→ تشريح الرحم | شرح تشريح القانون لابن سينا القسم الثاني تولد الجنين المؤلف: ابن النفيس |
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه إذا اشتملت الرحم على المني... إلى قوله: وإذا ولد لم يحصل النوم.
الشرح
كل جسم طبيعي فإن تحققه إنما يكون محصول صورته النوعية إذا حصلت لتلك المادة استعداد لقبول تلك الصورة وإنما يكون ذلك إذا حصل لتلك المادة الكيفية التي بها يكون ذلك الاستعداد أعني الاستعداد لقبول تلك النفس وإنما يحصل ذلك لتلك المادة بأن يكون بكيفية بعدها لتلك النفس وذلك لأن المادة بذاتها قابلة لجميع الصور وجميع النفوس، واجتماع صور كثيرة فيها، أو نفوس كثيرة محال فلا بد في قبول بعض أي في قبول أن يحصل للمادة صورة معينة دون غيرها ويتعلق بها نفس بعينها دون غيرها من أمور تقتضي ذلك فلذلك المادة إذا سخنت بإفراط تعذر عليها في أن تتصور بصورة الماء وكانت صورة النار بها أولى فلذلك يقال إن هذه المادة مستعدة للصورة النارية، وإنها غير مستعدة للصورة المائية وكذلك المادة إذا بردت استعدت للصورة المائية ولم تستعد للصورة النارية وكذلك إذا كانت المادة خارجة جداً عن الاعتدال الحقيقي لم تكن مستعدة لتعلق النفس الإنسانية بها البتة وكانت مستعدة للتعلق بنفس أخرى أو غير مستعدة للتعلق بنس البتة فلذلك المعد لحصول صورة معينة أو للتعلق بنفس معينة إنما يكون لكيفية تقتضي للمادة ذلك فلذلك مهما حصلت تلك الكيفية لمادة ما أعدتها لحصول الصورة المناسبة لها وللتعلق بالنفس المناسبة لها والله تعالى لكرمه لا يمنع مستحقاً مستحقه فلذلك يعطي كل مادة ما تستعد له من الصور والنفوس، فلذلك إذا اجتمع المنيان في الرحم واختلطا وحصل من اختلاطهما مزاج إنساني استعد ذلك الممتزج من المنيين لقبول صورة الإنسان والتعلق بنفس إنسانية، وحصل له من ذلك من الله تعالى.
وسبب هذا الامتزاج أن الرحم بطبعه شديد الاشتياق إلى مني الرجل حتى إنه يحصل له عند الجماع أن يعرض له الارتعاد ويتحرك إلى البروز للتوصل إلى مني الرجل لو لا الأربطة المانعة من البروز، فإذا كان كذلك فهولا محالة يشتد جذبه لما حصل في داخله من مني الرجل. وإذا لاقى هذا المني جرم الرحم التذ به لا محالة كثيراً جداً بما فيه من السخونة والإدفاء المعتدلين وصار ذلك كماء معتدل السخونة صب على بدن قد برد، ومع هذا الالتذاذ الشديد لا بد من أن يحدث له تألم بما يحدثه ذلك المني بحدته من اللذع، وتفريق اتصال جرم الرحم فتختلط تلك اللذة الشديدة بهذا الألم فيشتاق لذلك الرحم إلى ما يزيل ذلك السبب المؤلم ومني المرأة رطب قليل الحرارة فلذلك يحتاج جرم الرحم إلى جذبه لدفع ذلك الألم فينجذب المنيان إلى سطح الرحم ويلزم ذلك شدة اختلاطها وجميع الأجسام التي في هذا العالم المختلفة الطبائع يحدث لها لا محالة تفاعل يؤدي إلى كيفية متوسطة بين تلك الطبائع المختلفة. وتلك الكيفية تسمى مزاجاً فلذلك لا بد من حدوث هذا المزاج عن اختلاط المنيين فيكون هذا المزاج قريباً جداً من الاعتدال لأجل تكافؤ قوى المنين في الخروج عن الاعتدال. فلذلك يستعد المركب حينئذٍ منهما لحصول صورة إنسانية وللتعلق بنفس إنسانية وإنما تنتع النفس بذلك إذا صار بدناً. فلذلك تحتاج تلك النفس الجاذبة إلى تكميل ذلك المجتمع من المنيين وذلك بأن يصير بدناً إنسانياً، وإنا يمكن ذلك لقوى تحدث له فيفعل فيه ذلك وهو في تلك الحال غير قابل لجميع القوى التي للإنسان فلذلك تقبض عليه من القوى ما يمكن قبولها أو لاً وتلك هي القوة الحيوانية فإن جميع أفعال الإنسان وقواه موقوفة على الحياة. والقوة الحيوانية إنما تقوم بروح حيواني فلذلك يحتاج هذا الممتزج أن يحدث فيه أو لاً روح حيواني وحدوث هذا الروح أسهل لا محالة من حدوث الأعضاء. فلذلك يحدث له أو لاً هذا الروح وذلك بأن يتبخر من ذلك المني لأجل تسخنه في الرحم أبخرة لطيفة وتلك الأبخرة هي لا محالة من أجزاء دموية قد كمل نضجها وتلطفت بالحرارة فلذلك هذه الأجزاء البخارية تخالط ما يكون في الرحم من الهواء الواصل بعضه من عنق الرحم بعضه من الشرايين النافذة في جرم الرحم، ويحدث من اختلاط ذلك جرم شديد الاستعداد للاستحالة إلى جوهر الروح فإذا نفذ من أرواح الأم شيء إلى داخل الرحم من أفواه الشرايين النافذة فيه أحاله ذلك الجرم روحاً. وتلك الروح يتصور بالقوى الحيوانية فلذلك يحدث لهذا المني أو لاً قوة حيوانية قائمة بروح حيواني وهذه القوة والروح محال أن يضيعا حينئذٍ وأن يتركا منيين في فضاء الرحم بل لا بد من نفوذهما حينئذٍ إلى داخل ذلك المني وليس موضع منه أولى من آخر فيجب أن يجولا في وسطه فلا بد من أن يحدث لهما حينئذٍ مكان ينحصران فيه فلذلك يحدث لهما في المني تجويف ينحصران فيه وذلك التجويف إذا تم خلقته بعد ذلك الوقت كان هو البطن.
وذلك المنفذ لا بد من تصلبه بتدافع أجزاءه عند نفوذ ما ينفذ فيه والحرارة هناك تزيده انعقاداً فيكون من ذلك السرة، فلذلك السرة أو ل عضويتم فيه تكونه وتجويف القلب أو ل عضو يحدث في المني لكن صلابة جرم القلب تمنع من سرعة تكونه فلذلك تمام تكون السرة يسبق تمام تكون القلب وتجويف القلب يسبق حدوث السرة لأنها إنما تحدث بعد احتياج الروح المحوية في تجويف القلب إلى نفوذ الهواء إليه. والمنفذ الذي تكون فيه السرة ثم بعد أن يصير الجنين حياً مغتذياً يحتاج أن يصير مع ذلك حساساً متحركاً بالإرادة وإنما يمكن ذلك بتعدل القوة الحيوانية حتى يمكن صدور تلك الإرادة عنها وإنما يمكن ذلك بعضو بارد ورطب، فإن هذه الروح حارة قليلة الرطوبة الندية فإنما يعتدل بعضو هو كذلك، وهذا العضو البارد الرطب هو الدماغ على ما بيناه في موضعه، فلذلك يحتاج الجنين أن يتكون له الدماغ، وابتداء تكونه وإن كان متأخراً فإن تمامه يتقدم تمام تكون القلب، وذلك لأن الرطوبة أقبل للانفعال والتخلق من غيرها، فلذلك تمام تكون الدماغ يظهر في الجنين قبل تمام تخلق القلب ثم الدم الواصل إلى الجنين من بدن الأم يحتاج إلى أن يستحيل إلى مشابهة مزاج الجنين ومشابهة جوهر أعضائه والعضو الذي يتم فيه تكون الدم الغاذي للبدن هو الكبد فلذلك يحتاج الجنين إلى أن يتكون الكبد لأجل إصلاح ما يرد إليه من بدن الأم فإن ذلك الوارد لحدته ويبوسته لا يصلح لغذاء الجنين ما لم يتعدل وينصلح مزاجه في الكبد فلذلك يتكون الكبد، وربما سبق أيضاً تمام تكونها لتمام تكون القلب لأنها عضو رطب بخلاف القلب. وقبل هذه الأحوال جميعها لا بد من أن يكون الغشاء الأول الذي يسمى المشيمة وذلك لان وصول الروح والدم إلى داخل المني إنما هو من العروق التي في هذا الغشاء. وكيفية تكونه أن المني عند أو ل وروده إلى داخل الرحم لا بد أن يتسخن بحرارة باطن الرحم. وهذه الحرارة لا بد من أن ينبسط جرمه فيزداد حجمه. والغشاء الباطن من غشاءي الرحم لا بد من اشتماله على ذلك المني فلذلك لا بد للمني حينئذٍ أن يلاقي ذلك السطح، وقوام المني لزج، وكل لزج لاقى سطحاً حاراً فلا بد من انعقاد ظاهر ذلك الجسم بحرارة ذلك السطح، ويلزم ذلك أن يحدث في ظاهر المني جرم غشائي وفي الغشاء الباطن من غشاءي الرحم عروق كثيرة ساخنة وضاربة من أفواه تلك العروق تقضي إلى داخل الرحم لأن من هذه العروق ينفذ دم الطمث ويرتفع ما يرتفع من فضل المادة التي تفضل من غذاء الجنين إلى الثديين فيحدث منهما اللبن وكذلك الأرواح والنسيم الواردان إلى الرحم إنما يردان إليه من هذه الأفواه التي للشرايين وهذه الأفواه لأنها أطراف العروق تكون لا محالة صلبة خشنة وكذلك إذا ماس المني باطن الغشاء الثاني من غشاءي الرحم وهو الداخل فلا بد من أن يلتصق بهذه الأفواه ما يلاقيها من جرم المني فيتعلق لا محالة بها، وإذا تفشش ما في المني من الجرم المخلخل لجرمه الباسط له عاد المني إلى حجمه الأول فنزل بذلك عن مماسته جرم هذا الغشاء الداخل من غشاءي الرحم وبقيت الأجزاء الملتصقة بتلك الأفواه ملازمة لها فامتد من تلك الأجزاء خيوطاً متصلة من تلك الأفواه إلى الغشاء الحادث على سطح المني وبعض هذه الخيوط يتصل بأفواه الأوردة وبعضها يتصل بأفواه الشرايين فإذا نزل الدم من الأوردة ونزلت الروح من الشرايين نفذ كل واحد منهما في الخيوط المتصلة بأفواه عروقه فلذلك ينفذ الدم في الخيوط المتصلة بأفواه أو ردة الرحم وتنفذ الروح في الخيوط المتصلة بشرايين الرحم فلذلك تصير تلك الخيوط مجوفة كأنها وصلات لأوردة الدم وشرايينها وتتحد التي ينفذ فيها الدم فيصير غرقاً واحداً ينفذ في السرة في كبد الجنين لأجل تغذيته وتتحد التي فيها الروح فتصير عرقاً وواحداً ينفذ في السرة إلى تجويف قلب الجنين لأجل إفادة الروح وتعديلها بالنسيم ثم بعد ذلك يعرض للمني أن يتسخن كرة أخرى ويربو ويتخلخل حتى يلاقي الغشاء الداخل فيلزم ذلك أن يعرض لتلك الخيوط التي صارت عروقاً انعطافات على الغشاء الداخل على سطح المني لأجل لزوجة المني تلتصق تلك العروق المنعطفة بذلك الغشاء فإذا تخللت الحرارة من ذلك المني كرة أخرى وضمر وصغر حجمه عاد كرة أخرى نازلاً من ملاقاة الغشاء الداخل من غشاءي الرحم ويلزم ذلك تمدد ما بقي من تلك العروق غير
منعطف فإذا عاد المني بعد ذلك إلى التسخين والتخلخل وارتفع إلى ملاقاة الغشاء الداخل عرض لتلك العروق الممتدة انعطافات كثيرة أخرى ولصق بالغشاء الحادث على سطح المني كما عرض أو لاً ثم إذا عاد المني إلى تجمعه كرة أخرى وامتد ما بقي منها غير منعطف ولا يزال الأمر كذلك حتى تكثر تلك العروق الملتفة جداً وحينئذٍ إذا تسخن المني وتخلخل حتى لاقى جرم الغشاء الداخل من غشاءي الرحم وينخرق نه أجزاء منوية فلاقت ذلك الغشاء حدث من تلك الأجزاء غشاء آخر فوق تلك العروق تحفظ أو ضاعها فلذلك تبقى تلك العروق الكثيرة كلها بين هذين الغشاءين وجملة ذلك يقال له المشيمة ومن هذه المشيمة يكون غذاء الجنين ووصول الروح والنسيم إلى بدنه ثم بعد ذلك يحدث للجنين غشاءان آخران أحدهما في الشهر الثاني، وثانيهما في الشهر الثالث. وسنتكلم فيهما فيما بعد.
قوله: زبدية المني هو من فعل القوة المصورة، والحقيقة في حال تلك الزبدية تحريك من القوة المصورة لما في المني من الروح النفساني والطبيعي والحيواني إلى معدن كل واحد منه.
أما حدوث الزبدية في المني عند حصوله في الرحم فذلك لأجل تسخنه بحرارة باطن البدن، وأما أن ذلك من فعل القوة المصورة. إنما هو إفادة الصورة وإحداث الزبدية ينافي ذلك، وعندهم إن هذه القوة يستفيدها المني من الأنثيين، وأنها من قوى نفس الأب على رأيي، ومن قوى نفس الأبوين على رأي جالينوس. وأن الأنثيين عضو رئيس لأجل إعطائه هذه القوة. والقوة المولدة ونحن قد بينا فيما سلف بطلان هذا الكلام وأن المني ليس فيه شيء من القوى وإنما هو مادة يتكون منها البدن، وما يحدث فيه من القوى الغاذية والمصورة ونحو ذلك فإنما هو من قوى النفس الحادثة وهي المتعلقة بذلك المني ليتكون منه الشخص الحادث وليس في المني عندنا روح نفساني وطبيعي وحيواني، بل هو رطوبات اجتمعت وحدث لها الحرارة المنضجة غليان أو جب لها زبدية وبتلك الزبدية يبيض لو نه ويغلظ قوامه غلظاً غير حقيقي وإذا برد وزالت منه الزبدية رق قوامه وليس للقوى الطبيعية عندنا روح ولا هي أيضاً مستفادة من الكبد ولا الكبد عندنا عضو رئيس وكل ذلك قد بيناه فيما سلف وليس يوجد عندنا في المني نفخ يمتلأ من روح إلا النفخ الذي يصير فيه الروح الحيواني الذي يحدث من المني في الرحم ويصير ذلك النفخ تجويفاً للقلب كما قلناه.
قوله: وإنما يغتذي هذا الجنين بهذا الغشاء، ما دام الغشاء رقيقاً وكانت الحاجة إلى قليل من الغذاء. وأما إذا صلب فيكون من الاغتذاء إنما يتولد في مسامه من منافذ الغشاء الذي يتولد في الجنين أو لا وهو الغشاء المشيمي واغتذاء الجنين هو من ذلك الغشاء ما دام جنينا لأن هذا الغشاء يحتوي على عروق كثيرة بعضها يتصل بالأوردة النافذة إلى الرحم فتكون في هذه العروق الدم ومن ذلك يغتذي الجنين بأن ينفذ في عروق تتكون من تلك العروق نافذاً إلى كبد الجنين من سرته، وبعض تلك العروق يتصل بالشرايين النافذة إلى الرحم وفي تلك العروق أرواح ونسيم نافذان إليها من تلك الشرايين وهذه العروق يتحد منها عرق واحد ينفذ بالروح والنسيم إلى قلب الجنين من سرته. وأما أن الجنين يغتذي من مسامه، فذلك مما لا يصح البتة.
قوله: إنه يحكى عن أبقراط أنه قال: أو ل عضو يتكون هو الدماغ والعينان هذا الكلام إن صح عن أبقراط فالمراد به أن الدماغ أو ل عضو من الأعضاء الرئيسية يتم تكونه.
أقول: إن الصواب أن يكون أو ل عضو ينخلق هو الكبد لا شك أن أو ل قوة تحدث في المني بعد القوة الحيوانية هي قوة الغذاء، وهذا لا يلزمه أن يكون الكبد يتكون أو لاً. ولأنها يتكون أو لاً قبلها سوى القلب من الأعضاء وذلك لأن القوى الطبيعة جميعها عندنا تجذب الأعضاء بذواتها لا بإعطاء الكبد لها. وقد حققنا هذا من قبل.
والدم الذي يغتذي به الجنين ليس يلزم أن يكون متولداً في بدنه فضلاً عن أن يكون من الكبد بل ذلك الدم يأتي إليه من بدن الأم فلذلك وجوب تقدم الكبد في التكون ليس بلازم ولا أيضاً وجوب تقدمها على ما سوى القلب فإن السرة تكون قبلها وكذلك الدماغ لأن حاجة الجنين إلى الكبد لا لأجل إصلاح الدم الآتي إليه من الدم وإن كانت متقدمة على الحاجة إلى الدماغ لكن يكون الدماغ أسرع لأجل زيادة رطوبة مادته.
وها هنا بحث لا بد من تحقيق الكلام فيه وهو أن لقائل أن يقول: إن المني إذا اجتمع في الرحم يشاهد في داخله نقطة حمراء تشتد ظهورا كلما تحرك ذلك الموضع، وذلك الشيء الأحمر لا بد من أن يكون دماً، ويلزم من هذا أحد أمرين: إما أن يكون الدم في القلب وأنتم لا تقولون بذلك وإما أن يكون في الكبد أو لاً لأن يكون الدم إذا لم يكن في القلب فلا بد أن يكون في الكبد، وتكونه في الكبد متأخراً لا محالة عن تكون الكبد وعن مشاهدة هذه النقطة الحمراء في وسط المني لا يكون القلب قد تكون فيلزم ذلك أن يكون تكون الكبد قبل تكون القلب بكثير ويلزم ذلك أن يكون تكونها قبل تكون الأعضاء الأخر جميعها? والجواب عن هذا: إن تلك النقطة مسلم أنها من الدم ولكن ذلك الدم لا يلزم أن يكون متكوناً لا في القلب ولا في عضو آخر أعني من أعضاء الجنين وذلك لأن أصل المني كما علمت هو المتصعد بالحرارة إلى الدماغ. وهذا المتصعد لا يلزم أن يكون جميعه من الرطوبات المائية لأن الحرارة تصعد كل رطوبة تجذبها ولذلك لا بد من أن يكون المني مخالطاً لكثير من المائية وهي التي يتصعد بتلك الحرارة ولا بد أيضاً من أن يكون مخالطاً لشيء من الدم وهو الذي يتصعد بسبب تلك الحرارة المصعدة للرطوبة الثانية أيضاً. لكن هذا الدم يسير جداً لأن الدم محصور في العروق وهي كيفية الأجرام فلا يتمكن ما فيها من الدم من التصعد بالحرارة فلذلك إنما يتصعد منه شيء يسير جداً وذلك اليسير ما دام منبثاً في جرم المني يكون مختلطاً به فلا يتميز للحس فإذا استقر المني في الرحم فمن شأنه أن يجتمع كل جزء فيه مع جنسه فلذلك تجتمع الأجزاء المتبخرة من غذاء العظم بعضها إلى بعض وكذلك الأجزاء المتبخرة من غذاء العصب ونحو ذلك وكذلك الأجزاء الدموية تجتمع لا محالة بعضها إلى بعض فيصير من الجملة قدر محسوس وهذا لابد من أن يكون في مكان ما من المني وليس موضع منه أولى من آخر فيجب أن يكون في وسطه لأن ذلك الموضع متميز عن غيره ونسبة إلى الأطراف جميعها على السواء فلذلك يجب أن يكون هذا الدم في وسط المني وليس موضع أولى به أيضاً من آخر فلذلك يجب أيضاً أن يكون في وسط المني فلذلك الدم والروح يجب أن يكونا في وسط المني وذلك بأنه يحدث نفخة يكونان فيها وتلك النفخة إذا تم تكونها كانت في تجويف القلب كما بيناه فلذلك الدم المجتمع في المني لا بد من أن يكون أو لاً في تجويف القلب ولا يلزم ذلك أن يكون الدم يتكون في القلب ولا أن يكون تكون الكبد متقدماً على تكون القلب وأما أن تلك النقطة الحمراء يشتد ظهورها كلما تحرك الموضع الذي هي في داخله فذلك لأن حركة ذلك الموضع هي حركته في الانبساط فإنا قد بينا النفاخة التي تكون فيها الروح وهي التي تصير تجويفاً للقلب لا بد من أن تكون متحركة حركة انبساط وانقباض وإذا انبسطت بتخلخل جرمها فكانت الرؤية تلك النقطة أسهل وأوضح.
قوله: والحال الأخرى ظهور النقطة الدموية في الصفاق وامتدادها في الصفاق هذه النقطة الدموية ليست تظهر في الصفاق بل في داخل المني وذلك في النفخة التي تصير تجويفاً للقلب كما قلناه والظاهر أن الغلط في هذا أو قع من الغلط في فهم كلام الفاضل أبقراط وذلك لأنه قال: كما أنه إذا قشر الإنسان قشر البيض الأعلى يرى شبه الحجاب الرقيق على رطوبة البيض. كذلك كان على ذلك المني حجاب رقيق وكان داخله مدوراً أحمر يتحرك فإذا تحرك ظهرت الحمرة التي فيه. وهذا الكلام ذكر في كتاب الأجنة في صفة مني سقط من امرأة بعد ستة أيام ومن الصفات التي ذكرت لذلك المني أنه كان عليه غشاء رقيق وكان يظهر في داخله أي في داخل المني شيء أحمر مدور يتحرك أي يتحرك أنبساطاً وانقباضاً وإذا تحرك ظهرت الحمرة التي فيه، وظهور هذه الحمرة بأكثر مما كان ليس في مطلق الحركة بل في حركة الانبساط وذلك لأن الموضع إذا انبسط تخلخل فكانت رؤية ما فيه من الحمرة أشد هذا هو معنى هذا الكلام لا أن تلك الحمرة كانت في الحجاب أي في الغشاء المجلل للمني و الظاهر أن الذي أو جب فهم ما في الكتاب من كلام الفاضل أبقراط أنه ظن أن الضمير في قوله: وكان داخله مدوراً أحمر يعود إلى الحجاب الرقيق وهذا لا يصح فإن الذي في داخل الحجاب هو جملة المني ولون المني ليس بأحمر.
قوله: فهي في الإناث أبطأ تكون الأنثى أبطأ من تكون الذكر، ولذلك تكون أجزائها أبطأ من تكون أجزاء الذكر، وأما النمو فهو في الإناث أسرع، فلذلك تأخر كمال الرجال وبلوغهم عن كمال النساء وبلوغهن وذلك لأن العمدة في سرعة التكون هو قوة العاقد وهو الحرارة وهي في الذكور أقوى فلذلك تكونهم أسرع، وإنما كان كذلك لأن نقصان رطوبة المني المذكر يعين على سرعة الانعقاد، فإن عقد الحرارة هو بتجفيف الرطوبة ليستحيل أرضية وذلك يعين على نقصان الرطوبة. وأما النمو فإن سرعته إنما هي لزيادة قبول المادة للتمدد والانبساط وذلك إنما يكون بالرطوبة وهي في النساء الجواري أكثر مما في الصبيان لا محالة وليست حرارة الجواري تقصر عن إحالة الغذاء بقدر يكفي النمو الكثير فلذلك أسرع نمواً من الصبيان.
قوله: وهو الخامس عشر من العلوق ينفذ الدموية التي في الجميع فيصير علقة. حصول هذه الدموية ليس لأن المني يستحيل دماً فإن ذلك مما لا يمكن بل لأن الدم الذي ينفذ فيه من الرحم ليس يقوي المني في أو ل الأمر على إحالته إلى طبيعته إحالة تامة فتبقى حمرته باقية ويصبغ المني فيصير كالدم.
قوله: والأطراف عند الضلوع. وهيئة الجنين أنه جالس على عقبه وعيناه على ظهر كفيه وهما على ركبيه وأنفه بين ركبتيه فلذلك تكون يداه ورجلاه لاصقة بأضلاعه وبطنه. وفي المدة المذكورة ينفصل عنهما.
قوله: والجنين تحيط به أغشية ثلاثة: المشيمة. وهذه المشيمة هي أو ل غشاء يحدث على المني. وسبب حدوثها ما ذكرناه من تحرك المني تارة إلى ملاقاة جرم الرحم، وذلك إذا إلى وانفتح. وتارة إلى البعد عنه وذلك إذا تفشت حرارته وتكاثف جرمه، وفائدة هذه المشيمة إيصال الدم والروح إلى بدن الجنين ليغتذي بالدم ويحيا بالروح وذلك بسبب ما في المشيمة من العروق الكثيرة المتصلة بأفواه أو ردة الرحم وشرايينه وهي التي تعرف بالنقر وقد يسمى أنف الرحم بسبب أنه يستنشق منهما النسيم كما في الأنف، وفائدة تدلي هذه العروق في المشيمة أن تطول مسافة نفوذ ما ينفذ فيها وزمان بقائه في تلك العروق فتكثر استحالته إلى مشابهة مزاج المني ثم ينفذ من هذه العروق الدم والروح من سرة الجنين إلى بدنه ويبتدئ الدم بالنفوذ إلى كبد الجنين ومنها إلى جميع أعضائه لتغذيتها وكذلك الروح يبتدئ في النفوذ إلى قلب الجنين ثم إلى بقية أعضائه لست أعني بذلك أعضاءه التي تكونت بلا أجزاء والتي تصير له أعضاء ومنافذ الدم تصير أو ردة ومنافذ الروح التي تصير شراييناً.
قوله: والثاني يسمى بلاسي وهو اللفايفي وينصب إليه بول الجنين. هذا الغشاء يحدث للجنين في الشهر الثاني وذلك لأن الجنين يبول من سرته وملاقاة البول لبشرته يؤذيها فلذلك احتيج أن يخلق له حينئذٍ هذا الغشاء ليحول بين البول وبين بشرته وإنما يتأخر هذا الغشاء إلى الشهر الثاني لأن بول الجنين إنما يكثر حتى يخشى من إضراره بشرة الجنين في هذه المدة، وإما المادة التي يتكون منها هذا الغشاء فهي الفضلات التي تفضل من غذائه الواصل إليه من المشيمة وذلك لأن الجنين في الشهر الأول والثاني والثالث يكون ما يستعمله من الغذاء قليلاً لأجل صغره والواصل غليه من الرحم وهو على القدر الذي يصل إليه بعد ذلك فلا بد من أن يفضل عنه في هذه المدة فضول كثيرة ولذلك تكثر بالأم الأعراض الردية التي من شأنها أن تعرض للحوامل كالشهوة الفاسدة والنفرة عن اللحوم وثقل البدن والتكرب ونحو ذلك ومن هذه الفضول يتكون الغشاءان الحادثان وهما هذان الغشاءان والأخرى تحدث في الشهر الثالث.
قوله: والثالث يقال له أنفس وهو يمتص العرق ولما كانت الفضول تكثر في الجنين في الشهور الأولى وجب أن يكون ما يندفع منها حينئذٍ أكثر والمندفع في البول أكثر لا محالة من المندفع في العرق فلذلك كانت الحاجة إلى الغشاء الموقي عن البول قبل الحاجة إلى الغشاء الموقي عن العرق متأخراً ولا شك أن عرق الجنين إذا كثر من ملاقاته للبشرة أن يلدغها ويرخيها فيحتاج لذلك إلى جرم يحول بينه وبين ذلك العرق، وهذا الجرم لا بد وأن يكون غشائياً ليكون مع قوته مفرط الرقة فلا يزاحم الجنين ويضيق عليه المكان.
وقوله: هذا الغشاء أيضاً هو من فضول الغذاء كما قلنا في الغشاء الحاوي للبول وليس يحتاج الجنين مع هذه الأغشية الثلاثة إلى غشاء رابع وذلك لأن حاجته إلى ذلك إما لأجل الغذاء والروح والنسيم وذلك قد قام به الغشاء المشيمي وإما لأجل الوقاية وذلك قد قام به هذان الغشاءان الآخران وجملة هذه الأغشية تفيد أيضاً في وقاية الجنين عن المصادمات والسقطات ونحو ذلك.
وليس للجنين براز حتى يحتاج إلى غشاء آخر وإنما كان كذلك لأن وصول الغذاء إليه إنا هو بالطبع وإنما يصل بذلك ما كان من الغذاء صالحاً صافياً خالياً من الفضول التي تحتاج إلى إخراجها بالبراز.
ولقائل أن يقول: ها هنا إشكالان أحدهما أن الغذاء الواصل إلى الجنين كما أنه يخلو من الفضول المحوجة إلى البراز وكذلك هو أيضاً يخلو من المائية الزائدة المحوجة إلى إخراجها بالبول فإن الحاجة إلى البول كما بينتموه أو لاً إنما هو زيادة المائية التي يحتاج إليها لتنفيذ المائية الغذاء في مجاري الكبد، وتلك المائية زائدة عن القدر الكافي في الاغتذاء فلذلك إذا انفصل الغذاء من الكبد استغنى عن تلك المائية الزائدة فاحتيج إلى إخراجها بالبول، وهذه المائية ليست مما يحتاج إليه الجنين لأن الغذاء إنما يصل إلى كبده بعد ترقيقه وانطباخه في بدن الأم وصيرورته دماً وإنما يحتاج حينئذٍ إلى فعل كبده فيه ليصلحه ويجعله شبيهاً بمزاج المني وذلك مما لا يحتاج فيه إلى مائية يحتاج إلى إخراجها بالبول فلذلك يجب أن يكون الجنين غير محتاج إلى البول كما هو غير محتاج إلى البراز فكما استغنى عن غشاء لأجل البراز وجب أن يستغني عن غشاء لأجل البول.
وثانيهما: أن خلق غشاء لأجل البول يمكن وصوله إلى خارج ذلك الغشاء من السرة وأما العرق إذا خرج من المسام فإنه لا يجد طريقاً إلى خارج الغشاء الذي يقولون إنه مخلوق له فلا يتمكن من النفوذ إلى خارجه فلئن قلتم إنه يتمكن من ذلك بأن ينفذ من مسام ذلك الغشاء.
قلت: هذا لا يصح من وجهين: أحدهما: إن أمكن نفوذه أيضاً في غشاء البول ومخالطة العرق للبول مع توقيتهما عن ملاقاة بشرة الجنين مما لا ضرر فيه.
وثانيهما: أن هذا العرق كما انه ينفذ في مسام هذا الغشاء إلى خارجه كذلك أيضاً يتمكن من النفوذ في تلك المسام إلى داخله بعد ذلك بتلاقي بشرة الجنين فلا يكون لذلك الغشاء تأثير في توقية بشرة الجنين.
والجواب: أما الإشكال الأول فإن الجنين يحتاج أن يكون غذاؤه كثير المائية أعني الدم الذي يأتي إليه لتغذيته يحتاج أن تكون مائيته كثيرة خاصة في أو ل الأمر وذلك لأن هذا الدم إذا تعدى عروق الأم يحتاج أو لاً أن ينفذ في الخيوط التي ذكرنا أنها تحدث من تشبث بعض أجزاء المني بالتقويم ابتداؤها وانعطافاتها على الغشاء الأول الذي تحتها وهو الغشاء الداخل من المشيمة وإنما يمكن نفوذه في هذه إذا كان قوامه شديد الرقة جداً، وكان مع ذلك قوي النفوذ وذلك لأجل دفع الهواء النافذ معه له، وإذا نفذ في هذه وأحدث فيها تجويف فلا بد من نفوذه بعد ذلك إلى داخل المني حتى يصل إلى كبد الجنين. ثم بعد ذلك ينفذ في جوهر المني نفوذاً في مواضع كثيرة جداً متفرقة ومن مواضع كثيرة ونفوذ ذلك لا بد من أن يحدث ثقوباً وتلك الثقوب يحدث منها الأوردة وكذلك تحدث الشرايين للجنين من نفوذ الروح والنسيم في أجزاء بدنه وإحداثها الثقوب فيها فتصير الشرايين من تلك الثقوب وإذاً الدم النافذ إلى بدن الجنين يحتاج في تغذيته إلى ذلك فلا بد من أن يكون قوامه شديد الرقة جداً وإنما يكون الدم كذلك لأمرين: إما مخالطة كثير من الصفراء وذلك يمنعه من التغذية خاصة للجنين الذي جوهره كثير الرطوبة وإما مخالطة كثيرة من المائية فلذلك يحتاج أن يكون هذا الدم كثير المائية جداً فلذلك في غالب الأمر يفضل من تلك المائية قدر كثير ويحتاج إلى إخراجه لئلا يفسد الغذاء وجوهر الجنين وليس يسهل خروج جميعه بالعرق فإن العرق إنما يكون من المائية المصاحبة للدم إلى ظاهر البدن، وقد يكون بقاء تلك المائية في ذلك الدم إلى ذلك الموضع مما يفسد الدم ويفسد جوهر الجنين ولأن نفوذها إلى هناك إنما يتم بسعة كثرة من المجاري فهي في أو ل الأمر لا تتحمل ذلك فلذلك تحتاج هذه المائية الزائدة أن يندفع عن الجنين قبل وصولها إلى ظاهر أعضائه وإنما يمكن أن يكون ذلك بأن يندفع من منفذ ما إلى خارج وهذا المنفذ لا يمكن أن يكون من جهة المثانة والقضيب لأن قضيب الجنين ليس يمكن أن يكون له من الطول ما يصل به المائية إلى مكان بعيد حتى يتعدى جميع بدنه فلذلك تحتاج أكثر هذه المائية الزائدة أن تندفع من منفذ آخر وليس في الجنين منفذ إلى خارج سوى منفذ السرة فلذلك يجب أن يكون اندفاع أكثر المائية الزائدة هو من السرة وباقي تلك المائية يندفع من جهة العرق. وأما الإشكال الثاني فإنه يجوز أن يكون العرق إنما يكثر في بدن الجنين قبل استحكام المجاري التي يخرج منها فإذا استحكمت تلك المجاري وكثر ما يخرج فيها من البول قل لذلك العرق جداً حتى لا يكون المتولد منه بعد ذلك له قدر يخشى من ملاقاته للجنين فإذا كان كذلك ففي الشهر الثالث يكون العرق قد كثر جداً وملأ الفضاء الذي بين الغشاء والجنين الذي فيه البول وحينئذٍ ولا بد من أن يترسب منه أجزاء خلطية قد اندفعت منه فإنه بعيد أن يكون الخارج بالعرق حينئذٍ ماء صرفاً وتلك الأجزاء الخلطية إذا رسبت إلى جهة ظاهر الجنين عرض لها هناك انعقاد بقوة الحرارة ويلزم ذلك تولد الغشاء منها، وحينئذٍ يكون ذلك الغشاء موقياً لبشرة الجنين عند ذلك العرق القديم. وأما ما يحدث بعد ذلك من العرق فإنه يكون قليلاً جداً لأجل اندفاع المائية الزائدة حينئذٍ بالبول فلا يبقى منها ما يكثر له العرق، وإذا كان ذلك العرق قليلاً جداً لم يجتمع منه ما يؤذي بشرة الجنين لأن حرارة داخل الرحم تحلله أو لاً فأولاً فلا يجتمع منه قدر كثير فلذلك يكون هذا الغشاء نافعاً في توقية الجنين من حدة العرق الكثير مع أن الغشاء المتقدم لا يفي بذلك لأن نفوذ العرق في مسام الغشاء يمكن وإلا نفذ فيها البول وكانت ملاقاته للبشرة أشد إضراراً من ملاقاة العرق لها.
قوله: وهو أقها ليكون مجمع الرطوبة الراشحة. رقة هذا الغشاء لا ليكون يجمع هذه الرطوبة بل لأن هذه الرطوبة قليلة فلا يكون لها تمديد قوي يحس منه انفتاق الغشاء الحاوي لها فلذلك هذا الغشاء أرق أغشية الجنين وأغلظها الغشاء المشيمي وهو ذو طبقتين تحللها العروق المتلففة بينهما وأما الغشاء الآخر فهو كالمتوسط بين هذين لأنه يحتاج إلى الغلط ليقوى على مقاومته تمديد البول بكثرته.
قوله: وبالحقيقة فإن هذا العرق إنما ينبت من الكبد ويتجه إلى السرة. هذا كله لأجل المشهور: وهو أن الأوردة كلها تنبت من الكبد.
وهذا شيء قد أبطلناه وبينا فساده فيما سلف بل هذه العروق جميعها تكون على الوجه الذي قلناه. وذلك تتشبث أجزاء من المني بقعر الرحم ثم تمتد وتلتوي في المشيمة كما ذكرناه ثم يخرقها الدم النافذ فيها، وينفذ ذلك الدم إلى السرة ثم إلى الكبد ثم إلى جميع أعضاء البدن فيخرق جميع ما يمر فيه ويصير ذلك كله أو ردة وكذلك يفعل الروح والنسيم ينفذان في الأجزاء الممتدة من المني المتشبثة بأفواه النقر الملتصقة في المشيمة فيخرقانها ثم ينفذان إلى السرة ثم إلى القلب ثم إلى جميع أعضاء البدن فيخرقان ما يمران فيه ويصير ذلك كله شرايين وليس شيء من ذلك بنابت من شيء من الأعضاء.
وباقي ألفاظ الكتاب ظاهرة وليس لها تعلق شديد بالتشريح فلذلك حذفنا الكلام فيها على وجه أبسط من هذا ونستقصي شرح ألفاظه ونحقق الكلام فيها ها هنا وسنعيد شرح هذا الفصل وغير ذلك إذا أخذنا شرح الكتاب الثالث من كتب القانون ونقول الآن إن قولنا في هذا الفصل وغيره في فن التشريح إن كذا انعقد بالحرارة وينخرق بنفوذ الدم والروح ونحو ذلك إنما هو ليفهم المتعلم وتقريب الأمر غليه في التصور.
وأما في الحقيقة فذلك إنما هو بإرادة من لا يعتريه سهو ولا يعجزه أمر وهو الله الخالق تعالى وحده عما يقول الظالمون والجاحدون والكافرون علواً كبيراً. كمل ذلك ولله الحمد والمنّة ونسأله السّلامة في ديننا.
النسخة م: آخره ولله الحمد والمنّة وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله أجمعين الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً كثيراً كثيراً كثيراً.
تمت في تاريخ شهر ذي القعدة الحرام بعد ما خلت ثمانية أيام في سنة تسع وثمانين بعد الألف من الهجرة النبوية عليه ألف تحية النسخة ل: تم وكمل ولله الحمد والمنة في الخامس والعشرين من شهر جمادى الأول سنة أربعين وستماية أحسن الله عاقبتها والحمد لله وحده.
يقول الدكتور الطبيب الأستاذ: سلمان قطاية السوري الحلبي: انتهيت من تحقيق ونسخ كتاب شرح التشريح لابن النفيس ليلة الاثنين المصادف 9 تشرين الثاني نوفمبر من عام واحد وثمانين وتسعمائة بعد الألف م وذلك في المهجر في داري الكائنة في 15 جادة ليون بلوم، في مدينة ليفري غارغان وهي ضاحية من ضواحي باريس عاصمة فرنسا تم الكتاب والحمد لله.