→ تشريح القضيب | شرح تشريح القانون لابن سينا القسم الثاني تشريح الرحم المؤلف: ابن النفيس |
تولد الجنين ← |
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه نقول إن آلة التوليد... إلى قوله: يهتكها الإفضاض ويسيل ما فيها من دم.
الشرح
قد علمت أن تكون الإنسان ونحوه بالتوالد إنما يمكن بأن يكون تكونه في عضو موضوع في داخل البدن في أسفله ليكون في جهة توجه الفضول المندفعة إليه ليغذوه وهي دم الطمث. وهذا العضو لا بد من أن يكون ذا أمور: أحدها أنه لا بد من أن يكون هذه الفضول التي تصلح لإمداده يكثر نفوذها إليه وذلك ليقوم بغذائه وتتم المادة التي منها يتكون وإنما يمكن ذلك بأن يكون ذلك العضو من شأنه قبول اندفاع دم الطمث إليه ودم الطمث هو فضلة رطوبات الأم. وهذه الفضلة لا يختص إندفاعها من عضو واحد بل هي مندفعة في جميع الأعضاء وإنما يمكن أن يكون اندفاعها إلى عضو ما إذا كان ذلك العضو يأتيه عروق تتحرك فيها تلك الفضلة من جميع الأعضاء إليه فلا بد من أن تكون العروق الآتية إلى هذا العضو آتية إليه من جميع الأعضاء فلذلك لا بد من أن تكون كثيرة جداً، ولأن الجنين إنما يمكن تكونه بأن تتصرف فيه قوى كثيرة، وإنما يمكن ذلك بأن تأتيه أرواح كثيرة والأرواح إنما تأتي الأعضاء في الشرايين فلذلك هو العضو لا بد من أن يأتيه شرايين كثيرة.
وثانيها: أن هذا العضو لا بد من أن يكون جرمه قوياً ليقوى على ضغط الجنين وتوقيه من جميع الواردات، ولا ينخرق بقوة تمديد الجنين له إذا عظم ولا بد من أن يكون هذا العضو مع قوة جرمه ليس بكثير الثخانة جداً وإلا كان يزاحم بقية الأحشاء والعضو الذي هو مع قوته قليل الثخانة هو الغشائي فلا بد من أن يكون جوهر هذا العضو غشائياً ولا يمكن أن يكون من غشاء واحد لأن هذا العضو يحتاج أن يكون ظاهره صلباً ليقوى على الأعضاء المجاورة له ودفعها أمامه ليتسع المكان عند عظم الجنين، وأما ظاهره فيجب أن يكون شديد اللين لأنه يلاقي الجنين والجرم الواحد لا يمكن أن يكون أحد سطحيه أصلب من الآخر إلا إذا كان ثخنه كثيراً، وذلك غير ممكن في الرحم. وإلا كان يلزم أن يكون جرمه عظيماً جداً فلذلك الرحم لا بد من أن يكون جرمه من غشائين: أحدهما في داخل الآخر، ولا بد من أن يكون الداخل كثير العروق جداً لأنه هو الذي يلاقي الجنين والغشاء الظاهر إنما هو ليقوم حمل العضو ولذلك يحتاج أن يكون الغشاء الباطن كثير العروق جداً ليفي بإيصال الغذاء والنسيم والروح إلى الجنين.
وثالثها: أن هذا العضو لا بد من أن يختلف حاله في توجه دم الطمث إليه وذلك لأن سيلان دم الطمث إلى هذا العضو لو كان مستمراً قليلاً لتعذر الحمل دائماً أو كان ما يتفق من الحمل مع بعد يكون فيه الجنين فاسد المزاج لأجل اختلاط ما يسيل من دم الطمث بالمني الذي يدخل إلى تجويف هذا العضو بالإنزال ولو كان سيلان هذا الدم دائماً في أو قات بينها مدة طويلة لكان الجنين إلى أن يأتيه دم الطمث يجف لعدم الغذاء فلذلك لا بد من أن يكون سيلان هذا الدم إلى هذا العضو في حال الحمل مستمراً وقليلاً قليلاً على القدر الذي يحتاج إليه الجنين أو قريب من ذلك القدر، وأما في حال عدم ذلك الحمل فيكون سيلان هذا الدم بعد مدد متباعدة ويكون السائل بقدر كثير ليقوم بنقاء البدن مع طول مدة الظهر التي يجود معها الحمل.
ورابعها: أن هذا العضو لا بد من أن يكون موضوعاً بين أعضاء لينة حتى إذا عظم الجنين وزاحم تلك الأعضاء لم يتضرر بصلابتها فلذلك وضع هذا العضو بين المثانة والأمعاء إذا ليس في الأعضاء السفلية من الأحشاء ما هو لين يتحمل تمديد الجنين إذا عظم سوى هذين العضوين.
وخامسها: أن هذا العضو لا بد وأن يكون بقدر يتسع تجويفه للجنين إذا عظم فإنما يمكن ذلك إذا كان مقداره عظيماً وكذلك لابد من أن يكون له منفذ إلى خارج ليخرج منه دم الطمث وليدخل فيه المني إلى داخله ولابد من أن يكون هذا المنفذ ليس بقصير جداً فيكون هذا العضو بقرب الهواء الخارجي ولا بطويل جداً فيه فلا يسهل نفوذ المني فيه إلى داخل ذلك العضو غلا في مدة لها طول فيفسد مزاجه ويخرج بذلك عن الصلوح للتوليد. وهذا العضو هو الرحم وهذا المنفذ هو عنقه وإنما يمكن دخول المني فيه إلى داخل الرحم بإيلاج القضيب فيه. فلذلك لا بد من أن يكون مع ذلك شديد القبول للتمدد والاتساع ليمكن خروج الطفل منه عند الولادة فلذلك لا يمكن أن يكون جرمه شديد الصلابة كالعظم ونحوه ولا يمكن أيضاً شديد اللين كاللحم وإلا لكان ينحرق عند شدة تمدده ليتسع لخروج الطفل ولا بد من أن يكون مع ذلك آخذاً من الرحم إلى اسفل ليكون خروج ما يخرج منه من الأشياء التي لها ثفل أسهل.
قوله: هي الرحم وهي في أصل الخلقة مشاكلة لآلة التوليد التي للذكران وهي الذكر وما معه.
إن الفاضل أبقراط يطلق لفظ الرحم تارة على العضو الذي يتكون الجنين فيه وهو الذي ذكرنا حاله قبل وهذا العضو هو آلة التوليد في الإناث وتارة على عنق هذا العضو وهو المجرى الذي يخرج منه الحيض، ويدخل فيه القضيب وهذا هو الذي يشاكل الذكر في الذكران ويشبه ذكراً مقلوباً.
قوله: وكأن الصفن صفاق الرحم.
يريد بالرحم ها هنا العضو الذي يتكون فيه الجنين ومشابهته للصفن هو أنه كيس يحتوي على شيء في داخله لكن الذي في داخل الصفن البيضتان والذي في داخل الرحم الجنين. وإنما كانت البيضتان في الرجال خارجتين عن البدن محصورتين في الكيس الذي هو الصفن وأما في النساء فإنهما مدفونتان في الفرج كل واحدة في جانب لأن الحال لو لم يكن كذلك تعذر الإحبال وذلك لأن الإحبال إنما يتم بأن يكون إنزال الرجال مع إنزال المرأة أو يقرب زمانه جداً، ولولا أن بيضتي الرجال مخالفة لبيضتي النساء بما ذكرناه لتعذر اتفاق الإنزالين في وقت واحد، وذلك لأن مني الرجال حار المزاج حاد يسيل بأدنى شهوة ويخرج سريعاً ومني المرأة بخلاف ذلك لأنه كثير المائية قليل الحرارة جداً، فلولا بعد بيضتي الرجال وبروزهما لما كان إنزاله يتأخر إلى حين إنزال المرأة. ولولا اندفان بيضتي النساء وتسخنهما بحرارة باطن البدن لما كان إنزالهن يتقدم حتى يوافي إنزال الرجال.
قوله: ثم ينثني هابطاً متعرجاً مؤرباً ذا التفافات يتم بها نضج المني، السبب في تعريج أو عية المني في الرجال، وذلك بعد تصعدها إلى الاتصال بالمجرى الذي في أصل الذكر هو أن تكون هذه الأوعية قابلة للتمدد والزيادة في الطول. وذلك بأن تقرب من الاستقامة والغرض بذلك أن يستعجل انتشار القضيب ولا تمانعه عن ذلك تلك الأوعية لو كانت مستقيمة وأما أن هذا التعريج لأجل إتمام إنضاج المني فذلك مما لا يصح فإن المني يتم في الأنثيين وبقاؤه في هذا التعريج ليس مما يطول حتى يستفيد بذلك زيادة نضج بل يندفع منها بسرعة لئلا يفسد مزاجه بطول زمان نفوذه وهذا كما قلناه في تعريج مجرى البول.
وقوله: من الجانبين يريد أن أو عية المني تنفذ من البيضتين وكل واحدة منهما في جانب فتكون هذه الأوعية كذلك وإذا نفذت إلى أصل القضيب اتصلا بمجرى المني عند أصل القضيب وذلك المجرى واحد، فلذلك يتصلان بهذا المجرى من جانبيه.
قوله: وأما في النساء فيميل من البيضتين إلى الخاصرتين كالقرنين.
يريد أن أو عية المني في النساء تميل من البيضتين إلى الخاصرتين وبيان هذا أن مني النساء ينصب في عنق الرحم من ثقبين متقابلين: أحدهما من جهة اليمين، والآخر من جهة اليسار، وذلك لأن هذين الوعائين يتصلان بالبيضتين أحدهما بالبيضة اليمنى وهو الذي في الجانب الأيمن والآخر من الجانب الأيسر، ويتصل بالبيضة اليسرى وكل واحد من هذين يأخذ مرتفعاً مع ميل إلى الخاصرة التي في جهته ثم ينحرف راجعا إلى الوسط فيفضي إلى عنق الرحم فيكون كل واحد من هذين الوعاءين معوجاً كالقرن لأنه يكون كقطعة صغيرة من دائرة عظيمة وإنما جعل كذلك ولم ينفذ كل منهما على الاستقامة، لأن النساء يعرض لهن عند الجماع أن يمتد منهن عنق الرحم ويبرز جانبا فروجهن.
ولو كان هذان الوعاءان مستقيمين لما أمكن ذلك وإنما كان انعواجهما إلى جهة الخاصرتين لا إلى قدام وخلف ولا إلى جهة الوسط لأن هذه الجهات جميعها ليس فيها ما يتسع لهذا الانعواج وعند الجماع إذا تمدد عنق الرحم والفرج لزم ذلك تمدد كل واحد من هذين القرنين وانجذب طرفا كل واحد منهما ويلزم ذلك أن يجذبا عنق الرحم إلى الجانبين لأن كل واحد منهما يجذبه إلى جانبه ويلزم ذلك اتساعه فيجود قبوله المني ونفوذه فيه إلى داخل الرحم.
قوله: وطولها المعتدل في النساء ما بين ست أصابع إلى إحدى عشر إصبعاً يريد بذلك طول العنق لا طول الرحم، ولذلك قال: وقد يقصر ويطول باستعمال الجماع وتركه. والذي هو كذلك هو عنق الرحم لا الرحم بعينه.
قوله: يزيدها السمن صلابة وتقصر.
أراد بذلك أن السمن يزاحم لحم العنق فبضيق ويكثر ممانعته حينئذ للقضيب عن الدخول فيظن لذلك أنه صلب. وفي الحقيقة فإنه لين لأن زيادة السمن توجب زيادة الرطوبة والتليين.
قوله: وهو أقرب إلى فم الرحم مما يلي أعاليه يريد بفم الرحم هاهنا فم عنقه لأنه طرف مجرى البول في الفرج قريب جداً من فم عنق الرحم وهو مع قربه من هذا العنق فهو فوقه لأن المثانة فوق الرحم فلا بد من أن يكون مجراها فوق مجرى الرحم أي عنقه.
قوله: وقبل افتضاض الجارية يكون في رقبة الرحم أغشية إن المقصود بهذه الأغشية ليس أن تسد فم العنق في زمن الصغر كما يظنون بل الغرض بها أن تكون البيضتان في النساء كما هو في الرجال أعني في كيس واحد، وإنما يمكن ذلك بأن يكون ذلك الكيس ماراً على رقبة الرحم فلذلك يسده، وينبغي أن يكون هذا الغشاء رقيقاً جداً ليسهل انخراقه بالجماع ليمكن الإيلاج والعروق التي في هذا الغشاء هي العروق التي في صفن الرجل. والله ولي التوفيق.