المقدمات الأربع | عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات المقالة الأولى المؤلف: زكريا بن محمد بن محمود القزويني |
المقالة الثانية |
☰ جدول المحتويات
- النظر الأول في حقيقة الأفلاك وأشكالها وأوضاع حركتها بطريق الإجمال
- النظر الثاني في فلك القمر
- النظر الثالث فى فلك عطارد
- النظر الرابع فى فلك الزهرة
- النظر الخامس في فلك الشمس
- النظر السادس في فلك المريخ
- النظر السابع في فلك المشتري
- النظر الثامن في فلك زُحل
- النظر التاسع في فلك الثوابت
- النظر العاشر في فلك البروج
- النظر الحادي عشر في فلك الأفلاك
- النظر الثاني عشر في سكان السمـٰوات وهم الملائكة
- النظر الثالث عشر في الزمان
النظر الأول في حقيقة الأفلاك وأشكالها وأوضاع حركتها بطريق الإجمال
ذهب الحكماء إلى أنّ الفلك جسم بسيط كروي مشتمل على الوسط متحرك عليه ليس بخفيف ولا ثقيل ولا بارد ولا حار ولا رطب ولا يابس ولا قابل للخرق ولا للالتئام، ولهم على ذلك أدلة مذكورة في الكتب الحكمية، وكتابنا هذا ليس بصددها. والأفكلاك كراة محيطة بعضها ببعض حتى حصلت من جملتها كرة واحدة يقال لها العالم، وأدناه إلى العناصر فلك القمر، ثم فلك عطارد، ثم فلك الزهرة، ثم ذلك الشمس، ثم فلك المريخ، ثم فلك المشتري، ثم فلك زُحل ثم فلك الثوابت، ثم فلك الأفلاك، واعلم أن لكل فلك مكاناً لا ينتقل عنه، لكنه متحرك فيه بأجرامه لا يقف طرفة عين وسرعة حركاتها أسرع من كل شيء شاهده الإنسان حتى صح في الهندسة أنْ الفرس في حالة الركض الشديد من الوقت الذي يرفع يديه إلى أن يضعها يتحرك الفلك الأعظم ثلاثة آلاف فرسخ. ثم إن الأفلاك منها ما يتحرك من المشرق إلى المغرب كالفلك الأعظم، ومنها ما يتحرك من المغرب إلى المشرق كفلك الثوابت وأفلاك السيارات، ومنها ما بتحرك بالنسبة إلينا دولابية، ومنها ما يتحرك حمائلية، ومنها رحوية، ومنها ما يشتمل على الوسط ولكن ليس مركزه مركز العالم كالأفلاك التسعة، ومنها ما يشتمل على الوسط، لكن مركزه مركز العالم كخارج المراكز، ومنها ما ليس مشتملاً على الوسط كأفلاك التداوير. وسيأتي إن شاء الله تعالى.
من الأفلاك ما لم يعرف له إلا كوكب واحد كأفلاك السيارات، ومنها ما لم يعلم عدد كواكبها إلا الله تعالى كفلك الثوابت، ومنها ما ليس له كوكب أصلاً كالفلك الأعظم ويقال له الفلك الأطلس.
وجميع الحركات الموجودة في العالم بحسب ما عرف من آراء المتقدمين وأصحاب الأرصاد سيما بطليموس فإِنْ اعتماد القوم على رصده خمسة وأربعون حركة للفلك الأعظم وحركة لفلك الثوابت، وثمان عشرة لأفلاك الكواكب العلوية لكل واحد منها ست حركات، وحركتان لفلك الشمس، وست حركات لفلك الزهرة، وتسع حركات لفلك عطارد، وست حركات لفلك القمر، وحركتان لما دون كلك القمر، وهما حركتا الثقل والخفة، هذا ما بلغ إليه فهم العقلاء، وذهن الأذكياء، والله الموفق.
النظر الثاني في فلك القمر
وهو يحدّه سطحان كرويان متوازيان مركزهما مركز العالم، السطح الأعلى منهما لمقعر فلك عطارد، والأدنى لمحدب كرة النار، ويتم دورته في كل ثمانية وعشرين يوماً بحركته التي تختص به من المغرب إلى المشرق، وفلك تدويره يدور في الفلك الحاوي في كل أربعة عشر يوماً مرة، ففي الدورة الأولى يكون القمر بوجهه المملىء إلى مركز الأرض، ثم إن فلكه الكلى ينقسم إلى أربعة أفلاك: ثلاثة منها شاملة للأرض، وواحد صغير غير شامل، أما الشاملة فالأول منها يسمّى فلك الجوزهر، وهو الذي يماس السطح الأعلى منه السطح الأدنى من فلك عطارد، والثاني منها يماس السطح الأعلى منه مقعر فلك الجوزهر، والثالث منها فلك خارج المركز في الفلك المائل من مركزه خارج عن مركز العالم، مائل إلى جنب من الفلك الكلي بحيث يماس مقعر سطحيه السطح الأعلى من الفلك الكلي على نقطة مشتركة بينهما، ويسمّى الأوج، ويماس مقعر سطحيه السطح الأدنى من الفلك الكلي على نقطة مشتركة بينهما، ويسمى الحضيض، فيحصل سطحان مختلفا الثخن، أحدهما حاو للفلك الخارج المركز، والآخر محوي فيه ورقة الحاوي مما يلي الأوج، وغلظه مما يلي الحضيض، ورقة المحوي وغلظه بالعكس، يقال لكل واحد منهما المتمم، وأما الفلك الصغير فهو في ثخن الفلك الخارج المركز يقال له فلك التدوير، والقمر مركوز فيه يتحرك بحركته، وحركة هذا الفلك حركة مختصة مغايرة لحركة الفلك الكلي، وزعموا أن ثخن فلك القمر وهو بعد ما بين سطحه الأعلى وسطحه الأدنى مائة ألف وثمانية عشر ألفاً وستة وستون ميلاً ، وبطليموس قد ذكر ثخن الأفلاك ومقادير أجرام الكواكب، ودوائرها وأقطارها، ولا تستصعبن ذلك، فإنّه لا يصعب إلا على من لا دراية له بعلم الهندسة، وأما من حل الثانية من أقليدس فيسهل عليه ذلك إن كان فطناً.
وأما القمر فهو كوكب مكانه الطبيعي الفلك الأسفل، من شأنه أن يقبل النور من الشمس على أشكال مختلفة، ولونه الداني إلى السواد يبقى في كل برج ليلتين وثلث ليلة، ويقطع جميع الفلك في شهر، وهو أصغر الكواكب فلكاً، وأسرعها سيراً. وزعموا أن جرم القمر جزء من تسعة وثلاثين جزءاً وربع جزء من جرم الأرض، ودورة القمر أربعمائة وأثنان وخمسون ميلاً بالتقريب، هذا ما وصل إليه آراء اللحكماء بحكم المقدمات الحسابية.
القمر جرم كثيف مظلم قابل للضياء إلا القليل منه على ما يرى في ظاهره، فالوجه الذي يواجه الشمس مضيء أبداً، فإذا كان قريباً من الشمس كان الوجه المظلم مواجهاً للأرض، وإذا بعد عن الشمس إلى المشرق ومال النصف المظلم من الجانب الذي يلي المغرب إلى الأرض تظهر من النصف المضيء قطعة هي الهلال، ثم يتزايد الانحراف وتزداد بتزايده القطعة من النصف المضيء حتى إذا كان في مقابلة الشمس ينقص الضياء من الجانب الذي بدأ بالضياء على الترتيب الأول حتى إذا صار في مقابلة الشمس كان النصف المواجه للشمس هو النصف المواجه لنا، فتراه بدراً، ثم يقرب من الشمس، فيلقص الضياء من الجانب الذي بدأ بالضياء على الترتيب الأول حتي إِذا صار في مقابلة الشمس ينمحق نوره، ويعود إلى الموضع الأول وينزل كل ليلة منزلاً من المنازل الثمانية والعشرين، ثم يستتر ليلة، فإن كان الشهر تسعة وعشرين استتر ليلة ثمانية وعشرين، وإن كان ثلاثين استتر ليلة تسعة وعشرين، ويقطع في استتاره منزلاً، ثم يتجاوز الشمس فيرى هلالا، وذلك قوله تعالى: ﴿ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ﴾ يريد أنه ينزل كل ليلة منزلا منها حتى يصير كأصل العذق إذا قدم ورق واستقوس.
وسببه توسّط الأرض بينه وبين الشمس، فإذا كان القمر في إحدى نقطتي الرأس والذنب أو قريباً منه عند الاستقبال تتوسط الأرضى بينه وبين الشمس، فيقع في ظل الأرض، ويبقى على سواده الأصلي، فيرى منخسفاً والشمس أعظم من الأرض، فيكون ظل الشمس مخروطاً قاعدته دائرة صفحة الأرض، لأنّ الخطوط الشعاعية التي تخرج من الشمس إلى جرم الأرض لا تكون متوازية، فإذا اتصلت بمحيط الأرض ونفذت في الجهة الأخرى تلاقياً عند نقطة فيتحصل ظل الأرض علي شكل المخروط، فْإِذًا لم يكن للقمر عرض عن فلك البروج عند الاستقبال، وقع كله في جرم المخروط، فيخسف كله حينئذ، وإن كان له عرض يخسف بعضه، وربما يماس جرم القمر مخروط الظل، ولا يقع فيه شيء، وذلك إذا كان عرض القمر مساوياً لنصف مجموع القطرين، أعني قطر القمر وقطر الظل، وإذا كان أقل من نصف القطرين يخسف بعضه.
زعموا أن تأثيراته بواسطة الرطوبة كما أنّ تأثيرات الشمس بواسطة الحرارة، ويدل عليها اعتبار أهل التجارب، ومنها أمر البحار، فإنّ القمر إذا صار في أفق من آفاق البحر أخذ ماؤه في المد مقبلاً مع القمر، ولا يزال كذلك إلى أن يصير القمر في وسط سماء ذلك الموضع، فإذا صار هناك انتهى المد منتهاء، فإذا انحط القمر من وسط سمائه جزر الماء ولا يزال كذلك راجعاً إلى أن يبلغ القمر مغربه، فعند ذلك بنتهي الجزر منتهاه، فإذا زال القمر من مغرب ذلك الموضع ابتدأ المد مرّة ثانية إلا أنه أضعف من الأولى، ثم لا يزال كذلك إلى أن يصير القمر في وتد الأرض، فحينئذ ينتهي المد منتهاه في المرّة الثانية في ذلك الموضع، ثم يبتدىء بالجزر والرجوع، ولا يزال كذلك حتى يبلغ القمر أفق مشرق ذلك الموضع، فيعود المد إلى ما كان عليه أولاً فيكون في كل يوم وليلة بمقدار مسير القمر فيهما في ذلك البحر مدان وجزران.
ومنها أمر أبدان الحيوانات، فَإنّها في وقت زيادة القمر وضوئه تكون أقوى والسخونة والرطوبة، والنمو عليها أغلب، وتكون الأخلاط في بدن الإنسان في ظاهرة، والعروق تكون ممتلئة، وبعد الامتلاء يكون الأبدان أضعف والبرد عليها أغلب، والنمو أقل والأخلاط في غور البدن والعروق أقل امتلاء، وذلك أمر ظاهر عند علماء الطب.
ومنها أنّ الأطباء ذهبوا إلى أنّْ أحوال البحرانات وتقارب أيامها مبنية على زيادة ضوء القمر ونقصانه. وكتب الطب ناطقة بذلك؛ وزعموا أنَّ الذين يمرضون في أوَل الشهر أبدانهم وقواهم على دفع المرض أقوى، والذين يمرضون في آخر الشهر بالضد. ومنها أنّ شعور الحيوانات يسرع نباتها ما دام القمر زائد النور ويغلظ ويكبر، وإذا كان ناقص النور أبطأ نباته ولم يغلظ.
ومنها أن الحبوانات تكثر ألبانها من ابتداء زيادة نور القمر إلى الامتلاء، وتزداد أدمغتها وبياض البيض المنعقد في أوّل الشهر أكثر، وإذا نقص نور القمر نقصت غزارة الألبان، ومادة الأدمغة، وكثرة بياض البيض.
ومنها أنْ الإنسان إذا أكثر القعود أو النوم في ضوء القمر تولّد في بدنه الكسل والاسترخاء ويهيج عليه الزكام والصداع. وإذا كانت لحوم الحيوانات بادية لضوء القمر تغيرت رائحتها وطعمها.
ومنها أن السمك يوجد في البحار والأنهار من أوّل الشهر إلى امتلاء أكثر مما يوجد من الامتلاء إلى آخر الشهر، ويكون أيضاً في النصف الأول من الشهر أسمن منه في النصف الأخير .
ومنها أن حشرات الأرض خروجها من أجحرتها في النصف الأول من الشهر أكثر من خروجها منه في النصف الأخير، وكل حيوان يلسع أو يعض فإنّه في النصف الأوّل من الشهر أقوى فعلاً منه في النصف الأخير وسمه أشد تأثيراً.
ومنها أن السباع في النصف الأول أشد طلباً للصيد منها في النصف الأخير.
ومنها أنْ الأشجار إذا غرست والقمر زائد النور علقت وأسرعت النشو والحمل، وإن وقع اللقاح والحمل والقمر زائد النور كانا جيدين، وإن وقع والقمر ناقص النور أو زائلاً من وسط السماء لم يسرع النبات وأبطأت في الحمل، وربما يبست.
ومنها أنَ الفواكه والرياحين والزرع والبقول والأعشاب زيادتها من وقت زيادة القمر إلى الامتلاء أكثر من زيادتها ونموها من الامتلاء إلى المحاق، وهذا أمر ظاهر عند أرباب الفلاحة حتى عند عامتهم فضلاً عن علمائهم، فَإنّهم يجدرن تأثير ذلك ظاهراً سيما في البقول والخوخ والبطبخ والسمسم والقثاء والخيار والقرع من أوّل الشهر إلى نصفه يزيد أكثر مما يزيد من نصف الشهر إلى آخره.
ومنها أن الفواكه إذا وقع عليها ضوء القمر أعطاها لوناً عجيباً من حمرة أو صفرة، فالتي يقع عليها الضوء في النصف الأوّل من الشهر أحسن لوناً مما يقع عليها في النصف الأخير .
ومنها أنَّ نبات القصب والكتان إذا وقع عليها ضوء القمر في النصف الأول أشد تقطعاً مما وقع عليها آخر الشهر.
ومنها أن المعادن التي تتكون يكون جوهرها وصفاؤها أشد إذا كان تولدها من أول الشهر ولو كان في آخره لا يكون كذلك.
في المجرة: وهو البياض الذي يرى في السماء يقال لها شرج السماء إلى زماننا هذا لم يسمع في حقيقتها قول شافِ، زعموا أنها كواكب صغار متقاربة بعضها من بعض، والعرب تسمّيها أمْ النجوم لاجتماع النجوم فيها، وزعموا أن النجوم تقاربت من المجرة فطمس بعضها بعضاً، فصارت كأنها سحاب وهي ترى في الشتاء أَوْل الليل في ناحية من السماء، وفي الصيف أوّل الليل في وسط السماء ممتداً من الشمال إلى الجنوب، وبالنسبة إلينا تدور دوراً رحوياً فنراها نصف الليل ممتدة من المشرق إلى المغرب، وفي آخر الليل من الجنوب إلى الشمال، فما كان منها شمالياً يكون جنوبياً، وما كان جنوبياً يكون شمالياً، ولله أعلم بحقيقتها، وتكون على فلك يختص بها يدور بالنسبة إلينا رحوياً أو على شيء من الأفلاك المذكورة.
النظر الثالث فى فلك عطارد
وهو يحده سطحان كرويان متوازيان مركزهما مركز العالم السطح الأعلى منهما مماس لمقعر فلك الزهرة، والأدنى لمحدب فلك القمر، ويتم دورته التي تختص به من المغرب إلى المشرق في سنة واحدة، وينفصل عنه فلك خارج المركز بمتزلة الفلك الخارج المركز للقمر في داخل ثخن الفلك الكلي، ويقال له المدير، وينفصل عن فلك المدير فلك آخير خارج المركز يقال له خارج المركز الثاني، والكوكب في فلك التدوير، ويلزم أن يكون لعطارد أوجان، أحدهما ني الفلك الكلي، والثاني في المدير، ويكون له أيضاً حضيضان، وزعموا أنْ ثخْن فلك عطارد وهو مسافة ما بين سطحه الأعلى وسطحه الأدنى ثلاثمائة ألف وثمانمائة وثمانون ألفأً واثنان وثمانون ميلاً على رأي بطليموس صاحب الرصد. فإنّه استخرج ذلك بالبراهين الهندسية، والله أعلم.
وأمًا عطارد فسماه المنجمون منافقاً لكونه مع السعد سعدا ومع النحس نحساً على زعمهم وجرمه جزء من اثنين وعشرين جزءاً من جرم الأرض، ودورة جرمه مائتان وستة وثمانون فرسخاً، وقطر جرمه مائتان وثلاثة وسبعوثن ميلاً، ويبقى في كل برج سبعة وعشرين يوماً تقريبا، وهو كثير الرجعة والاستقامة، يدور حول الشمس.
النظر الرابع فى فلك الزهرة
وهو يحدّه سطحان متوازيان مركزهما مركز العالم، الأعلى منهما مماس لفلك الشمس، والأدني لفلك عطارد، وتتم دورته المختصة به من المغرب إلى المشرق في سنة واحدة مثل فلك الشمس، غير أنْ فلك تدويره يسرع تارة، فتصبر الزهرة قدام الشمس ويبطئ أخرى، فتصير الزهرة خلف الشمس. وثحن جرم فلك الزهرة وهو مسافة ما بين سطحه الأعلى والأدنى ثلاثة الاف وسبعمائة وخمسة وتسعون ميلاً، وصورته مشابهة لصورة فلك القمر سواء، وفلك الشمس على تقدير أن يكون جرم الشمس فلك التدوير من غير فرق.
وأما الزهرة فسمّاه المنجمون السعد الأصغر، لأنها في السعادة دون المشتري، وأضافوا إليها الطرب والسرور واللهو، وجرم الزهرة جزء من أربعة وثلاثين جزءاً وثلث جزء من جرم الأرض، وقطر جرمها أربعمائة وتسعة وأربعون ميلاً، وسدس ميل تبقى في كل برج سبعة وعشرين يوماً.
وأما خواصها: فزعموا أنْ النظر إليها مما يوجب فرحاً وسروراً، وإذا كان بالناظر إليها حرارات السل تخفف عنه، وزعموا أنْ من شأنها الشبق والباه والألفة حتى لو نكح رجل امرأة والزهرة حسنة الحال وقع بينهما من المحبة والألفة ما يتعجب منه.
النظر الخامس في فلك الشمس
وهو يحده سطحان كرويان مركزهما مركز العالم، الأعلى منهما مماس لمقعر فلك المريخ، والأدنى منهما مماس لمحدب فلك الزهرة، ودورته من المشرقٌ إلى المغرب تتم في ثلاثمائة وستين يوماً وربع يوم، وينفصل عنه فلك شامل للأرض مركزه خارج المركز كما مر ذكره فى أفلاك الكواكب الثلاثة من غير فرق، إلا أن الشمس ههنا بمتزلة فلك التدوير إذ ليس الشمس فلك التدوير، وذلك من لطف الله تعالى وعنايته بالعباد لأنّه لو كان لها فلك التدوير، كما لسائر الكواكب السيارة رجعت، وبرجعتها يتمادى الصيف ستة أشهر، وكذلك الشتاء فيؤدي إلى هلاك الحيوان والنبات لأنّ الشمس إذا بقيت مسامتة لرؤوس قوم ستة أشهر لتغير مزاج حيوانهم، واحترق نباتهم، وإن بعدت عن قوم ستة أشهر استولى البرد على مزاجهم وأنطفات حرارتهم وفسد نباتهم، وثخن جرم فلك الشمس ثلاثمائة ألفا وخمسة وخمسون ألفاً وأربعة وسبعون ميلاً.
وهي أعظم الكواكب جرماً، وأشدها ضوءاً ومكانها الطبيعي الكرة الرابعة، وهي بين الكواكب كالملك وسائر الكواكب كالأعوان والجنود، فالقمر كالوزير وولي العهد، وعطارد كالكاتب والمريخ كصاحب الجيش، والمشتري كالقاضي، وزُحل كصاحب الخزائن، والزهرة كالخدم والجواري والأفلاك كالأقاليم، والبروج كالبلدان والحدود والوجوه كالمدن، والدرجات كالقرى والدقائق كالمحال والثواني كالمنازل، وهذا تشبيه جيد، ومن لطف الله تعالى جعلها في وسط الكواكب السبعة لتبقى الطبائع والمطبوعات في هذا العالم بحركاتها على حذها الاعتدالي إذ لو كانت في فلك الثوابت لفسدت الطبائع من شدة البرد ولو انحدرت إلى فلك القمر لاحترق هذا العالم بالكلية، وخلقها سائرة غير واقفة وإلا لاشتدت السخونة في موضع والبرودة في موضع، ولا يخفى فسادهما بل تطلع كل يوم من المشرق ولا تزال تمشي موضعاً بعد موضع إلى أن تنتهي إلى المغرب، فلا يبقى موضع مكشوف مواز لها إلا ويأخذ موضع شعاعها، وتميل كل سنة مرّة إلى الجنوب ومرّة إلى الشمال لتعم فائدتها وأما جرمها فضعف جرم الأرض مائة وستة وستين مرة وقطر جرمها أحد وأربعون ألفاً وتسعمائة وثمانية وسبعون ميلا.
وسببه كون القمر حائلاً بين الشمس وبين أبصارنا لأن جرم القمر كمد فيحجب ما وراءه عن الأبصار، فإذا قارن الشمس، وكان في إحدى نقطتي الرأس والذنب أو قريباً منه فَإنّه يمر تحت الشمس، فيصير حائلاً بينها وبين الأبصار لأنّ الخطوط الموهومة الشعاعية التي تخرج من أبصارنا متصلة بالبصر على هيئة مخروط رأسه نقطة البصر وقاعدته المبصر، فإذا حال بيننا وبين الشمس يتحصل مخروط الشعاع أولاً بالقمر، فإن لم يكن للقمر عرض عن فلك البروج وقع جرم القمر في وسط المخروط فتنكسف الشمس كلها وإن كان للقمر عرض يتحرف المخروط عن الشمس بمقدار ما يوجب العرض، فينكسف بعضها، وذلك إذا كان العرضى أقل من مجموع نصف القطرين، فإن كان يماس جرم القمر مخروط الشعاع لا تتكسف الشمس، ثم الشمس إذا انكسفت لا يكون لكسوفها مكث، لأنْ قاعدة مخروط الشعاع إذا انطبق على صفحة القمر انحرف عنه فى الحال فتبتدىء الشمس بالانجلاء، ولكن يختلف قدرالكسوفات باختلاف أوضاع المساكن بسبب اختلاف المنظر، وقد لا تنكسف في بعض البلاد أصلاً.
أمَا في العلويات فإخفاؤها جميع الكواكب لكمال شعاعها وإعطاؤها للقمر النور بسبب قربه منها وبعده عنها، وجميع ما ذكرنا من فوائد القمر فائدة من فوائد الشمس.
وأما في السفليات، فمنها تأثيرها في البحار، فإنّها إذا أشرقت على الماء صعدت منه أبخرة بسيب السخونة، فإذا بلغ البخار إلى الهواء البارد تكاثف من البرد، وانعقد سحاباً ثم تذهب به الرياح إلى الأماكن البعيدة عن البحار، فينزل مطر يحي الله به الأرض بعد موتها، وتظهر منه الأنهار والعيون فيصير سبباً لبقاء الحيوان وخروج النبات وتكون المعادن. وقد قال الله عز وجل: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ﴾.
ومنها أمر المعادن، فَإِنّ العصارات التي تتحلب في باطن الأرض من مياه الأمطار إذا اختلطت بالأجزاء الأرضية تصحبها الشمس فتتولّد منها الأجساد المعدنية بحسب موادها كالذهب والفضة وسائر الفلزات وكالياقوت والزبرجد وسائر الأحجار النفيسة وكالزئبق والكبريت والزرنيخ والملح والنوشادر ولا يخفى عموم فوائد هذه الأشياء كلها. ومنها أمر النبات فإنَ الزروع والأشجار لا تنبت إلا في المواضع التي تطلع عليها الشمس، وكذلك لا ينبت تحت النخل والأشجار العظيمة التي لها ظلال واسعة شيء من الزروع، لأنها تمنع شعاع الشمس عما تحتها، وحسبك ما ترى من تأثير الشمس بحسب الحركة اليومية في النيلوفر والأدريون وورق الخروع، فإنّها تنمو وتزداد. عند أخذ الشمس في الارتفاع والصعود، فإذا زالت الشمس أخذت في الذبول حتى إذا غابت ذبلت وضعفت. ثم عادت في اليوم الثاني إلى حالها. ومنها تأثيرها في الحيوانات، فإنا نري الحيوان إذا طلع نور الصبح خلق الله تعالى في أبدانها قوة، فتظهر فيها قوة حركة وزيادة نشاط وانتعاش وكل ما كان طلوع نور الشمس أكثر، كان ظهور قوة الحيوان في أبدانها أكثر إلى أن تصل إلى وسط سمائهم، فإذا مالت عن وسط سمائهم أخذت حركاتهم وقواهم في الضعف، ولا تزال تزداد ضعفاً إلى زمان غيبوبتها، فإذا غابت الشمس رجعت الحيوانات إلى أماكنها ولزمتها كالموتى، فإذا طلعت الشمس عليهم في اليوم الثاني عادوا إلى الحالة الأولى، ومن عجيب تأثيرها في الحيوانات أن تجعل أهل البلاد القريبة عن مسامتتها كبلاد السودان الذين هم في الإقليم الأول سوداً محترقين، وتجعل وجوههم من شدة الحرارة قحلة، وجثتهم خفيفة، وأخلاقهم وحشية شبيهة بأخلاق السباع، والمواضع البعيدة عن مسامتتها كبلاد الصقالبة والروس تجعلهم لضعف حرارتها بيضاً، وتجعل شعورهم سبطة شقراً، وأبدانهم رخصة عظيمة، وأخلاقهم شبيهة بأخلاق البهائم.
ومنها ما زعمت البراهمة أن أوج الشمس في كل برج ثلاثة آلاف سنة، وتقطع الفلك في ستة وثلاثين ألف سنة، والآن في وقتنا هذا وهو إحدي وستّون وستمائة فى برج الجوزاء، زعموا أن الأوج إذا انتقل إلى البروج الجنوبية انقلبت أحوال الأرض وهيئاتها، فصار العامر غامراً والغامر عامراً، والبحر يابسأ واليبس بحراً، والجنوب شمالاً والشمال جنوباً.
النظر السادس في فلك المريخ
وهو يحده سطحان متوازيان مركزهما مركز العالم، فالأعلى منهما مماس لفلك المشتري، والأدني مماس فلك الشمس، وتتم دورته التي تختص به من المغرب إلى المشرق فى سنة واحدة وعشرة أشهر واثنين وعشرين يوماً، وصورته كفلك القمر وفلك الزهرة من غير فرق ولا حاجة إلى إعادته، وكذلك فلك زُحل وعلى رأي بطليموس ثخن فلك المريخ، وهو المسافة التي بين سطحه الأعلى وسطحه الأسفل عشرون ألف ألف وثلائمائة ألف وستة وسبعون ألفأ وتسعمائة وثمانية وتسعون ميلاً.
والمنجمون يسمون المريخ النحس الأصغر لأنه دون زُحل في النحوسة، وأضافوا إليه البطش والقتل والقهر والغلبة، وجرم المريخ مثل جرم الأرض مرّة ونصف مرةٌ بالتقريب، وثخن جرمه تسعمائة ألف وثمانمائة وخمسة وثمانون ميلاً، ويبقى في كل برج إذا كان مستقيماً أربعين يوماً.
النظر السابع في فلك المشتري
وهو يحدّه سطحان متوازيان، الأعلى منهما مماس لفلك زُحل، والأدنى مماس لفلك المريخ، مركزهما مركز العالم، ويتم دورته المختصة به من المغرب إلى المشرق في إحدى وعشرين سنة وعشرة أشهر وخمسة عشر يوماً، وصورته كصورة فلك المريخ والزهرة، وقد مضى ذكرهما، وثخن جرمه وهو المسافة التي بين سطحه الأعلى وسطحة الأسفل عشرون ألف ألف وثلاثمائة واثنان وثلاثون ألفاً وأربعمائة واثنان وثلاثون ميلاً بالتقريب.
وأمًا المشتري فسمّاه المنجّمون السعد الأكبر لأنّه فوق الزهرة فى السعادة، وأضافوا إليه الخيرات الكثيرة والسعادات العظيمة. وجرم المشتري مثل جرم الأرض أربعة وثمانون مرة وثلث وربع، وقطر جرم المشتري كقطر جرم الأرض أربع مرات وربعاً وسدساً يقطع في كل يوم خمس دقائق.
النظر الثامن في فلك زُحل
وهو يحده سطحان متوازيان مركزهما مركز العالم، الأعلى منهما مماس لفلك الكواكب الثابتة، والأدنى منهما مماس لفلك المشتري، وتتم دورته المختصة به من المغرب إلى المشرق في تسع وعشرين سنة وخمسة أشهر وستة أيام، قال بطليموس: ثخن جرم فلك زُحل أحد وعشرون ألف ألف ميل وستمائة وستة وثلاثون ألفاً وستمائة وستة أميال.
وسماه المنجمون النحس الأكبر لأنه في النحوسة فوق المريخ، وأضافوا إليه الخراب والهلاك والهم والغم. وجرم زُحل كجرم الأرض إحدى وثمانين مرّة وقطره كقطر جرم الأرض أربعين مرّة وثلثي مرّة. زعموا أن النظر إليه يفيد غماً وحزناً، كما أن النظر إلى الزهرة يفيد فرحا وسروراً.
النظر التاسع في فلك الثوابت
وهو يحده سطحان متوازيان مركزهما مركز العالم، فالأعلى منهما مماس للفلك الأعظم المحيط بجميع الأفلاك المحرك لكلها، والأدنى منهما مماس لفلك زُحل، وهذا الفلك أيضاً يتحرك من المغرب إلى المشرق حركة بطيئة، فيقطع في كل مائة سنة جزءاً من الأجزاء التي بها تكون الدائرة ثلاثماثة وستّين جزءاً ودورته تم في ستة وثلاثين ألف سنة وقطباها قطبا دائرة البروج التي ترسمها الشمس، وسيأتي ذكر ذلك إن شاء الله تعالى، وقد وجد في رصد بطليموس وأرصاد من كان قبله أن جميع الكواكب الثابتة مركوزة في جرم هذا الفلك، ولذلك لا تختاف أوضاعها، وكلها تتحرك بحركة فلكها البطيئة على محيط دائرته غير مفارقة لها، وهي كثيرة مختلفة الأقدار مثبتة في جميع جرم هذا الفلك، قال بطليموس: ثخن فلك الثوابت وهو المسافة التى بين سطحه الأعلى، وسطحه الأدنى أربعة وثلاثون ألفاً وسبعمائة وأربعة وأربعون ميلاً بالتقريب، وهذا المقدار هو قطر الكواكب الثابتة التي هي في العظم الأوّل، وجرم الكواكب الذي هر في العظم الأول مثل جرم الأرض أربعة وسبعين عرّة وخمس، وجرم أصغر الكواكب الثابتة وهو الذي يكون في العظم السادس مثل جرم الأرض ثماني عشرة مرّة، وقطر فلك الكواكب الثابتة وهو محدد فلك البروج مائة واحد وخمسون ألف ألف ميل وخمسمائة وسبعة وثلاثون ألفاً ومائة وأربعة وثمانون ميلاً، ولعل البعض يستبعد معرفة مقادير هذه الأجرام، ويخطر له أن الذي على سطح الأرض كيف يدري ثخن الفلك الثامن وأجرام كواكبه، فالأولى تركه الاستبعاد فإن الأمر الذي لا يعرفه هو لا يستحيل أن يعرفه غيره، ومن مارس علم الهندسة لا يتعذر عليه براهين هذه الأمور، فإن لكل عمل رجالاً، فسبحان من أبدع هذه الأجسام الرفيعة وزينها بهذه الأجسام المنيرة، وخص كل واحد منها بما شاء من المقدار، وأعطى الإنسان آلة يدرك بها هذه الأمور الغامضة، فقال تعالى: ﴿ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾.
اعلم أنْ عددها مما يقصر ذهن الإنسان عن ضبطه، لكن الأؤلين قد ضبطوا منها ألفاً واثنين وعشرين كوكباً، ثم وجدوا من هذا المجموع تسعمائة وسبعة عشر كوكباً، تنتظم منها ثمانية وأربعون صورة كل صورة منها تشتمل على كوكبها، وهي الصور التي أثبتها بطليموس في كتاب المجسطي بعضها في النصف الشمالي من الكرة، وبعضها على منطقة فلك البروج التي هي طريقة السيارات، وبعضها في النصف الجنوبي، فسمى كل صورة باسم الشيء المشبه بها، فوجد بعضها على صورة الإنسان كالجوزاء، وبعضها على صورة الحيوانات البحرية كالسرطان، وبعضها على صورة الحيوانات البرية كالحمل، وبعضها على صورة الطير كالعقاب، وبعضها اخرجاً عن شبه الحيوانات كالميزان والسنبلة. ووجدوا من هذه الصور ما لم يكن تام الخلقة مثل قطعة العرس، ومنها ما بعضه من صورة حيوان، وبعضه الآخر من صورة حيوان آخر كالرامي، ومنها ما لم تتم صورته حتى جعل من صورة أخرى كوكب مشترك منهما مثل ممسك الأعنة، فإن صورته لم تتم حتى جعل الكوكب النير الذي على طرفي القرن الشمالي من الثور مشتركاً بينهما، فصار على قرن الثور، وعلى رجل ممسك الأعنة، وإنّما ألغوا هذه الصورة وسمّوها بهذه الأسماء ليكون لكل كوكب اسم يعرف به متى أشاروا إليه، وقد ذكروا موقعه من الصورة وموضعه من فلك البروج، وبعده في الشمال أو الجنوب عن الدائرة التي تمر بأوساط البروج لمعرفة أوقات الليل والطالع في كل وقت.
وأمًا الكواكب الأخر وهي مائة وثمانية عشر كوكباً، فَإنُّها لم ينتظم منها شيء من الصور، فأضافوا كل ما وجدوه منها قريباً من صورة إلى تلك الصورة وسمّوها خارج الصورة مثل النير الذي فوق رأس الحمل الذي تسمّيه العرب الناطح. وأمًا عدد الصور ومواقعها من الفلك فهي ثمان وأربعون صورة، منها في النصف الشمالي من الكرة إحدى وعشرون صورة، ومنها على البروج اثنتا عشرة صورة، ومنها في النصف الجنوبي من الكرة خمس عشرة صورة. فلتذكر الآن كوكبة كل صورة على الانفراد، وعدد كواكبها وأسمائها وألقابها على مذهب العرب ومذهب المنجمين ليستدل بأحدهما على الآخر، ويعمل صورها المسمّاة باسمها المشبهة بها، ويرسم كل كوكبة على موقعها من الصورة ليكون مشاكلاً لما يرى في السماء، والتي هي خارجة عن الصورة ليستدل الإنسان بأخذ ارتفاعها على الأوقات، وبها على قدرة الله تعالى صانعها جلت قدرته وتقدّست أسماؤه له الحمد كثيراً.
وهي إحدى وعشرون صورة، وعدد كواكبها من نفس الصورة ثلاثمائة وأحد وثلاثون كوكباً، والتي حوالي الصررة وليست من نفسها تسعة وعشرون كوكباً، فجميع الكواكب التي في هذا النصف من الكرة ثلاثمائة وستّون كوكباً، وهذه أسماهها:
كوكبة الدب الأصغر: هي أقرب كوكبة إلى القطب الشمالي وكواكبها من نفس الصورة سبعة، والخارج عن الصورة خمسة، والعرب تسمي هذه السبعة بنات نعش الصغرى، فالأربعة التي على المربع نعش والثلاثة التي على الذنب بنات، وتسمي النيرين من الأربعة الفرقدين، والنير الذي على طرف الذنب الجدي، وهو الذي يتوخى به القبلة. وجميع الكواكب الداخلة في الصورة والخارجة عنها تشبه بحلقة سمكة، وتسمّى الفأس لشبهها بفأس الرحا الذي يكون القطب في وسطه، وقطب معدل النهار عنده أقرب شيء إلى كوكب الجدي.
كوكبة الدب الأكبر: كواكبه تسعة وعشرون كوكباً من الصورة وثمانية حوالي الصورة، والعرب تسمّي الأربعة النيرة التي على المربع المستطيل، والثلاث التي على ذنبه بنات نعش الكبرى، فالأربعة التى على المريع المستطيل نعش، والثلاثة التي على ذنبه نعش الكبرى، وتسمي الذي على طرف الذنب القائد، والذي على وسطه العناق، والذي يلي النعش وهو الذي على ذنب الجوزاء وفوق العناق، كوكي صغير ملاصق له، تسمّيه العرب السها، وهو الذي يمتحن الناس به أبصارهم، زعموا أن من نظر إليه وقال: أعوذ برب السهية من كل عقرب وحية أمن ليلته، وتسمّي الستة التي على الأقدام الثلاثة على كل قدم منها اثنان قفزات الظباء كل اثنين منها قفزة، والقفزة الأولى، وهى التى على الرجل اليمنى تتبعها الصرفة، وهي الكوكب النير الذي على ذنب الأسد والكواكب المجتمعة التي فوق الصرفة تسمّيها العرب الهقعة تقول العرب ضرب الأسد يذنبه الأرض قفرت الظباء، والكواكب السبعة التي على عنقه وصدره وعلى الركبتين كأنّها نصف دائرة تسمّى سرير بنات نعش، وتسمّى الحوض أيضاً، والكواكب التي على الحاجب والعينين والأذن والخطم تسمّى الظباء، تقول العرب إن الظباء لما قفزّت من الأسد وردت الحوض، وأمًا الثمانية التي حول الصورة اثنان منها ما بين الهقعة والقائد وأحدهها أنور عن الآخر، تسميه العرب كبد الأسد، والستة الباقية تحت القفزة الثالثة التى على اليد اليسرى ثلاثة منها أنور هي ظباء، والبواقي خفية أولاد الظباء.
ظاهر حوله بنات نعش الصغرى وكواكب خفية إذا جمعتها صارت فى صورة سمكة، والقطب في وسط هذه السمكة، والسمكة تدور حول القطب. زعموا أنْ لهذا القطب فوائد، منها أنّ النظر إليه وإلى الدب الأصغر يشفي من الرمد وجرب العين، وذلك أن يقوم صاحب الجرب أو الرمد ليلة الأحد إذا ظهرت النجوم بعد ساعتين من غييوبة الشمس حيال القطب الشمالي والدب الأصغر، فينظر إليه، ثم يأخذ ميلاً من فضة يغمسه في الماورد الخالص، ويكتحل به العين، وإن كان المريض إحداهما فعل ذلك من ليلة الأحد، في كل ليلة وكلما كان أكثر كان أجود، فِإِن الرمد والجرب يذهبان بإذن الله تعالى، إلا أن الرمد أسرع. ومنها ما زعموا أن الأسد والببر والنمر والدب إذا قامت حيال هذا القطب وأطالت النظر إليه شفيت. ومنها أن اللبوة إذا حملت فإنّه ينالها عناء، فربّما بقيت تلك الليلة لا تأكل شيئاً، ثم تأتي إلى نهر فيه ماء حار أو عين ينبع منها ماء، فتقوم في الماء إلى نصف ساقها وتنظر إلى القطب الشمالي فإنها تبرأ من الوصب.
كوكبة التنين: التنين كواكبه احد وثلاثون كوكباً في الصورة وليس حواليها شيء من الكواكب المرصودة، والعرب تسمّي الكوكب الذي على اللسان الرابض والأربعة التي على الرأس العوائذ، وفي وسط العوائذ كوكب صغير جداً تسمّيه العرب الربع، وهو ولد الناقة، وتسمي النيرين اللذين على مؤخره الذئبين، والاثنين اللذين هما في غاية الخفاء قبل الذئبين أظفار الذئب، وقد وقعت العوائذ بين الذئبين، وبين النسر الواقع منعطفين على الربع، فشبهت العرب النيرين بذئبين قد طمعا في استلاب الربع وشبهت العوائذ بأربع أينق قد عطفن على الربع، وفي أصل الذئب كوكب يسمى الذيخ وهو ذكر الضباع.
كوكبة قيقاوس: كواكبه أحد عشر كوكباً في الصورة وعشرة خارج الصورة، وهي من كوكبة ذات الكرسي، وبين الكواكب الجدي وهو النير الذي على ذنب الدجاجة الذي يسمّى الردف، والعرب تسمّى الكوكب الذي على صدره النثرة، والذي على متكبه الأيمن الفرقد، والدائرة التي تحصل من كواكب ذراعه، وممّا هو خارج من كواكب الدجاجة من جناحها الأيمن تسمّى القدر، والذي على الرجل اليسرى يسمّى الراعي، وبين رجليه كوكب يسمّى كلب الراعي، وبين رجليه وبين الجدي كواكب صغار تسمٌّيها العرب الأغنام.
كوكبة العواء: كواكبها اثنان وعشرون كوكباً في الصورة وواحد خارجها، وهو صورة رجل بيده اليمنى عصاء فيما بين كواكب الفكة وبنات نعش الكبرى وتسمّي العرب الكواكب التي على الرأس، والذي على المنكبين عصا الضباع، الذي على يده اليسرى وعلى الساعد من هذه اليد وما حول اليد من الكواكب الخفية أولاد الضباع، والخارج عن الصورة كوكب أحمر نير بين فخذيه يسمّى السماك الرامح، والسماك يسمّى مفرداً حارس السماء وحارس الشمال لأنّه يرى أبداً في السماء لا يغيب تحت شعاع الشمس، والكواكب التي على الساق اليسرى تسمى الرامح.
كوكبة الفكة: كواكبها ثمانية، يقال لها بالفارسية كاسه دورشان، وهي على استدارة خلف عصا الضباع وفي استدارتها ثلمة، ولأجل ثلمتها يقال لها قصعة المساكين، ومن كواكبها كوكب يقال له النير عن الفكية.
كوكبة الجاثي: ويقال له الراقص، هي صورة رجل قد مد يده وجثا على ركبتيه، إحدى رجليه على طرف عصا العوا، وهي اليمنى، والأخرى عند الأربعة التي على رأس التنين التي تسمّى العوائذ، وكواكبه ثمانية وعشرون كو كباً، في الصورة خلاف الكوكب المشترك بينه وبين العواء، وواحد خارج الصورة.
كوكبة السلياق: كواكبه عشرة والنير منها يسمّى النسر الواقع، شبهته العرب بنسر قد ضم جناحيه إلي نفسه كأنّه راقع على شيء، والعامة تسمّيه الأثافي، وقدام النير كوكب خفي تسمّيه العرب الأظفار.
كوكبة الدجاجة: كواكبها سبعة عشر كوكباً في الصورة واثنان خارج الصورة، والعرب تسعي الأربعة المصطفّة الفوارس، وقد قطعت المجرة عرضاً والنيّر الذي على الذنب الردف لأنه يتلو الأربعة، وجعله بعضهم الذي على الصدر في الوسط، واثنان عن يمينه واثنان عن يساره، والردف خلفه.
كوكبة ذات الكرسى: هي صورة امرأة قاعدة على كرسي له قائمتان كقائمة المتبر وعليه مسند، وقد أدلت رجليها وهي في نفس المجرة فوق الكوكب الذي على رأس فيقاوس، وكواكبها ثلاثة عشر كوكباً، والعرب تسمّي النير من هذه الكواكب الكف المخضب وهي كف الثريا اليمنى المبسوطة، فشبهت العرب تلك الكواكب بيد مبسوطة، والكواكب النيرة منها بأنامل مخضوبة.
كوكبة سياوس: وهو حامل رأس الغول، وهو صورة رجل قائم على رجله اليسرى، وقد رفع رجله اليمنى ويده اليمنى فوق رأسه، وبيده اليسرى رأس غول، وكواكبها ستّة وعشرون كوكباً في الصورة، وثلاثة خارج الصورة.
كوكبة ممسك الأعنة: هي صورة رجل قائم خلف رأس الغول بين الثريا وبين كوكبة الدب الأكبر، وكواكبه أربعة عشر كوكباً، وفي وسط الصورة كواكب تسميها العرب الخباء، والنير الذي عن المنكب الأيسر تسمّيه العرب العيوق، والذي على المرفق الأيسر العنز، والاثنين اللذين على المعصم الأيسر الجديين، ويسمّى العيوق معها العناق، ويسمى أيضاً رقيب الثريا، ويسمّى الذي على المنكب الأيمن والاثنان اللذان على الكعبين توابع العيوق.
كوكبة الحور والحية: أمًا الحور فصورة رجل قائم قد فيض بيديه على حية، وكواكبه أربعة وعشرون في الصورة، وخمسة خارجها، وأما الحية فكواكبها ثمانية عشر، وعلى عنقها كوكب يسمّى عنق الحية، وتسمّى الكواكب المصطفة على رأس الحية نسقاً شامياً، والمصطفة تحت عنقه نسقاً يمانياً، ويسمّى ما بين النسقين الروضة، والكواكب التى بين النسقين في الروضة الأغنام، والذي على رأس الحور يسمى الراعي، والذي على رأس الجاثي كلب الراعي.
كوكبة السهم: هي خمس كواكب بين منقار الدجاجة، وبين النسر الطائر في نفس المجرة العظيمة تصله إلى ناحية المشرق، والفوق إلى ناحية المغرب، وطول السهم في رأي العين إذا كان في كبد السماء نحو ذراعين.
كوكبة العقاب: كواكبه تسعة في الصورة، وستة خارجها، وفي الصورة ثلاثة مشهورة تسمى النسر الطائر وبإزائه النسر الواقع، والعامة تسمّي الثلاثة المشهورة من خارج الصورة الميزان لاستواء كواكبه، والاثنين اللذين فوقها الظليمين.
كوكبة الدلفين: كواكبه عشرة مجتمعة تتبع النسر الطائر، والنير الذي على ذنبه يسمّى ذنب الدلفين، والعرب تسمي الأربعة التي في وسط العنق الصليب، والذي على الذنب عمود الصليب.
كوكبة قطعة الفرس: كواكبها أربعة تتبع الدلفين، اثنان منها متضايقان بينهما شبر واثنان بينهما ذراع، والأول في موضع الفم والاخرون على الرأس.
كوكبة الفرس الأعظم: كواكبه عشرون، وهي على صورة فرس له رأس ويدان وبدن إلى آخر الظهر، وليس له كفل ولا رجلان، والأوّل من كواكبه على السرة، وهو على رأس المرأة المسلسلة مشترك بينهما ويسمّى سرة الفرس، وأخر على متنه يسمى متن الفرس، وكوكب على منكبه الأيمن يسمّى منكب الفرس، وآخر عند منشأ العنق يسمى عنق الفرس، وآخر على جحفلته خلف الأربعة التي على قطعة الفرس يسمّى فم الفرس، والعرب تسمّي الأربعة النيرة التي على المربع أحدها عند منتهى العنق متن الفرس، ومنكب الفرس، وجناح الفرس، والكوكب المشترك الدلو وتسمي الاثنين المتقدمين عليها العرقوة، والاثنين اللذين في البدن النعائم والكرب، أيضاً شبّهتها العرب بمجموخ العرقرتين في الوسط في رأس الدلو حيث يشد فيه الحبل، وذلك الموضع من الدلو يسمى الكرب، وتسمي الاثنين اللذين على الرأس سعد البهائم، والاثنين اللذين على العنق سعد الهمام، والاثنين المتقاربين اللذين في الصدر سعد البارع، والاثنين اللذين على الركبة اليمنى سعد المطر.
كوكبة المرأة المسلسلة: كواكبها ثلاثة وعشرون من الصورة سوى النيّر الذي على الرأس، فإنّه على سرة الفرس، وسمّيت هذه المرأة مسلسلة لامتداد إحدى يديها، وهي اليمنى نحو الشمال والأخرى نحو الجنوب، ولاجتماع الكواكب بين رجليها شبهوها بمن سلسل، ويسمّى الكوكب النير الذي فوق مئزرها بطن الحوت.
كوكبة الفرس التام: هو أحد وثلاثون كوكباً، وهو فرس آخر، أحسن شبهاً بالفرس من الأوّل، وبعض الفرس الأوّل داخل فيه، ومن السطر الذي من الكوكب على وجهه، ورأسه تولدت صورة الرأس، وتمر على عرفه على تقويس فيفصل بكوكب على متنه، وهو من كواكب الفرس الأعظم الذي علي طرف اليد اليمنى، ثم يمر على كوكبين على كفله، ثم على كوكبين على ذنبه، وهو طرف أليد اليسرى من الفرس الأعظم، ثم على كوكبين، أحدهما في رسط ذنبه، والآخر على طرف الذنب، ويخرج بن الجحفلة سطر يمر على الغلصمة والنحر وبه تتم صورة العنق والصدر.
كوكبة المثلث: كواكبه أربعة بين الشرطين، وبين النيّر الذي على الرجل اليسرى من صورة المرأة، وهو على شكل مثلث فيه طول أحدها على رأس المثلث، ويسمّى هذا الاسم وثلاثة على قاعدتها.
هذه صورة قريبة من الدائرة التي تمر على أوساط البروج في المائل عن طريقة الكواكب السيارة، وهي التي سميت البروج الاثنا عشر بأسمائها، كل اسم باسم الصور التي كانت فيه، فلنذكر كوكبة كل صورة وعدد كواكبها وموقعها من الصورة وألقاب بعضها على رأي المنجّمين والعرب، ولتبدأ بالصورة التي في الوجه الأول منها:
كوكبة صورة الحمل: كواكبه ثلاثة عشر في الصورة، وخمسة خارجها، مقدمه إلى جهة المغرب، ومؤخره إلى المشرق، ووجهه على ظهره، والنيّران اللذان على القرن يسمّيان الشرطين، والنيّر الخارج عن الصورة يسمّى النطح، واللذان على الإلية مع الذي علي الفخذ وهي على مثلث متساري الأضلاع تسمّى البطين، والعرب جعلت بطن الحمل منزلاً للقمر كبطن السمكة وسمته البطين.
كوكبة الثور: صورته صورة ثور، مؤخره إلى المغرب، ومقدّمه إلى المشرق، وليس له كفل ولا رجلان تلتفت رأسه إلى جنبه، وفرناه إلى ناحية المشرق، وكواكبه اثنان وثلاثون سوى النيّر الذي على طرف قرنه الشمال، فإنه على الرجل اليمنى من ممسك الأعنة مشترك بينهما. والخارج عن الصورة أحد عشر كوكباً، وعلى موضع القطع منه أربعة مصطفة، والنير الأحمر العظيم الذي على عينه الجنوبية يسمّى الدبران، وعين الثور أيضاً وتالي النجم وحادي النجم والفنيق وهو الجمل الضخم، والتى حواليه من الكواكب القلاص، وهي صغار النوق. والعرب تسمي الكواكب التي على كاهل الثور الثرياء وهما كوكبان نيّران في خلالهما ثلاث كواكب صارت مجتمعة متقاربة كعنقود العنب، ولذلك جعلوها بمنزلة كوكب واحد، وسمّوها النجم وزعموا أنْ في ذلك المطر عند نوئها الثروة، وتسمّي الاثنين المتقاربين على الأذنين الكلبين، ويزعمون أنّْهما كلبا الديران، والعرب تتشاءم بالدبران وتقول: أشأم من حادي النجم، ويزعمون أَنّهم لا يمطرون بنوء الدبران إلا وسنتهم مجدبة.
كوكبة التوأمين: كواكبها ثمانية عشر فى الصورة، وسبعة خارجها، وهي صور إنسانين رأسهما في الشمال والشرق وأرجلهما الى الجنوب والمغرب، وقداختلطت كواكب أحدهما بكواكب الآخر. والعرب تسمّي الاثنين النيّرين اللذين على رأسهما الذراع المبسوطة، واللذين على تدي التوأم الثاني الهقعة واللذين على قدم التوأم المتقدّم، وقدام قدمه البخاتي.
كوكبة السرطان: كواكبه تسعة من الصورة، وأربعة خارجها، والعرب تسمي الكوكب النير مها النثرة، وفي المجسطي ذكر النثرة باسم المعلف، واسم الكوكبين التاليين للنثرة الحمارين، والكوكب النيّر الذي على الرجل المؤخرة الجنوبي الطرف.
كوكبة الأسد: كواكبه تسعة وعشرون في الصورة وثمانية خارجها، والعرب تسمي الكوكب الذي على وجهه مع الخارج عن الصورة سرطان الطرف، وتسمي الأربعة التي في الرقبة والقلب الجبهة، وتسمي التي على البطن وعلى الحرقفة الزبرة، والذي على مؤخر الذنب قلب الأسد، وتسميه أيضاً الصرفة لانصراف البرد عند سقوطه بالمغرب بالغدوات وانصراف الحر عند طلوعه من تحت شعاع الشمس بالغدوات.
كوكبة العذراء: وهي سنة وعشرون في الصورة وستة خارجها، وهي صورة امرأة رأسها على جنوب الصرفة، وقدمها الزبانان اللذان على كفتي الميزان، العرب تسمي التي على طرف منكبها الأيمن العواء، وهو المنزل الثالث عشر من منازل القمر، وزعم بعضهم أنْ الكواكب التي على بطنها وتحت إبطها كأنها كلاب تعوي خلف الأسد، وتسمّى عواء البرد أيضاً، لأنها إذا طلعت أو سقطت جاءت ببرد، والكوكب النير الذي بقرب يدها التي فيها السلسلة السماك الأعزل سمّي أعزلاً لأنه بإزائه السماك الرامح، ويسمى أعزلا لأنه لا سلاح معه. والمنجّمون يقولون لهذا الكوكب السنبلة، ويسمّى أيضاً ساق الأسد، والذي على قدمه اليسرى الغفر، وَإِنْما سمي بالغفر لنقصان ضوء كواكبه كأنّْه قد سترها.
كوكبة الميزان: ثمانية كواكب في الصورة بين كوكبة العذراء وكوكبة العقرب وتسعة خارجها وليس فيها شيء من الكواكب المشهورة.
كوكبة العقرب: أحد وعشرين كوكباً من الصورة، وثلاثة خارجها، وهي صورة مشهورة، والعرب تسمّي الثلاثة التي على الجبهة الإكليل، وتسمّي النير الأحمر الذي على البدن قلب العرب وتسمي الذي قدام القلب والذي خلفه النياط، وتسمي الذي في الخزوات الفقرات، وتسمّي الاثنين اللذين على طرف الذنب الشولة.
كوكبة الرامي: وهو القوس أحد وثلاثون كوكبا في الصورة، وليس حواليه شيء من الكواكب المرصودة، والعرب تسمّي الأول الذي على النصل، والذي على مقبض القوس، والذي على الطرف الجنوبي من القوس والذي على طرف اليد اليمنى من الدابة النعام الواردة لَأنّْ المجرة شبهت بنهر، والنعام قد وردت النهر، وتسمّى الذي على المنكب الأيسر والذي فوق السهم والذي على الكتف الأيسر والتي تحت الإبط وهو بعيد عن المجرّة إلى ناحية المشرق النعام الصادرة، شبهتها بنعام شرب الماء وصدر عن النهر، وتسمّي اللذين على الستة الشمالية من القّوس الظليمين، واللذين على الفخذ اليسرى والساق الصردين.
كوكبة الجدي: كواكبه ثمانية وعشروت كوكباً في الصورة، وليس حوالي الصورة شيء من الكواكب المرصودة، والعرب تسمّي الاثنين اللذين على القرن الثانى سعد الذابح، سمي ذابحاً للصغير الملاصق له، قيل الصغير شأنه الذى يذبحه وتسمي الاثنين النيرين الذين على الذنب المحبين.
كوكبة ساكب الماء وهو الدلو: كواكبه اثنان وأربعون كوكباً فى الصورة وثلاثة خارجها، والعرب تسمّي اللذين على منكبه الأيمن سعد الملك، واللذين على منكبه الأيسر مع الذي على ذنب الجدي سعد السعود، والثلاثة التي علي اليد اليسرى سعد بلع، وإِنّما سمّيت بهذا الاسم لأنّْ البعد بين هذين الاثنين أوسع من البعد بين الذابح، فشبهتها بفم مفتوح ليبلع، وتسمّي الذي على ساعده مع الثلاثة التي على يده اليمنى سعد الأخبية، وإنّما سمي بذلك لأنّه إذا طلع اختبأت الهوام تحت الأرضى من البرد، وتسمّي النيّر الذي على فم الحوت الجنوبي الضفدع الأول.
كوكبة السمكة وهي الحوت: وكواكبها أربعة وثلاثون في الصورة وأربعة خارجة، وهما سمكتان، أحدهما السمكة المتقدمة وهي التي على ظهر الفرس الأعظم في الجنوب، والأخرى على جنوب كوكبة المرأة المسلسلة، وبينهها خيط من كواكب يصل بينهما على تعريج.
هي الكواكب التي في النصف الجنوبي من الكرة، وهي خمسة عشر صورة، نذكر مواضع كواكبها من الصورة إن شاء الله تعالى، ومواضع صورها وأسمائها على مذهب العرب والمنجّمين على ما رسمنا فيما تقدّم.
كوكبة قيطس: هي صورة حيوان بحري مقدمه في ناحية المشرق على جنوب كوكبة الحمل، ومؤخره في ناحية المغرب خلف الثلاثة الخارجة عن صورة ساكب الماء، وكواكبه اثنان وعشرون، والعرب تسمّي الكواكب التي في الرأس الكف الجذماء لِأنَّ امتداده دون امتداد الكف الخضيب، وتسمي الخمسة التي على يديه النعامات، والكواكب التى على أصل الذنب تسمّى النظام، والتي على الشعبة الجنوبية من الذنب تسمى الضفدع الثاني، والأوّل مذكور في الدلو.
كوكبة الجبار: كواكبه ثمانية وثلاثون كوكباً في الصورة، وهو صورة رجل قائم في ناحية الجنوب على طريقة الشمس، بيده عصا وعلى وسطه سيف، والعرب تسمّي الكواكب الثلاثة التي على الوجه الهنعة، والنير الأعظم الذي على منكبه اليمنى منكب الجوزاء ويد الجوزاء أيضاً، والكوكب النيّر الذي على المنكب اليسرى الناجذ والمرزم أيضاً، والثلاثة المصطفة التى على وسطه منطقة الجوزاء والثلاثة المنحدرة المتقاربة سيف الجبار، والنير العظيم الذي على قدمه اليسرى رجل الجبار، وتسمي التسعة المقوّسة التي على الكم تاج الجوزاء.
كوكبة النهر: كواكبه أربعة وثلاثون في الصورة، وليس حواليه شيء من الكواكب المرصودة يبتدىء من عند النير الذي على قدم الجوزاء، فيمر في المغرب على تعريج إلى قرب الأربعة التي على صدر قيطس، ثم يمر في الجنوب على ثلاثة كواكب، ثم يتعطف إلى المشرق، فيمر على ثلاثة كواكب أيضاً، ثم ينعطف إلى الجنوب، فيمر على ثلاثة كواكب مجتمعة، ثم يتقطع فيمر في الجنوب على كوكبين متقاربين، ثم ينعطف إلى المغرب، فيمر على كوكبين متقاربين أيضاً ثم على ثلاثة كواكب متقاربة، ثم ينتهي إلى كوكب نير على آخر النهر، والعرب تسمّي الأوّل والثاني والثالث من كوكبة الكرسي الجوزاء، وتسمُي الأربعة التي في وسط النهر مع الخمسة التي في جانبه الآخر أدحي النعام وهو عشه، والتى حوالي هؤلاء الكواكب تسمى البيض، والنيّر الذي على آخر النهر يسمى الظليم، وبين هذا الظليم والظليم الذي على فم الحوت كواكب كثيرة تسمّى الرئال، وهي فراخ النعام.
كوكبة الأرنب: هي اثنا عشر كوكباً في الصورة، وليس حواليه شيء من الكواكب المرصودة وهي تحت رجل الجبار وجهه إلى المغرب ومؤخره إلى المشرق، والعرب تسمّي الأربعة التي إثنان منها على يديه وإثنان على رجليه كرسي الجوزاء، وعرش الجوزاء أيضاً.
كوكبة الكلب الأحمر: كواكبه ثمانية عشر في الصورة وأحد عشر خارجها، وهي صورة كلب خلف كوكبة الجوزاء، ولذلك سمي كلباً، والعرب تسمى النير الأعظم الذي على موضع الفم الشعرى العبور، وكان قوم في الجاهلية يعبدونه لأنه بقطع السماء عرضاً دون غيره من الكواكب، وذلك قوله تعالى: ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى ﴾ وسمى عبور الأنه عبر المجرة إلى سهيل، وتسمى اليمانية لأنّ مغيبها فى شق اليمنى، وتسمي الأربعة التي منها على كتفه وعلى ذنبه وما بينهما وعلى فخذه العذارى، والأربعة المصطفة التي على الاستقامة خارج الصورة تسمّى القرود، والنيران من خارج الصورة حضار الوزن، ومن العرب من يسميهما مختلفين لأنهما يطلعان قبل سهيل، فيظن أحدهما سهيل فيخلف عليه والآخر يعلم أنه غير سهيل فيخلف له.
كوكبة الكلب المتقدّم: وهما كوكبان بين النّيرين اللذين على رأس التوأمين وبين النيّر الذي على فم الكلب الأكبر يتأخر عنهما إلى المشرق أحدهما أنور، وتسمّيه العرب الشعرى الشامية لأنها تغيب في سق الشام وتسميه الشعرى الغميصاء أنه عندهم أحب سهيلاً، وقد عبرت اليمانية المجرة إلى ناحية سهيل، وبقيت هذه في الشمال الشرقية، فبكت على سهيل وغمصت عيناها، وتسمّي الاثنين أيضاً ذراع الأسد المقبوض، وسمّيت مقبوضة لتأخرها عن الذراع الآخر، وهما النيران اللذان على رأس التوأمين.
كوكبة السفينة: كواكبها خمسة وأربعون كوكباً من الصورة، وليس حواليها شيء من الكواكب المرصودة، وذكر بطليموس أن النير العظيم الذي على المجداف الجنوبي هو سهيل، وهو أبعد كوكب عن السفينة في الجنوب يرسم على الأسطرلاب، وأما العرب ، فالروايات عنها في سهيل، وفي كواكب السفينة مختلفة، فرأى بعضهم أن النيّر الذي على طرف المجداف الثاني يسمّى سهيلا على الإطلاق.
أمّا القطب الجنوبي، فإنه في مقابلة القطب الشمالي، وإنّه خارج عن كواكب السفينة بقرب نير المجداف، وتدور حوله كواكبه أسفل من سهيل، وزعموا أن لهذا القطب فوائد منها أن كل حيوان أنثى إذا تعسرت ولادتها تنظر إلى القطب وإلى سهيل تشفيع في الحال. ومنها أن من انقطعت عنه شهوة الباه من غير شرب دواء يداوم النظر إلى القطب الجنوبي في ليال متوالية ترجع إليه شهوته. ومنها أن صاحب الثآليل إذا أخذ بعدد كل ثؤلول ورقة من شجر الغرب ويومىء إلى سهيل وإلى القطب، ويقول هذا لقلع الثآليل حتى يقول اثنين وأربعين مرّة إما في ليلة واحدة أو في ليال، ثم يدق الورق في هاون اسفيدوز، ويجعله على الثآليل، فإنّها تجف وتنفرك، وزعموا أنها من الخواص العجيبة المجربة. ومنها أن صاحب الماليخرليا إذا أدام النظر إلى القطب وسهيل مرّة بعد أخرى، أو في ليلة مرّات يزول عنه ذلك، وزعموا أنهم جرّبوه فوجدوه صحيحاً. ومنها أن النظر إلى هذا القطب وسهيل يحدث للإنسان طرباً وسروراً، ولهذا صنف الزنج مخصوصون بمزيد الطرب لأنهم متقاربون من مدار القطب وسهيل. ومنها أن صاحب الظفرة في العين إذا أدام النظر إلى القطب وسهيل. منها أن صاحب الظفرة في العين إذا أدام النظر إلى القطب وسهيل ويحدق تزول ظفرته، وذلك بأن يديم النظر إلى القطب وسهيل ويحدق النظر إليها، ويكون النظر متوالياً أُوله ليلة الثلاثاء ولا يقطعه إلى أن تزول الظفرة، فإنها تذهب إلى تمام اثنين وأربعين أو تسع وأربعين.
كوكبة الشجاع: كواكبه خمسة وعشرون كوكباً في الصورة واثنان خارجها، رأسه على زباني الجنوبي من صورة السرطان وهي بين الشعرى والغميصاء، وقلب الأسد يميل عنهما إلى الجنوب ميلاً يسيراً ثم ينعطف إلى كوكب نير على آخر عقدته عند منشأ الظهر فرقه أربع كواكب على شمال النير، والعرب تسمّي الذي على آخر العنق الفرد لانفراده عن أشباهه، وأمًا سائر كواكب الشجاع فعن العرب فيها روايات كثيرة لا طائل تحتها.
كوكبة البلطية: هي سبع كواكب على شكل كوكبة الشجاع، والعرب تسمي هذه الكواكب المتلف.
كوكبة الغراب: هي سبع كواكب خلف البلطية على جنوب السماك الأعزل، والعرب تسمّي هذه الكواكب عجز الأسد وتسمّيها أيضاً عرش السماك الأعزل وتسمّيها أيضاً الأحمال.
كوكبة قيطورش: هي سبعة وثلاثون كوكباً، وصورته صورة حيوان مقدمه مقدم إنسان من رأسه إلى آخر ظهره ومؤخره مؤخر فرس من منشأ ظهره إلى ذنبه وجهه إلى المشرق ومؤخر ذنبه إلى المغرب، وبيده شمراخان، وقد قبض بيده الأخرى على يد السبع وعلى بطن الدابة نير يسمّى بطناً، وعلى حافر يده اليمنى كوكب حضار، وعلى يده الأخرى الوزن، وهما اللذان يسميّان المخلفين كما ذكرنا قبل.
كوكبة السبع: وهي تسعة عشر كوكباً من الصورة خلف كوكبة قيطورش، وبعضها مختلط بكوكبة قيطورش، وقد قبض قيطورش على يده، والعرب تسمي كوكبة قيطررش والسبع الشماريخ الجملة لكثرتها وكثافة جميعها، وليس حولها شيء من الكواكب المرصودة.
كوكبة المجرة: كواكبها سبعة في الصورة، ولم يقع على العرب شيء من هذه الكواكب.
كوكبة الإكليل الجنوبي: وهي ثلاثة عشر كوكباً في الصورة قدام الاثنين اللذين على عرقوب الرامي، فمن العرب من يسمي هذه الكواكب القبة لاستدارتها، ومنهم من يسميها أدحيٌ النعام، وهو عشه لأنها على جنوب النعامين الصادر والوارد اللذين قل مضى ذكرهما.
كوكبة الحوت الجنوبي: وهي أحد عشر كوكباً في الصورة على جنوب كواكب الدالي رأسه إلى المشرق، وذنبه إلى المغرب، ويسمّى النيّر الذي على فمه فم الحوت، تمت الكواكب الثابتة، وبالله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وهي ثمانية وعشرون منزلاً ينزل القمر كل ليلة بواحد منها من مستهله إلى ثمانية وعشرين ليلة من الشهر، ثم يستمر واستسراره محاقه حتى لا يرى منه شيء، فإن كان الشهر تسعاً وعشرين استسر ليلة ثمان وعشرين، وإن كات ثلاثين استسر ليلة تسع وعشرين، وهو في السرار يقطع منزلاً، فهذه المنازل الثمانية والعشرون يبدو منها أبداً أربعة عشر بالليل فوق الأرض، واربعة عشر تحت الأرض، وكلّما غاب منها واحد طلع رقيبه. والعرب تسمي أربعة عشر من هذه المنازل شامية وأربعة عشر يمانية، فأُوّل الشامية الشرطين وآخرها السماك الأعزل، وأوّل اليمانية الغفر، وآخرها الرشا، والعرب تسمّي سقوط النجم في الغرب، وطلوع مقابله مع الفجر نوءاً، وسقوط كل نجم منها في ثلاثة عشر يوماً خلا الجبهة، إن لها أربعة عشر يوماً فيكون انقضاء سقوط الثمانية والعشرين مع القضاء السنة، ثم يرجح الأمر إلى الأول في ابتداء السنة المستقبلة، وما كان في هذه الثلاثة عشر يوماً من مطر أو أو ريح أو حر أو برد فهو من نوء ذلك النجم الساقط عند الحكماء، ولهم أقوال طويلة في أحكام نزول النيرين، فأوّل هذه المنازل:
الشرطين: يقال لهما قرنا الحمل ويسمّيان الناطح، وبينهما في رأي العين قاب قوسين، إذا حلت الشمس بهما اعتدل الزمان، واستوى الليل والنهار، وطلوعهما لست عشرة ليلة تخلو من نيسان، وسقوطهما لثمان عشرة ليلة تخلو من تشرين الأوّل، وحلول الشمس بهما لعشرين ليلة تخلو من آذار، وكلما نزلت الشمس الشرطين فقد مضت سنة، وَإِنّما سمّيا شرطين لأنّهما علامة دخول أوّل السنة. وفي نوء الشرطين بطيب الرمان، وتكثر المياه، وتنعقد الثمار، ويحصد الشعير، ورقيب الشرطين الغفر.
البطين: يقال له بطن الحمل، وهو ثلاث كواكب خفية كأنها أثافي وهو بين الشرطين والثريا وطلوعه لليلة تبقى من نيسان، وسقوطه لليلة تبقى من تشرين الأَوّل، وعند سقوطه يرتج البحر، فلا تجري فيه جارية، ويذهب الحدا والرخم والخطاطيف إلى الغور، ويستكن النمل، وتقول العرب: إذا طلع البطين فقد اقتضى الدين. وحكى ابن الأعرابي أنهم يقولون ما أتى البطين والدبران أو أحدهما وكان لنوئه مطر إلا كاد أن يكون ذلك العام جديباً وقالوا إِنّه أشر الأنواء وأقلها مطراً، وفي نوئه يجف العشب ويتم حصاد الشعير، ويأتي أَوَل حصاد الحنطة، ورقيب البطين الزبانا.
الثريا: ويقال له النجم، وهو أشهر هذه المنازل، وهي ستة أنجم، وهذه وفي خلالها نجوم كثيرة خفية، والعرب تقول إن طلع النجم غديه ابتغى الراعي كسيه، وطلوعها لثلاث عشرة ليلة تخلو من أيار، وسقوطها ثلاث عشرة ليلة تخلو من تشرين الآخر، والثريا تظهر في المشرق عند ابتداء البرد ثم ترتفع في كل ليلة حتى تتوسط السماء مع غروب الشمس، وفي ذلك الوقت أشد ما يكون البرد، ثم تنجدر عن وسط السماء فتكون في كل ليلة أقرب من أفق المغرب إلى أن يهل الهلال معها، ثم تمكث يسيراً وتغيب نيّفاً وخمسين ليلة، وهذا المغيب هو استسرارها، ثم تبدو بالغداة من المشرق في قوة الحر، وقال النبي ﷺ « إذا طلع النجم لم يبق من العاهة شيء » أراد عاهات الثمار لأنها تطلع بها بالحجاز، وقد أزهر البسر، وأمًا نوءها فمحمود وهو خير نجوم الوسمي، لأنّ مطره في الوقت الذي فقدت الأرض فيه الماء، فإذا طلعت الثريا ارتج البحر، واختلفت الرياح وسلط الله الجن على المياه، وقال ﷺ « من ركب البحر بعد طلوع الثريا فقد برئت منه الذمة » وفي نوء الثريا تتحرك الرياح، ويشتد الحر، ويدرك التفاح والمشمش، ويجف العشب وفي آخره يمد النيل، ويكثر اللبن. ورقيب الثريا الإكليل.
الدبران: وهو كواكب أحمر منير يتلو الثريا، ويسمي تابع النجم، وسمّي دبراناً لاستدباره الثريا، ونوءه غير محمود، والعرب تتشاءم به، وطلوعه لست وعشرين ليلة من أيار، وسقوطه لستّة وعشرين ليلة من تشرين الأوّل، قال الساجع: إذا طلع الدبران توقدت الحزان، وفي نوءه يشتد الحر، وهو أول البوارح، وتهب السمائم، ويسود العنب. ورقيب الدبران القلب .
الهقعة: هي رأس الجوزاء، وهي ثلاثة كواكب صغار تشبه الأثافي، انما سمّيت هقعة تشبيهاً بعرض زور الفرس الذي يقال له الهقعة، وتطلع لتسع خلون من حزيران، وتسقط لتسع خلون من كانون الأول، ونوءها لا يكادون يذكرونه إلا ينوء الجوزاء. والعرب تقول: إذا طلعت الهقعة رجع الناس عن النجعة، وفي نوءها يدرك البطيخ وسائر الفواكه، ويشتد الحر، ويكثر هبوب السمائم. ورقيب الهقعة الشولة.
الهنعة: هي كوكبان أبيضان بينهما قيد سوط في المجرّة، ويقال لأحد الكوكبين الزر وللاخر النيسان، وثلاثة تحيط بهما، فمجموعها خمسة أربعة متتابعة إلى جانب، وواحد في جهة العرض على هيئة الألف الكوفي. وطلوع الهنعة لاثنين وعشرين ليلة تخلو من حزيران، وسقوطها لاثنين وعشرين ليلة تخلو من كانون الأول، ونوءها من أنواء الجوزاء. وتقول العرب: إذا طلعت الجوزاء كسب الصبا، وفي نوئها انتهاء شدة الحر وإدراك الرطب والتين وتغيير المياه، ورقيب الهنعة النعائم.
الذراع: هو ذراع الأسد المقبوضة، وللأسد ذراعان مقبوضة ومبسوطة، فالمبسوطة تلي اليمن، والمقبوضة تلي الشام، وطلوعها لأربع ليال تخلو من تموز، وسقوطها لأربع تخلو من كانون الآخر، ونوءها محمود قلّ ما يخلف. وزعمت العرب أنه إذا لم يكن في السنة مطر لم يخلف الذراع، والعرب قد تقول: إذا طلع الذراع ترقرق الشراب، وفي كل قاع وفي نوئها تشتد بوارح الصيف حرا وسموماً، وفيه يدرك الرمان، ويحمر البسر، ويقطع القصب النبطي، ورقيب الذراع البلدة.
النثرة: هي ثلاثة كواكب متقاربة وهي أنف الأسد، وطلوعها لسبع عشرة ليلة من تموز وتسقط لسبع عشرة ليلة تخلو من كانون الآخر، وتقول العرب: إذا طلعت النثرة قنأت البسرة، أي اشتدت حمرتها، وعند سقوط النثرة يجري الماء في العود ويصلح تحويل الغسيل، وفي نوئها غاية شْدة الحر، وفيه سموم حارة حتى قيل إن في نوئها في كل يوم تظهر آفة تفسد شيئاً من الزرع والثمار. ورقيب النثرة سعد الذايح.
الطرف: هو طرف الأسد، وهما كوكبان صغيران مثل الفرقدين، وطلوعه لليلة تخلو من آب، وسقوطه لليلة تبقى من كانون الثاني، وتقول العرب: إذا طلعت الطرفة كثرت الطرفة، وعند ذلك قطاف أهل مصر، وفي نوئه بوارح وسموم، وفيه يؤكل الرطب، ويقطف العنب. ورقيب الطرفه سعد بلع.
الجبهة: هي جبهة الأسد، وهي أربعة كواكب فيها عوج بين كل كوكبين في رأي العين قيد سوط، وهي معترضة من الجنوب إلى الشمال، والجنوبي منها تسمّيه المنجمون قلب الأسد، وطلوعها لأربع عشرة ليلة تمضي من آب مع طلوع سهيل، وسقوطه لاثنتي عشرة ليلة تخلو من شباط، وعند سقوطه ينكسر حد الشتاء، وتوجد الكمأة، ويورق الشجر، وتهب الرياح اللواقح، وتقول العرب: لولا طلوع الجبهة ما كان للعرب رفهة، ونوءها محمود، يقال ما امتلأ واد من نوء الجبهة ماءٌ إلا امتلأ عشباً وسهيل يطلع بالحجاز مع طلوع الجبهة، ومع طلوعها يصير البسر رطباً، وفي نوئها ينكسر البرد، ويكثر الرطب، ويسقط الطل. ورقيب الجبهة سعد السعود.
الزبرة: هي زبرة الأسد أي كاهله، وهي كوكبان نيران بينهما قيد سوط، والزبرة شعر الأسد الذي ينزل عند الغضب، وأحدهما أنور من الآخر، وفيهما قليل عوج، وطلوعهما لأربع ليال تخلو من آب، وسقوطهما لخمس ليال تخلو من شباط، ويكون في نوئها مطر شديد، فإن أخلف قصر، وعند طلوع الزبرة يرى سهيل بالعراق، ويبرد الليل مع السموم بالنهار. ورقيب الزبرة سعد الأخبية.
الصرفة: هي كوكب واحد على أثر الزبرة، أزهر مضيء جداً، عنده كواكب صغار طمس، ويزعمون أنّها قلب الأسد، وسمّيت صرفة لانصراف الحر والبرد، عند طلوعها وسقوطها وطلوعها لتسع ليال تخلو من أيلول، وسقوطها لتسع ليال تخلو من آذار، ومع طلوعها يزيد النيل وأيام العجوز في نوئها، وزعموا أن الصبي إذا فطم بنوء الصرفة لم يكد يطلب اللبن، وفي نوئها مطر ورياح وبرد بالليل، ويأتي المطر الوسمي. ورقيب الصرفة فرع الدلو المقدم.
العواء: هى أربعة أنجم على أثر الصرفة تشبه الهاء المردودة الأسفل بالخط الكوفي والعرب شبهوها بكلاب تتبع الأسد، وقال قوم هي تخلو من آذار، ونوءها يسير، والعرب تقول: إذا طلعت العواء طاب الهواء، وفي نوئها يستوي الليل والنهار، ويأخذ الليل في الزيادة والنهار في النقصان، وهو ابتداء الخريف. ورقيب العواء فرع الدلو المؤخر.
السماك: هو السماك الأعزل، وأما السماك الرامح فلا ينزله القمر، وهو كوكب أزهرء وإِنّما سمّي أعزلاً لأنّ الرامح عنده كوكب يقال له راية السماك، وأمًا الأعزل فلا شيء عنده، والأعزل هو الذي لا سلاح معه، والعرب يجعلون السماكين ساقا الأسد، وطلوع الشمس الأعزل لخمس ليال مضيئ من تشرين الأول، وسقوطه لأربع ليال تخلو من نيسان، ونوءه غزير قلما يخلف مطره، إلا أنه مذموم لأنه ينبت البسر وهو نبت إذا رعته الإبل مرضت، والعرب تقول: إذا طلعت السماك ذهبت العكاك، وفي نوئه صرام النخل، وقطع العنب، ويأتي المطر الولي. ورقب السماك بطن الحوت، وهذا آخر المنازل الشامية.
وأمًا المنازل اليمانية فأوّلها:
الغفر: وهو ثلاث كواكب خفية، وإِنّما سمّي غفراً لأنّ عند طلوعه تستتر نضارة الأرض وزينتها، وطلوعه لثمان عشرة ليلة تخلو من تشرين الأوّل، وسقوطه لست عشرة ليلة تتخلو من نيسان. قال الساجع: إذا طلع الغفر اقشعر السفر وذبل النضر، وفي نوئه يؤبر النخل، ويقطع القصب الفارسي، ومطره ينبت الكمأة. ورقيب الغفر الشرطين.
الزبانا: هى زبانا العقرب أي قرناها وهما كوكبان مفترقان بينهما في رأي العين مقدار خمسة أذرع، وطلوع الزبانا آخر ليلة من تشرين الأوّل، وسقوطها لليلة تبقى من نيسان، والعرب يصفونها بهبوب البوارح، وهي الشمال الشديدة الهبوب، وتكون في الصيف حارة، قال الساجع: إذا طلعت الزبانا فاجمع لأهلك ولا تتوانى، وفي نوئه يدخل الناس يبوتهم في أقليم بابل ويشتد البرد، ومطره ينبت الكمأة، والزبانا رقيبه البطين.
الإكليل: وهو رأس العقرب، وهو ثلائة كواكب زاهرة مصطفة معترضة، وطلوع الإكليل لثلاث عشرة ليلة تخلو من تشرين الثاني، وسقوطه لثلاث عشرة ليلة تخلو من أيار، والعرب يقولون: إذا طلع الإكليل هاجت السيول، فإذا سقط غارت مياه الأرض، ولا تزال تغور إلى سقوط بطن الحوت، وذلك لخمس مضين من تشرين الأوّل، وفي نوئه تكثر الأمطار والغيوم، ورقيب الإكليل الثريا.
القلب: هو قلب العقرب، وهو الكوكب الأحمر، وراء الإكليل بين كوكبين يقال لهما النياط، وليسا على حمرته، وأوّل النتاج بالبادية عند طلوع القلب وطلوع النسر الواقع وهما يطلعان معأ في البرد، وذلك لست وعشرين ليلة تخلو من تشرين الثاني، وسقوطه لست وعشرين ليلة تخلو من أيار، وما نتج في هذا الوقت يكون سيىء الغذاء لشدّة البرد وقلة اللبن والزيت، والعرب يقولون: إذا طلع القلب جاء الشتاء كالكلب. ونوء القلب تتشاءم به العرب، ويكرهون السفر إذا كان القمر نازلاً في العقرب، وفي نوئه يشتد البرد وتهب الرياح الباردة، ويسكن المام في عروق الشجر. ورقيب القلب الدبران.
الشولة: هي كوكبان متقاربان يكادان يماسان ذُنب العقرب، وسمّيت شول لارتفاعها، يقال شال بذنيه، وبعدها أبرة العقرب كأنها لطخة غيم، وهي تطلع لتسع ليال خلون من كانون الأوّل، وتسقط لتسع تخلو من حزيران، وتقول العرب: إذا طلعت الشولة اشتدت على العيال العولة وفي نوئها يسقط الورق كله، وتكثر الأمطار، وتتفرق الأعراب الذين حضروا المياه. ورقيب الشولة الهقعة.
النعائم: هي ثمان كواكب على أثر الشولة أربعة في المجرة وهي النعائم الواردة، سمّيت واردة لأنها شرعت في الممجرّة كأنُها تشرب، وأربعة خارجة عن المجرة وهي النعائم الصادرة سمٌّيت صادرة لأنها خارجة عن المجرّة كأنها شربت ثم صدرت عن الماء، وكل أربعة منها على تربيع، وطلوعها لاثنتين وعشرين ليلة تخلو من كانون الأول، وسقوطها لاثنتين وعشرين ليلة تخلو من حزيران، والعرب تقول: إذا طلعت النعائم توسّعت البهائم، وفي نوئها أُوّل الشتاء واستواء الليل والئهار. ورقيب النعائم الهنعة.
البلدة: هي فضاء في السماء لا كوكب بها بين النعائم وبين سعد الذابح، وليس فيه إلا نجم واحد خامد لا يكاد يُرى، وهي ست كواكب مستديرة صغار خفية تشبه القوس ويسمّيها بعض العرب القوس، وطلوع البلدة لأربع ليال خلون من كانون الآخر، وسقوطها لأربع ليال مضين من تموز، وتقول العرب: إذا طلعت البلدة حيت الجعدة، وفي نوئها يجمد الماء ويشتد كلب الشتاء، وتنقى البساتين من الأدغال والحشيش، وتكرب الكروم. ورقيب البلدة الذراع.
سعد الذابح: هو كوكبان غير نيْرين، بينهما في رأي العين قدر ذراع، وأحدهما مرتفع في الشمال، والآخر هابط في الجنوب، وطلوعه لسبع عشرة ليلة تخلو من كانون الآخر، وسقوطه لسبع عشرة ليلة تمضي من تموز، والعرب تقول: إذا طلع سعد الذابح حمى أهله النابح، وفي نوئه يصعد الماء إلى فروع الشجر، ويدرك الجوز واللوز، ويرجى المطر. ورقيب سعد الذابح النثرة.
سعد بلع: هو نجمان مستويان في المجرى، أحدهما خفي، وسمّي الأكبر بالعاً كأنّه بلع الاخر الخفي، وأخذ ضوءه وطلوعه لليلة تبقى من كانون الآخر، وسقوطه لليلة تبقى من آب، وتقول العرب: إذا طلع سعد بلع صار في الأرض لمع، وفي نوئه يكثر المطر، وتبقى الضفادع وتتزاوج العصافير، ويبيض الهدهد، وتهب الجنوب، ويقل اللبن. ورقيب سعد بلع الطرف.
سعد السعود: هو ثلاث كواكب أحدها نير والآخران دونه، والعرب تتيمن به، فلهذا سمّي بهذا الاسم، وطلوعه لاثنتي عشرة ليلة تمضي من شباط، وسقوطه لأربع عشرة ليلة تمضي من آب، وتقول العرب إذا طلع سعد السعود كره في الشمس القعود، ونوءه محمود، وفي نوئه يتحرك أَوّْل العشب، ويصوت الطير، وتهيج السنانير، ويورق الشجر، وتأتي الخطاطيف، وتصيب الإبل مرعاها، ويدرك الورد وسائر الرياحين ورقيب سعد السعود الجبهة.
سعد الأخبية: هو أربعة كواكب متقاربة، واحد منها في وسطها، وهو مثل رجل بطة، اثنان منها على الطول واثنان منها على العرض، يقال إِنّ السعد منها واحد، وهو أنورها، والثلاثة خفية، وقيل إِنْما سمّي سعد الأخبية لأنّ عند طلوعه تخرج الحشرات المختبئة في الأرض، وطلوعه لخمس وعشرين ليلة تخلو من شباط، وسقوطه لأربع ليال تبقى من آب، وتقول العرب: إذا طلع سعد الأخبية خلت من الناس الأبنية، ونوؤه غير محمود، ويكثر فيه المطر جداً، ويقطع الكرم. ورقيب سعد الأخبية الزبرة.
الفرع الأوّل: هو فرع الدلو المقدّم، والدلو أربعة كراكب واسعة مربعة، قائنان منها هما الفرع الْأَوْل، واثنان هما الفرع المؤخر، وفرع الدلو هو مصب الماء بين العرقوتين، وطلوع الفرع الأول لتسع ليال خلون من آذار، وسقوطه لتسع ليال مضين من أيلول، والعرب تقول: إذا طلع الدلو طلب اللهو، ونوءه محمود، وفيه تسقط الجمرة الثالثة، وينعقد اللوز والتفاح والمشمش بالحر، ويرده يهلك الثمار. ورقيب الفرع الأول الصرفة.
الفرع الثاني: قد وصف عند الفرع الأوّل وطلوعه لاثنتين وعشرين ليلة تخلو من آذار، وسقوطه لاثنتين وعشرين ليلة تمضي من أيلول، ونوءه محمودء، وطلوع الفرعين وغروبهما يكون في إقبال البرد وإدباره، وعند سقوط الفرع المؤخر يُجِر النخل بالحجاز وتهامة وكل غور، ويشتار العسل، وفي نوئه آخر أمطار الشتاء، وفيه يكثر العنب ويدرك النبق والباقلاء، ويستوي الليل والنهار. ورقيب الفرع الثاني العواء.
بطن الحوت: هي كواكب كثيرة في مثل حلقة السمكة، وتسمّى الرشاء أيضاً، وهي كواكب معترضة ذنبها نحو اليمن، ورأسها نحو الشام، وطلوعها لأربع ليال تخلو من نيسان، وسقوطها لخمس تمضي من تشرين الأول، وعند سقوطه ينتهي غور المياه، ويطلع بعده الشرطين، ويعود الأمر إلى ما كان عليه في السنة الأولى، وتقول العرب: إذا طلعت السمكة أمكنت الحركة. ورقيب بطن الحوت السماك، ونوءه غزير المطر قَلّما يخلف، وهو أوان حصاد الشعير بالجروم، قال أبو إسحاق الزجاجي: إِنّ السنة أربعة أجراء، كل جزء منها سبعة أنواء، كل نوء منها ثلاثة عشر يوماً، وزادوا فيها يوماً لتتم السنة ثلائمائة وخمسة وستّين يوماً وهو مقدار قطع الشمس فلك البروج، والله الموفق.
النظر العاشر في فلك البروج
اعلم أنّه ليس فلك كسائر الأفلاك، بل هو أمر موهوم، وذلك لأنّهم ذهبوا إلى أن لكل كوكب من الكواكب كرة تخصّه، وإِنّ لكل كرة حركة تخصّها، وأن الكوكب مركوز في جرم الفلك كنقطة، وأن كل كرة تتحرك على قطبين، وأنّ النقطة الى عليها برسم دائرة موهومة على سطح الكرة، فإذا تحرك فلك الشمس من المشرق إلى المغرب كانت حركته قسرية، وإنما حركة فلك الشمس المختصّة به من المغرب إلى المشرق فإذا تمت دورته حدثت من مركز الشمس دائرة عظيمة في فلك الشمس، وتتوهم هذه الدائرة قاطعة للعالم فتحدث في سطح الفلك الأعلى دائرة عظيمة مركزها مركر العالم، وهي الدائرة التي تسمّى فلك البروج، ثم إِنّ الدائرة التي هي أعظم الدوائر التي تمر بمركز العالم وتقطع العالم نصفين، وقطبها قطبا العالم اللذان يسميان الشمالي والجنوبي تسمّى دائرة معدل النهار. فنقول دائرة فلك البروج تقطع دائرة معدل النهار نصفين على نقطتين متقابلتين تسمّى إحداهما نقطة الاعتدال الربيعي، والأخرى نقطة الاعتدال الخريفي، ثم تتوهم دائرة أخرى تمر بنقطتي معدل النهار، وهما قطبا العالم ونقطتي فلك البروج فتقطع دائرة فلك البروج على نقطتين متقابلتين، إحداهما مما يلي الشمال، والأخرى مما يلي الجنوب، أمّا الشمالية فتسمى نقطة الاتقلاب الصيفى، وأمّا الجنوبية فتسمى نقطة الانقلاب الشتوي، فهاتان الدائرتان تقسمان فلك البروج أربعة أقسام متساوية. أما الربع الذي بين نقطتي الاعتدال الربيعي وبين الانقلاب الصيفي فهو الذي يحدثه زمان الربيع، لأنّ الشمس ما دامت بحركة فلكها الخاص مسامتة لهذا القوس يسمّى ذلك الزمان ربيعاً. وأمًا الربع الذي بين نقطتي الانقلاب الصيفى والاعتدال الخريفى فهو الذي يحدثه زمان الصيف لأن الشمس ما دامت مسامتة لهذا القوس يسمّى ذلك الزمان صيفاً. وأما الربع الذي بين نقطتي الاعتدال الخريفى والانقلاب الشتوي فهو الذي يحدثه زمان الخريف لأن الشمس ما دامت مسامتة لهذا القوس يسمّى الزمان خريفاً.
وأما الربع الذي بين نقطتي الانقلاب الشتوي والاعتدال الربيعي فهو الذي يحدثه زمان الشتاء لِأنّ الشمس ما دامت مسامتة لهذا القوس يسمّى الزمان شتاء، تتوهم أيضاً دائرتان عظيمتان تخرجان من قطبي دائرة البروج، فيقطعان الربع الربيعي ثلاثة أقسام متساوية، ويقطعان أيضاً الربع الخريفي المقابل لهذا الربع ثلاثة أقسام متساوية، وتتوهم أيضاً دائرتان عظيمتان تخرجان من قطبي دائرة البروج، وتقطلعان الربع الصيفي والربع الشتوي المقابل له، كل واحد منها ثلاثة أقسام متساوية، فتصير جملة الدوائر الخارجة من قطبي دائرة البروج ستة، فإذا ترهمنا ست دوائر قاطعة للعالم تمر بقطبي الدائرة بنقطتين متقابلتين، انقسم كل واحد من الأفلاك التسعة اثني عشر ر قسماً، يسمّى كل قسم منها برجاً، وكل برج منها مقسوم ُ ثلاثين قسماً، يسمى كل قسم منها درجة، فالدوائر بجملتها ثلائمائة وستون درجة، ثم قسموا فلك الثوابت بهذه الدوائر الست اثني عشر قسماً، في كل قسم كواكب متشكلة بأشكال مختلفة، ففى أحد هذه الأقسام كواكب متشكلة بشكل يشبه صورة الحمل، فسمّي ذلك القسم برح الحمل، ثم يلي هذه القطعة قطعة عليها كواكب متشكلة يصورة شبيهة بالثور، فيسمى هذا القسم برج الثور، وهكذا إلى آخر الأقسام، وذكر بطليموس أن دائرة البروج أربعمائة وستّة وثمانون ألف ألف ومائتان وتسعة وخمسون ألفاً وسبعمائة وأحد وعشرون ميلاً وسبع ميل، فطول كل برج تسعة وثلاثون ألف ألف وثلاثمائة وثمانية وثمانون ألفاً وثلاثمائة وعشرة أميال ونصف وسدس ميل، وعرض كل برج ألف ألف وثلاثمائة واثنان وعشرون ألفاً وتسعمائة وثلاثة وأربعون ميلاً وثلث ميل، والله الموفق للصواب.
النظر الحادي عشر في فلك الأفلاك
سمّي بهذا الاسم لإحاطته بجميع الأفلاك وتحريكه كلها ويقال له الفلك الأعظم لأنه أكبر الأفلاك: ويقال له الفلك الأطلس لأنهم لم يعرفوا له كوكباً، وحركة هذا الفلك من المشرق إلى المغرب على قطبين ثابتين، ويقال لأحدهما القطب الشمالي، وللآخر القطب الجنوبي، وتتم دورته في أربع وعشرين ساعة، وبحركته تتحرك الأفلاك كلها مع كواكبها، وحركته أسرع من كل شيء شاهده الإنسان حتى صح في الهندسة أن الشمس تتحرك بحركتها القسرية، وهي حركة الفلك الأعظم في مقدار ما يرفع الإنسان قدمه للخطو إلى أن يضعها ثمانمائة فرسخ، ويشهد بصحة هذا ما روي عن رسول الله ﷺ أنه سأل جبريل عليه السلام عن دخول وقت الصلاة، فقال: لا، نعم، فسأل رسول الله ﷺ عن قوله لا نعم، فقال: من وقت قلت لا إلى أن قلت نعم مرت الشمس خمسمائة فرسخ.
وبحركة هذا الفلك يتكوّن الليل والنهار، فإذا طلعت الشمس بدوران هذا الفلك على جانب من الأرض أضاء جوّها وأشرق سطحها، وتحركت حيواناتها، وربا نباتها، وفاح نسيمها، وإذا غابت بدوران هذا الفلك عن جانب من الأرض أظلم جوها واسود وجهها، وسكنت حيواناتها، وذبل نباتها، فما دامت هذه الحركة محفوظة، فهذه الحالة موجودة، وأشار إليها يقوله تعالي : ﴿ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾. والحكماء سمّوا هذا الفلك محدداً لاعتقادهم أن ليس وراء ذلك خلاء وملأ، وقال أبو عبد الله محمد بن عمر الرَازِي بعد ما أظهر فساد القول بالمحدد: من أراد أن يكتال مملكة الباري تعالى بمكيال العقل فقد ضلّ ضلالاً بعيداً، وقد أحب بعض السالفين التوفيق بين الآيات والأخبار، وقول الحكماء: فزعم أن الكرسي هو الفلك الثامن من الذي ذكرنا سعته وعجائبه، والعرش هو الفلك التاسع الذي هو أعظم الأفلاك، والله تعالى أعلم بصحة هذا القول أو فساده، ولا شك في وجود العرش والكرسي لنصوص الأيات، ولما رواه أبو الدرداء رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ أنه قال: « اما السمـٰوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقأة في فلاة. وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة، وأمًا العرش فإنه مخلوق عظيم من مخلوقات الله تعالى قبلة لأهل السمـٰوات » كما أنْ الكعبة قبلة لأهل الأرض فسبحان العظيم.
النظر الثاني عشر في سكان السمـٰوات وهم الملائكة
زعموا أنّ الملك جوهر بسيط ذو حياة وفطر وعقل، والاختلاف بين الملائكة والجن والشياطين كالاختلاف بين الأنواع، واعلم أن الملائكة جواهر مقدسة عن طلب الشهوة، وكدورة الغضب لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، طعامهم التسبيح، وشرابهم التقديس، وأُنسهم بذكر الله تعالى، وفرحهم بعبادته، خلقوا على صور مختلفة، وأقدار متفاوتة لإصلاح مصنوعاته وإسكان سمـٰواته وقال ﷺ: « أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها قدر شبر إلا وفيه ملك راكع أو ساجدة ». وقال بعض الحكماء: إن لم يكن في فضاء الأفلاك وسعة السمـٰوات خلائق، فكيف يليق بحكمة الباري جلت قدرته تركها فارغة مع شرف جوهرها، فإنه لم يترك قعر البحار المالحة المظلمة فارغاً حتى خلق فيه أجناس الحيوانات وغيرها، ولم يترك جو الهواء الرقيق حتى خلق أنواع الطير، ولم يترك البراري اليابسة والآجام والجبال حتى خلق فيها أجناس الهوام والحشرات. وأمًا أصناف الملائكة فلا يعرفهم غير خالقهم كما قال تعالى : ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ﴾ غير أن صاحب الشرع أعلم ببعضهم، وبحسب وقوع الحوادث اهتدى العقل إلى بعضهم حتى قيل: ما من ذَرّةَ من ذرَات العالم إلا وقد وُكَل بها ملك أو ملائكة، وما من قطرة إلا ومعها ملك ينزل بها من السحاب، ويدعها في المكان الذي قدر الله تعالى، هِذا حال الذرّات والقطرات فما ظنك بالأفلاك والكواكب والهواء والغيوم والرياح والأمطار والجبال والقفار والبحار والعيون والأنهار والمعادن والنبات والحيوان، فبالملائكة صلاح العالم، وكمال الموجودات بتقدير العزيز العليم، ولنذكر بعض من أخبر بهم صاحب الشريعة صلوات الله عليه وسلامه وهم الملائكة المقرّبون عليه وعليهم الصلاة والسلام.
فمنهم حملة العرش صلوات الله عليهم، وهم أغز الملائكة وأكرمهم على الله تعالى تتقرّب إليهم سائر الملائكة ويسلمون عليهم بالغدو والرواح لمكانتهم عند الله تعالى وهم يسبحون بحمد ربّهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا، فمنهم من هو على صورة النسر، ومنهم من هو على صورة الثور، ومنهم من هو على صورة الأسد، ومنهم من هو على صورة البشر. قال ابن عباس رضي الله عنهما: خلق الله حملة العرش، وهم اليوم أربعة، فإذا كان يوم القيامة أمدّهم الله تعالى بأربعة أخرى. فذلك قوله تعالى: ﴿ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ﴾وهو عظم لا يوصف، فمنهم كما تقدّم من هو على صورة ابن آدم يشفع لبني آدم فى أرزاقهم، ومنهم من هو على صورة الثور يشفع للبهائم في أرزاقها، ومنهم من هو على صورة النسر يشفع للطيور في أرزاقها، ومنهم من هو على صورة الأسد يشفع للسباع في أرزاقها.
ومنهم الروح الأمين عليه السلام، وهو ملك يقوم صفاً والملائكة كلهم صفاً لكرامته عند الله تعالى وعظمته، وإنّما سمي روحاً لأن كل نفس من أنفاسه يصير روحاً لحيوان، وقد وكله الله تعالى بإدارة الأفلاك وحركات الكواكب، وبما تحت فلك القمر من العناصر من المولدات والمعادن والنبات والحيوانات، وهو أكبر من الفلك وأقوى منه وأعظم وأشرف وأعلى من الجسمانيات، وهو قادر على تسكين الأفلاك، كما هو قادر على تحريكها بإذن الله تعالى.
منهم إسرافيل عليه السلام، وهو مبلغ الأوامر ونافخ الأرواح في الأجساد، قال رسول ﷺ: « كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وأصغى بالأذن حتى يؤمر فينفخ » قال مقاتل القرن الصور، وذلك أن إسرافيل عليه السلام واضع فاه على القرن وهو كهيئة البوق، ودائرة رأس البوق كعرض السمـٰوات ومن في الأرض، وهو شاخص ببصره نحو العرش، ينظر متى يُؤمر فينفخ فإذا نفخ صعق من في السمـٰوات والأرض إلا من شاء الله تعالى. قالت عائشة رضي الله عنها: قلت لكعب الأحبار رضي الله عنه، سمعت رسول الله يه يقول: « يا رب جبريل وميكائيل وإسرافيل » أما جبريل وميكائيل فسمعت بهما في القرآن، وأمًا إسرافيل فأخبروني عنه، فقال كعب: إنه ملك عظيم الشأن له أربعة أجنحة، أحدهما سد به المشرق والآخر سد به المغرب، والثالث ينزل به من السماء إلى الأرض والرابع التثم به من عظمة الله تعالى، قدماه تحت الأرض السابعة، ورأسه ينتهي إلى أركان قوائم العرش، وبين عينيه لوح من جوهر، فإذا أراد الله عزّ وجل أن يحدث أمراً في عباده أمر القلم أن يخط في اللوح، ثم أدنى اللوح إلى إسرافيل، فيكون بين عينيه، ثم هو ينتهي إلى ميكائيل صلوات الله وسلامه عليهم، فهم أعوان في جميع العالم حتى على الأركان والمولدات، ينفخون أرواحها فيها فيصير معدناً ونباتاً وحيواناً، وهي القرى التي بها صلاحها وحياتها، فسبحان الخالق البارىء المصوّر.
ومنهم: جبريل الأمين عليه السلام، وهو أمين الوحي وخازن القدس، ويقال له الروح الأمين، وروح القدس، والناموس الأكبر، وطاووس الملائكة. جاء في الخبر أن الله تعالى إذا تكلم بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا فيصعقون، ولا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل عليه السلام، فإذا جاءهم فزع عن قلوبهم، قالوا: ماذا قال: ربكم قالوا: الحق، فينادون الحق بالحق، وجاء في الخبر أيضاً أن النبي ﷺ قال لجبريل عليه السلام: « إني أحب أن أراك على صورتك التي صورك الله فيها » فقال: إنك لا تطيق ذلك، فقال ﷺ: «أرني» فواعده جبريل بالبقيع في ليلة مقمرة فأتاه فنظر إليه النبي ﷺ فإذا هو قد سد الآفاق فوقع مغشياً عليه فلمًا أفاق عاد جبريل عليه السلام إلى صورته الأولى قال ﷺ ما ظننت أن أحداً من خلق الله تعالى هكذا فقّال له جبريل عليه السلام: كيف لو رأيت إسرافيل إن العرش لعلى كاهله، وإنْ رجليه قد مرقتا تحت تخوم الأرض السفلى، وإنه ليتصاغر من عظمة الله تعالى حتى يصير كالوسع والوسع العصفور الصغير. وقال كعب الأحبار رضي الله عنه أن جبريل عليه السلام من أفضل الملائكة، له ست أجنحة، في كل واحد مائة جناح وله وراء ذلك جناحان لا ينشرهما إلا عند هلاك القرى ولمّا نزل على رسول ﷺ ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ ﴾ سأله رسول الله ﷺ قوّته، فقال: رفعت قرى قوم لوط بجناحي وصعدت بها حتي سمع أهل السماء صياح ديكتهم، ثم قلبتها وأعوانه موكلون على جميع العالم، من شأنهم إحداث القوة الغضبية والحمية لدفع الشر والإيذاء.
ومنهم ميكائيل عليه السلام، وهو موكل بالأرزاق للأجساد والحكمة والمعرفة للنفوس، قال كعب الأحبار: في السماء السابعة البحر المسجور، وعليه من الملائكة ما شاء الله، وميكائيل قائم على البحر المسجور، لا يعرف وصفه وعدد أجنحته إلا الله تعالى، ولو أنّه فتح فاه لم تكن السمـٰوات فيه إلا كخردلة في بحر، ولو أشرف على أهل السمـٰوات والأرض لاحترقوا من نوره، وله أعوان موكلون على جميع العالم من شأنهم إحداث قوة النهوض قي الأركان والمولدات وغيرها التي بها الوصول إلى الغايات وبلوع الكمال في الكائنات.
ومنهم عزرائيل عليه السلام، وهو مسكن الحركات ومفرّق الأرواح من الأجساد. قال كعب الأحبار: عزرائيل في سماء الدنيا، وخلق الله تعالى رجليه في تخوم الأرضين، ورأسه في السماء العليا، ووجهه مقابل اللوح المحفوظ، وله أعوان بعدد من يموت، والخلق كلهم بين عينيه، لا يقبض روح مخلوق إلا بعد أن يستوفي رزقه، ويتقضي أجله. وعن أشعث بن أسلم أن إبراهيم عليه السلام سأل ملك الموت عليه الصلاة والسلام فقال له: ماذا تصنع إذا كان نفس بالمشرق ونفس بالمغرب ووقع الوباء بأرض والتقى الزحفان بأخرى؟ فقال: أدعو الأرواح بإذن الله تعالى، فتكون بين اصبعي هاتين. وعن وهب بن منبه رضي الله عنه أن سليمان بن داود عليهما السلام تمنّى أن يرى ملك الموت لِيتّخذه صديقاً فلم يشعر سليمان حتى أتاه كأنّه خرج من تحت سريره، فقال له سليمان: من أنت؟ نقال : ملك الموت، فصعق سليمان عليه السلام، فلمّا رأى ملك الموت ذلك قال: اللّهم إِنّ عبدك سليمان تمناني ونزل به ما ترى، اللّهم إني أسألك أن تقويه على رؤيتي، فأوحى الله تعالى إليه أن ضع يدك على صدره، ففعل ذلك، فأفاق سليمان عليه السلام وقال: يا ملك الموت، إني أراك عظيم الخلق أو كل الملائكة مثلك؟ فقال: والذي بعثك بالحق نبيّاً إن رجلى الآن على منكبي ملك قد جاوزت رأسه السمـٰوات السبع وارتفع فوق ذلك بمسيرة خمسمائة عام، ورجلاه قد جاوزتا الثرى بمسيرة خمسمائة عام، رشو فاتح فاه، رافع رأسه، باسط يديه، فلو أذن الله تعالي أن يطبق شفته العليا والسفلى لأطبق على ما بين السماء والأرض، فقال له سليمان عليه السلام: لقد وصفت أمراً عظيماً، فقال له: كيف لو رأيتني على صورتي التي أقبض فيها أرواح الكفّار، فصار ملك الموت صديقاً له ويأتيه كل خميس ويقعد عنده إلى أن تزول الشمس، فقال له سليمان عليه السلام يوماً: ما لي أراك لا تعدل بين الناس تأخذ هذا وتدع هذا؟ فقال له ملك الموت: ليس المسؤول بأعلم من السائل، إِنّما هي كتب فيها أسماء المقبوضين تلقى إلي ليلة الصك، وهي ليلة النصف من شعبان إلى مثلها من السنة القابلة، فأما أهل التوحيد فأقبض أرواحهم بيميني في حريرة بيضاء مغموسة في المسك، وترفع إلى عليين، وأما أهل الكفر فأقبضى أرواحهم بشمالي في سرباك من قطران، وتنزل إلى سجين، وأمرهم إلى عالم الغيب والشهادة، فينبئهم بما كانوا يعملون.
وعن الأعمش عن خيثمة قال: دخل ملك الموت على سليمان عليهما السلام فجعل ينظر إلى أحد جلسائه ويديم النظر إليه، فلمّا خرج ملك الموت قال الرجل: يانبي الله من كان هذا؟ قال: إِنّه ملك الموت، قال: رأيته ينظر إلى كأنّه يريدني، أريد أن تخلصني منه بأن تأمر الريح لتحملني إلى أقصى بلاد الهند، فأمر سليمان الريح بذلك؛ ففعلت، فلمًا عاد ملك الموت إلى سليمان عليه السلام قال: هل رأيتك تديم النظر إلى بعض جلسائي، قال: كنت أعجب منه لاني أمرت أن أقبضى روحه بأقصى الهند في ساعة قريبة، ورأيته عندك. وقال وهب: قبض ملك الموت روح جبار من الجبايرة، فقالت الملائكة لملك الموت: لمن كنث أشد رحمة ممن قبضت أرواحهم؟ فقال: أمرت بقبض روح امرأة في فلاة من الأرض، فأتيتها وقد ولدت مولوداً فرحمتها لغربتها، ورحمت ولدها لصغره، وكونه فى فلاة لا أحد بها، فقالت الملائكة: الجبار الذي قبفت الآن روحه هو ذلك المولود، فقال ملك الموت: سبحان اللطيف بعبادة.
ومنهم الكروبيون عليهم السلام، وهم العاكفون في حظيرة القدس لا التفات لهم إلى غير الله تعالى لاستغراقهم بجمال حضرة الربوبية يسبّحون الليل والنهار، لا يفترون، وفي الخبر أنَّ لله تعالى أرضاً بيضاء مسيرة الشمس فيها ثلاثون يوماً محشوة خلقاً من خلق الله تعالى لا يعلمون أن الله تعالى يعصى طرفة عين، قالوا: يارسول الله أمن ولد آدم هم؟ قال: « يعلمون أن تعالى خلق آدم » قيل: يا رسول الله أَنّى غفل عنهم إبليس؟ قال: « لا يعلمرن أن االله تعالى خلق إبليس » ثم تلا قوله تعالى: ﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾.
ومنهم ملائكة سبع سمـٰوات قال كعب الأحبار: هؤلاء ملائكة مداومون على التسبيح والتهليل في القيام والقعود والركوع والسجود، يسبحون الليل والنهار لا يفترون حتى تقوم الساعة، فإذا قامت الساعة يقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك، وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال: ملائكة سماء الدنيا على صور البقر، وقد وكّل الله تعالي بهم ملكاً اسمه إسماعيل، وملائكة السماء الثانية على صورة العقاب، ووكّل الله بهم ملكأ اسمه ميخائيل، وملائكة السماء الثالثة على صورة النسر، والملك الموكل بهم اسمه صاعد يابيل، وملائكة السماء الرابعة على صورة الخيل والملك الموكّل بهم اسمه صلصايبل، وملائكة السماء الخامسة على صورة الحور العين، والملك الموكل بهم أسمه كلكابيل، وملائكة السماء السادسة على صورة الولدان، والملك الموكل بهم اسمه سمخائيل، وملائكة السماء السابعة على صورة بني ادم، والملك الموكل بهم اسمه روقائيل. قال وهب: وفوق السمـٰوات السبع حجب فيها ملائكة لا يعرف بعضهم بعضاً لكثرة عددهم، يسبحون الله تعالى بلغات مختلفة كالرعد القاصف.
ومنهم الحفظة عليهم السلام، وهم الكرام الكاتبون، قال أبن جريج: هما ملكان موكلان بابن آدم أحدهما عن يميئه والآخر عن يساره، وقال بعضهم هم أربعة اثنان بالليل، واثنان بالنهار، وخامس لا يفارق ليلاً، ولا نهاراً وللكفار أيضاً حفظة لأن آية الحفظة نزلت في شأن الكفار، وهي قوله تعالى: ﴿ كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ وفي الخبر أن الملك ليرفع القلم عن العبد إِذا أذنب ست ساعات، فإذا تاب واستغفر لم يكتبه عليه وإلاّ كتبه، وفي رواية أخرى: فإذا كتبه عليه وعمل حسنة، قال صاحب اليمين لصاحب الشمال وهو أمين عليه ألق هذه السيئة حتى ألقي من حسناته واحدة من تضعيف العشرة، وأرفع تسع حسنات، فيفعل صاحب الشمال. وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: « إن الله تعالى وكل بعبده ملكين يكتبان عليه، فإذا مات قالا: يا رب قبضت عبدك فلاناً، إلى أين تذهب؟ قال الله تعالى: سمائي مملوءة من ملائكتي يعبدونني وأرضي مملوءة من خلقي يطيعوني اذهبا إلى قبر عبدي، فُسبحاني وكبراني وهللاني واكتبا ذلك في حسنات عبدي إلى يوم القيامة.
ومنهم المعقبات عليهم السلام، وهم الملائكة الذين ينزلون بالبركات ويصعدون بأرواح بني آدم، وأعمالهم بالليل والنهار، فإذا واظب الإنسان على الصلوات في أوَّل أوقاتها، فإذا صلى الفجر أتاه ملائكة النهار وجدوه مصلياً وفارقه ملائكة الليل وتركوه مصلياً، وهكذا إذا صلى المغرب وما بين الصلاتين من الذنوب تكفرها الصلاة، وإذ كان كذلك فلا يرفعون له غير الحسنات، ويحقق أمر هذه الملائكة ما روي هن النبيّ ﷺ أنه قال: « يقول الله تعالى: يا ابن ادم ما تنصفني أتحبب إليك بالنعم وتمقت إلي بالمعاصي خيري إليك نازل وشرّك إلي صاعد ولا يزال ملك كريم يأتبنى عنك في كل يوم وليلة بعمل قبيح، يا أبن أدم لو سمعت وصفك من غيرك وأنت لا تعلم من الموصوف لأسرعت إلى مقته ».
ومنهم منكر ونكير عليهما السلام؛ وهما ملاكان فظان غليظان يسألان في القبر كل أحد عن ربّه ونبيه، عن أنس بن مالك رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: « إِنّ العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وهو يسمع قرع نعالهم أتاه ملكان، فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل يعني محمد ﷺ؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدل بمقعد من الجنة، فيراهما جميعاً، وأمًا المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول فى هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري أقول ما يقول الناس، فيقال له لا دريت ولا تليت ويضرب بمطراق من حديد ضربة فيصيح صبحة يسمعها من يليه غير الثقلين ».
منهم السياحون عليهم السلام: وهم صنف من الملائكة يحبون مجالس الذكر فإذا رأوا مجالس الذكر احتووا عليها، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ أنه قال: « إن لله تعالى ملائكة سياحون في الأرض فضلا عن كتّاب الناس، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تعالى ينادون هلموا إلى بغيتكم، فيجيئون بهم إلى السماء الدنيا، فإذا انصرفوا يقول الله تعالى على أي شيء تركتم عبادي يصنعونه؟ فيقولون تركناهم يحمدونك ويمجّدونك ويقدسونك، فيقرل الله تعالى: وهل رأوني؟ فيقولون لا فيقول: كيف لى رأوني؟ فيقولون: لو رأوك لكانوا أشد تسبيحاً وتحميداً وتمجيداً، فيقول لهم: من أي شيء يتعوّذرن؟ فيقولون: من النار، فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون لا، فيقول: كيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها لكانوا أشد هرباً منها وأشد تعوّذا، فيقول: أي شيء بطلبونه؟ فيقولون: الجنّة فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا، فيقول: كيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها لكانوا أشدّ طلباً لها، فيقول: أشهدكم أني قد غفرت لهم، فيقولون: كان فيهم فلان، لم يردّهم إنما جاء لحاجة فيقول: هم القوم الذين لا يشفى بهم جليسهم ».
منهم هاروت وماروت هما ملكان معذبان ببابل عن ابن عباس رضي الله عنهما: لما خرج آدم ﷺ من الجنّة عرياناً نظرت إليه الملائكة. وقالت إلهنا هذا آدم بديع فطرتك، أقله ولا تخذله، فمر بملأ من الملائكة، فوبّخوه على نقضه عهد ربّه، وكان ممن وبّخه يومئذ هاروت وهارورت، فقال آدم: يا ملائكة ربي ارحموا ولا توبخوا، فذلك الذي جرى علي كان قضاء ربي فأبلاهما الله تعالى حتى عصيا ومنعا من الصعود إلى السماء، فلمّا كان أيام إدريس عليه السلام صارا إليه، وذكرا له قصتهما، ثم قالا له: هل لك أن تدعو لنا حتى يتجاوز عنّا ربّنا؟ فقال إدريس عليه السلام: كيف لي العلم بالتجاوز عنكما؟ قالا: ادع لنا، فإتن رأيتنا فهو الاستجابة، وإن لم ترنا هلكنا، فتوضاً إدريس عليه السلام وصلى ودعا الله تعالى، ثم التفت فلم يرهما، فعلم أن العقوبة قد حلت بهما، واختطفا إلى أرض بابل، ثم خيّرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا، فهما مسلسلان معذيان في بئر بأرض بابل منكسين إلى يوم القيامة.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله ﷺ قال: « أشرفت الملائكة على أهل الدنيا فرأوهم يعصون الله فقالوا: يا ربنا ما أقل معرفة هؤلاء بعظمتك، فقال الله تعالى: لو كنتم في سلاحهم لعصيتموني، قالوا: كيف يكون هذا ونحن نسبّح بحمدك ونقدس لك؟ فقال: اختاروا ملكين، فاختاروا هاروت وماروت ثم أهبطا إلى الأرض وركبت فيهم شهوات بني ادم ومثلث لهما، فما عصما حتى واقعا المعصية فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فنظر أحدهما إلى صاحبه، فقال له: ما تقول؟ فقال: أقول إنّ عذاب الدنيا ينقطع وعذاب الآخرة لا ينقطع، فاختارا عذاب الدنيا » ، فهما اللذان ذكرهما الله تعالى في قوله: ﴿ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ﴾ وفي رواية أخرى قال لهما: إني أرسل رسولاً إلى الناس، وليس بيني وبينكما رسول انزلا ولا تشركا بي شيئاً ولا تقتلا ولا تسرقا، قال كعب: فما استكملا يومهما الذي نزلا فيه حتى أتيا ما حرم عليهما.
ومنهم الملائكة الموكلون بالكائنات لإصلاحها ودفع الفساد عنها، وقد وكّل بل فرد من أفرادها، من الملائكة ما شاء الله تعالى، وروى أبو أمامة رضى الله عنه عن رسول الله ﷺ أنه قال: « وكل بالمؤمن مائة وستون ملكا يذبون عنه ما لا يقدر عليه من ذلك بالبصر سبعة أملاك يذبون عنه كما يذب الذباب عن قصعة العسل فى اليوم الصائف » وأمًا المائة والستّون فأمر عرفه النبيّ ﷺ بنور النبوّة ولكنًا نمثل جهة التغذي، فإنّه أمر مشترك بين الحيوان والنبات، وأنت تقيس عليه غيره من الجهات.
فنقول إنّ جزءاً من الغذاء لا يصير جزءاً من المغتذي حتى يعمل فيه عدّة من الملائكة، ومعنى التغذي أن يصير جزء من الغذاء جزءاً من المغتذي، فَإِنّ الغذاء جماد لا يصير دما ولحماً وعظماً بنفسه، كما أنّ البر لا يصير طحيناً وعجيناً ورغيفاً حتى تعمل قيه الصناع، فصناع الظاهر أناس وصناع الباطن الملائكة، فقد أسبغ الله عليك نعمه ظاهرة وباطنة، وأقول أوّلا لا بد من ملك يجذب الغذاء إلى جوار اللحم والعظم، إن الغذاء لا يتحرك بنفسه، ولا بد من ثان يمسكه حتى تعمل فيه الحرارة، ثم لا بد من ثالث يلبسها صورة الدم ثم، لا بد من رابع يدفع القدر الفاضل عن الغذاء، ثم لا بد من خامس يميّز العظم واللحم والعروق وما يليق بها ثم لا بد من سادس يلصق ما اكتسب صورة العظم بالعظم وما اكتسب صورة اللحم باللحم ثم لا بد من سابع يراعي المقادير في الإلصاق فيلحق بالمستدير ما لا يبطل استدارته، وبالعريض ما لا يبطل عرضه، وبالمجوف ما لا يبطل تجويفه، ويحفظ على كل واحد مقدار حاجته ويدفع الزائد فإنّه لو جمع على الأنف من الغذاء مقدار ما يجمع للفخذ لتشؤهت الصورة، بل ينبغي أن يسوق إلى الأجفان رقيقها وإلى الحدقة صافيها وإلى الأفخاذ غليظها وإلى العظم صلبها مع مراعاة القدر والشكل وإلا بطلت الصورة، فلو لم يراع هذا الملك هذا القسط فساق الغذاء إلى جميع البدن، ولم يسق إلى رجل واحدة مثلاً لبقيت تلك الرجل كما كانت في أيام الصغر وكبر جميع البدن فترى شخصاً في ضخامة رجل له رجل كأنّها رجل صبي ولا ينتفع بنفسه البتة، فمراعاة هذه الهندسة مفوّضة إلى هذا الملك، فهذا حال بعض الملائكة الموكلين ببدن بني آدم، نهم مشتغلون بك وأنت في النوم أو تتردد في الغفلة وهم يصلحون بدنك ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ وهكذا حال جميع الكائنات، فما من شيء إلا وقد وكل الله به ملكا أو ملائكة، والله الموفق.
النظر الثالث عشر في الزمان
زعموا أن الزمان مقدار حركة الفلك وهذا على رأي أرسطاطاليس وأصحابه، وعند غيره مرور الأيام والليالي، ثم مقدار حركة الفلك ينقسم إلى القرون، والقرون إلى السنين، والسنون إلى الشهور، والشهور إلى الأيام، والأيام إلى الساعات والزمان أنفس رأس مال به تكتسب كل سعادة، وإِنّه يضمحل شيئاً فشيئاً، وزمانك عمرك وهو معلوم القدر عند الله تعالى، وإن لم يكن معلوماً عندك وما مثله إلاّ كمسافة ساع يسعى في قطعها قوي على السير لا يفتر طرفة عين، فما أعجل انقطاعها، وإن كانت بعيدة، وما أسرع زوالها وإن كانت كعمر لقمان مدّة مديدة، ولنذكر شيئأ من خواصها وعجيبها.
القول في الليالي والأيام: أمَا اليوم فهو الزمان الذي بين طلوع الفجر وغروب الشمس، وأمّا الليل فهو الزمان الذي يقع بين غروب الشمس وطلوع الفجر، ومجموعهما أربع وعشرون ساعة لا تزيد ولا تنقص، وكلّما نقص من النهار زاد في الليل، وكلّما نقص من الليل زاد في النهار كما قال الله تعالى : ﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ﴾ وأطول ما يكون النهار سابع عشر حزيران عند حلول الشمس آخر الجوزاء، فيكون النهار خمس عشرة ساعة والليل تسع ساعات، وهو أقصر ما يكون، ثم يأخذ النهار في النقصان والليل في الزيادة إلى ثامن عشر أيلول، وهو عند حلول الشمس آخر السنبلة، فيستوي الليل والنهار ويصير كل واحد منهما اثنتي عشرة ساعة، ثم ينقص النهار ويزيد الليل إلى سبع عشرة من كانون الأوّل، فيصير الليل خمس عشرة ساعة، وهو أطول ما يكون، والنهار تسع ساعات وذلك أقصر ما يكون، ثم يأخذ الليل في النقصان والنهار في الزيادة إلى سادس عشر آذار عند حلول الشمس آخر الحوت فيستوي الليل والنهار، ويصير كل واحد اثنتي عشرة ساعة، ثم يستأنف الدور وقد شبهوا أوقات اليوم والليلة بأرباع السنة، فقالوا: إن الغدوّ بمنزلة الربيع، وانتصاف النهار بمنزلة الصيف، والمساء بمنزلة الخريف، وانتصاف الليل بمنزلة الشتاء، لكن اختلافها لما كان اختلافاً يسيراً لا تتأثر منه الأبدان تأثرها عن السنة، وربما تأثرت منه الأبدان الضعيفة، ومن لطف الله تعالى بعباده جعل الليل والنهار لأنّ الإنسان مضطر إلى الحركات في أعماله لمعاشه ولا تنفك قواه عن كلال، فعند ذلك يغلب عليه النوم، ولا بد له عن ذلك لزوال الكلال كما قال تعالى ﴿ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ فعيّن وقتاً للنوم ينام فيه كلهم، ووقتاً للمعاش يعمل فيه كلهم، ولولا ذلك لأفضى إلى عسر قضاء حوائج الناس لأن أحدهم إذا طلب غيره لشغل وجده نائماً.
يوم الجمعة: عبد الملة الحنيفية وسيّد الأيام، روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ أنه قال: « خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خق آدم وفيه أُسكن الجنّة وفيه هبط عنها ، وفيه تاب الله عليه، وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله تعالى خيراً إلاّ أعطاه إيّاه » وقال بعض السلف إن الله تعالى فضلاً سوى أرزاق العباد لا يعطي من ذلك الفضل إلا من سأله عشية يوم الخميس ويوم الجمعة. وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: من قلم أظفاره يوم الجمعة أخرج الله منه داء وأدخل فيه شفاء. وقال الأصمعي: دخلت على الرشيد يوم الجمعة وهو يقلم أظفاره ويقول: قلم الأظفار يوم الجمعة من السنة، وبلغني أنه ينفي الفقر، فقلت: يا أمير المؤمنين، وأنت تخشى الفقر؟ فقال: وهل أحد أخشى من الفقر منّى. وفي الآثر أن الملائكة يتفقّدون العبد إذا تأخر عن وقته يوم الجمعة، فيسأل بعضهم بعضاً، فيقولون: ما فعل فلان وما الذي أخْره عن وقته؟ ثم يقولون: اللّهم إن كان أخّره فقر فأغنه، وإن كان أخره مرض فاشفه، وإن كان أخره شغل فأفرغه لعبادتك، وإن كان أخره لهو فأقبل بقلبه إلى طاعتك.
يوم السبت: هو عيد اليهود قال الكلبي: أمر موسى عليه السلام بنى إسرائيل أن يفرغوا في كل أسبوع يوماً للعبادة، فأبوا أن يقبلوا إلا يوم السبت، وقالوا: إنّه يوم فرع الله فيه من خلق الأشياء، وزعموا أن الأمور التي تحدث في يوم السبت تستمر إلى السبت الآخر، فلذلك امتنعوا فيه من الأخذ والعطاء، والمسلمون يخالفونهم في ذلك لقوله ﷺ: « بورك لأمتي في بكور سبتها وخميسها » وزعم أصحاب الفلاحة أن النخلة إذا غرست يوم السبت لم تحمل.
يوم الأحد: عيد النصارى، قال أصحاب السير إِنّ أول الأيام الأحد، وهو أَوَلٍ أيام الدنيا، وبداً الله فيه خلق الأشياء، وذكروا أن عيسى عليه السلام أمر قومه بالجمعة فقالوا لا نريد أن يكون عيد اليهود بعد عيدنا، فَاتَخذوا الأحد، وزعموا أنه صالح لابتداء الأمور.
يوم الاثنين: يوم مبارك، كان رسول الله ﷺ كثير المواظبة على صومه وصوم الخميس، فسئل عن ذلك، فقال: « هما يومان ترفع فيهما الأعمال، فأنا أحب أن يرفع عملي وأنا صائم » وفي الحديث أنه ﷺ وُلد يوم الاثنين، وأتاه الوحي يوم الأثنين، وخرج من مكّة مهاجراً يوم الاثنين، وقدم المدينة يوم الاثنين، وقبض يوم الاثنين، أورده الإمام أحمد بن حنيل في مسند ابن عباس رضي الله عنهم.
يوم الثلاثاء: يستحب فيه العقود وإصلاح حال النفس بالحجامة، وقيل إن قابيل قتل هابيل يوم الثلاثاء.
يوم الأربعاء: يوم قليل الخير، والأربعاء الأخير من الشهر يوم نحس مستمر يحمد فيه الاستحمام.
يوم الخميس: يوم مبارك سيّما لطلب الحوائج وابتداء السفر، روى الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أن رسول ﷺ و ما كان يخرج إذا أراد سفراً إلا يوم الخميس، وتكره الحجامة فيه، حدث حمدون بن إسماعيل قال: سمعت المعتصم بالله يحدث عن المأمون عن الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن جدّه عن ابن عباس رضي الله عنهم عن النبي ﷺ أنه قال: « من احتجم يوم الخميس فحم من مات في ذلك المرض » قال: دخلت على المعتصم يوم الخميس، فإذا هو يحتجم فلمّا رأيته وقفت واجماً ساكتاً حزيناً، فقال: يا حمدون لعلك تذكرت الحديث الذي حدثتك به؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: والله ما ذكرت حتى شرط الحجام فحم من ساعته، وكان المرض الذي مات فيه رحمه الله تعالى.
لكل صنف من أصناف الناس شهور مثل شهور العرب والروم والفرس والقبط والترك والهند والزنج، لكن الشهور المستعملة في زماننا هذا شهور العرب والروم والفرس، فاقتصرت على ذكرها، وذكر بعض خواصها والمواسم فيها، وبالله التوفيق.
الشهر عندهم عبارة عن الزمان الذي بين الهلالين، ويتفق ذلك في كل سنة من سنيهم اثنتي عشرة مرّة لأنّ سنيهم ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوماً وكسر من يوم، فإذا جعلنا شهراً ثلاثين وشهراً تسعة وعشرين صارت الشهور منطبقة على أيام السنة، و إذا صارت الكسور يوماً زادوه فى آخر ذي الحجّة، وقد نطق بذلك الكتاب المجيد: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ﴾ والأشهر الحرم: رجب وذو القعدة وذو الحجّة والمحرم، واحد فرد وثلاثة سرد، ومعنى كونها محرمة زيادة، تقع فيها عبادة الله تعالى، فالطاعات فيها أكثر ثواباً والمعاصي أعظم عقاباً، وهذه الأشهر كانت محرمة في الجاهلية، وكانت العرب في هذه الأشهر تنزع الأسنة عن رماحها وتقعد عن شن الغارات، وكان الخائف فيها يأمن من أعدائه حتى أن الرجل إذا لقي قاتل أبيه أو أخيه لم يتعرض له، فلنذكر الآن الشهور:
المحرم: سمّى محرماً لحرمة القتال فيه، فاليوم الأوّل منه معظم عند ملوك العرب يقعدون للهناء كما أن اليوم الأول من سنة الفرس، كان عندهم معظماً وهو النيروز، والسابع منه هو الذي خرج فيه يونس من بطن الحوت، وقيل إنه كان في رابع عشر ذي القُعدة، والعاشر منه يوم عاشوراء يوم معظم في جميع الملل لأنه فيه تاب الله تعالى على آدم عليه السلام، واستوت السفية على الجودى وولد الخليل وموسى وعيسى عليهم السلام، وبردت النار على إبراهيم عليه السلام، ورافع العذاب عن قوم يونس، وكشف ضر أيوب، وردّ على يعقوب بصره، وأخرج يوسف من الجب، وأعطي سليمان ملكه، وأجيب زكريا حين استوهب يحيى، وهو يوم الزينة الذي غلب فيه موسى السحرة، ولمّا قدم النبي ﷺ وجد يهودها يصومون عاشوراء، فسألهم عن ذلك، فقالوا: إنه اليوم الذي غرق فيه فرعون وقومه، ونجا موسى ومن معه، فقال عليه الصلاة والسلام: « أنا أحق بموسى منهم » فأمر بصوم عاشوراء، وكان الإسلاميون يعظمون هذا الشهر بأجمعهم حتى اتّقن في هذا اليوم قتل الحسين رضي الله عنه مع كثير عن أهل البيت، فزعم بنو أميّة أنهم انخذوه عيداً فتزينوا فيه، وأقاموا فيه الضيافات، والشيعة اتّخدوه يوم عزاء ينوحون فيه ويجتنبون الزينة، وأهل السنة يزعمون أن الاكتحال في هذا اليوم مانع من الرمد في تلك السنة، والسادس عشر منه جعلت القبلة لبيت المقدس، والسابع عشر منه فيه قدوم أصحاب الفيل، فأرسل الله عليهم طيراً أبابيل.
صفر: سمّي صفراً لأن الرباع كلها كانت تصفر من أهلها لأنّهم خرجوا للقتال لانقضاء الأشهر الحرم، وذهب الجمهور إلى أن القعود في هذا الشهر أولى من الحركة. وروي عن النبي ﷺ أنه قال: « من بشرني بخروج صفر أبشره بالجنة » اليوم الأول منه عيد بني أمية أدخلت فيه رأس الحسين بدمشق، والعشرون منه ردت رأس الحسين رضي الله عنه إلى جثته، وترك المأمون لبس الخضرة وعاد إلى السواد بعدما لبسها خمسة أشهر ونصف والثالث والعشرون منه عاد الأمر إلى بني هاشم وجلس السفاح للخلافة، والرابع والعشرون منه دخل النبي ﷺ الغار مع أبي بكر رضي الله عنه.
ربيع الأوّل: سمي ربيعاً لارتباع الناس، والمقام فيه هو شهر مبارك فتح الله فيه أبواب الخيرات وأبواب السعادات على العالمين بوجود سيد المرسلين ﷺ الثامن منه قدم رسول الله ﷺ المدينة والعاشر منه تزوّج ﷺ خديجة رضي الله عنها، والثاني عشر منه مولد رسول الله ﷺ.
ربيع الآخر: في اليوم الثالث منه رمى الحجاج الكعبة بالنار في إحصار ابن الزبير فاحترقت والرابع عشر منه فيه تقرر فرض الصلاة، وفي الحادي والعشرين غزوة رسول الله ﷺ.
جمادى الأولى: إنّما سمى بذلك لأنهما صادفا أَيّام الشتاء حين اشتد البرد جمد الماء في الثامن منه مولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفي الخامس عشر رقعة الجمل.
جمادى الأخرى: زعموا أن الحوادث العجيبة كثيراً ما تقع في هذا الشهر حتى قالوا العجب كل العجب بين جمادى ورجب، في اليوم الأوّل منه نزل الملك على رسول الله ﷺ، وفي السادس ولاية عمر بن الخطابه رضي الله عنه، وفي التاسع مولد جعفر الصادق، وفي الرابع عشر مولد موسى بن جعفر، وفي الخامس عشر هدم ابن الزبير الكعبة بيده، لحديث سمعه من عائشة رضي الله عنها وردها على هيئة ما كانت عليه في زمن الخليل عليه السلام، وفي العشرين منه مولد فاطمة رضي الله عنها.
رجب: سمٌّي رجباً لأنّه رجب أي عظم، ويقال له أيضاً الأصم لأنّه لا يسمع فيه صوت مستغيث، وقيل لأنه لا يسمع فيه قعقعة السلاح، ويقال له أيضاً الأصب لأن الله تعالي يصبّ فيه الرحمة والمغفرة على عباده، وقد وردت فيه احاديث كثيرة قد دلت على عظم شأنه وعلى أن الطاعات فيه مقبولة والدعاء فيه مستجاب ، وكان في الجاهلية إذا أراد المظلوم أن يدعو على الظالم أخّره إلى دخول رجب ودعا عليه فيستجاب له، وفي اليوم الأول منه ركب نوح عليه السلام السفينة، وفي الرايع وقعة صفّين، وفي الثاني عشر مولد جعفر الصادق، وفي الخامس عشر يوم أمّ داود وصلواتها التي تستجاب، وفي السابع والعشرين ليلة المعراج، وفي الثامن والعشرين البعثة النبوية.
شعبان: سمي شعباناً لتشتعّب القبائل فيه، اليوم الثالث منه مولد الحسين، وفي الرابع مولد الحسن رضي الله عنهما، وفي الخامس عشر ليلة الصك، وهي ليلة يغفر الله فيها أكثر من شعر غنم بني كلب، وفي السادس عشر صرفت القبلة إلى الكعبة، والعشرون منه النيروز المعتضدي.
رمضان: سمّى رمضاناً لمصادفته شدَّة الرمضاء في أوّل الوقت في أوّله فتتحت أبواب الجنّة وأغلقت أبواب النيران وصفّدت الشياطين، وفي الثالث أنزلت صحف التوراة على موسى عليه السلام، وفي الثامن أنزلت الإنجيل على عيسى عليه السلام، وفي التاسع عشر فتحت مكّة، والمحادي والعشرون ليلة القدر على رأي، وهي الليلة المباركة التي يفرق فيها كل أمر حكيم، والثالث والعشرون قيل ليلة القدر على رأي آخر، وفي الخامس والعشرين ظهور الدولة العباسية بخراسان بدعوة أبي مسلم، وفي السابع والعشرين وقعة بدر ونزول الملائكة لنصرة النبي ﷺ، وليلته هي ليلة القدر على رأي حسن، وفي اليوم الأخير أعتق الله فيه بعدد ما أعتق من أوّل الشهر إلى آخره وله عند الفطر كل ليلة سبعون ألف ألف عتيق من النار.
شوّال: سمي شوّالاً لإشالة الإبل أذنابها عند اللقاح في ذلك الوقت لأنه أوّل أشهر الحجّ، في اليوم الأول مئه عيد الفطر، ويقال له يوم الرحمة لأن الله تعالى يرحم فيه عباده، وفيه أوحى الله إلى النحل صنعة العسل، وفي الرابع منه خرج رسول الله ﷺ لمباهلة نصارى نجران، وفي السابع عشر منه غزوة أحد ومقتل حمزة رضي الله عنه، وفي الخامس والعشرين إلى آخر الشهر هي الأيام النحسات أهلك الله تعالى فيها عاداً، وقيل إنها أيام العجوز التي كانت تنوح عليهم كل سنة.
ذو القعدة: سمي ذا القعدة لأنهم كانوا يقعدون فيه عن القتال لكونه أوّل الأشهر الحرم في الأوّل منه واعد الله تعالى موسى ثلاثين ليلة، وفي الخامس رفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل عليهما السلام، وفي السابع منه فلق البحر لموسى عليه السلام، وفي الرابع عشر خروج يونس عليه السلام من بطن الحوت، وفي التاسع عشر أنبت الله تعالى عليه شجرة من يقطين ونزل جبريل، بالوحي على رسول الله ﷺ.
ذى الحجّة: سمّي ذا الحجة لأنهم كانوا يحجون فيه العشر الأول منه الأيام المعلومات وهي أحب الأيام إلى الله تعالى، في اليوم الأول تزوج علي بفاطمة رضي الله عنهما، والثامن يوم التروية وسقاية الحاج بالمسجد الحرام تملأ ويسقى الحجيج في الجاهلية والإسلام حتى تروى، والتاسع منه يوم عرفة، والعاشر يوم النحر وفيه فدي الذبيح بالكبش، وثلاثة أيام بعده أيام التشريق، الثاني عشر منه عيد الغدير وهو اليوم الذي واخى النبي ﷺ علياً رضي الله عنه فيه، وفي الرابع عشر تصدّق علي رضي الله عنه بخاتمه في الصلاة، وفي السادس والعشرين نزل الاستغفار على داود عليه السلام، وفي السابع والعشرين منه وقعة الحرة، وفي الثامن والعشرين منه خلافة علي رضي ألله عنه.
خاتمة: في معرفة أوائل هذه الشهور. وقد عمل لها جدول ليسهل علمها. أما طريق العمل بها أن تلقي عدد سنين الهجرة من أوّلها إلى السنة التي أنت فيها أو السنة التي تريد معرفة أوّل شهر من شهورها ثمانية ثمانية، فما بقي تعد من تحت الشهر الذي أنت طالب أوّله، فاليوم الذي ينتهي فيه العدد هو أوّل ذلك الشهر، وإن بقي ثمانية بعد أن أسقطتها كلها كان أوّل الشهر اليوم الذي في البيت الأخير، وهذه صفة الجدول:
محرم | صفر | ربيع الأول | ربيع الثاني | جمادى الأول | جمادى الأخرى | رجب | شعبان | رمضان | شوال | ذو القعدة | ذو الحجة |
---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|
الاثنين | الأربعاء | الخميس | السبت | الأحد | الثلاثاء | الأربعاء | الجمعة | السبت | الاثنين | الثلاثاء | الخميس |
الجمعة | الأحد | الاثنين | الأربعاء | الخميس | السبت | الأحد | الثلاثاء | الأربعاء | الجمعة | السبت | الاثنين |
الثلاثاء | الخميس | الجمعة | الأحد | الاثنين | الأربعاء | الخميس | السبت | الأحد | الثلاثاء | الأربعاء | الجمعة |
الأحد | الاثنين | الأربعاء | الجمعة | السبت | الاثنين | الثلاثاء | الخميس | الجمعة | الأحد | الأثنين | الأربعاء |
الخميس | السبت | الأحد | الثلاثاء | الأربعاء | الجمعة | السبت | الاثنين | الثلاثاء | الخميس | الجمعة | الأحد |
الاثنين | الثلاثاء | الخميس | السبت | الأحد | الثلاثاء | الأربعاء | الجمعة | السبت | الاثنين | الثلاثاء | الخميس |
السبت | الأحد | الثلاثاء | الخميس | الجمعة | الأحد | الاثنين | الأربعاء | الخميس | السبت | الأحد | الثلاثاء |
الأربعاء | الجمعة | السبت | الاثنين | الثلاثاء | الخميس | الجمعة | الأحد | الثلاثاء | الأحد | الخميس | السبت |
قال جعفر الصادق رضى الله عنه: إذا أشكل عليك أوّل شهر رمضان فعد الخامس من الشهر الذي صمته في العام الماضي، فإنه أول يوم من شهر رمضان الذي في العام المقبل وقد امتحنوا ذلك خمسين سنة، فكان صحيحاً.
وهي مختلفة العدد لأنهم أرادوا أن تكون شهورهم مساوية لمسير الشمس، وحركات الشمس مختلفة في أرباع السنة، فبعضها أكثر أياماً من البعض على ما نطقت به الأرصاد القديمة والحديثة، فلهذا جعلوا بعض الشهور ثلاثين وبعض الشهور واحدا وثلاثين وبعضها ثمانية وعشرين، فأعطوا كل شهر ما يستحقه حتى صار المجموع ثلاثمائة وستين يوماً، وجعلوا يوماً في آخر السنة، وهذا مجموع أيام سنتهم، وقد وضعوها على هذا الوجه:
تشرين الأوّل | تشرين الثاني | كانون الأوّل | كانون الثاني | شباط | أذار | نيسان | أيار | حزيران | تموز | آب | أيلول |
لا | ل | لا | لا | كح | لا | ل | لا | ل | لا | لا | ل |
وقد جمعها الشاعر في هذين البيتين فقال:
| ||
فتشرينكم الثاني | كأيلول ونيسان |
ثلاثون ثلاثون أتوا بعد حزيران شباط خص بالنقص وذاك النقص يومان وباقيها ثلاثون ويوم واحد كاني
تشرين الأول: أحد وثلاثون يوماً، في اليوم الأول تهيج الصبا، وفي الثالث عبد دير الثعالب، وفي الخامس عيد كنيسة القيامة ببيت المقدس، يزعمون أنْ ناراً من السماء تنزل وتسرج الشمع هناك، وفى السابع عيد التباريك، وفي الثالث عشرة تفور المياه ويقوم سوق أذرعات، ويضطرب البحر، وفي الخامس عشر يبرد الزمان وتكثر الرياح، و يصرم النخل، وإذا قطع خشب لم بنخر خشبه، ولم يسوس، وفي الثامن عشر ينقص النيل، وفي الحادي والعشرين يزرع على نيل مصر، وفي الثاني والعشرين يبتدىء الهواء بالبرد، وفي الثلاثين تذهب الحدأ والرخم والخطاطيف إلى الغور، ويسكن النمل جوف الأرض.
تشرين الأخر: ثلاثون يوماً، في اليوم الأول تهب الجنوب، وفي الثاني أوّل أوقات المطر، وفي الخامس تخفى الهوام، وفي السابع لقط الزيتون بالشام، وكثرة الغيوم واضطراب البحر فلا نجري فيه جارية، وفي الثامن غليان البحر وفي التاسع أوّل المرور في بحر فارس، وفي الثالث عشر ابتداء اضطرابه، وإن قطع فيه خشب لا تقع فيه الأرضة والسوس، وفي السابع عشر ابتداء صوم الميلاد وهو أربعون يوماً، وفي العشرين تموت كل دابة لا عظم لها، وفي الثاني والعشرين ينهى عن شرب الماء البارد بالليل، وفي الثالث والعشرين لقط الزيتون عند القبط، وفي الثامن والعشرين امتداد أمواج البحر.
كانون الأوّل: أحد وثلاثون يوماً، في اليوم الأول منه يقوم سوق ثوما بدمشق، ويغرس قضيب البان، وفي الحادي عشر قيام سوق الأردن، والرابع عشر أَوّل الأربعينات، والسابع عشر ينهى غن تنارل لحم البقر والأترنج، وشرب الماء بعد النوم، وعن الحجامة وطلي النورة، ويسمّون هذا اليوم الميلاد الأكبر، يعنون به الانقلاب الشتوي ويقولون إن فيه مخرج النور من حد النقصان إلى حد الزيادة، وتأخذ الإنس في النشوء والنماء والجن في الذبول والفناء، وفي التاسع عشر غاية طول الليل وقصر النهار، وفي الثالث والعشرين تنتهي زيادة النبل، وتكثر الأنداء ويسقط ورق الأشجار، وفي الخامس والعشرين ميلاد المسيح عليه السلام، وفي التاسع والعشرين ينهى عن شرب الماء عند النوم، ويقولون إِنّ الجن تتقيّأ في الماء ومن شربه يغلب عليه البله.
كانون الثانى: أحد وثلاثون يوماً في اليوم الأوّل منه يرجي المطر وفيه القلفداس بالشام يوقدون ناراً عظيمة، وفي السادس عبد الذبح زعموا أن فيه ساعة تصير فيها المياه المالحة عذبة، وفي العاشر صوم العذاري، وفي السابع عشر يذهب البرد ببلاد فارس، وفي الثاني والعشرين تنتهي الأربعينات، وفي الرابع والعشرين يدور العشب في الأرض وتتزاوج الطيور، وفي الخامس والعشرين يزرع القطن والبطيخ، وتغرس الأشجار بأرض الروم، وتكسح الكروم بأرض مصر، وتغتلم فحول الإبل.
شباط: ثمانية وعشرون يوماً، في السابع منه تسقط الجمرة الأولى، وفي الثالث عشر يجري الماء في العود من أسفله إلى أعلاه، وتنق الضفادع، وفي الرابع عشر صوم النصارى، وتسقط الجمرة الثانية، وفي العشرين يخرج الذئب، وتتحرك البراغيث، وفي الخامس والعشرين تزرع القثاء والبطيخ وتلد الوحش، ويصوت الطير وتطير الخطاطيف ويلد الماعز، ويغرس شجر الورد، ويزرع الياسمين والنرجس، ويورق الكرم، ويكثر العنب، وفي الحادي والعشرين سقوط الجمرة الثالثة، ومعني سقوط الجمرات أنّ الناس كانوا يتّخذون في قديم الزمان أخبية ثلاثة في الشتاء محيطاً بعضها بالبعض، وكانت دوايهم الكبار كالإبل والبقر في البيت الأول، ودوابهم الصغار كالغنم في البيت الثاني، وهم كانوا في البيت الثالث، وكانوا يشعلون جمرات النار في كل بيت ويتخذون الجمر للاصطلاء، فلمّا كان السابع من شباط أخرجوا دوابهم الكبار إلى الصحراء، وجعلوا الصغار مكانها، وهم سكنوا مكان الصغار، فحينئذ سقطت من الجمرات الثلاث جمرة، فإذا مضى أسبوع آخر أخرجوا الخنم أيضاً إلى الصحراء، وهم سكنوا مكانها، فسقطت جمرة أخرى، فإذا مضى أسبوع آخر خرجوا إلى الصحراء وتركوا إشعال النار لقَلهٌ البرد وطيب الهواء، فسقطت الجمرات الثلائة، وفي الخامس والعشرين يظهر الدفا وتهب الرياح اللواقح، وتكسح الكروم، وفي السادس والعشرين أول أيام العجوز، وأيام العجوز سبعة أيام ثلاثة من شباط وأربعة من آذار، قيل إنها سميت أيام العجوز لأنّ الله تعالى أهلك قوم عاد في هذه الأيام، فتخلفت منهم عجوز كانت تنوح عليهم كل سنة في هذه الأيام، فهذه الأيام لا تخلو من برد أو رياح، أو كدورة، فذهب بعضهم إلى أنّها من الأمور الطبيعية وأنّ البرد يشدد في آخر الشتاء كما أن الحر يشتد في آخر الصيف، وذلك يجري مجرى السراج الذي فنيت رطوبته، فإنّه عند اتطفائه يشْيد ضوءه دفعات.
َآذار: أحد وثلاثون يوماً، في اليوم الأول يخرج الجراد والدبيب، وفي الرابع منه آخر أيام العجوز، وذهب بعضهم إلى أنّها انّما سميت أيام العجوز لأنّ عجوزاً كاهنة من العرب أخبرت قومها ببرد شديد في آخر الشتاء يسوء أثره على المواشي، فلم يكترثوا بقولها وجزّوا أغنامهم واثقين بإقبال الربيع، فإذا هم ببرد شديد أهلك الزرع والضرع، فنسبوا تلك الأيام إليها، وفي السابع اختلاف الرياح العواصف، وفي الثاني عشر يؤمر بالحجامة، وفي الثالث عشر تظهر الخطاطيف والحدأ وفي السادس عشر تفتح الحيات أعينها في أيام البرد لأنها تجتمع في باطن الأرض، فيظلم بصرها وفي الثامن عشر يعتدل الليل والنهار وهو أوّل ربيع العجم وخريف الصين، ويغلظ ماء البحر أن الشمس تبخر لطيف أجزائه، قالوا إن العقيم من الرجال إذا نظر فى ليلة هذا اليوم إلى الشهر ثم جامع أهله ولدت، وفي هذا اليوم تهب الرياح اللواقح، وتسنبل الحنطة، ويدرك النبق والباقلاء، و يعقد اللوز والمشمش، ويورق الشجر، ويغرس الكرم، ويخاف التمساح بمصر، وفي الخامس والعشرين غليان البحر.
نيسان: ثلاثون يوماً، في اليوم الأول منه يرجي المطر وفي الرابع الشعانين، وفي الحادي عشر منه عيد النصارى، وفي العشرين منه تهيج الرياح الشرقية، ويفرخ الطير، وفي الحادي والعشرين قيام سوق فلسطين، وفي الثاني والعشرين هبوب الجنوب، وامتداد الأدوية، وفى فى الثالث والعشرين موسم دير أيوب بالشام، وفي التاسع والعشرين يمتلىء الفرات، وفي التاسع والعشرين يهيج الدم، وتعنقد الثمار، ويدرك اللوز.
أيار: أحد وثلاثون يوماً، في ثاني يوم منه عيد دير الثعالب، دفي السابع عيد الصليب، وفي الحادي عشر أوّل البوارح، وفي الخامس عشر عيد الورد المستحدث، وفي السادس عشر تهيج الصبا، ويطيب ركوب البحر، وفي الرابع والعشرين يرتفع الطاعون بإذن الله و يخضر الزرع، ويركب البجر، وتبدو السمائم، وتهب الشمال ويسوّد العنب، وتبين زيادة نيل مصر، وتهب الدبور، وفي الخامس والعشرين منه عيد الورد، وفريك السنبل، وفي التاسع والعشرين سبت القيامة.
حزيران: ثلاثون يوماً في الحادي عشر منه نوروز الخليفة ببغداد فيه اللعب ورش الماء وغيرها مما هو مشهور، وفي السادس عشر يتنفس نيل مصر، وتفور المياه، وفي الثامن عشر غاية طول النهار، و قصر الليل وهو الأمتلاء الأكبر يعظمه العرب والعجم، وهو الأنقلاب الصيفي، وفي الثاني والعشرين يوضع المنجل في الزرع، وتدرك الفاكهة والبطيخ والتين والعنب، ويشتد الحر، وفي الخامس والعشرين مولد يحيى بن زكريا عليهما السلام، وابتداء السمائم بالهبوب وهي أحد وخمسون يوماً ويمتلك جيحون، وفي الثامن والعشرين آخر البوارح، وفي التاسع والعشرين ينظر أصحاب التجارب بمصر، فإن كثر فيه الندى قالوا: يمتد النيل وإن لم يكثر قالوا لا يمتد.
تموز: أحد وثلاثون يوماً، في الخامس تطلع الشعرى وبطلوعهايعرفون صلاح الزروع وفسادها، وذلك أنّ أصحاب الفلاحة من العجم أخذوا لوحاً قبل طلوع الشعرى وضعوا ذلك اللوح على موضع عال لا يحول بينه بين السماء شيء، فما أصبح مخضراً من ذلك النبات فهو الذي صلح في تلك السنة، وما أصبح مصفراً فهو الذي فسد، وفي السابع يموت الجراد، وفي العاشر يقوم سوق بصرى، وفي الثامن عشر أوّل أيام الباحور، وهي سبعة أيام متوالية يستدلون بكل يوم منها على شهر من أشهر الخريف والشتاء من تغيرات وتلون، وزعموا أنها للسنة كأيام البحران المريض، وأنْ كل شهر من تلك الأشهر حاله كحال يوم عن تلك الأيام أوّلها كأولها وآخرها كآخرها في التغيرات، وفي الرابع والعشرين تشتد صولة الحر، ويرتفع الطاعون، ويكثر الرمد ويزرع البطيخ الشتوي والجزر والذرة، وفي الخامس والعشرين ينهى عن الجماع لشدة الحر، وفي السابع والعشرين يحمر البسر ويقطف العنب والقصب النبطي، وتفور المياه وتنضج الفواكه كلها، وفي الثلائين عيد كنيسة مريم عليها السلام.
آب: أحد وثلاثون يوماً في الأول وفاة مريم عليها السلام، وفي السادس أوّل عيد التجلي، وفي التاسع تختلف الرياح، وفي العاشر يقوم سوق عمان، وفي الثاني عشر يبدو هواء العراق، وفي السابع عشر آخر عيد التجلي، وفي الثامن عشر تهيج الرياح البوارح، ويكثر الرمان، ويصفر الأترنج، وفي العشرين آخر السموم، وفي الثاني والعشرين فتور الحر، وفي السادس والعشرين يهيج الدم، وفي الثامن والعشرين يطيب الماء، ويكثر الرطب والعنب، ويسقط الطل والمن والسلوى بالشام.
أيلول: ثلاثون يوماً، في الأول عيد رأس السنة وتمامها، ويكون سوق منبج، وفي الثالث يبتدأ بإيقاد النار في البلاد الباردة، وفي الثاني عشر يفصد ويشرب الدواء، وفي الثالث عشر تنتهي زيادة النيل في مصر وعيد كنيسة القيامة، وفي الرابع عشر عيد الصليب، وفي السادس عشر فطام الأطفال، وفي الثامن عشر اعتدال الليل والنهار وهو أوّل الخريف عند العجم والربيع عند الصينيين، وزعموا أنّ المطر في السحاب الذي يرتفع فيه يصبي الروح ويبرىء الجسد، وفي العشرين يرجع الماء من أعالي الشجر إلى عروقه، وفي الرابع والعشرين زعم أصحاب التجارب أنه تهب الريح وتأتي الغربان البقع في أكثر البلاد، وهذه أمور تتكرر في كل سنة على رأي أصحاب التجارب في الأوقات المذكورة.
وهي متساوية في العدد لأنّ أيام سنتهم عددها ثلاثمائة وخمسة وستّون يوماً، فجعلوا كل شهر ثلاثين يوماً ووضعوا في آخر السنة خمسة أيام، والشهر عندهم لا يكون على أسابيع كما هو عند العرب بل هو عندهم من أوّل الشهر إلى آخبره، ولكل يوم اسم يعرف به ذلك اليوم ويتميّز به عن غيره من الأيام؛ وهذه أسمائها:
( هرمز - بهمن - ارديبهشت - شهرير - اسفندارمذ - اردا - مرداذ - دى بآذر - آذر - آبان - خور - ماه - تير - جوش - دى بمهر - مهر - سروش - رشن - فروردين - بهرام - رام - باذ - دى بدين - دين أرد - اشتاذ - آسمان - زامياذ - مارسفند - أنيران )
وإنما وضعوا لكل يوم من الأيام اسماً لأنّ لهم في كل يوم مأكولاً وملبوساً ومشموماً تخالف غيرها، ولهم أعياد منها ما هو موضوع لأمور دنياوية ومنها ما هو لأمور دينية، أمّا الدنياوية فقد وضعها ملوك الفرس ليتوصّلوا بها إلى سرور النفس مع اكتساب الدعاء والحمد والثناء، أخذها الخلف عن السلف تيمّناً وتفاؤلاً، وأما الدينية فقد وضعها أرباب الديانات والمطلوب مها الخيرات والسعادات الأخروية فيما يرونه ونحن نذكر ما كان في كل شهر إن شاء الله تعالى، وبالله التوفيق.
فروردين ماه: اليوم الأول منه النيروز، وهو أوّل يوم من السنة واسمه بالفارسية يعطي هذا المعنى، وزعموا أن االله تعالى في هذا اليوم أدار الأفلاك وسيّر الشمس والقمر وسائر الكواكب، واسم هذا اليوع هرمز، وهو اسم من أسماء الله تعالى، وقالوا: في هذا اليوم قسم الله السعادات لأهل الأرض من ذاق صبيحة هذا اليوم قبل الكلام السكر وتدهن بالزيت رفع عنه البلاء في عامة سنته ويتفاءلون بما وقع لهم في هذا اليوم، وكان الملك يجلس في هذا اليوم ويأتيه كل واحد من خدمه وحشمه بطرفة عجيبة، وإذا استيقظ من نومه أوّل ما تقع عينة على غلام حسن الوجه على فرس حسن، على يده بازي حسن، فإنَ هذا الشكل أحسن الأشكال قد أهدي إلى بعض خواصه، والسابع عشر منه يروش روز وسروش اسم ملك هو رقيب الليل، قيل إِنّه جبريل عليه السلام وهو أشد الملائكة على الجن والسحرةء فيطلع على الخلق بالليل ثلاثاً، بالأولى يبرد الجو وتعذب المياه، وبالمرة الأخيرة طلوع الفجر، واعتزاز النبات ونماء الزهر، وترويح العليل، وصدق الرؤيا التاسع عشر فردورميز روز عيد يسمّى فردوميز جان لموافقة اسمه اسم الشهرة، وذلك جار في كل شهر، يعني إذا كان اسم اليوم يوافق اسم الشهر كان عيداً، وملوك النفرس اتخذوا هذا الشهر كله أعياداً وجعلوه أسداساً، كل سدس خمسة أيام، فالأوّل للملوك والثاني للأشراف والثالث لحرم الملوك والرابع للحاشية والخامس للعامة والسادس للرعاة.
وكان من رسم الأكاسرة أن يأمروا بإعلام الناس بجلوسه لهم عامة، وفي اليوم الثاني لمن هو أرفع مرتبة كالدهاقين والمشايخ وأرباب البيوت، وفي اليوم الثالث لأساررته وعظمائه، وفي اليوم الرابع لأهل بيته وخاصته، وفي اليوم الخامس لأولاده، وكان يوصل إلى كل أحد في كل يوم ما يستحقه من الإنعام والإكرام، وفي اليوم السادس كان فارغاً عن قضاء الحقوق لم يصل إليه إلا أهل أنسه، وكان يأمر بإحضار الهدايا يتأمّلها.
اردیبهشت ماه: اليوم الثالث منه اردیبهشت روز غيد يسمّى اردبيهشت كان لاتفاق العيدين واردبيهشت اسم ملك النار والنور وكله الله تعالى بذلك على زعمهم، وبإزالة العلل والأمراض بالأدوية والأغذية واليوم السادس منه هو اشتاذ روز وهو أوّل الكهنيار والكهنيارات ستّة كل واحد خمسة وهي أيام عبادات للمجوس وضعها زرادشت نبي المجوس.
خردادماه: اليوم السادس منه خرداد ماه روز، سمّى خرداد كان لاتفاق الإسمين وهو اسم الملك الموكل بالنبات والأشجار يربيها ويدفع النجاسات عن المياه وهو اليوم السادس والعشرون وهو اشتاذ روز أوّل الكهنيار الرابع، فيه تعلق الله النبات والأشجار، واليوم الثلاثون هو نيران روز وهو آب ريز كان يعني عيد الاغتسال.
تيرماه: اليوم السادس منه وهو يوم خرداد عيد يسمّى جشن نیلوفر وهو مستحدث، واليوم الثالث عشر منه نيروز، يسمّى النير كان لاتفاق الإسمين ذكروا أنّ في هذا اليوم طلب منوجهر من افراسيان لما تغلب على إيران شهر أن يردها عليه، فأنعم عليه بها، وكان منوجهر متحصّناً بطبرستان، واليوم السادس عشر مهر روز، ومهر اسم الشمس هو أوّل الكهنيار الخامس، زعموا أنه يوم خلق الله تعالى فيه البهائم.
شهريورماه: السادس عشر منه مهر روز عيد عظيم الشأن يعرف بالمهرجان لأنّ اسمه موافق لاسم الشهر، وكانت الأكاسرة في هذا اليوم يلبسون أبناءهم تاج الذهب الذي كان عليه صورة الشمس، وعجلتها الدائرة عليها لأنْ مهر اسم الشمس، وذكروا أن هذا اليوم خروج افريدون بعد أن أهلك الضحاك بيوراسف كل من كان ينسب إلى جمشيد وفريدون وضعته أمّه في غار وتركته، وكانت تأتيه بقرة وحش فترضعه حتى وثب على الضحاك وطرده، وأخرج أفريدون ونزلت الملائكة لعونه، وذكروا أن في هذا اليوم دحا الله الأرض، وجعل الأجساد قرار الأرواح، وقالوا من أكل يوم المهرجان شيئاً من الرمان وشم ماء الورد دفع عنه آفات كثيرة، واليوم الحادي والعشرون هو رام روز وهو اليوم الذي ظفر فيه أفريدون بالضحاك وأسره، فقال لأفريدون لا تقتلني، فأجابه إلى ذلك وحبسه بجبل نهاوند مسلسلاً في غار فيه.
آبان ماه: اليوم العاشر منه أبان روز يسمّى أبان كان لاتفاق الإسمين، قالوا فيه أمر بعمارة الأرض وحفر أنهارها واتصل الخبر بالأقاليم السبعة والخمسة الأخيرة من هذا الشهر أوّلها اشناد روز وتسمّى الفزورجان فيها، وكانوا يصنعون فيها الأطعمة والأشربة في النواويس على ظهورها يزعمون أنّ أرواح موتاهم تخرج في هذه الأيام من مواضع ثوابها وعقابها، فتأتيها ونتشف قوتها ويدخنون بيوتهم بالراس لتستلذ الموتى برائحته.
آذرماه: اليوم الأول منه هو يوم هرمز فيه ركوب الكوسج، وهو سنة لهم كان يركب في هذا اليوم رجل كوسج حماراً في أطمار من الثياب وقد تناول الأطعمة الحارة والأشربة المسخنة وطلى بدنه بالأدوية، وفي يده مروحة يتروح بها ويقول الحر الحر والناس يتضاحكون ويرمونه بالثلج والجمد، فيصيب بذلك خيراً من الناس، وبقي بذلك في عقبه إلى أن ضرب السلطان على ذلك ضربته، وكان مع الكوسج نقيع المغرة وهي طين أحمر يلطخ به ثياب من لم يسمح له بشيء، وفي هذا اليوم استخرج اللؤلؤ من البحر ولم يكن يعرف قبل ذلك، قالوا إنه يوم قضى الله فيه الخير والشر، وزعموا أن من طعم صبيحة هذا اليوم قبل الكلام سفرجلاً وشم اترنجاً سعد في سائر سنته، واليوم التاسع هو آذر روز عيد يسمّى آذرجشن لافاق الإسمين، وفيه أصطلوا بالنار، وآذر اسم الملك الموكل بجميع النيران، وقد أمر زرادشت أن تزار في هذا اليوم بيوت النيران، وتقرّب القرابين ويشاور في أمور العالم.
دي ماه: و يسمى أيضا جرماه اليوم الأول منه يسمى حزم روز وهو اسم اللّه تعالى وكان الملك في هذا اليوم ينزل عن سرير الملك، ويلبس الثياب البيض يرفع الحجاب ويترك هيئة الملك وينظر في مصالح الناس ويخاطبه كل من شاء من الوضيع والشريف ويجالس الدهاقين والمزارعين ويواكلهم ويقول: أنا كواحد منكم ولا قوام للدنيا إلا بالعمارة التي تجري على أيديكم، وقوام العمارة بالملك لا غنى لأحدهما عن الآخر، ونحن كأخوين متلازمين، واليوم الحادي عشر أول الكهنبار الأول وفيه خلق اللّه السمـٰوات، واليوم الرابع عشر زور كوش، فيه عيد يسمى عيد سيرسو يتناول فيه الثوم والخمر، ويطبخ فيه النبات باللحم التي يتحرز به عن الشياطين وبها يتداوى من العلل المنسوبة إلى الأرواح السوء، واليوم الخامس عشر وهو سمهور روز عيد يتخذ فيه شخص من عجين أو طين على هيئة إنسان ويوضع في مدخل الأبواب ويخدم خدمة الملوك ثم يحرق وفي هذا اليوم اتفق فطام أفريدون وركوب الثور وزعموا أن من أطعم صبيحة هذا اليوم قبل الكلام تفاحاً وشم نرجساً عاش سنته بخير وخصب، وأن التدخين في ليلته بالسوسن أمان في العام من القحط والفقر، واليوم السادس عشر هو مهر روز عيد كاوكيل، زعموا أن جمعا من الفرس تخلصوا في هذا اليوم من بلاد الترك وساقوا البقر التي سبيت منهم، وزعموا أن في ليلة هذا اليوم يظهر ثور عجلة القمر وهو ثور قرناه من ذهب وقوائمه من فضة، يظهر ساعة ثم يغيب، والموفق لرؤيته مجاب الدعوة في ساعة النظر إليه.
بهمن ماه: اليوم الثاني منه بهمن روز عيد يسمى بهمنجة لاتفاق الاسمين، وهو الملك الموكل بالبهائم التي يحتاج الناس إليها للعمارة، وأهل فارس كانوا يطبخون فيه قدورا يجمعون فيها من كل حب ولحم، ويشربون فيه اللبن، ويزعمون أن ذلك يصلح للحفظ، ولهذا اليوم خاصية في لقط الأدوية من الجبال والأودية واتخاذ الأدهان وتهيئة البخور والدخن، وزعموا أن ذلك وضع جاماسب الوزير ونفعها بين واليوم الخامس وهو يوم اسفندار مد عيد يسمى نوسدة، ومعناه البندق الجديد وهو من مآثر هوراسف، واليوم العاشر وهو أبان يسمى أبان عيد، ويسمى السدق وتفسيره المائة، وقيل: إنه إنما سمي سدقا لأنه بقي إلى آخر السنة مائة يوم، وقيل: لأنه تم في هذا اليوم عدد المائة من الآب الأول وهو كيومرت، قالوا: إن الشتاء يخرج من جهنم إلى الدنيا في هذا اليوم والناس في هذا اليوم يوقدون نيراناً وينحرون قرابين لدفع مضرته حتى صار من رسم الملوك في هذه الليلة إيقاد النيران وإرسال الطيور والوحش، وقد شدوا فيه باقات من الشوك مشتعلة مع الشرب والتلهي، واليوم الثلاثون و هو أنيران روز عيد يسمى إبريز، كان بأصبهان وتفسيره صب الماء والسبب فيه أن القطر احتبس في زمان فيروز جدأنو شروان وأجدب الناس، فترك فيروز الخراج وفتح الخزائن واستدان من بيوت النيران وجاد بها على الرعية و تفقدهم تفقد الوالد الولد حتى لم يمت في تلك السنين أحد جوعا ثم صلى ودعا اللّه تعالى بإزالة ذلك عن الخلق ودخل بيت النار وأدار يده و ساعده حوالي اللهيب، وضمه إلى صدره ثلاث مرات ضم الصديق صديقه، وبلغ اللهب لحيته ولم تحترق وكان ذا لحية كثة ثم قال: اللهم إن كان هذا الاحتباس من أجلي وسوء سيرتي فبين لي حتى أخلع نفسي، وإن كان لغيري فبين لي وأزل عن أهل الدنيا ذلك وجد عليهم بالمطر، ثم خرج من بيت النار فارتفعت سحابة وأبلت بأمطار لم يعهد مثلها غزارة، فأيقن فيروز بإجابة دعائه، وجرت المياه في الخيام والسرادقات وكان الناس يصب بعضهم على بعض فرحا وسرورا فصار ذلك سنة لهم إلى هذا الوقت.
اسفندارمذ ماه: اليوم الخامس وهو اسفندارمذ روز عيد لاتفاق الاسمين وهو اسم الملك الموكل بالأرض والمرأة الصالحة المحبة لزوجها، وهذا عيد خاص للرجال والنساء يحسن بعضهم إلى بعض ويتخذون فيما بينهم العهود، وقد بقي هذا بأصبهان يسمونه مرزكيران، وهذا اليوم تكتب فيه الرقاع لدفع الهوام والحشرات، فيكتبون من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس الرقية المعرفة، ويلصقون ثلاثة منها على الجدران الثلاثة من البيت، ويتركون الجدار المقابل لصدر البيت.
السنة عند العرب اثنا عشر شهراً وعند العجم كذلك إلا أن العرب تجعل شهورها على مدار الأهلة وأيّامها ثلاثمائة وأربعة و خمسون يوماً، وأما العجم فجعلوا شهورهم على مدار الشمس، وأيامها ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً، وفي هذه المدة تقطع الشمس دائرة الفلك فسنو العرب قمرية، وسنو العجم شمسية والتفاوت بينهما كل مائة سنة ثلاث سنين، قال اللّه تعالى: ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ﴾ بحساب العرب، وأول السنة الشمسية مسامته الشمس لنقطة الاعتدال الربيعي، ثم تتحرك متوجهة نحو الشمال حتى تبلغ غايتها في الشمال ثم ترجع متوجهة إلى نقطة الاعتدال الخريفي حتى تصير مسامته لها، ثم تتحرك متوجهة نحو الجنوب حتى تبلغ غايتها في الجنوب، ثم ترجع متوجهة إلى نقطة الاعتدال الربيعي فلهذا الاعتبار قسموا السنة أربعة أقسام كل قسم فصل ومن جملة لطف اللّه تعالى أن أعطى كل فصل طبقة مغايرة لما بعده في كيفية أخرى ليكون ورود الفصول على الأبدان بالتدريج، فلو انتقل من الصيف إلى الشتاء دفعة واحدة لأدى ذلك إلى تغيير عظيم في الأبدان، فحسبك ما ترى من تغيير الهواء في يوم واحد من الحر إلى البرد كيف يظهر مقتضاه في الأبدان فكيف إذا كان مثل هذا التغيير في الفصول، فسبحانه ما أعظم شأنه وأكثر امتنانه.
أما الربيع: فهو نزول الشمس أول دقيقة من برج الحمل، فعند ذلك استوى الليل والنهار في الأقاليم، واعتدل الزمان، وطاب الهواء، وهب النسيم، وذابت الثلوج، وسالت الأودية، ومدت الأنهار، ونبعت العيون، وارتفعت الرطوبات، إلى أعلى فروع الأشجار، وتلألأ الزمر، وأورق الشجر، وتفتح النوار، واخضر وجه الأرض، وتكونت الحيوانات ونتجت البهائم، ودرت الضروع وطاب عيش أهل الزمان، وأخذت الأرض زخرفها وازينت الدنيا كأنها جارية شابة تجلت وتزينت للناظرين. فلا يزال كذلك دأبها ودأب أهلها إلى أن تبلغ الشمس آخر الجوزاء فحينئذ ينتهي الربيع ويقبل الصيف.
وأما الصيف: فهو نزول الشمس أول السرطان، فعند ذلك تناهى طول النهار وقصر الليل، ثم أخذ في الزيادة، واشتد الحر وسخن الهواء، وأدركت الثمار، وجفت الحبوب، و قلت الأنداء، وأضاءت الدنيا، وسمنت البهائم، واشتدت قوة الأبدان، وانتشرت الحيوانات على وجه الأرض بعموم الخير، وطاب عيش أهل الزمان، وكثرت السموم، ونقصت الأنهار، ونضبت المياه، وأدرك الحصاد، ودرت الأخلاق، واتسع للناس القوت، وللطير الحب، وللبهائم العلف، وتكامل زخرف الأرض، وصارت الدنيا كأنها عروس حسناء ذات جمال كثيرة العشاق ولا تزال كذلك إلى أن تبلغ الشمس آخر السنبلة، فعند ذلك انتهى الصيف، وأقبل الخريف.
وأما الخريف: فهو وقت نزول الشمس في أول الميزان فعند ذلك استواء الليل والنهار ومرة أخرى، ثم ابتداء الليل بالزيادة، كما ذكرنا أن الربيع زمان استواء الأشجار وربو النبات وظهور الأزهار، فبالخريف ذبول النبات وتغير الأشجار وسقوط أوراقها، فحينئذ برد الماء، وهبت الشمال وتغير الزمان، ونقصت المياه، وجفت الأنهار، وغارت العيون، ويبست أنواع النبات، وماتت الهوام، وانحجزت الحشرات، وانصرف الطير والوحش لطلب البلدان الفيئة، وادخر الناس قوت الشتاء ودخلوا البيت، ولبسوا الجلود الغليظة من الثياب وتغير الهواء وصارت الدنيا كهلة تولت عن أيام الشباب، ولا تزال كذلك إلى أن تبلغ الشمس آخر القوس، وقد انتهى الخريف وأقبل الشتاء.
وأما الشتاء: فهو وقت نزول الشمس أول الجدي فعند ذلك تناهى طول الليل وقصر النهار، ثم أخذ النهار في الزيادة واشتد البرد، وخشن الهواء وتعرى الأشجار عن الأوراق، وانحجزت الحيوانات في أطراف الأرض، وكهوف الجبال من شدة البرد و كثرة الندى، وأظلم الجو، وكلح وجه الزمان، وهزلت البهائم وضعفت قوى الأبدان ومنع البرد الناس عن التصرف ومن عيش أكثر الحيوان وبرد الماء الذي هو مادة الحياة، وانقطع الذباب والبعوض، وعدمت ذوات السموم من الهوام وطاب الأكل والشرب، وهو زمان الراحة والاستماع، كما أن الصيف زمان الكد والتعب، قيل: من لم يغل دماغه في الصيف، لم يغل قدره في الشتاء، وصارت الدنيا كأنها عجوز هرمة دنا موتها، فلا تزال كذلك إلى أن تبلغ الشمس آخر الحوت، وقد انتهى الشتاء وأقبل الربيع مرة أخرى، ولا يزال كذلك إلى أن يبلغ الكتاب أجله.
قال بعض العلماء إن اللّه تعالى يبعث في لك ألف سنة نبيّا بمعجزات غريبة واضحة لرفع أعلام دينه القويم و ظهور صراطه المستقيم، ويجوز أن يكون ما بين النبيين أكثر من ألف سنة أو أقل، وكان في الألف الأول آدم أبو البشر عليه السلام، وفي الألف الثاني إدريس عليه السلام، ثم نوح عليه السلام، على الترتيب المذكور، وفي الثالث إبراهيم عليه السلام، و في الرابع موسى عليه السلام، وفي الخامس سليمان عليه السلام، وفي السادس عيسى عليه السلام، وفي السابع محمد ﷺ، ثم ختمت به النبوة، وانتهت آلاف الدنيا بألفه، لما روي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللّه عنهم أن الدنيا جمعة من جمع الآخر سبعة آلاف سنة، وقد مضي ستة آلاف ومائة، وليأتين عليها سنون، وعلى رأس كل مائة من مبعث نبينا محمد ﷺ يظهر صاحب علم يرفع أعلام العلم، فعلى رأس المائة الأولى عمر بن عبد العزيز، وعلى الثانية محمد بن إدريس الشافعي رضي اللّه عنه، وعلى الثالثة أبو العباس أحمد بن شريح، وعلى الرابعة أبو بكر بن الخطيب الباقلاني، وعلى الخامسة أبو حامد الغزالي، وعلى السادسة أبو عبداللّه الرازي رحمة اللّه عليهم. وعن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال: من عمره اللّه أربعين سنة كف عنه أنواعاً من البلاء، منها الجذام والبرص وجنون الشيطان، ومن عمره اللّه خمسين سنة في الإسلام خفف حسابه يوم القيامة، ومن عمره اللّه ستين سنة رزقه الإنابة إليه بما يحب له عز وجل، ومن عمره سبعين سنة أحبه أهل السمـٰوات وأهل الأرض، ومن عمره ثمانين سنة محى سيئاته وكتب حسناته، ومن عمره تسعين سنة غفر له ذنوبه وكان أسير اللّه في الأرض، وشفع في أهل بيته.
وذهب العلماء إلى أن تكرر الأعوام يرى فيه حوادث عجيبة الشكل غريبة غير معهودة، ويحسب اختلاف الأهوية معادن غريبة ونبات وأشجار بديعة، وربما يصير العمر غامرا والغامر عامراً، والبر بحراً والبحر برّا، والسهل جبلا والجبل سهلاً، كل ذلك بتقدير العزيز العليم. و لنختم هذا الفصل بحكاية عجيبة.
وهي ما روي أنه كان من بني إسرائيل شاب عابد، وكان الخضر عليه السلام يأتيه، فسمع بذلك ملك زمانه فأحضره بين يديه وقال، إذا جاءك الخضر فائتني به وإلا قتلتك، فقال الشاب: ويحكم أآتيك بالخضر؟ قال: نعم وإلا قتلتك، فرجع الشاب إليمكانه متفكرا في أمره حتى جاءه الخضر عليه السلام، فحدثه بحديث الملك، فقال: امض بي إليه، فلما دخلا على الملك قال له الملك: أنت الخضر؟ قال: نعم، قال: حدثني بأعجب شيء رأيته، فقال الخضر عليه السلام: رأيت كثيرا من عجائب الدنيا وأحدثك بما حضرني الآن، كنت في اجتيازي مررت بمدينة كثيرة الأهل والعمارة سألت رجلا من أهلها متى بنيت هذه المدينة؟ فقال: هذه مدينة عظيمة ما عرفنا مدة بنائها نحن ولا آباؤنا، ثم اجتزت بها بعد خمسمائة سنة فلم أر للمدينة أثرا ورأيت هناك رجلا يجمع العشب فسألته متى خربت هذه المدينة، فقال: لم تزل هذه الأرض كذلك فقلت: أما كانت هاهنا مدينة؟ فقال: ما رأينا هاهنا مدينة ولا سمعنا عن آبائنا، ثم مررت بها بعد خمسمائة عام، فوجدت بها بحرا فلقيت هناك جمعا من الصيادين فسألتهم متى صارت هذه الأرض بحرا؟ فقالوا مثلك يسأل عن هذا إنها لم تزل كذلك، قلت: أما كان قبل ذلك يبسا؟ قالوا: ما رأينا ولا سمعنا به عن آبائنا ثم اجتزت بعد خمسمائة عام وقد يبست فلقيت بها شخصا يختلي، فقلت: متى صارت هذه الأرض يبسا؟ فقال: لم تزل كذلك، فقلت له: أما كان بحرا قبل هذا؟ فقال: ما رأيناه ولا سمعنا به قبل هذا، ثم مررت بها بعد خمسمائة عام فوجدتها مدينة كثيرة الأهل والعمارة أحسن مما رأيتها أولا، فسألت بعض أهلها متى بنيت هذه المدينة؟ فقال: إنها عمارة قديمة ما عرفنا مدة بنائها نحن ولا آباؤنا، فقال الملك: إني أريد أن أتبعك وأفارق ملكي فقال له: إنك على ذلك ولكن اتبع هذا الشاب فإنه يدلك على الرشاد، واللّه الموفق للصواب.
تمت المقالة الأولى في العلويات والحمد للّه رب العالمين.