالأحياء، وإذا الشيب قد وخط بعضهم وبعضهم شباب موفورة شعورهم وبعضهم مضمومة وهم على زي المسلمين، فانتهينا إلى آخرهم فإذا هو مضروب الوجه بالسيف كأنّه ضرب في يومه، فسألناهم عن حالهم فذكروا أن قوماً يدخلون عليهم في كل عام يوماً يجتمع أهل تلك النواحي عند باب هذا الكهف، فيدخل عليهم من ينفض التراب عن وجوههم وجباههم وأكسيتهم، ويقلم أظفارهم ويقص شواربهم ويتركهم على الهيئة التي ترونها، فقلنا لهم: هل تعرفون من هم؟ وكم هم؟ وكم مدة ما لهم هنا؟ فذكروا أنْهم يجدون في كتبهم أنْهم كانوا أنبياء بعثوا في زمان واحد، وكانوا قبل المسيح بأربعمائة سنة، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن أصحاب الكهف سبعة وهم: مكسلمينا، أمليخا، مرطوكش، نوالس، ساتبوس، بطنيوس، اكشفوط، واسم كلبهم قطمير.
جبال رانك: قال صاحب تحفة الغرائب: إِنّها بأرض تركستان وهناك جمع من الترك يقال لهم: رانك، وهم أناس ليس لهم زرع ولا ضرع، وفي جبالهم ذهب وفضة كثيرة، وربّما قطعه كرأس شاة، فمن أخذ القطع الصغار ينتفع بها، ومن أخذ الكبار يموت هو وأهل البيت الذي يكون فيه تلك القطع الكبار، وما يزال الموت فيهم حتى يردوها إلى مكانها، وإذا أخذ الغريب لا يضره.
جبل زعوان: بقرب تونس، وهو جبل منيف يرى من مسيرة أيام لعلوه، ويرى السحاب دونه، وأهل إفريقية يقولون فلان أثقل من جبل زغوان، وفيه قرى كثيرة ومياه وأشجار وثمار، وفيها مأوى الصالحين وكثيراً ما يمطر سفحه ولا يمطر أعلاه، فمن كان بيته في سفح الجبل يشكون من شدة المطر، ومن كان بيته في أعلاه يشكون من قله الماء وكثرة العطش.
جبل ساوة: هو جبل على مرحلة منها، رأيته وهو شامخ جداً، فيه غار شبه إيوان يسع ألف نفس، وفي آخر الغار قد برز من سقفه أربعة أحجار شبيهة بثدي النساء بتقاطر الماء من ثلاثة والرابع يابس، قالوا: مصه كافر فيبس، وتحتها حوض يجتمع فيه الماء، وماؤه طيب غير متغير مع طول وقوفه، وعلى باب الغار ثقب ذو بابين يدخلون من أحدهما ويخرجون من الآخر، زعموا أن من لم يكن له ولد يرشده لا يقدر على الخروج منهما، ورأيت رجلاً دخل فيهما فما خرج إلا بعد جهد شديد، والله الموفق.
جيل سيلان: وهو يقرب مدينة أردبيل بأذربيجان من أعلى جبال الدنيا، عن رسول الله ﷺ « من قرأ: ﴿ فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ﴾ كتب الله له من الحسنات بعده كل ودق وثلج وقع على جبل سيلان، قيل: وما سيلان يا رسول الله؟ قال: جيل أرمينية وأذربيجان عليه عين من عيون الجنة وفيه قبر من قبور الأنبياء »، قال أبو حامد الأندلسي: على رأس الجبل عين عظيمة ماؤها بارد جداً وحول الجبل عيون حارة تقصدها الناس، وفي حضيض الجبل شجر كثير وبينها حشيش لا يتناوله شيء من الحيوانات إلا مات من ساعته، قال: ولقد رأيت البهائم من الخيل والحمير والبقر والغنم يقصدونها، فإذا قربت منها نفرت حتى العصافير، قال: وفي سفح الجبل قرية اجتمعت بقاضيها وهو أبو الفرج بن عبد الرحمن الأردبيلي، فسألته عن حال تلك الحشيشة، فقال: إنها تحميها الجن، وذكر أنه بنى في القرية مسجداً فاحتاج إلى قواعد حجرية لأعمدة المسجد فأصبح وعلى باب المسجد قواعد من الصخر المنحوت محكمة الصنعة من أحسن ها يكون.
جبال السراة: حاجزة بين تهامة واليمن، عظيمة الطول والعرض، وهي كثيرة الأهل والأنهار والأشجار وبأسفلها الأودية تنصب إلى البحر، وكل هذه الجبال منابت القرظ، وفيها الأعناب وقصب السكر والإسجل، وفيها معدن البرام.
جبل السماق: جبل عظيم من أعمال حلب، يشتمل على مدن وقري وقلاع، أكثرها للإسماعيلية، وهو منبت السماق، وهو مكان نزوة ترابه طيب، ومن عجيب هذا الجبل أنْ فيه بساتين ومزارع ومياها عذبة، فتنبت الحبوب والفواكه في الحسن والطراوة كالمشقوق حتى المشمش والقطن والسمسم.
جبل سرنديب: هو الجبل الذي أهبط عليه آدم وهو بأعلى الصين في بحر الهركند ذاهب في السماء، يراه البحريون من مسافة أيام، وفيه أثر قدم آدم عليه السلام مغموسة في الحجر ويرى على هذا الجبل كل ليلة كهيئة البرق من غير سحاب، ولا بد له في كل يوم من مطر يغسل موضع قدم آدم عليه السلام، وقيل إن الياقوت الأحمر يوجد على هذا الجبل تحدره السيول والأمطار إلى الحضيض، ويوجد به الماس أيضاً، وبه يوجد العود.
جبل سمرقند: قال صاحب تحفة الغرائب: جبل سمرقند فيه غار يتقاطر الماء منه في الصيف وينعقد جمدا، وفى الشتاء يكون حاراً حتى لو أن أحداً غمس يده فيه احترقت.
جيل السم: ذكر الهيجاني أن أهل الصين نصبوا من رأس جبل إلى رأس آخر قنطرة في طريق حسن إلى تبت، فإِنّ من جاوزها يدخل في هواء يأخذ بالأنفاس ويثقل اللسان ويموت من المارين كثير من أهل تبت جبل السم.
جبل الشب: بأرض اليمن، على قلة الجبل ماء يجري من كل جانب وينعقد حجراً قبل أن يصل إلى الأرض، والشب الأبيض اليماني من ذلك
جبل شبام: قال محمد بن أحمد بن إسحاق الهمذاني: هو جبل بقرب صنعاء وبينها وبينه يوم واحد، وهو صعب المرتقى، ليس له إلا طريق واحد، وذروته واسعة فيه ضياع كثيرة ومزارع وكروم ونخيل، والطريق إليها في دار الملك، وللجبل باب واحد مفتاحه عند الملك، من أراد النزول إلى السهل دخل إلى الملك وأعلمه بذلك ليأمره بفتح الباب، وحول تلك الضياع والكروم جبال شاهقة لا مسلك فيها ولا يعلم أحد ماوراءها، ومياه هذا الجبل تنصب إلى سد هناك، فإِذا امتلأ السد ماء فتح فيجري الماء إلى صنعاء ومخاليفها.
جبل شرق البعل: في طريق الشام من المدينة فيه بنيان عظيم للأصنام، صنعوا فيها من النقوش العجيبة محفورة في الحجر ما لا يتأتى حفره في الخشب مع علو سمكها وعظيم أحجارها وطول أساطينها، وهو شيء عجيب إذا رآها الناظر يتحير في صنعتها، والله أعلم بما كان في غرضهم منها.
جبل شقان: بخراسان، ذكر بعض فقهاء خراسان: أن من داخله غاراً من دخله برىء من المرض أي مرض كان، وذكر أيضاً: أن به جبلاً آخر من ارتقى ذروته لا يحس بشيء من هبوب الريح حتى يبقى بينه وبين أعلى ذروته ذراعان، وهناك يحس. بهبوب الريح.
جبل شكران: بأرض شكران، هو جبل ولست أدري أنه بالأندلس أو باليمن على قلته شبه مسرجة من الحجر في كل سنة يرى ثلاث ليال على تلك المسرجة سراج مضيء ولا يقدر أحد على الصعود إلى مكان المسرجة لهبوب الريح العاصف، لأنه عند وصوله إلى نصف الجبل ترميه الريح، وفي الليلة التي يرى فيها السراج على المسرجة يرى في منارها شبه طاووس على تلك المسرجة، ولا علم للناس بحقيقة ذلك، والله أعلم.
جبل الصور: قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض كرمان جبل من أخذ منه حجراً وكسره يرى في وسطه شبه صورة إنسان قائماً أو قاعداً أو مضطجعاً، وإن دققت هذا الحجر ثم سحقته وحللته في الماء حتى يرسب ترى في الراسب مثل ما كان في الحجر.
جبل الصفا: بين بطحاء مكّة والواقف على الصفا بحذاء الحجر الأسود والمروة يقابله، قيل: إن الصفا والمروة كانا اسمي رجل وامرأة زنيا في الكعبة فمسخهما الله تعالى حجراً فوضعوا كل واحد على الحجر المسمى باسمه لاعتبار الناس، وجاء في الحديث أن الدابة التي هي من أشراط الساعة تخرج من الصفا، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يضرب عصاه على الصفا ويقول: إن الدابة تسمع قرع عصاي هذا.
جبل صقلية: هو جبل في وسط بحر المغرب، قال الحسن بن يحيى في تاريخ صقلية: أنه جبل مطل على البحر ذروته ثلاثة أيام، فيه أشجار كثيرة أكثرها البندق والصنوبر والأرزن، وحوله أبنية كثيرة، وفيها أصناف الثمار وفي أعلاه منافس يخرج منها النار والدخان، وربما سالت النار منه إلى يعض جهاته فتحرك جميع ما مرت عليه وتجعله مثل خبث الحديد، وعلى قمّة هذا الجبل السحاب والثلوج والأمطار أبداً صيفاً وشتاء، وزعم أهل الروم أن الحكماء كانوا يدخلون إلى هذه الجزيرة للنظر إلى عجائبها، واجتماع النار والثلج فيه، وفيه معدن الذهب وتسميه أهل الروم بجزيرة الذهب أو جبل الذهب.
جبلا الضلعين: في طريق مكة من البصرة يسمّى أحدهما ضلع بني مالك، والآخر ضلع بني سيصيان، وهم بطن من الجن كفار، ما ضلع بني مالك فيحل به الناس ويصطادون صيدها ويرعون كلأها، وأمًا ضلع بني سيصيان فلا يصطاد صيدها ولا يرعى كلؤها، وربما مر عليها من لا يعرف حالها، فأصابوا من كلئها أو من صيدها فأصابهم شر في أنفسهم وأموالهم، ولم يزل الناس يذكرون كفرهم ولا يريدون إسلام هؤلاء، ولهم حديث عجيب يأتى فى مقالة الجن إن شاء الله تعالى.
جبل طاوق: بطبرستان، ذكر أبو الريحان الخوارزمي في "الآثار الباقية" من تصانيفه: أن فى هذا الجبل مغارة فيها دكة تعرف بدكة سليمان بن داود عليهما السلام، إذا لطخت بشىء من الأقذار انفتحت السماء ولا تزال تمطر حتى يزال القذر عنها.
جبل الطاهر: بأرض مصر قال صاحب تحفة الغرائب: على هذا الجبل كنيسة، فيها حوض يجري من الجبل ماء عذب إلى ذلك الحوض، ويسمّى ذلك الماء الطاهر فإذا امتلأ الحرض ينصب الماء من جميع جوانبه فإذا ورد الحوض جنب أو حائض وقف الماء ولا يجري حتى يراق ما في الحوض وينظف تنظيفاً جيدا وبعد ذلك يجري الماء.
جبل طبرستان: قال صاحب تحفة الغرائب: به حب شجر يسمّى جوز ماثل من قطعه ضاحكاً وأكله غلب عليه الضحك، ومن قطعه باكياً وأكله غلب عليه البكاء، ومن قطعه راقصاً فكذلك، فعلى أي صفة من قطعه وأكله تغلب عليه تلك الْصفة.
جبل طور سيناء: بقرب مدين بين الشام وبين قرى مدين، وقيل: إِنّه بقرب أيلة، كان عليه الخطاب لموسى عند خروجه من مصر ببني إسرائيل، فكان إذا جاءه سيدنا موسى ينزل عليه غمام وهو عليه يدخل في ذلك الغمام ويكلمه ربه وهو الجبل الذي ذكره الله تعالى حيث قال: ﴿ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا ﴾ والذي بقرب مدين لا يخلو من الصلحاء، وحجارته كيف كسرت خرج منها صورة شجر العليق.
جبل طور هارون: جبل مشرف على قبلي بيت المقدس، وإِنّما سمّي طور هارون لأن موسى بعد قتل عبدة العجل، أراد المضي إلى مناجاة ربّه؛ فقال له هارون: احملني معك فإني لست آمناً أن يحدث ببني إسرائيل حدث فتغضب عل مرة أخرى، فحمله معه، فلمًا كان ببعض الطريق إذا هما برجلين يحفران قبراً فوقفا عليه وقالا: لمن تحفران هذا القبر؟ فقالا: لأشبه الناس بهذا الرجل، وأشاروا إلى هارون، ثم قال له: بحق إِلهك إلا ما نزلت وأبصرت هل هو واسع؟ فنزع هارون ثيابه ودفعها إلى موسى أخيه ونزل القبر ونام فيه، فقبض الله روحه في الحال، وانضم القبر عليه فانصرف هوسى باكياً حزيناً على مفارقته، وانصرف إلى بنى إسرائيل بثياب هارون فاتهموه بقتله، فدعا الله تعالى حتى أراهم تابوته بين الصفا على رأس المجيل فسمي الجيل جبل هارون.
جبل الطير: بصعيد مصر في شرقي النيل بقرب انصنا، وإنّما سمي بذلك لأنّ صنفاً من الطير أبيض يقال له البوقير يجيء في كل عام في وقت معلوم فينعكف على الجبل، وفيه كوة يأتي كل واحد منها ويدخل رأسه في هذه الكوة ثم يخرجه ويلقي نفسه في النيل ويقوم ويذهب من حيث جاء حتى يدخل واحد رأسه فيها فينقض على رأسه من تلك الكوة فيضطرب ويبقى معلقاً فيها إلى أن يتلف فيسقط نفسه من بعد مدة، فإذا كان ذلك انصرف الباقي لوقته، فلا يرى شيء من هذا الطير في هذا الجبل إلى ذلك الوقت المعلوم من العام القابل، قال أبو بكر الموصلي: سمعت من أعيان تلك البلاد أنه إذا كان العام مخصباً قبضت الكوة على طائرين وإن كان متوسطأ فعلى واحد، وإن كان مجدباً لم تقبغى شيئاً، والله أعلم بحاله.
جبل غزوان: في ذروة الطائف ليس بجميع الحجاز موضع أبرد منه، قالوا إن الماء يبرد فيه، ومن هذا الجبل اعتدال هواء الطائف، وليس بالحجاز موضع يجمد به الماء إلا غزوان.
جبل عوير وكسير: هما جبلان في وسط البحر بين عمان والبصرة، عظيمان يخاف على المراكب منهما، صعب مسلكهما قلما ينجر منهما مركب، فلصعوبة المنجى منهما سمّوهما بهذا، يقولون: غوير وكسير وثالث ليس فيه خير.
جبل فرغانة: قال صاحب تحفة الغرائب: إِنّه ينبت به نبات على صورة الآدمي، منها على صورة الرجال ومنها على صورة النساء، يوجد مع الطرقيين كثيراً يتكلمون عليها ويقولون أكلها يزيد في الباه.
جبل قيلوان: قال أبو الريحان الخوارزمي: إِنّه بقرب المهرجان، فيه صفة محفورة والماء يترشح من سقفها دائماً، و إذا برد الهواء جمد على شكل القضبان.
جبل قاسيون: مشرف على دمشق فيه آثار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومغارات وكهوف منها مغارة تعرف بمغارة الدم، قالوا: فيها قتل قابيل هابيل، وهناك حجر يزعمون أنه الحجر الذي فلق به هامته، وفيه مغارة أخرى يسمّونها مغارة الجوع، يقولون: إنّه مات فيها أربعون نبياً جوعاً.
جبل قاف: قال المفسرون: أنه جبل محيط بالدنيا وهو من زبرجدة خضراء منه خضرة السموات ووراءه عالم وخلائق لا يعلمهم إلا الله تعالى.
جبل فدفد: بمكة وهو من الجبال التي لا يرتقي ذروتها، وفيه معدن البرام يحمل منه إلى سائر البلاد.
جبل قصران: قال الشيخ الرئيس: إن العسل يقع بجبل قصران كما هو طلا ويختلف بحسب ما يقع عليه من الشجر والحجر، والظاهر منه يلقطه الناس والخفي يلقطه النحل.
جبل الكحل الأثمد: بالأندلس بغرب مدينة بسطة، قالوا: إذا كان أوّل الشهر أخذ الكحل يخرج من نفس الجبل وهو كحل أسود ولا يزال كذلك إلى نصف الشهر، فإذا زاد على النصف نقص الكحل، ولا يزال يرجع الذي خرج إلى تمام الشهر، واللّه الموفق للصواب.
جبل كرنان: عند ناحية المعادن جبال فيها صخور إذا اشتعلت فيها النار اتقدت كما يتقد الحطب.
جبل كلستان: كلستان من قرى طوس، ذكر بعض فقهاء خراسان أن في هذا الجبل كهفاً شبه إيوان، وفيه دهليز يمشي فيه الإنسان منحنياً مسافة، ثم يظهر الضوء عن حظيرة محوطة فيها عين ينبع الماء منها وينعقد حجراً على شكل القضبان، وفي هذه الحظيرة ثقب يخرج منه ريح شديدة جدّا لا يمكن دخوله لشدة هبوب الريح.
جبل الأرجان: بأرض طبرستان، فيه ماء يتقاطر من الجبل من كل جانبه ومن كل قطرة ينعقد حجراً مسدساً أو مثمناً والناس يتخذون منه الخرز.
جبل لبنان مطل على حمص فيه الفواكه والزروع من غير أن يزرعها أحد يأوي إليه الأبدال لما فيه من القوت الحلال، وفي تفاحه أعجوبة، وهي أن يحمل من الشام ولا رائحة له حتى يتوسط نهر الثلج، فإذا توسط النهر فاحت رائحته.
جبل المغناطيس: قال المهلبي: جبال المغناطيس متصلة بجبال القلزم وقد علا الماء عليها، ولهذا المعنى لا يستعمل في مراكب هذا البحر المسامير الحديد خرفاً من جذب المغناطيس إياها.
جبل موركان: بأرض فارس، فيه كهف يتقاطر الماء من سقفه، قالوا: إن دخل الكهف واحد خرج من الماء وما يكفي الواحد، وإن دخل ألف خرج من الماء ما يكفي الألف.
جبل النار: بأرض تركستان، فيه غار، من دخله من الحيوانات يموت في الحال.
جبل نهاوند: قال ابن الفقيه: على هذا الجبل طلسمان صورة ثور رسمك، يقال: إنّهما للماء حتى لا يقل، وماؤه ينقسم قسمين قسم يجري إلى نهاوند، والآخر إلى دينور.
جبل هرمز: بأرض طبرستان، جبل يسمّى هرمز ينزل منه الماء وينصت إلى وهدة، فَإذًا صاح الإنسان صيحة يقف، وإذا صاح أخرى يسيل، وهكذا جبل الهند، قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض الهند جبل عليه صورة أسدين والماء يخرج من فمهما، فيصير ساقيتين، وعليهما شرب قريتين على كل سافية قرية، فوقعت بين القريتين خصومة على الماء فكسروا فم إحدى الصورتين فانقطع ماؤه، وخرجت القرية، والله أعلم.
جبل واسط: قال أحمد بن عمر العذري: أنه بالأندلس بقرب سدونة، في هذا الجبل كهف فيه شق، وفي الشق فأس حديد متعلق تراه العيون وتناله الأيدي، ومن أراد إخراجه لم يطق ذلك، وإذا رفعته اليد ارتفع وغاب في الشق ثم يعود إلى حالته، ذكر بعض مشايخ بسدونة أن بعض الناس أوقد ناراً عظيمة على هذه الصخرة، ورش عليها الخل لتنفتح الصخرة ويخرج الفأس فما أفاد شيئاً.
جبل بله سيم: بله اسم ضيعة من ضياع قزوين هناك جبل حدثني من صعد هذا الجبل قال: عليه صور الحيوانات مسخها اللّه تعالى حجرا، منها راع متكيء على عصا يرعى غنمه، وامرأة تحلب بقرة، وغير ذلك من صور الإنسان والبهائم، كلها مسخت حجرا، وأهل قزوين يعرفون ذلك، واللّه تعالى أعلم بالصواب.
إِذا وقعت الأمطار والثلوج على الجبال تنصب إلى المغارات وتبقى مخرونة فيها في الشتاء، فإذا كان فى أسفل الجبال منافذ ينزل الماء من الأوشال بتلك المنافذ، فتحصل منها الجداول وينضم بعضها إلى بعض فيحدث منها أنهار وأودية، فإن كانت الخزانات في أعلى الجبال فيستمر جريانها أبداً لأنّ مياهها تنصب إلى سفح الجيال، ولا تنقطع مادتها لوصول مددها من الأمطار، وإن كانت الخزانات في أسفل الجبال فتجري منها الأنهار عند وصول مددها، ثم ينقطع عند القطاع المدد وتبقى المياه فيها واقفة، كما ترى في الأودية التي تجري في بعض الأيام ثم تنقطع لانقطاع مادتها، قال صاحب تحفة الغرائب: إِن في هذا الربع المسكون مائتين وأربعين نهراً طوالاً، منها ما طوله من خمسين فرسخاً إلى مائة فرسخ إلى ألف فرسخ، ومنها ما يجري من المشرق إلى المغرب، ومنها ما يجري من المغرب إلى المشرق، ومنها ما يجري من الشمال إلى الجنوب، ومنها ما يجري من الجنوب إلى الشمالء وكلها تبتديء من الجبال وتنتهي إلى البحار والبطائح وفي ممرها تسقي المدن والقرى، وما فضل ينصب إلى البحار ويختلط بالماء المالح، والشمس تشرق فيها فيصعد بخاراً وينعقد غيوماً وتسوقها الرياح إلى الجبال والبراري وتمطر هناك وتجري في الأودية والأنهار وتسقى البلاد ويرجع فاضلها إلى البحر ولا بزال هذا دأبها وتدور كالرحى في الشتاء والصيف أن يبلغ الكتاب أجله.
ولنذكر بعض الأنهار وخواصها وعجائب أحوالها وغرائب حيواناتها مرتباً على حروف المعجم:
نهر أتل: نهر عظيم يقارب دجلة في بلاد الخزر، مجيئه من أرض الروس وبلغار ومصبّه بحر الخزر، وقالوا يتشعّب من هذا النهر نيف وسبعون نهراً، وعمقه يبقى كما كان لا يتغير لغزارة الماء، فإذا انتهى إلى البحر يجري فيه يومين فيغلب ماء البحر ويبين لونه من لون ماء البحر، ويجمد فى الشتاء لعذوبته. وفي هذا النهر حيوانات عجيية ذكر أحمد بن فضلان عن رسول المقتدر بالله إلى بلغار قال: لما وصلت إلى بلغار سمعت أن عندهم رجلا عظبم الخلقة فسألت الملك عنه فقال: نعم، ما كان من أهل بلادنا ومن خبره أن قوماً خرجوا إلى نهر أتل وكان قد مد وطغى، فقالوا: أيّها الملك قد وقف على الماء رجل إن كان من أمة تقرب منا فلا مقام لنا، فركبت معهم حتى صرت إلى النهر، إذا رجل طوله اثنا عشر ذراعاً ورأسه كأكبر ما يكون من القدر، وأنفه أطول من شبر، وعيناه عظيمتان: وكل اصبع منه شبر فأقبلنا نكلمه وهو لا يزيد على النظر إلينا فحملته إلى مكاني وكتبت إلى أهل ويسو وبيننا وبيتهم ثلاثة أشهر، فعرفوني أن هذا الرجل من يأجوج ومأجوج، قالوا: يحول بيننا وبينهم البحر، قالوا: فأقام الرجل عندنا مدة ثم أصابه في نحره علة مات منها فخرجت ورأيت جثة هائلة جدّا.
نهر أذربيجان: قال محمد بن زكريا الرازي عن الجبهاني صاحب المسالك والممالك الشرقية: إن بأذربيجان نهرا يجري ماؤه فيستحجر ويصير صفائح صخر، يستعملونه في البناء.
نهر أسفار: قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض أسفار نهر يجري الماء فيه سنة ثم ينقطع ثمان سنين، ثم يعود في التاسع ثم ينقطع ثمان سنين وهكذا دأبه.
نهر آنه: قال العذري صاحب الممالك والمسالك الأندلسية: يخرج هذا النهر من موضع يعرف بفج العروس ثم يفيض ويجري تحت الأرض لا يبقى له أثر على وجه الأرض ثم يجري بقرية يقال لها آنه، ثم يفيض ويجري تحت الأرض ثم يبدو ثم يفيض بين ماردة وبطليوس، ثم يبدو وينصب في البحر.
نهر جيحون: قال الإصطخري: جيحون يتخرج من حدود بدخشان، ثم ينضم إليه أنهار كثيرة في حدود الجبل، ووحش فيصير نهراً عظيماً ثم يمر على مدن كثيرة حتى يصل إلى خوارزم، ولا ينتفع به شيء من البلاد إلا خوارزم، لأنها مستقلة به ثم ينصب في بحيرة خوارزم بينها وبين خوارزم ستة أيام، وجيحون مع كثرة مائه يجمد في الشتاء عند اشتداد البرد فيجمد أوَلاً قطعاً تجري على وجه الماء ويلتصق بعضها ببعض حتى يصير سطح جيحون سطحاً واحداً، ثم يثخن ويصير ثخنه في أكثر الأوقات خمسة أشبار والماء يجري تحت الجمد فيحفر أهل خوارزم الآبار بالمعاول ليستقوا منها لشربهم، فإذا استحكم جموده عبرت عليه القوافل والعجل المحملة، ولا يبقى بينه وبين الأرض فرق ويتظاهر عليه الغبار، ويبقى على ذلك شهرين، فإذا انكسر البرد عاد ينقطع قطعاً كما بدأ أَوْل مرة إلى أن يعود إلى حاله الأوّل، وأنه نهر قتال قلّما ينجو منه غريقه.
نهر حصن المهدي: قال صاحب تحفة الغرائب: إِنْه بين البصرة والأهواز في بعض الأوقات يرتفع منه شبه منارة يسمع منها أصوات الطبل والبوق ولا يعرف أحد سبب ذلك.
نهر جريح: بأرض الترك، فيه حيّات إذا وقع عين أحد من الحيوان عليها يغشى عليه.
نهر دجلة: هو نهر بغداد مخرجه من أصل جبل بقرب آمد عند حصن ذي القرنين يجري عين دجلة من تحته، وهناك ساقية وكلما امتدت انضم إليها مياه جيال ديار بكر وآمد يخاض فيه بالدواب ثم يمتد إلى مياه فارقين ثم إلى حصن كيفا ثم إلى جزيرة ابن عمر ثم إلى الموصل وينصب فيه الرايات، ومنها يعظم إلى بغداد ثم إلى واسط ثم إلى البصرة ثم ينصب إلى بحر فارس. وماء دجلة من أعذب المياه وأصفاها وأخفها وأكثرها نفعا لأن مجراه من مخرجه إلى مصبه في العمارات، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الله تعالى أوحى إلى دانيال عليه الصلاة والسلام أن احفر لعبادي نهرين واجعل مفيضهما البحر فقد أمرت الأرض أن تعطيك، فأخذ خشبة يجرها فى الأرض والماء يتبعه وكلّما مر بأرض يتيم أو أرملة أو شيخ ناشده الله تعالى فيحيد عنهم، قيل: دجلة والفرات من ذلك، ودجلة نهر مبارك كثيراً ما ينجو غريقها.
حكي أنهم وجدوا فيها غريقاً فأخذوه فإذا فيه رمق، فلمًا رجعت إليه نفسه سئل عن حاله، فكان من موضع وقوعه إلى موضع نجاته مسيرة أيام.
نهر الذهب بالشام: يزعم أهل حلب أنه وادي بطنان، ومعنى قولهم: الذهب لأن جميعه يباع أوّله بالميزان وآخره بالكيل فَإنٌ أُوّلهِ تزوع عليه الحبوب وتغرس عليه الأشجار وآخره ينصب إلى بطيحة فرسخين يتعقد ملحا والعجب من هذا النهر أنه لا يضيع منه شيء، بل يباع كله بالذهب.
نهر الرأس: بأذربيجان، شديد جري الماء وبأرضه حجارة بعضها ظاهرة وبعضها مغطاة بالماء، ولهذا ليس للسفن فيه مجرى، وله أجراف هائلة ذات حجارة عظيمة لا مشارع لها، زعموا أنه من عبر نهر الرأس بدجلة إذا مسح برجليه ظهر امرأة عسرت ولادتها تضع في الحال وكان بقزوين شيخ تركماني اسمه الخليل كان يفعل دَلك، وزعموا أيضاً أن نهر الرأس مسامح بالغرقى كثيراً ما ينجو غريقه، ومن العجائب ما ذكر ديسم بن إبراهيم صاحب أذربيجان قال: كنت أجتاز على قنطرة الرأس بعسكري فإذا صرت في وسط القنطرة رأيت امرأة ومعها طفل في قماطة، فصدمتها دابة فرمتها فسقط الطفل من يديها في النهر، فوصل إلى الماء بعد زمان لبعد ما ببن القنطرة وسطح الماء ثم غاص وطغى الماء يجري به وسلم من الحجارة التي في النهر وللعقبان أوكار على أجراف النهر فرآه عقاب فانقض عليه فرفعه وتخرج به إلى الصحراء فأمرت جماعة بالركضي في أثر العقاب، فإذا العقاب قد وقع على الأرض، واشتغل بخرق القماط أدركه القوم وصاحوا به وركضوا نحوه فطار وترك الطفل فوجدوه سالما يبكتي فردّوه إلى أمه.
نهر بين الموصل وأربل: يبتدئ من أذربيجان و ينصب في دجلة يقال له: الزاب المجنون؛ لشدة جريانه ولقد شربت من مائة وقت القيظ عند الظهيرة وكان باردا، وذلك لشدة جريه، فإن الشمس لا تؤثر فيه حتى يسخن ماؤه.
نهر زرير، ونهر أصفهان: موصوف باللطافة والعذوبة يغسل فيه الثوب الخشن يصير لينا مثل الحرير، مخرجه من قرية يقال لها: بياكان، ويعظم بانضمام المياه إليه عند أصفهان ويسقى بساتينها ورساتيقها ثم يغور في رمل هناك ويخرج بكرمان ثم ينصب في بحر الهند؛ ذكر بعضهم أنهم أخذوا قصبة وعملوها وأرسلوها في موضع فخرجت بكرمان.
نهر زوبر: بأذربيجان بقرب مزيد، لا يخوضه الفارس فإذا وصل إلى قرب مزيد، يجري تحت الأرض أربعة فراسخ ثم يظهر على وجه الأرض، أخبر به الشريف محمد بن ذي الفقار العلوي المزيدي.
نهر سنجة: هو نهر عظيم بأرض مصر بين حصن المنصور وكيسوم لا يتهيأ خوضه لأنّ قراره رمل سيال، وعلى هذا النهر قنطرة وهي إحدى عجائب الدنيا لأنها عقد واحد من الشط إلى الشط مقدار مائتي خطوة من حجر مهندم طول كل قطعة عشرة أذرع. وحكي أنه عنده طلسم على لوح إذا عاب موضع من القنطرة أدلى ذلك اللوح على موضع العيب، فينعزل الماء عنه فيصلح، ثم يرفع اللوح فيعود الماء إلى حاله الأوّل، والله أعلم.
نهر شلف: بإفريقية، حدثتي الفقيه سليمان المالياني أن في كل سنة أيام الورد بظهر فيه صنف من السمك يسمّى الشبوق طيب اللحم إلاّ أنه كثير الشوك، طوله قدر ذراع ويبقى شهرين ويكثر صيدها في هذا الوقت، ويرخص ثمنها ثم ينقطع فلا يرى فيها شيء إلى العام القابل.
نهر صقلاب: بأرض صقلاب، في كل أسبوع يجري في الماء يوماً واحداً ثم ينقطع ستّة أيام ثم يجري في السابع وهكذا.
نهر طبرية: نهر عظيم والماء الذي يجري فيه نصفه حار ونصفه بارد، لا يختلط أحدهما بالآخره فإذا أخذ في الإناء يبقى كله بارداً خارج النهر.
نهر العاصي: نهر حماة وحمص مخرجه من قدس ومصبه البحر قرب أنطاكية، وإِنْما سمي العاصي لأن أكثر الأنهر تتوجه من نحو الجنوب هناك وهذا يتوجه من نحو الشمال.
نهر الفرات: خرجه من أرمينية، ثم من قالقيلا قرب أخلاط، ثم إلى ملطية ثم إلى سميساط، ثم إلى الرقة، ثم إلى غانة، ثم إلى هيت ثم ينصب في دجلة، بعد ما يسقى المزارع، والبساتين بهذه البلاد والفاضل منها ينصب في دجلة بعضه، وبعضه في بحر فارس؛ وللفرات فضائل كثيرة روي أن أربعة أنهار من الجنّة: النيل والفرات وسيحان وجيحان، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنّه قال: يا أهل الكوفة إِنّ نهركم هذا يصب إليه ميزابان من الجنّة، وروي عن جعفر الصادق رضى الله عنه أنه شرب من ماء الفرات ثم ازداد وحمد الله تعالى وقال: ما أعظم بركته لو علم الناس ما فيه من البركة تضربوا على حافتيه القباب، ولولا ما بدخله من الخطائين ما غتمس فيه ذو عاهة إلا برئ، وعن السدي: أن الفرات مد في زمن علي رضي الله عنه فألقى رمّانة عظيمة كان فيها كرحب، فأمر المسلمين أن يقتسموه بينهم، وكانوا يرون أنّها من الجنة.
نهر القورج: بين القاطول وبغداد، وكان سبب حفره أن كسرى لما حفر القاطول أضر بأهل الأسافل فخرج أهل تلك النواحي للظلم، فوافوه وقد خرج متنزها فقالوا: جئناك متظلمين، فقال: ممن؟ قالوا: منك، فثنى رجله ونزل عن دابته وجلس على الأرض فأتي بشيء يجلس عليه فأبى أن يجلس على غير التراب إِذ أتاه قوم للتظلم ثم قال: ما مظلمتكم؟ قالوا: حفرت القاطول وقطعت الماء عنا فخربت ديارنا، فقال: إني لأسده ليعود الماء إليكم، قالوا: لا نجشمك ذلك، لكن مر ليعمل لنا مجرى دون القاطول، فعمل لهم مجرى بناحية القورج، فعمرت بلادهم، وأمًا الآن فهو بلاء على أهل بغداد فإِنّهم يجتهدون في سده وإحكامه، فإذا زاد الماء تعدى إلى البلد.
نهر الكر: بين أرمينية وأران، وهو نهر عظيم سليم أكثر ما يقع فيه من الحيوان ينجو حدثنى بعض فقهاء نقجوان قال: وجدنا غريقاً فى نهر الكر يجري به الماء فبادر القوم إلى إمساكه فأدركوه وقد بقي منه رمق، فلما استقرت نفسه وسكن جأشه قال: أي موضع هذا؟ قالوا: نقجوان، قال: إن وقعت في الماء في الموضع الفلاني، فكان بينه وبين نقجوان ستة أيام، فطلب منهم طعاماً، فذهبوا لإحضار الطعام فانقض عليه الجدار الذي كان قاعدا تحته، فتعجب القوم من مسامحة الماء، وتعدي الجدار. ْ
نهر الملك: ببغداد، مشتمل على كوة واسعة، قيل أول من حفره سليمان عليه السلام، وقيل حفره الإسكندر، وقيل حفره أردشير بن بابك، وأخذ ملكه، فقال إنه يشتمل على ثلاثمائة وستين قرية على عدد أيام السنة، وإنما وضع هذا ليكون ذخيرة لقوت سنة كل قرية قوت يوم لو أجدبت غيرها من الأرض كما فعل يوسف عليه الصلاة والسلام بالفيوم بمصر.
نهر مهران: بالسند، عرضه كعرض جيحون يقبل من المشرق إلى المغرب حتى يقع في بحر فارس أسفل الهند، قال الاصطخري مخرجه من ظهر جبل يخرج منه بعض أنهار جيحون ويظهر بملطان ثم على المنصورة ثم يقع في البحر، وهو نهر كبير جداً، ماؤه عذب، فيه تماسيح كما في النيل، وإنّه يرتفع ويمتد على وجه الأرض، ثم ينضب فيزرع عليه مثل ما يزرع على النيل بأرض مصر؛ قالوا: إن تماسيح النيل و أصغر.
نهر مكران: عليه قنطرة من الحجر قطعة واحدة من عبر عليها يتقيأ جميع ما في بطنه حيث لا يبقى فيه شيء ولو كانوا ألوفاً كان هذا حالهم، فمن أراد من الناس القيء عبر على تلك القنطرة.
نهر النيل: ليس في الدنيا نهر أطول من النيل لأنه مسيرة شهر في بلاد الإسلام و شهرين في بلاد النوبة، و أربعة أشهر في الخراب إلى أن يخرج ببلاد القمر خلف خط الاستواء. وليس في الدنيا نهر يصب من الجنوب إلى الشمال ويمد في شدة الحر حين ينتقص الأنهار كلها ويزيد بترتيب وينقص بترتيب غيره وسبب مده أن الله تعالى يبعث الريح الشمال فيقلب عليه البحر المالح فيصير كالسكن له فيزيد فيعم الربا والتلال يجري في الخلجان حتى يملأها، فإذا بلغ الحد الذي هو تمام الري وحضر زمان الحراثة بعث الله الريح الجنوب فأخرجته إلى البحر وانتفع الناس بما أروى من الأرض، ولمًا كان زمان يوسف عليه السلام اتخذ مقياساً يعرف به قدر الزيادة والنقصان فيزرعون عليه، فإذا زاد على قدر كفايتهم يستبشرون بخصب السنة وسعة الرزق، وذلك المقياس عمود قائم في وسط بركة على شاطىء النيل لها طريق إلى النيل يدخلها الماء إذا زاد وعلى ذلك العامود خطوط معروفة عندهم يعرفون بوصول الماء إليه مقدار زيادته فأقل ما يكفي أهل مصر لسنتهم أن يزيد أربعة عشر ذراعاً، فإن زاد ستّة عشر ذراعاً زرعوا ما يفضل عن عامهم، وأكثر ما يزيد ثمانية عشر ذراعاً، والذراع أربعة وعشرون إصبعاً، وذكر عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عبد الحكم أن المسلمين لما فتحوا مصر جاء أهلها إلى عمرو بن العاص رضى الله تعالى عنه وقالوا: أيها الأمير إِنّ لبلدنا سنة لا يجري النيل إلا بها وذلك أنه إذا كان لاثنتي عشر ليلة من شهر بئونة عمدنا إلى جارية بكر فأرضينا أبويها و جعلنا عليها من الحلي و الثياب أفضل ما يكون و ألقيناها في النيل ليجري، فقال لهم عمرو: إن هذا في الإسلام لا يكون فأقاموا بئونة، وأبيب، ومسرى والماء لا يجري قليلا ولا كثيرا، وهم الناس بالجلاء فلما رأى عمرو ذلك كتب إلى عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه يعلمه بذلك فكتب في جوابه أما بعد: فقد أصبت في أن هذا في الإسلام لا يكون وقد بعثت إليك بطاقة فألقها في داخل النيل؛ فإذا في الكتاب: من عبد اللّه عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر، أما بعد: فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل اللّه الواحد القهار أن يجريك. فألقى عمرو بن العاص البطاقة في النيل قبل الصليب بيوم وقد تهيأ أهل مصر للجلاء فأصبحوا يوم الصليب وقد أجرى اللّه تعالى النيل ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة فإذا استوى الماء كما ذكرنا عند المقياس كسر الخليجان حتى تمتلئ جميع الأرض من مصر وتبقى التلال والقرى عليها. وسائر الأرض تكون في البحر فإذا استوفت الأرض الماء ورويت وزرعت عليها أصناف الزروع واكتفت بتلك الشربة لأنه كلما تأخر الوقت برد الجو؛ فلا تنشف الأرض إلى أن يدرك الزرع، وعاد الوقت يأخذ في الحر والصيف حتى ينضج الزرع فيأخذون في حصادها وفي ذلك عبرة. ومن عجائب النيل: السمك الرعادة والتمساح، وقد ذكرناهما في حيوان الماء، وفي النيل موضع يجتمع فيه السمك في كل سنة يوما معلوما، فالإنسان يصيد بيده ما يشاء ثم يتفرق إلى ذلك اليوم من السنة القابلة.
نهر هند مند: بسجستان نهر عظيم يقول أهل سجستان: إنه ينصب فيه ألف نهر ولا تتبين زيادة في عموده، وينشق منه ألف نهر ولا يظهر فيه نقصان، وإنه في الحالتين سواء.
نهر اليمن: قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض اليمن نهر عند طلوع الشمس يجري من المشرق إلى المغرب، وعند غروبها يجري من المغرب إلى المشرق، واللّه تعالى أعلم.
ذهبوا إلى أن في جوف الأرفي منافذ ومسام وفيها إمّا هواء أو ماء، فإن كان هواء يصير ماء بسبب برودة تلحقها فإن كان أصابه مدد من جهة أخرى لا يسع ذلك الموضع تنشق الأرض إن كانت رخوة ويظهر على وجهها وإن لم يكن لها قوة الخروج فيحتاج إلى أن ينحى عن التراب حتى يظهر كماء القنوات والآبار هذا إذا لم يكن لها مادة من البحار والأنهار والأوشال، فإن كان لها مدد فسببها ظاهر، وأمّا سبب اختلاف العيون فإن منها حارة وباردة وعفصية وشبية وأمثال ذلك فِإن المياه تسخن تحت الأرض في الشتاء وتبرد في الصيف بسبب أن الحرارة والبرودة ضدان في باطن الأرض لا يجتمعان فى مكان واحد وزمان واحد فإذا جاء الشتاء برد الجو وفرّت الحرارة إلى باطن الأرض، والأمر في الصيف بضد ذلك، فإن كانت مواضعها كبريتية بقيت الحرارة فيها دائمة بسبب المادة الكبريتية وهى مادة رطوبة دهنية، فإن أصابها نسيم الهواء وبرد الجو جمدت فصارت زئبقا أو قيرا أو نفطا أو شبّا أو ملحا أو ما شابه ذلك بسبب اختلاف تراب بقاعها وتغير أهوية أماكنها.
ولنذكر بعض العيون العجيبة ثم الآبار العجيبة مرتبة على حروف المعجم، واللّه الموفق.
عين أذربيجان: قال في تحفة الغرائب: بأذربيجان عين ينبع الماء منها ويتعقد حجرا والناس يتخذرن قالب اللبن ويصبون من ذلك الماء عليه ويصبرون عليه يسيراً والماء في القالب يصير حجراً.
عين أدربيهستل: أدربيهستل ضيعة من ضياع قزوين على ثلاث فراسخ منها بها عين إذا شرب الإنسان من مائها أسهل إسهالا شديدا، ومن خواصها أن الإنسان يقدر أن يشرب منها عشرة أرطال، ويقصدها في كل يوم خلق كثير من النواحي لشربها لأجل الإطلاق، وإذا حمل من مائها إلى قزوين زالت خاصيته فلا يعمل شيئاً، وسمعت أهل قزوين يقولون بين هذه الضيعة وبين قزوين نهر إذا جاوز ذلك النهر بطلت خاصيته.
عين إسكندرية: عين مشهورة فيها نوع من الصدف يطبخ ويؤكل لحمه ويشرب مرقه ينفع من الجذام ويبرئه ويوجد فيها كل وقت لا يخلو عنه شيء من الأوقات.
عين أيلابستان: قال صاحب تحفة الغرائب: إنها بين اسفرايين وجرجان ضيعة تسمّى أيلابستان، بها عين ينبع منها ماء كثير، فربّما ينقطع في بعض الأوقات ويدوم انقطاعها شهراً، فعند ذلك يخرج أهل الضيعة رجالها ونساؤها في أحسن ثيابهم بالدفوف والشبابات والملاهي ويرقصون عند ماء العين ويلعبون، إن الماء ينبع ويجرى وهو ماء كثير مقدار ما يدور رحوين.
عين بادحانى: قال صاحب تحفة الغرائب: مكان بدمغان يسمى كهن به عين تسمّى بادحاني، فإذا أراد أهل الضيعة هبوب الريح عند الدياس لتنقية الحبوب أخذوا خرقة الحيض ورموها في تلك العين فيتحرك الهواء، ومن شرب من مائها ينتفخ بطنه، ومن حمل معه شيئاً من ذلك الماء إذا فارق منبعه يصير حجراً.
عين باميان: قال في تحفة الغرائب: بأرض باميان عين ينبع منها ماء كثير بصوت وجلبة ويشم رائحة الكبريت، من اغتسل به يزول جربه وإذا ترك من ذلك الماء في كوز وسد رأسه سداً وثيقاً وتركته يوماً يصير خائراً شبه الخمير، وإذا عرضت عليه شعلة نار يشتعل، والله أعلم.
عين جاج: قال في تحفة الغرائب: إذا خرجت من جاج بقربها عقبة على رأسها عين ماء إذا كانت السماء مصحية لا ترى فيها قطرة ماء وإذا كانت السماء مغيمة ترى العين مملوءة من الماء.
عينٍ جاجرم: هي منبع قناة ببن جاجرم وإسفرايين، حدثني بعض فقهاء خراسان أن من غاص في مائها وبه جرب زال جربه، ويتقصدها أصحاب الجرب للعلاج.
عيون جبال سيران: بناحية باميان جبال فيها عيون لا تقبل شيئاً من النجاسة وإذا ألقى فيها من النجاسة ماج وعلا نحو الملقى فإن أدركه احاط به حتى يغرقه.
عين جبل ملطية: حدثني بعض التجار أن بقرب ملطية جبل فيه عين يخرج منها ماء عذب غزير شديد البياض، يشرب الحيوان منه ولا يضره، فإذا جرى مسافة يسيرة ينعقد حجراً.
عين وادان: عين فيها نبات من غاص فيها يلتف عليه ذلك النبات يمسكه وكلّما سعى في تخليص نفسه كان إمساكه له أشد، وإذا لم يسع في التخليص انحل عنه يسيرا.
عيون دوراق: حدثني الشيخ عمر التسلمي: أنها عيون كثيرة تنبع مي جبل كلها حارة، فربما يصعد منها دخان يلتهب فترى شعلته بيضاء وحمراء وصفراء وخضراء، يجتمع في حوضين أحدهما للرجال والآخر للنساء، يقصدها الناس لدفع الأمراض البلغمية، فمن نزل فيها يسيراً انتفع به، ومن ظفر فيها يحترق جميع بدنه وينتفط، واللّه أعلم.
عين رأس الناعور: بشرقي الموصل عين في قرية تسمى زراعة بها عين فوارة غزيرة الماء ينبت فيها من اللينوفر شيء كثير يباع بثمن جيد ويد من غلة تلك الضيعة.
عين نهاوند: بقرب البحيرة المنتنة بأرمينية جمة شريفة كثيرة المنفعة، وذلك أن الحيوان يغوص فيها وبه كلوم فتراد عن قريب قد اندملت قروحه والتحمت ولو كان دونها عظام موهنة وأزجة كامنة وشظايا غامضة تنفجر أفواهها وتجتمع على النظافة ويأمن الإنسان غائلتها.
عين زعر: على طرف البحيرة المنتنة بينها وبين البيت المقدس ثلاثة أيام، وزعر بيت لوط عليه السلام، وهي العين التي جاء ذكرها في حديث الجساسة وعدوها من أشرطة الساعة.
عين سياه سنك: قال صاحب تحفة الغرائب: بجرجان موضع يسمّى سياه سنك به عين على تل تأخذ الناس ماءها للشرب، وفي الطريق إليها دودة فمن أخذ من ذلك الماء وأصابت رجليه تلك الدودة يصير الماء الذي معه مراً فيبرد ويعود إليها مرة أخرى.
عين شميرم: وهي ناحية بين أصفهان وشيراز بها مياه مشهورة وهي من عجائب الدنيا، وذلك أنّ الجراد إذا وقعت بأرض يحمل من ذلك الماء إليها بشرط أن لا يوضع الظرف الذي فيه ذلك الماء على الأرض ولا يلتفت حامله إلى ورائه فينبع ذلك الماء من الطير الأسود، عدد لا يحصى ويقتل الجراد وهذا مجرب، ولقد وقع بأرض قزوين جراد كثير وأكل جميع زرعها وباضت فبعث أهل قزوين لطلب هذا الماء فجاؤوا به فجاء الطير خلفه وأكل الجراد جميعه.
عين شير كيران: وهي من ضياع مراغة، فيها عينان يفور منهما الماء وبينهما قدر ذراع ماء إحداهما في غاية البرودة وماء الأخرى في غاية الحرارة، أخبر به الفقيه حسن المراغي.
عيون طبرية: ذكروا أن هناك عيونا ينبع الماء منها سبع سنين متواليات ثم ييبس سبع سنين متواليات وهكذا على مرور الأيام.
عين العقاب: قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض الهند عين على رأس جبل إذا هرم العقاب تأتي به فراخه إلى هذه العين و تغسله فيها ثم تضعه في شعاع الشمس، فإن ريشه يتساقط عنه وينبت له ريش جديد ويزول عنها الضعف وترجع إليه القوة والشباب.
عين غرناطة: قال أبو حامد الأندلسي: بقرب غرناطة من أرض الأندلس، كنيسة عندها عين ماء وشجرة زيتون يخرج الناس إليها في يوم معلوم من السنة يقصدونها وإذا طلعت الشمس في ذلك اليوم فاضت تلك العين بماء كثير ويظهر على الشجرة زهر الزيتون ثم ينعقد زيتوناً ويكبر ويسود في يومه ويؤخذ من ذلك الزيتون من قدر على أخذه وكذلك يأخذون هن ماء تلك العين للتداوي، هذا الحديث قرأته في كتب عديدة.
عين عرنة: بقرب عرنة عين إذا ألقي فيها لبي م من القاذورات يتغير الهواء ويظهر البرد والريح العاصف والمطر ويبقى على تلك الحالة إلى أن تنحّى النجاسة عنها، ذكروا أن السلطان محمود بن سبكتكين لما أراد فتح عرنة كان كلما قصدها بادر أهل عرنة إلى العين وألقوا فيها شيئاً من القاذورات فلم يمكنه الإقامة هناك حتى عرف ذلك منهم نبعث السلطان أُولا على العين حفاظاً ثم سار إليهم فلم ير شيئاً ممّا كان يرى قبل ذلك ففتحها.
عين الفرات: بقرب أرز الروم، من اغتسل بمائها في الربيع يأمن من أمراض تلك السنة.
عين قراور: وهي بأرض خراسان، حدّثني بعض فقهاء خراسان وقال: من المشهور عندنا أن من اغتسل بالعين التي بقراور تزول عنه حمى الربع واللّه أعلم.
عين القيارة: بالموصل على مرحلة منها ينبع منها شيء كثير من القير ويحمل منها إلى سائر البلدان يقصدها الناس من الموصل يستحمون بها ويستشفون بمائها.
عين المشقق: وهو واد بالحجاز، قال ابن إسحاق: كان بها وشل يخرج منه ماء يروي الراكب والراكبين، فقال ﷺ في غزوة تبوك: « من سبقنا فلا يسقينّ منه شيئاً حتى نأتيه »، فسبقه نفر من المنافقين فاستسقوا منها، فلما أتاها رسول الله ﷺ يقلت وقف عليها فلم بر فيها شيئاً فقال: « من سبقنا إلى هذه؟ » فقالوا: فلان وفلان يا رسول اللهء فقال ﷺ: « أوَلم أنههم أن يسقوا منها شيئاً؟ » ثم نزل فوضع يده تحت الوشل فجعل يصب في يده من الماء ما شاء الله، ثم نضحه به ومسحه بيده، ثم دعا بما شاء فانخرق من يده من الماء ما يسمع له حس كحس الصواعق فشرب الناس واستقوا حاجتهم، فقال ﷺ: « الئن بقيتم أو بقي منكم أحد ليسمعن بهذا الوادي وقد اخضر ها بين يديه وما خلفه » وكان كما قال رسول اللّه ﷺ.
عين منكور: ذكر أبو الريحان الخوارزمي في « الآثار الباقية » أن ببلاد كيمال جبل يسمّى منكوراً، وفيه عين في حفرة على قدر ترس كبيرة وقد استوى سطح الماء مع حافتها فربما يشرب منه عسكر ولا ينقص أصبعاً وعند هذه العين صخرة عليها أثر رجل إنسان وأثر كفيه بأصابعهما وأثر ركبتيه كأنه كان ساجداً وأثر قدم صبي وأثر حوافر حمار ويسجد لها الأتراك للقربة.
عين منية هشام: وهي قرية بأرض طبرية، حكى الثعالبي أن بها عيناً يجري ماؤها سبع سنين دائماً، ثم ينقطع سبع سنين دائما هكذا وذلك معروف.
عين النار: بين أقشهر وأنطاكية، حدّثني من رآها قال: إذا غمست فيها قصبة احترقت، وقال: كنت مع السلطان علاء الدين كيخسرو عند اجتيازه بها، فوقف عليها، وأمر بتجربتها فكان صحيحاً.
عين ناطول: ناطول اسم موضع بمصر فيه غار، و في الغار عين ينبع الماء منها يتقاطر على الطين فيصير ذلك الطين قاراً، حكى بعضهم قال: رأيت من ذلك الطين قطعة نصفها قار والباقي طين.
عين نهاوند: قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض الجبال يقرب نهاوند عين في شعب جبل من احتاج إلى الماء لسقي الأرض يمشي إليها ويدخل الشعب وعنده يقول بصوت رفيع: إني محتاج إلى الماء، ثم يمشي نحو زرعه فالماء يجري نحوه، فإذا انقضت حاجته يرجع إلى الشعب عند العين، ويقول: قد كفاني الماء، ويضرب برجله على الأرض فإن الماء ينقطع.
عين هرماس: عين عجيبة بقرب نصيبين على مرحلة منها وهي مسدودة بالحجارة والرصاص لئلّا يطلع منها ماء كثير، فيغرق المدينة، وكان المتوكل على اللّه لمّا وصل إلى نصيبين سمع بأمر هذه العين وعجيب شأنها وكثرة مياهها أمر بفتحها، ففتح منها شيء يسير، فغلب عليه الماء غلبة شديدة فأمر بإحكامها وردّها إلى ما كانت، فمن هذه العين يحصل نهر الهرماس، فيسقي نصيبين وفاضل مائها ينصب إلى الخابور ثم إلى الثرثار ثم إلى دجلة.
عين الهم: قال صاحب تحفة الغرائب: إذا توجهت من طريق جهينة إلى جرجان ترى في سفح جبل عيناً يجتمع ماؤها في غدير مقدار غلوة سهم في غلوة سهم وفي هذا الغدير شجرة ليس عليها غصن ولا لحى ترى بالليل كأنّها تدور في ذلك الغدير وقد تختفي أربعة أشهر ولا علم لأحد بحالها ثم تظهر، وربّما يتفق في بعض الأوقات أن يكون مدة اختفائها سنتين ثم تظهر وإذا كانت السنة مطيرة كان ظهورها أسرع، وفي بعض الأوقات شدوها بالحبال لما دنت مدة غيبتها شدّا رثيقاً فأصبحوا والحبال مقطعة والشجرة ذاهبة فأخبر بذلك رافع بن هرثمة صاحب جرجان وخراسان، فوكّل بها من ينظر إليها لما دنت مدة غيبها ليلاً و نهاراً، فترقبوا أربعة أشهر، ثم اتفق لهم غيبته فعادوا والشجرة قد ذهبت، فأخبر بذلك رافع وكان في عسكره غواص كوفي فأمره أن يغوص ويعرف حالها فغاص زماناً طويلاً، ثم خرج وقال: نزلت ألف ذراع، وما رأيت لها أثراً، وتسمى هذه العين عين الهم بينها و بين بحر السكون يوم.
عين ياسي جمن: بين أخلاط وأرز الروم موضع يقال له، ياسي جمن به عين يفور الماء منها فوراناً شديداً يسمع صوته من بعيد وإذا دنا الحيوان منها يموت في الحال فترى حولها من الطيور والوحوش موتي ما شاء الله تعالى و قد وكّلوا بها من يمنع الغريب عنها.
عين يل: يل ضيعة من ضياع قزوين عندها جبل يخرج من شعب من شعابه ماء حار جدّا ويجتمع في حوضين هناك يقصدها الزمنى والجربا وأصحاب العاهات تنفعهم نفعاً بيناً وتسمى يله كرمان، واللّه الموفق للصواب.
أما الآبار فنقول، وباللّه التوفيق
بئر أبي كنود: من شرب من مائه يتحمق، يقال للرجل إذا أتى بما يلام عليه لا نعتبك فإنك شربت من ماء أبي كنود.
بئر بابل: قال الأعمش: كان مجاهد يحب أن يسمع من الأعاجيب وكان لا يسمع بشيء إلاّ صار إليه وعاينه، فأتى بابل فلقيه الحجاج وقال: ما تصنع ههنا؟ قال: لحاجة أن تسير إلى رأس الجالوت لتريني هاروت وماروت فأرسل إلى رجل وقال: اذهب بهذا فأدخله على هاروت وماروت لينظر إليهما فانطلق به حتى أتى موضعاً وكان هناك يهودي عارف بذلك الموضع فسالاه أن يريهما فرفع صخرة، فإذا شبه سرداب، فقال اليهودي: انزل معي وانظر إليهما ولا تذكر اسم الله تعالى، قال مجاهد: فنزل اليهودي ونزلت معه، فلم يزل يمشي بي حتى نظرت إليهما مثل: الجبلين العظيمين منكوسين على رؤوسهما وعليهما الحديد من أعقابهما إلى ركبهما، فلما رآهما مجاهد لم يملك نفسه أن ذكر الله تعالى: فاضطرباً اضطراباً شديداً حتى كادا يقطعان ما عليهما من الحديد، فهرب اليهودي ومجاهد تعلق به حتى خرجا، فقال له اليهودي: أما قلت لك لا تفعل ذلك، كدنا والله نهلك.
بئر بدر: بين مكة والمدينة، في الموضع الذي كانت فيه الوقعة المباركة بين رسول اللّه ﷺ ومشركي مكة، فقتلوا المشركين ورهوهم في البئر، فدنا منها رسول الله ﷺ وقال: « يا عتبة يا شيبة هل وجدتم ما وعدكم الله حقاً » فقيل: يا رسول الله هل يسمعون كلامنا؟ فقال رسول الله ﷺ: « لستم بأسمع منهم ». وحكى بعض الصحابة رضي الله تعالى عنه أنه رأى في اجتيازه هناك شخصاً خرج من البئر هاربا، فخرج عقبه آخر معه سوط فضربه، وردّه إليها.
بئر برهوت: بئر بقرب حضرموت وهي التي قال ﷺ: « فيها أرواح الكفار والمنافقين »، وهي بئر عادية في فلاة وواد عظيم، وعن علي رضي أللّه تعالى عنه: أبغض البقاع إلى الله تعالى وادي برهوت فيه بئر ماؤها أسود منتن تأوي إليها أرواح الكفار. وحكى الأصمعي عن رجل من أهل حضرموت أنه قال: نجد من ناحية برهوت في بعض الأوقات رائحة فظيعة منتنة جدّا، فيأتينا الخبر بموت عظيم من عظماء الكفار، وذكر أن رجلاً بات بوادي برهوت قال: كنت أسمع طول الليل يا دومة يا دومة، فذكرت ذلك لرجل من أهل العلم فقال: إنه اسم الموكّل بأرواح الكفار.
بئر بضاعة: بالمدينة في الخبر أن رسول اللّه ﷺ أتى بئر بضاعة، فتوضأ من الدلو، وردها إلى البئر، وبصق فيها وشرب من مائها، فكان إذا مرض المريض في أيامه ﷺ يقول: « اغسلوه بماء بضاعة، فيغتسل فكأنما نشط من عقال »، وقالت أسماء بنت أبي بكر رضي اللّه تعالى عنها: كنّا نغسل المرضى من بئر بضاعة ثلاثة أيام فيعافون.
بئر بنحن: بقرب واد زبيدة مشهورة وهي البئر التي حبس أفرا سياب فيها بنحن مكبلاً، وأنزل على رأس البئر صخرة عظيمة فذهب إليه دستم مختفياً، وسرقه وأتى به بلاد إيران ولها قصة طويلة.
بئر قنصورة: وهي جزيرة بأرض الهند يجلب عنها الكافور القنصوري فيها صنف من السمك إذا أخرجته من البئر يصير حجراً صلداً.
بئر جندق: جندق قرية من أعمال مراغة يخرج منها حمام كثير، حدّثني بعض فقهاء مراغة أنهم أرسلوا إليها رجلاً، ليعرف حال الحمام فنزل في البئر حتى زاد الجبل على خمسمائة ذراع، ثم أخرج فأخبر أنه لم ير من الحمام شيئاً، ورأى في آخرها ضوءاً وشيئاً كثيراً من الحيوانات الموتى.
بئر دماوند: بئر عميق بجبل دماوند يصعد منها بالنهار الدخان وبالليل النار، وإذا رميت فيها شيئاً ينزل ويلبث ساعة ثم يرجع ويقع خارج البئر على الأرض.
بئر ذروان: بالمدينة، طب فيها رسول الله ﷺ فيما روى أبن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ مرض مرضاً شديداً، فبينما هو بين النائم واليقظان رأى ملكين أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: ما وجعه؟ قال: طب، قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي، قال: وأين طبه؟ قال: في كرمة تحت صخرة في بئر كملي، فانتبه رسول الله ﷺ وقد حفظ كلام الملكين، فوجه علياً وعماراً مع جمع من الصحابة حتى أتوا بئر كملى، وهو بئر ذروان فنزحوا ماءها حتى انتهوا إلى الصخرة فقلبوها فوجدوا الكوبة تحتها، وفيها وتر فيه إحدى عشرة عقدة، فأحرقوا الكوبة وما فيها فزال عنه ﷺ وجعه كأنه نشط من عقال فأنزل الله تعالى المعوذتين إحدى عشرة آية على قدر عدد العقّد، والله الموفق.
بئر زمزم: في الخبر أن إبراهيم لما ترك إسماعيل وأمّه هاجر بموضع الكعبة وأراد الرجوع قالت له هاجر: إلى من تكلنا؟ قال: إلى الله قالت: حسبنا الله ونعم الوكيل، فأقامت عند ولدها حتى نفد ماؤها، فأدركتها الحنة على ولدها إسماعيل بموضعه وارتفعت على الصفا تنظر هل ترى عيناً أو شخصاً فلم تر شيئاً، فدعت ربّها واستسقته، ثم نزلت حتى أنت المروة فدعت مثل ذلك ثم سمعت صوت السباع فخشيت على ولدها فأسرعت نحو إسماعيل فوجدته يفحص والماء قد انفجر من عين من تحت عقبه، فلمّا رأت هاجر ذلك الماء جعلت تحوّطه بالتراب لئلا يسيل ويذهب، قيل لو لم تفعل ذلك لكان عيناً جارية؛ وقال محمد بن أحمد الهمذاني: كان ذرع زمزم من أعلاها إلى أسفلها أربعين ذراعاً، وفي قعرها عيون تجري عين حذاء الركن الأسود وعين حذاء أبي قبيس والصفا وعين حذاء المروة، ثم قل ماؤها في سنة أربع وعشرين ومائتين، فحفر فيها محمد بن الضحاك تسعة أذرع فزاد ماؤها، ثم جاء الله تعالى بالأمطار والسيول قي سنة خمس وعشرين ومائتين فزاد ماؤها وذرعها من رأسها إلى الجبل المنقور فيه أحد عشر ذراعاً وسعة فمها ثلائة عشرة أذرع وثلثا ذراع وعليها ميلان من ساج مربعة فيهما اثنا عشر بكرة يستقى عليها، وأول من عمل عليها الرخام وفرش به أرضها المنصور، وقال مجاهد: ماء زمزم إن شربت منه تريد شفاء شفاك الله تعالى، وإن شربته لظمأ أرواك الله تعالى، وإن شربته لجوع أشبعك الله، وقال المسعودي: إن ملوك الفرس يزعمون أنهم من أولاد الخليل من سبي بني إسرائيل وكانوا يحجون البيت ويطوفون به تعظيماً لجدّهم، وكان آخر عن حج منهم أردشير بن بابك طاف بالبيت وزمزم على البئر، وزمزمة المجوس قراءتهم عند صلواتهم وطعامهم.
بئر ضاهك: بكورة أرجان ذكر أهلها أنهم امتحنوا قعرها بالأرسان فلم يقفوا على شيء ويفور منها الماء الدهر كله مقدار ما يدير رحاً تسقي تلك القرية.
بئر عروة: بعقيق المدينة، منسوبة إلى عروة بن الزبير، قال الزبير بن بكار: كان الناس إذا مروا بالعقيق أخذوا من ماء بئر عروة يهدونها إلى أهاليهم، قال: ورأيت أبي يأمر به فيغلى ثم يجعله في القوارير ويهديه إلى الرشيد وهو بالرقة.
بئر غرس: بالمدينة بقباء، كان رسول الله ﷺ يستطيب ماءها ويبارك فيها، وقيل إِنه ﷺ بصق فيها، فلهذا وجد فيها البركة و روى أن فيها عينا من عيون الجنة.
بئر قرية عبد الرحمن: بأرض فارس جافة القعر طول السنة، حتى إذا كان الوقت المعروف من السنة ينبع منها ماء يرتفع على وجه الأرض مقدار ما يدير رحاً، ويجري وينتفع به سقي الزرع ثم يغور.
بئر الكلب الكلب: بقرية من قرى أعمال حلب إذا شربت منها من عضّه الكلب الكلب برئ، وإنها مشهورة، قال بعض أهل القرية: إذا لم يجاوز المكلوب أربعين يوماً وشرب منها برئ، أما إذا جاوز الأربعين مات إن شرب، وذكر أنه شاهد ثلاثة أنفس مكلوبين فشربوا، فسلم اثنان وكانا لم يبلغا الأربعين ومات الثالث وكان قد جاوز الأربعين، وهذه بئر منها يشرب أهل الضيعة.
بئر المطرية: في قرية من قرى مصر عليها شجر البلسان ويسقى من هذا البئر، والخاصية في البئر يقال إِنّ المسيح عليه الصلاة والسلام اغتسل فيها، والأرض التي تنبت هذا الشجر نحو نحو مد البصر في مثله محوط عليه وماء هذا البئر عذب فيه دهنية لطيفة، وقد استأذن الملك الكامل أباه الماك العادل أن يزرع فيه شيئاً من شجر البلسان فأذن له فغرم غرامات كثيرة وزرعها فلم ينجح شيئاً ولا خلص منه دهن البتة، فسأل أباه أن يجري له ساقية من المطرية فأذن له ففعل ذلك فنجح وليس في جميع الدنيا موضع ينبت فيه البلسان إلّا هذا الموضع، واللّه الموفق للصواب.
بئر نيسابور: آبار كثيرة وهي معادن الفيروزج، كان يوجد فيها القطع الجيدة فظهر فيها العقارب القاتلة فامتنع الناس عنها بسبب ذلك الشيء.
بئر هنديان: هنديان ضيعة بفارس بها بئر يخرج منها دخان يعلو لا يتهيأ لأحد أن يقربها، وإذا طار طائر فوقها سقط محترقاً.
بئر يوسف الصديق: صلى اللّه عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء، التي ألقاه فيها إخوته وهي بالأردن على أربعة فراسخ من طبرية مما يلي دمشق، قال الأصطخري وغيره: كان منزل يعقوب عليه السلام بين نابلس و بين قرية يقال لها: سخل، ولم تزل هذه البئر مراراً للناس يتبركون بها ويشربون من مائها. وليكن هذا آخر الكلام في الأنهار والعيون والآبار، واللّه الموفق للصواب.