رسائل فلسفية لابن باجة القسم الأول المؤلف: ابن باجة |
القسم الثاني |
وما التوفيق إلا به
☰ جدول المحتويات
- ومن كلامهما بعث به لأبي جعفر يوسف بن حسداي
- من كلامه في الألحان رضي الله عنه
- ومن كلامه على إبانة فضل عبد الرحمن بن سيد المهندس
- وكتب رضي الله عنه إلى الوزير أبي الحسن بن الإمام
- اكتساب البراهين
- ومن كلامه رضي الله عنه في ماهية الشوق الطبيعي
- ومن قوله أيضاً وهو آخر ما وجد من قول الحكيم فيما دار بينه وبين الوزير في الصورة الأولى والمادة الأولى
- كلامه في النيلوفر
- ومن كلامه في البحث عن النفس النزوعية ولم تنزع وبماذا تنزع
- رسالة لأبي بكر محمد بن يحيى في المتحرك
- في الوحدة والواحد
ومن كلامهما بعث به لأبي جعفر يوسف بن حسداي
أما الزرقالة إبراهيم بن يحيى الأندلسي فلم يقع قط في طريق صناعة الهيئة. عليه أمرها فهو يقول بحسب سوانحه ولوائحه فتضطرب أقواله ويكثر كلامه فيما لا معنى له. ثم إنه بعد ذلك ذهب عليه معنى من معانيها هو كالمبدأ فيها، وذلك معنى وسط الكوكب، فإنه يعتقد فيه أنه النور الذي يحوزه مبدأ ما كأنك قلت مثلاً رأس الحمل والنقطة التي عليها يلقى الفلك المائل الخط الخارج من مركز الفلك الخارج المركز إلى مركز الكواكب. وهو يكرر هذا المعنى ويردده ويرى أنه من المبادئ الأول التي لا ريب فيها، فهو لذلك لا يزال يناقض بطليمونس في أكثر ما ذهب إليه. وهذا رأي وقع في من تقدمه، وإني لا عجب من وقوع ابن الهيثم على وضوحه، فإنك إن آثرت الوقوف على ما حكيته لك فاقرأ مقالته المعروفة بالشكوك على بطليموس في الفصل الذي يذكر فيه فساد الطريق التي سلكها بطليموس في استخراج ما بين المركزين في كوكب الزهرة وعطارد يتبين لك ما ذكرته. وإذا تأملت تلك المقالة وضح لك من أمر ابن الهيثم أنه لم يقرأ الصناعة إلا من أسهل الطرق، فما عساه لم يلح له لوقته أما اثبت الحكم على إبطاله وأما تركه مغفلاً وأنه لم يكن من أهل هذه الصناعة القائمين بها، وأنه أبعد عنها من الزرقالة بكثير. وهذه صناعة شغلت بها نفسي منذ تركت صناعة الموسيقى، والآن أكملت النظر فيها، إذ كان تبقى علي فيها النظر في مجاري العرض وهو من أصعب ما في هذه الصناعة، وقد أكملته. والمقالة التي قال الزرقالة فيها ما ذكرته هي مقالته في إبطال الطريق التي سلكها بطليموس في استخراج البعد الأبعد لعطارد. وأما صناعة الموسيقى فإني زاولتها حتى بلغت فيها مبلغاً رضيته لنفسي، ثم بعد ذلك صناعة الهيئة، فإني أكملت النظر فيها الكمال الذي يقتضيه ما وجدته من مبادئها. وفي أثناء ذلك تحققت أن كل من يذكر في هذه الصناعة بالكمال لم يحط فيها إلا بالتافه اليسير، واتفق ذلك سفر إلى أشبيلية، وذلك بعد أكمال نظري فيها، فإن كل من يدعى هذه الصناعة ففي أشبيلية مستقرة وإليها مصدره. وفي أثناء ذلك ما توضحت منحى أبي نصر في ضروب البرهان التي عددها، فإن ذلك كان بقي علي فقط فاستوضحته منذ قريب. ثم تجردت للنظر الطبيعي وأنا فيه لا أقدم عليه عملاً. فمن الأمور الظاهرة في السماع الطبيعي وأنانية قد تم، وإنما قصصته لأنه يتضمن المبادئ وكل ما بعده تبع له وخصصت منه هاتين المسألتين لعظم غنائهما: إحداهما في السادسة عندما يذكر مالا ينقسم بالسابق من قوله والذي ذهب إليه من رأيت له تفسيراً في هذا الكتاب إنما يذهب فيه إلى النقطة فيما له وضع، وإلى الآن وما يناسبه في الحركة فيما لا وضع له لا غير. ونعم أن هذا حق. وإذا تأملت محمولات المطالب وجدت بعضها تختص بها هذه، مثل قوله: إن ما لا يتجزأ لا يأتلف منه خط ولا من الآن زمان وأشبابها، وبعضها يشترك فيها مع هذه الخط والسطح مثل قوله: أن المتصل لا ينقسم إلى غير منقسم، وبعضها يعم هذه كلها يعم ما لا ينقسم وبعضها يعم هذه كلها ويعم ما لا ينقسم بالأضافة إلى متحرك. ويقال أن تلك لا تنقسم إما بإطلاق أومن جهة ما كالخط، وهذا الضرب الأخير يقال فيه لا ينقسم بالإضافة إلى ذي المكان، فمكان القلم الذي أكتب فيه لا ينقسم بالقلم الذي أكتب به وأن أنقسم بالإضافة إلى جزء أصغر منه. وهذا المحمول هو في مثل قوله: كل متغير فأول ما تغير إليه غير منقسم. وهذا الضرب من غير منقسم هو المقصود في هذا العلم. وتلك إنما أخذت مقدمات ليتبين هذا. وانظر إليه أبداً في هذه المقالة يقفك على معان كثيرة الغناء في هذا العلم. والمسألة الأخرى هي في السابعة وذلك قوله: كل متحرك فله محرك. فأول ما يجب أن يعلم أنه لم يرد أن يبين المحرك الأول بإطلاق كما يذكره المفسرون الذين رأينا لهم قولاً، ولذلك رأوا أن هذه المقالة فضل حتى أن تاسطيوس ترك أكثرها فلم يحفل بها، بل إنما أدرك المحرك الأول بالإضافة إلى حركة مفروضة، وذلك أن الأول في المحركات يقال على نحوين: أحدهما البريئ من كل حركة جملة، وهذا المذكور في الثامنة، وهو الذي شعر به المفسرون.
والنحو الثاني هو المحرك من حيث هو ساكن، فإن القلم يحرك المداد وهو يتحرك في حين تحريكه، ونسبة يدي إلى القلم تلك النسبة، فستنتهي ضرورة إلى محرك يحرك بحال فيه ثانية لا بأن يحتاج في حال تحريكه إلى أن يتحرك. وهذا الضرب يوجد في الأجسام، فإن كل جسم يحرك جسماً حركة جسمانية فإنما يحرك بأن يتحرك، وقد توجد أجسام تحرك من غير أن تتحرك كالمغنطيس للحديد فإنه يظن أنه يحرك لا بأن يتحرك، فالمغنطيس إذن محرك أول لأنه لا يحتاج في حين تحريكة إلى محرك، وإن لحقه تحرك فبوجه آخر. فأما سائر المتحركات فأمرها بين أن المحرك الأول فيها هو المحرك الأقرب. فإن توهم فيها أن متغيراً تغير بأن يتغير، فلعل ذلك بعكس الحال في حركة المكان، لأن المحرك في أكثر الأمر لا يلي آخر متحرك. وهذا إذا تؤمل وضح الغرض الذي أومأت إليه، وإذا تمسك بهذا النحو من النظر ظهرت به معان كثيرة عظيمة الغناء في هذا العلم. وبعد ذلك فإن كثيراً من الناس زعموا أن ما أتى به أرسطوليس ببرهان أصلاً، والإسكندر يعترف أنه قول حق، غير أنه يسميه منطقياً، والمنطقي عنده أن تكون أجزاء القياس أعني الحدود الوسطى بالعرض ولا يكون أحد قسمي ما بالذات. وليس الأمر في ذلك القول على ما ظن الإسكندر، بل الحد الأوسط ذاتي لكنه ليس بسبب، فهو إذن ذاتي لكنه يبين المتقدم بالمتأخر. وإذا بلغت ذلك ظهر، وظهر بظهوره أشياء لها حدود. حد الأضداد الفاعلة والمنفعلة التي هي أقدم حدودها فإن أرسطو حدها في الثانية من كتاب الكون والفساد بحدود متأخرة، وهذا عظيم الغناء في هذا العلم. هذا آخر كلامه فيما رد به على الزرقالة رحمه الله.
من كلامه في الألحان رضي الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم والله الموفق في جميع الأمور اعلم أن النغم التأليفية هي نسب اختلاط الأفلاك ودورانها ونغم الطبيعة العاملة بالمجاري الصحيحة. ولما راموا تلك الحكاية، وشبهوا تلك النسب الوهمية وحملوها على الطبائع الإنسانية، وجب لكل إنسان أن يميل إلى الطبائع المركبة فيه. فإذا وقع التشاكل وتوافقت الطباع تاقت النفس وفعلت وامتدت روحانيتها وانبسطت وجرى فيها من المادة الروحانية ما يبعثها على الأنسة. ولهذا كانت الفرس إذا أرادت تدبير لذاتها امدت النعم والغناء بأشعار تشارك الغرض الذي يخوضون فيه، فيطاع لهم الرأي الجميل ويوافق الصواب مذهبهم الجميل. وذلك أن ضارب العود إذا كان حاذقاً فطناً، وأراد أن يحرك صاحب صفراء ويهيجه، ألح بالضرب على البم، للمناسبة التي بينهما في الخفة واللطافة يهيج له السرور. وكذلك إذا أراد أن يحرك صاحب الدم ويهيج سروره ألح بالضرب على المثنى للمناسبة التي بينهما فلذلك يهيج الدموي المزاج، ويبعث له السرور والجذل ويتحرك له الفرح، ووزنه ضعف وزن الزير. وإذا أراد أن يحرك صاحب البلغم إلى طبعه ألح بالضرب على الزير، فإنه للمناسبة التي بينهما الكون طيبعتهما تهيج له الأحزان وتثير له الغموم والبكاء والنياحة. ووزنه ضعف وزن المثنى. وكذلك إذا أراد أن يحرك صاحب سوداء ويميل به إلى طبعه ألح بالضرب على المثلث للمناسبة التي بينهما لكون طبيعتهما طبع الأرض في حصامها وغلظ جسمها فيحدث له رعب شديد وجزع لأن السوداء أصل للفزع وعنها يتولد. ووزنه ضعف وزن البم، وأربعة أضعاف وزن المثنى، وثمانية أضعاف وزن الزير. قال: وبالجملة فترى كل صاحب طبع يتحرك حينئذ في مذهبه على قدر طبعه. قال: وينبغي للضارب، إذا أراد أن يوفي النغم حقها ويبلغ بالأنفاس غاياتها، أن يلتفت إلى المخارج الأربعة، وهي الصدر والحلق والجبهة والرأس، فيجعل بإزاء الصدر البم للمناسبة التي بينهما والصوت، ويجعل بإزاء الحلق المثلث، ويجعل بإزاء الجبهة المثنى، ويجعل بإزاء قحف الرأس الزير. وكلما ارتفع الصوت إلى الرأس نزلت يد الضارب في الأوتار على النظام والترتيب الذي جعلته الحكماء للأصابع الأربعة، فإنها جعلت السبابة للبم، والوسطى للمثلث، والبنصر للمثنى، والخنصر للزير. قال: وينبغي أن تحذر الضارب أن يركب بعض الأوتار بعضها في المجرى فيولد ذلك ضرراً في الأوتار وفساداً في أصولها متى مسها المضراب أو حثها الضارب. قال: فهذه هي الأصول التي إذا راعاها الضارب مشت أحواله ونغماته على السنن المستقيم والطريق القويم، وفاق أبناء جنسه، وكان يومه خيراً من أمسه.
ومن كلامه على إبانة فضل عبد الرحمن بن سيد المهندس
بسم الله الرحمن الرحيم البسائط منها مستوية وتدعى سطوحاً، ومنها غير مستوية وتسمى باسم الجنس. والبسيط الملاقي لبسيط إما أن يكون بسيطاً أو سطحاً. وكل سطح يلقى بسيط المخروط فإما أن يمر برأسه أو لا يمر. وقد تبين في الأولى من المخروطات أن كل سطح يلقى بسيط مخروط ولا يمر برأسه فإنه يقطعه. وكل بسيط يمر برأس مخروط فإما أن يماسه أو يقطعه، فإن ماسه فإما أن يماسه على نقطة أو يماسه على خط مستقيم، فإن ذلك مما بين البرهان أن تماسه لا يكون بإحدى هاتين الجهتين، ولم يتبين ذلك أبولونيوس. وكل سطح يمر برأس المخروط ويقطعه. وقد تبين في الأولى من المخروطات أن الفصلين المشتركين خطان مستقيمان، والقطع سطح يحسه يحده خطان مستقيمان يحيطان بزاوية هما ضلعان من أضلاع المخروط. وإذا كان ذلك، فكل سطح يقطع بسيط مخروط ولا يمر برأسه فقد يمكن أن يمر برأس المخروط سطح مواز له. فإن كان السطح القاطع موازياً لسطح يماس على نقطه فذلك القاطع ناقص مكان. وإن كان يماس على قطع فذلك مكان قاطعاً فالقاطع زائد. وإذا تمسك بهذا الأصل. ثم تلي بما يقتضيه التحليل، وضح بأيسر تأمل أن لكل قطع أصناف من خطوط الترتيب يكون منها على نسب متباينة، إذا كان بعضها يقطعها بنصفين، وهي الأقطار التي ألفاها من المهندسين، وبعضها يقطعها على نسب أخر من غير أن يوجد في إثبات وجود أحدها الصنف الآخر، وعند ذلك نتصور القطوع بأقدم صفاتها بالإضافة إليها، وتترتب سائر الخواص على رتبها فلا يتقدم بعضها على بعض في المعرفة حتى يظن لذلك بأن بعضها أقدم في الوجود من بعض، وتسقط عند ذلك كثير من تلك الأشكال الكثيرة البراهين، ويكون الاعتماد في استنباط أمور أخر أعظم فائدة وأكثر تصرفاً. وهذا النحو من النظم هو الذي وقع عليه ابن سيد المهندس فشف به على من شاركه من متقدمي المهندسين في المطالب التي شاركهم فيها. ثم إنه لم فرغ من هذا نظر في البسائط الملاقية لكل بسيط، مخروطاً كان أو غير مخروط، فوجد فصولها المشتركة ليست جملة في سطح واحد، فوضع سطوحاً تكون في بسيط الأجسام المقعرة على نسب معلومة، ثم أخذ الفصل المشترك بين السطحين نقطة، وأخرج منها خطاً على وضع معلوم إلى ذلك السطح، ثم أداره على ذلك الفصل المشترك فرسم طرفه في السطح.. إن ذلك الخط غير مستقيم ولا هو واحد من الخطوط المنحنية الثلاثة. ثم نظر في خواصه واستنبط منها أشياء، فكان نظره في هذه الأمور شبيهاً بنظر المتقدمين في الخطوط الثلاثة. غير أنه لم يتسع في العرض لممانعة عوائق زمانه ولانفراده، ويحتاج نظره إلى تتميم مناسب لتتميم نظر من تقدم. ومما اختص بالنظر فيه ابن سيد دون من تقدم من المهندسين ما أصفه: وهو أنه يعمد إلى قطعين من أي أصناف القطوع الثلاثة كانا، ويضعهما متقاطعين، ثم يفرض نقطتين في غير سطح القطعين في ناحية واحدة منه ثم يقيم عليها مخروطين فيصير المخروطان متقاطعين ولهما فصل مشترك، ثم يقيم سطحاً يلقى سطح القطعين على زوايا قائمة، ثم يعلم على الفصل نقطة، ويخرج منها خطاً على وضع يوجبه التحليل يلقى السطح القائم، يم يدير ذلك الخط على وضعه على الفصل المشترك، ويرسم طرفه في السطح خطاً منحنياً قوته قوة ذينك القطعين، ثم يضع أيضاً هذا القطع مع آخر من الثلاثة أو آخر في رتبته ويصنع كذلك فيكون الخط المنحني يقوي قوة القطعين، فيمر الأمر إلى غير نهاية في الطول والعرض. وبهذه الطريق استخرج كم خط نشأ بين خطين يتوالى على نسبة واحدة، وبهذه السبيل قسم الزاوية بأي نسبة عددية شاء. ويشبه توليد هذه القطوع التوليد الذي ذكره أوقليدس للخطوط في آخر المقالة العاشرة من كتابه. وحيث انتهيت إلى مثل هذا الموضوع من الأصل وجدت ما مثاله: قابلت جميع ما في هذا الجزء بجميع الأصل المنقول منه. وهو بخط الشيخ العالم الورع الزاهد البر العدل التقي عصمة الأخيار وصفوة الأبرار السيد الوزير أبي الحسن بن عبد العزيز بن الإمام السرقسطي، وهو ينظر في أصله المحبوبة من يد فريد دهره وبشير عصره ونادرة الفلك في زمانه أبي بكر محمد بن يحيى بن الصائغ المعروف بابن باجة قراءة بقراءة على المصنف بإشبيلية. والعزيز المذكور أدام الله عزه يومئذ عامل عليها ومستفاد لخراجها وما أضيف من العمل إليها. وكان فراغ الوزير أدام الله عزه من قراءة هذا الجزء عليه في تاريخ آخره اليوم الخامس عشر من شهر رمضان سنة ثلاثين وخمسمائة. وكتب الحسن بن محمد بن محمد بن محمد بن النضر بقوص في شهر ربيع الآخر سنة سبع وأربعين وجهة كذا في الأصل والراجح أنها خمسمائة كما يتضح ذلك مما سيرد بعد. نسأل الله سبحانه علماً نافعاً في الدنيا والآخرة. إنه على ما يشاء قدير.
وكتب رضي الله عنه إلى الوزير أبي الحسن بن الإمام
علمي بفضيلتك الفكرية والخلقية لا أجد معه إلى مخالفة إرادتك سبيلاً، لتكون سوء عشرة أوض بمعلوم، وكلاهما شرارة. وكنت قد قلت أنه بلغك أن عبد الرحمن بن سيد كان قد استخرج براهين في نوع هندسي لم يشعر به أحد قبله ممن بلغنا ذكره، وأنه لم يثبتها في كتاب، وإنما لقنها عنه اثنان: أحدهما أنا، والآخر تلف في حرب وقعت في الأرض التي كنا فيها، وبلغك مع ذلك أني زدت عليه حين استخرجها والأمر أعزك الله على ما بلغك، ويكون ذلك بالعزم على أن أكتب لك كتاباً يتضمنها، وأن أضيف إليها مسائل قد كنت ذكرت لك أني صنعت براهينها مدة الاعتقال الثاني الذي كنت فيه. وقد كتبت إليك كل ذلك دون تفصيل، قال الذي صنعته إنما هو تتميم لما صنعه الرجل وتصريف له، فالمحرك الأول أحق بشرف الحركة من المحرك الثاني إذ كان متحركاً عنه، وقد كتبت إليك ذلك في هذا الكتاب. كل فعل إنساني فإنه بالذات يسدد نحو غاية ما إنسانية، وهو الخير الذي ينال بذلك الفعل فمقصد تدبير المنزل الثروة، ومقصد التفكر العلم أو الظن. وقد توجد أفعال إنسانية تلحق عنها لواحق، قد يمكن في بعض تلك اللواحق أن تكون متشوقات، فتنصب غايات، فتفعل تلك الأفعال التي تلحقها تلك اللواحق المتشوقة لأجل تلك لا لأجل ما هي له بالذات. ومن هذا تتقوم صنائع كثيرة وقوى بعضها شرور كالمكر والتمويه والرياء وصنائع المستعبدين وما جانسها، وبعضها خيرات كتعلم الاحتذاء والرياضة بالأفعال التي تفعل لا لينال بها غاياتها الذاتية، بل لتنال أشياء سددت الأفعال بحسبها وهي أصناف: منها ما يطلب فيها أمور مباينة في الجملة لغاياتها كالمصارعة، فإن غايتها الذتية الغلبة، لكن قد تطلب بها الصحة. والصحة قوى أو قوى للجسم المتنفس من حيث هو جسم متنفس، وهذه يقال لها رياضة وأفعال رياضية. والرياضة بالجملة كل فعل إنساني قصد به أن تتمكن عنه قوة ما، أو تصير بحال أحسن. فأما الأفعال التي ليس يقصد بها حصول ملكة لم تكن فليست برياضة، ولذلك لا يعد تعلم الاحتذاء في الرياضة. فإن متعلم اللحن ليس يتغنى ليطرب. بل ليحصل اللحن ملكته، فإذا حصل له اللحن وكمل وردده لتمكن في نفسه ويكون أقدر على أدائه قيل لذلك الرديد ارتياض في اللحن. وقد لخصت تلك الأصناف التي تقال عليها الرياضة في مواضع أخر. والفكرة صنفان: أحدهما صنف موضوعاته الذاتية الأمور الممكنة من جهة ما هي ممكنة، وغايتها بالذات الظن الصادق، فإن وقع اليقين عنها فالبعرض. ومنها ما موضوعاتها الأمور الضرورية من جهة ما هي ضرورية، وغايتها اليقين فإن وقع عنها الظن فبالعرض. والأول يخص الروية، والثاني لا اسم له. وقد يسمى في الوقت بعد الوقت الفكرة البرهانية والفكرة اليقينية. وقد يقال الروية على كليهما بالعموم. والروية والفكرة البرهانية ففي كل إنسان لم تلحقه آفة، وله قوة على قبولها. فأما وجود هذه القوة البرهانية ملكة فإنما هي للإنسان بالاكتساب. وقد توجد لبعض الناس بالطبع على ما يقوله تامسطيوس في القياس في ذوي الفطر الفائقة. فأما الروية فالاستعداد لها ينشأ بتنشئتنا، وهي تكمل باكتمالنا. وقد لخص أرسطو أمرها في السادسة من كتاب نيقوماخيا وليس الارتياض نحوها صناعة محدودة، ولا للأفعال الرياضية فيها اسم تختص به، والتجريب من أصنافها. وأما القوة على الفكرة البرهانية، فإن الرياضة التي تصيرها ملكة أصناف كثيرة، وهذه تسمى عند القدماء التعاليم والعلوم الرياضية. فأما صناعة المنطق فليست برياضة، بل هي صناعة تشتمل على أنواع الفكر وكيف تكون، وتلخص كل واحد من أصنافها. ونسبها إلى العلوم الرياضية نسبة النحو إلى قصائد الشعر وأجزائها والخطب وأجزاءها ولذلك يروض نحويوا العرب من يعلمونه بتكليفهم إعراب أشعار العرب كشعر امرئ القيس وغيره. وهذه التعاليم أربعة أجناس، ويشتمل كل جزء منها على أجزاء وما يجري مجرى الأجزاء، وقد لخص ذلك في كتاب البرهان. فأما هل كل واحد منها يروض قوة جزئية غير القوة الجزئية التي تروضها كلها يروض نوعاً واحداً من الرياضة وتتعاون له، فذلك مما يليق بغير هذا النحو. فقد يظن أن الكل متعاونة على تخريج الذهن وتسديده نحو العلم البرهاني، إذ كان بالطبع إنما عرف وألف الطرق الخطابية. إلا أنه إن كانت صناعة الارتماطيقي الموضوعة في كتب الارتماطيقاً وغيره تعليمية وأقاويلها فرياضتها غير رياضة الهندسة، رياضة الهندسة واحدة بالنوع. وقد يظن بأبي نصر أنه يرى الأقاويل الموجودة في الارتماطيقا بلاغية على ما يفهمه قوله في شرح الخطابة. فإما كيف الأمر فيه فإن القول لائق بالارتماطيقى إذ كانت أول التعاليم في الرتبة وقوى الفكرة البرهانية أخرى. والقوة التي يوجد بها البرهان إما أن تكون كالغاية لها أو تكون أشرفها. وقد يظن بقوة تأليف الحدود أنها أشرف، إلا أن ذلك بوجه آخر، وقد تبين ذلك في العلم الطبيعي. والبرهان بالعموم على ما لخص في مواضع كثيرة ثلاثة أصناف: برهان الوجود، وبرهان السبب، والبرهان المطلق وهو الذي يعطي الوجود والسبب، وهذا أشرف أصناف البراهين كلها. والارتياض في كل واحد من هذه إنما يكون بأن تفعل أفعالها على ما تلخص قبل. فالارتباض الذي يجعل القوة البرهانية ملكة، إنما يكون باستعمال البراهين المطلقة، وذلك بنحوين أحدهما كالغاية للآخر: أما الأول الذي هو كالتوطئة فهو إن نزاول براهين قد استنبطت على مسائل محدودة مؤلفة من أمور ذاتية ضرورية. والثاني الذي هو كالغية أن يستنبط المرتاض براهين أكثر من واحد على أمثال هذه المسائل. وظاهر على ما تلخص في البرهان أن الحد الأوسط يكون سبباً لوجود المحمول في الموضوع، فبالضرورة يكون الحد الأوسط إما حداً أو جزء حد. وهذا الارتياض ضرورة إنما يكون فيما تصور بما به قوامه، لأنه إن تصور لا بما به قوامه لم يكون فيما تصور بما به قوامه، لأنه إن تصور لا بما به قوامه لم يكن الأوسط شيئاً، وكان القياس إما دليلاً وإما قياساً صادقاً، وهو الذي يسميه الإسكندر الأفروديسي برهاناً منطقياً. ولما كانت التصورات، كما قلناه في أقاويلنا في صناعة النجوم، منها أول وهي المناسبة للمقدمات الأول، ومنها ما توجد بنحو آخر على ما توجد عليه المقدمات التي ليس من شأنها أن يوقعها قياس، وكانت هذه إما أن تكون متقدمة أو متأخرة، والمتقدمة هي التي بها يكون الارتياض، وكانت الأطوال وما يعرض لها ويوجد لها مما يتصور بهذا النحو، كانت مما يمكن أن يرتاض بها. فإن المثلث قوامه بأنه سطح تحيط به ثلاثة أضلاع، والزاوية القائمة قوامها بمساواتها للزاوية التي صامها وقد يظن ببعض البراهين المكتوبة أنها دلائل، فإن لمتشكك إن يتشكك فيقول: إن المهندس قد يبين المسألة وعكسها، فإن كان برهان أحدهما برهاناً مطلقاً فالآخر ليس كذلك، فبان أن كل مثلث مستقيم الخطوط زواياه مثل قائمتين ليس ببرهان مطلق. وقد لخصنا في أقاويلنا في البرهان ن أمثال هذه ليست مباينة للقضايا المؤلفة من المحمولات على المجرى الطبيعي، بل إنما هي تتميمات للبراهين الكائنات عليها. وإما هل يكون في الأقاويل الهندسية أمور بالعرض، فذلك إنما يكون عن سهو المهندس. مثال ذلك ما بينه أوقليدس إن ضلع المسدس إذا اتصل بضلع المعشر انقسم الخط على نسبة ذات نسبة وطرفين، فإن ذلك إنما هو لضلع المسدس بالعرض لما عرض إن كان مساوياً لنصف وتر الدائرة، وهو مثل قولنا الطافي على الماء إذا اتصل بالنار صار لهباً، وليس ذلك للطافي بأنه طاف، وإنما ذلك للطافي بأن عرض له إن كان زيتاً. وهذا قل ما يوجد في كتب المهندسين، وإنما تسامح في ذلك أوقليدس، أو ذهب عليه، لتلازم وجود ضلع المسدس ونصف القطر بالتكافؤ لزوم الوجود.
اكتساب البراهين
الاستنباط للبراهين متقدم في الوجود على اكتسابها بالتعلم، فإن اكتسابها بالتعلم إنما يتقدمه بالزمان فقط عند إنسان ما، لكن بعد إن يتقدم اكتسابها ضرورة عند إنسان غيره بالاستنباط، ولذلك كان القول فيها متقدماً بالرتبة على القول في تعلمها. وأيضاً فنما يوصف بصناعة الهندسة من كانت له قوة على صنعة براهينها، أما من لم تكن له تلك القوة، واقتصر على حفظ البراهين المستنبطة حتى يكون كما قال شاعر يونان كتاباً مبسوطاً، فإنما يقال له مهندس على طريق التشبيه بذلك. فلنقل فيما يخص الاستنباط الهندسي: والمطالب في صناعة الهندسة إما مركبة وإما بسيطة. والمركبة مثل قولهم إن الخط الأوسط بين خطين على نسبة تقوى على مسطح الأول في الثالث. وأما بسيطة، والبسيط على ما بين في بأرامينياس مثل قولنا هل الخلاء موجود. والمهندس فلا يستعمل البسيطة أصلاً، بل إنما يستعمل قوتها، ويستعملها على نحوين. مثل قولنا: نريد أن نبين هل يمكن أن نحد مرآة تكون قطعة من قطع مكان يحرق جسماً يكون فيها على وضع إذا وصلنا بينها وبين الشمس وبينها وبين المحرق كانت الزاوية التي يحيط بها الخطان قائمة، ومن عادتهم إذا قالوا ذلك وصولا القول: فإن كان ذلك فكيف نحده، وهذان مطلبان. فإن قوة قولهم هل يمكن أن يحد هي قوة قولنا هل هو موجود، أم هل هو حال لا يمكن وجوده. وربما سلكوا غير هذا المسلك ففصلوا الحد، وحملوا بعض أجزائه على بعض، ثم بينوا وجود المحمول للموضوع ببرهان، فإذا تبين ذلك القول ألفوا الحد، مثل ما يفعل أوقليدس في الخطوط الصم في المقالة العاشرة من كتابه، وكما فعل ذلك أبولونيوس في القطوع الثلاثة في أول كتابه في المخروطات، إذ كانت هذه كلها ليست ببنية الوجود. وليس كذلك المثلث المتساوي الأضلاع ولا المخمس، ولذلك لما كان بين الوجود، وكان قوله الذي يتصور به حداً، لم يستعمل فيه واحد من هذين النحوين. فهذه أ؛ د أنواع المطلوبات، وبين أن غاية هذا النحو هو التصديق. وهذان هما نحواً التصديق اليقيني في هذه الصناعة خاصة. وقد يطلبون جزءاً آخر من الطلب، مثل ما افتتح به أوقليدس كتابه، وهو قوله: كيف نعمل على خط مستقيم معلوم القدر مثلثاً متساوي الأضلاع. ويظن أن غاية هذا النحو ليس بالتصديق، فإنه إنما يصنع أولاً المثلث الذي يكون رأسه تقاطع الدائراتين هو المثلث الذي يكون رأسه بهذه الصفة، ويعطى البرهان على ذلك، فيصل بهذا النحو إلى مطلب مركب، وهو أن كل مثلث برأسه تقاطع الدائرتين فهو المثلث المتساوي، ثم يعطي البرهان على ذلك. فغايته القصوى إذن هي وجود البرهان، وبهذا تكون المسألة ارتياضية. فإما ما يظن به من إفادته القوة على إيجاده في المواد على مثل ما يستعمل كثيراً، مما تبين في الصناعة النظرية، أهل الهندسة الفاعلة، فذلك بالعرض لا بالذات. فإن كثيراً من المطالب النظرية في هذه الصناعة يتبين وجودها بأنفسها. مثال ذلك وجود وعاء من جسم شكل بسيطه مستطيل فإنه لمجسم وكانت قاعدته طوله، فإنه الشاهد إذا شاهده مرة واحدة في جسم واحد، كأنك قلت فضلة توب أو قطعة رق، وقع له اليقين في كل مجسم بالإطلاق مصنوع من مختلف الأضلاع. غير أن هذا البيان لا يكون هندسياً أصلاً، وإنما يكون هندسياً إذا قال نسبة المجسم إلى المجسم، إذا كانا لا بالأحوال كذا، هي النسبة التي تؤلف من قواعدها وارتفاعها، ثم أتى بالبرهان عل ذلك. وإنما يوقع الظن بذلك أن كثيراً من المطالب الهندسية مبادئ لأعمال الهندسة الفاعلة كالبناء والنجارة، وهذا أمر عرض لها من حيث هي أمور موجودة لا من حيث هي صناعة رياضية. ولما ظن بها هذا الظن، وكانت أعمال الهندسة منافع، كانت عند من ظن بها هذا الظن هذه المطالب أشرف مطالبها. ومن كانت عنده الهندسة الفاعلة جملة قل عنده لذلك جدوى الهندسة وأطرحها وهمه. والسبب في ذلك كله خفاء غايتها الذاتية من ظهور غايتها التي لها بالعرض. وظاهر أن هذا النوع من النظر إذا أخذ من حيث هو ارتياضي نظري، فإنما يفيد وضع المسائل المركبة، فإن وضع المسائل مركبة ليس مما يرشد إلى نفسه، بل يحتاج إلى صناعة وتأن. ولما كانت العبارة عن الأمور الهندسية بالألفاظ الدالة على معانيها يطول، استعمل المهندسون عوضها العبارة بعلامات، إذ كان استيفاء العبارة عن بعضها في غاية العسر والطول ولذلك نستعمل نحن ذلك فيما نقول لا في المثل. فليكن خط أب مفروضاً، وليعمل عليه مثلث أبج كيف كان. فيمكن أن يكون على خط أب مثلثات لا نهاية لها تكون زواياها مساوية لزاوية ج، ومثلثات زواياها أعظم أو أصغر، ونريد أن نعلم هل ينتهي دائماً إلى خط واحد أي خط كان أم لا، فإن كان لا ينتهي فنضع ذلك مطلباً، وتقول: كل مثلث يعمل على مثلث خط أب تكون زاويتاه مثل زاوية ب فسينتهي بعضها إلى خطوط مختلفة. وإن تبين أنها تنتهي إلى خط واحد، وهو قوس من دائرة حال قطرها من وتر القوس حال محدودة، جعلنا ذلك مطلباً، وتلونا ذلك استعمال البرهان عليه. وكذلك إذا فرضنا خط أب عليه نقطتان ح د، وأردنا أن يكون سطح أد في ح? د، مثل مربع د ب، وسطح ب ح في ح د مثل مربع أح، ثم وقفنا الفكرة الهندسية على أنا إذا وضعنا هـ? ز مفروضاً وكان ر ط المساوي له يحيط معه بزاوية، وأنفذنا ر إلى م، وط ز إلى ب، وجعلنا نقطة هـ? رأساً لمكان ضلعه القائم هـ? ز، وهو قطره. إلى هنا وجدت هذا القول الحمد لله على إحسانه، وصلواته على خير خلقه محمد وآله وصحبه.
ومن كلامه رضي الله عنه في ماهية الشوق الطبيعي
قال الوزير أبو بكر رحمه الله. التشوقات النظرية الطبيعية أولها وأقدمها لا بالزمان فقط بل وبالطبع، وكما يتقدم السبب المسبب وهو الذي به نقول ما هو، وهو التشوق إلى ما به قوام ذلك الشيء. وهذا قد يمكن أن يعطي خلواً من الهيولى، فإذا أعطى خلواً من الهيولى حدث تشوق آخر، وهو الذي نسأل بعما ذا هو، فإذا علمناه واتفق أن أعطى هذان فقط حدث تشوق آخر، وهو الذي فوق هذه الصورة هذا الموضوع ولأي شيء لقريب وكيف صار له بعد أن لم يكون له في وجوده، سواء كان كائناً أو لم يكن، وهذا السبب هو المحرك القريب. فإذا أعطيناه حدث لنا تشوق رابع وهو لم كان هذا، وماذا كان القد في تأليف هذا المعنى إلى هذا الموضع الذي من أجله حرك المحرك، وما القصد في هذا الوجود، فإن لنا بالطبع هذا التشوق، ولذلك يعد أرسطو قولنا: أن الطبيعة لا تفعل باطلاً وإنما تفعل من أجل شيء، في المقدمات الأول، فإن هذه المقدمة لو كانت باطلاً حتى يكون فعل الطبيعة نحو شيء إنما هو بالعرض لا بالذات، لكان هذا التشوق غير طبيعي. فلننزله كما هو في نفسه، فإذا أعطيناه فقد كمل العلم بالشيء، وكف التشوق جملة. وإذا تأملنا كل واحد من هذه الأربعة، التي هي الصورة والمادة والفاعل والغاية، تنزل كل واحد من هذه منزلة الشيء، ونشأ تشوق إلى الوقوف على أسبابه. وهذا لا يمر إلى غير نهاية فسنصل إلى مادة لا مادة لها أصلاً، وإذا وقفنا على مادة لا مادة لها لم ينشأ تشوق وكف هذا التشوق ولم يوجد. فإذا هذا التشوق إنما كان من أجل هذا السبب، فهذا السبب له إلينا نسبة طبيعية. لأنا متى لم نجده كان تشوق، فوجود هذا هو الغاية التي إليها تتحرك بهذا التشوق إنما كان من أجل هذا السبب، فهذا السبب له إلينا نسبة طبيعية. لأنا متى لم نجد كان تشوق، فوجود هذا هو الغاية التي إليها نتحرك بهذا التشوق. وكذلك متى وصلنا إلى فاعل لا فاعل له أصلاً كف هذا التشوق، فإذن ذلك الفاعل كان لمتشوق بالطبع. وكذلك إذا وصلنا إلى صورة ليست أصلاً متصورة بغيرها كف أيضاً ذلك التشوق. وكذلك في الغاية القصوى إذا وصلنا إليها كف ذلك التشوق. لكن إذا كف تشوق واحد، كتشوق الهيولى، فهل ينزل منزلة الأوساط فتكون فيها التشوقات الثلاثة أم لا يكون فيها تشوق أصلاً. فإن لم يكن كذلك فأي التشوقات يبقى وأيها يذهب، وهل كلها كذلك أو بعضها، وما نسبة التشوقات الطبيعية بعضها من بعض، فنقول: إن التشوق الذي يكمل بذلك السبب، فليس يمكن أن يكون فيه، فإنه لو كان فيه لم يكن ذلك السبب أولاً. فأما أنه يمكن أن ينشأ فيه موضع سؤال، فذلك ممكن في بعضه. أما وجود المادة فينقطع عنه بذاته أولاً التشوق إلى وجود السبب والذي على طريق المادة، وينقطع عنه بالقصد الثاني السؤال بما، لأنها غير ذات صورة كما تبين في الأولى من السماع الطبيعي، فإنها إن كانت ذات صورة فهناك مادة أقدم، ولذلك ينقطع عنه من ذلك السؤال عن الفاعل، لأن كل ما ليس بذي صورة فليس هناك محرك ولا ما يجري مجراه. وأما السبب الذي على طريق الغاية فلم ينقطع عنه، فإنه لو انقطع عنه لكان موجوداً بنفسه، وهو إنما هو موجود بالفعل، فكيف يكون موجوداً على أن وجوده ذاته، فهذا السبب يبقى دائماً. وكذلك الفاعل والمحرك يح? فإن الواجب أن ننتهي إلى فاعل لا مادة له، لأنه إن كان ذلك مادة لزم هناك أن يكون فاعلاً أو ما يجري مجراه، وهو الذي به صارت هذه الصورة في المادة، سواء كان ذلك تكوناً أو وجوداً كصور الأجرام المستديرة في موادها. وكذلك الغاية لأنها إن كانت صورة في مادة لزم أن تكون هناك الأربعة، فصارت غير غاية قصوى. فإما الصورة فليس يلزم فيها ذلك من هذا الوجه أولاً، فإنه إن وضعناها في مادة لم يلزم عنها ضرورة أن لا تكون صورة قصوى، بل يلزم عنها أن تكون لها غاية ومحرك، وهو السبب الذي به تكون الصور من الهيولى. لكن إن نحن نظرنا إلى الغاية، فإن كانت غير الصورة، فهي خارجة عنها، ففي الصورة جزءان أحدهما أكمل من الآخر، والأكمل هو صورة، فلم تكن صورة قصوى. ولننزل الأمر على أن الصورة القصوى ليست في مادة. فهذه إذن هي مبادئ التشوقات، فإن كانت الصورة والغاية والفاعل واحد بالموضوع كثيرة بالقول، فذلك المطلوب الطبيعي بهذه القوة النظرية التي لنا بالطبع. لكن قد توجد هنا تشوقات أخر غير هذه، وهو تشوقنا الذي يدل عليه حرف هل. وهذا التشوق قد يتقدم في الزمان السؤال بما، ولكن ذلك بالعرض، لأنا إنما نسأل بهل بعد أن يكون الشيء عندنا متصوراً بوجه ما، وأنه معنى ما معقول، ثم نطلب هل هو موجود أم لا. وهذا السؤال إنما يكون فيما لم يعطيناه الطبع، وفيما هو ليس لنا معلوم بالطبع. فإذا صار في حال التصورات الطبيعية، صارت له التشوقات الأربعة. فالسؤال بهل هو موجود، هو لنا بالحال التي لنا من غير الطبع، وإنما هو طبيعي بوجه آخر. فإن السؤال بهل هو إذا كان القضية المقرون بها حرف هل إنما هو ليصير به ذلك الموضوع في الحال التي من التصورات الطبيعية، وبينا أنا قد عرفنا ما الذي دل عليه بذلك القول. ويتبين في كل أمر طبيعي أن له إلى أذهاننا نسبتين: إحداهما كالمادة، وهو أن يكون متصوراً مطلقاً. والثانية شيء يوجد في التصور، ولا يمكن أن يوجد خلواً منه، وهو التصديق إن ذلك المعنى مستند إلى مشار إليه، وإن ما له ماهية خارج الذهن بها وجوده وليس وجوده بما له في الذهن حتى يكون قوامه وإنما هو بالذهن فقط، وإن ذلك التأليف الذي له إنما استفاده من الذهن، والذهن سبب وجود ذلك التأليف فيكون سبب وجوده لا في ذاته، بل خارج ذاته وقد استقصى ذلك في مواضع آخر. وكل متحرك فله محرك، والأمر إذا كان مزمعاً أن يكون يقيناً فيجب أن يكون قبل بالقوة يقيناً، فالبضرورة سيكون أمر يصيره شيئاً بالفعل، والاعتقاد بحال الذهن من حيث هو ذلك التصور موضوع، لأن التصور كما قلنا إنما هو يجري مجرى الهيولى، فإن كان إنما صيره في الذهن حال خارج عن التصور، كان ذلك سبب وجوده في الذهن فذلك مفارق لذاته، فقد يمكن أن يوجد من حيث هو ليس متصلاً بذلك السبب. وإذا ورد من تلك الجهة لم توجد له تلك الإضافة، فلم يكن يقيناً، وعاد الذهن إلى حالة الأولى. فلذلك كان من خاصة اليقين إلا يزول بعناد أصلاً. وإذا صار في الذهن من حيث هو ما هو، وتحرك من القوة إلى الفعل بالقوة المستفادة، خرج من القوة إلى الفعل. وحال هذا من النفس يقال له يقين، فلذلك إما أن لا يعلم بسبب هو تصور، وذلك هو المعلوم بوسط. وإما أن يعلم بوسط هو سبب وجوده، وإذا علم على هذا الوجه كف التشوق لذلك السبب. فلذلك البرهان الذي هو حد بالقوة أكمل البراهين، والحد المؤلف أكمل الحدود، لأنه ليس يبقى بعده تشوق أصلاً. وبين أن أجزاء أمثال هذه البراهين، ينبغي أن تكون أجزاء الحدود. وظاهران في أجزاء الحدود ما يليق أن يكون نتيجة برهان، ومنها ما يليق أن يكون مبدأ برهان. وأيضاً فإن أجزاء الحدود يجب ن تكون أسباباً وذاتية. وظاهر أن القسمة لا تعطي ذلك بما هي قسمة، بل هذا شيء يجب أن يكون معلوماً عند القسمة، وهذا العلم هو المشتهر بالعرض لا بالذات. وكذلك يعرض مثله في طريق التركيب، فإن التركيب بما هو تركيب لا يلزمه ذلك. فإن القصد بذينك النظرين الحدود، فكيف يمكننا أن نستعمل الحدود فيهما، ولا طريق إلى الوقوف على أن المحمولات ذاتية إلا بالحدود. فأما البرهان فإن ذلك من أجل ما به وجوده، ولا يلزم ذلك فيه طريق دور، فإن الموضوع فيه ليس المحدود بل هو جزء الحد، وليس في وضع علم حده مصادرة على المطلوب. فبين أن العلم بالبرهان إذا كان بهذه الصفة لم يفد أسباب الشيء، وظاهر أن نسبتها إليه هي الذاتية، غير أنه يفيدها وهي غير محمولة عليه، لأنه إنما أفادنا الأجزاء وهي بحال لا يمكن ن تحمل عليه. مثل أن يكون جزء البرهان جزءاً غير تام، فلذلك يبقى أن تصير تلك الأجزاء بحال تحمل عليه، ويركبها تركيب تقييد، فيصير ذلك البرهان الذي كان حداً بالقول حداً بالفعل. فأما إذا كان المطلوب حده طرفاً أصغر في القياس، فإن الوسط إن كان غير سبب وللموضوع، لم يلزم ضرورة أن يكون ذلك سبباً للموضوع ولا ذاتياً له، فكيف يمكن أن يكون منه حد، فيحتاج إلى سباره بأشياء آخر غير البرهان. وأن كان الوسط سبباً، وكان كالطرف الأعظم كلياً له، كان الطرف الأوسط جزء حد، وكان الطرف الأوسط الجزء الأول القريب منه، ومنه يأتلف الحد. فقد ظهر مما قلناه نسبة البرهان إلى الحد، وما مقدار غنائه فيه. وأجزاء الحدود المؤلفة بالطريق الصناعي وغير المؤلفة، نسب أجزائها بعضها إلى بعض واحد بالنوع، فإن كان هناك جزء وهو بالذات مبدأ برهان، فهناك جزء يجري مجرى مبدأ برهان. وإن كان هنالك جزء هو نتيجة برهان، كان هناك جزء يجري مجراه، فتكون الحدود. وإن كان هناك حدان، أحدهما متقدم للآخر، والمتقدم هو مبدأ برهان والمتأخر نتيجة برهان، ففي الحدود الأول ما هو كذلك. فتكون الحدود إما حداً هو مبدأ برهان، أو حداً يجري مجرى مبدأ برهان. ويكون حد هو نتيجة برهان، أو حد يجري مجرى نتيجة برهان. وكذلك تكون مؤلفة من أجزاء نسبها هذه النسب بعينها، فيكون الحد مؤلفاً من مبدأ أو ما يجر مجراه، أو نتيجة برهان أو ما يجري مجراها. فهذه النسب هي لأجزاء الحد من حيث المحدود طبيعة قائمة. وأما النسب التي بها تكون أجزاء الحد فصولاً وأجناساً، فإنما هي لها من حيث الموضوع للحد مضافاً إلى مقابله، ومن حيث هي شيء آخر غيره. فلنقل في البراهين التي تنتج المتأخرة عن الموضوع. هذا آخر كلامه في هذا المعنى وكذا وجد. الحمد لله على نعمه، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. وحيث انتهيت إلى مثل هذا الموضوع من الأصل وجدت ما مثاله: قابلت جميع ما في هذا الجزء من الأصل المنقول منه، وهو بخط الشيخ العالم الأوحد الكامل الفاضل الزاهد أبي الحسن على بن عبد العزيز بن الإمام. وكما بقوص في سلخ شهر ربيع الأول سنة سبع وأربعين وخمس مائة. وكتب الحسن بن النضر في التاريخ المذكور.
ومن قوله أيضاً وهو آخر ما وجد من قول الحكيم فيما دار بينه وبين الوزير في الصورة الأولى والمادة الأولى
ليستديم الله للوزير الأجل ما وهبه من الجلال والفضل وطلب الحقائق في العلم. رأيت فيما ذكره في ماهية الصورة الأولى أنها تارة تظهر أنها صورة للاسطقسات، وتارة تظهر أنها أخرى منزلتها من الصورة منزلة المادة الأولى من سائر المواد. والذي ظهر لي أن الصورة الأولى هي الصورة البسيطة، أو الصور البسائط، وهي التي تتصور وتوجد في مادة لا صورة لها، وهي المادة الأولى. والصورة الأولى أول صورة تحصل في المادة فهي الصورة معها في المادة. كما أن المادة الأولى لا مادة لها كما بين في آخر المقالة الأولى من كتاب السماع. وأول صورة تحصل في المادة الأولى هي صورة الاسطقسات، لأن الساسطقسات بسائط الموجودات، مادتها بسيطة وصورتها بسيطة. هذا من كتاب الكون والفساد، ومن كتاب الآثار العلوية، ومن كتاب السماء والعالم. وأظهر ما هو من كتاب الكون والفساد. والصورة أبداً مساوقة للمادة في الوجود، فلا تكون صورة قربت أو بعدت إلا في مادة مساوقة لها وفي منزلتها ومرتبتها، والمادة الأولى تساوقها في الوجود فلا تكون مادة قربت أو بعدت إلا وتساوقها صورة للوجود في منزلتها ومرتبتها. والرتبة والمنزلة والصورة الأولى وكل مادة سوى المادة الأولى وإن بعدت فإنما تكون مادة لموجود ما مفروض لصورة فيها، فتلك الصورة صارت معدة لقبول صورة ذلك الموجود المفروض. وبعد المادة الأولى ومرتبتها ومنزلتها من تلك المادة القابلة لصورة ذلك الموجود هو بعد ومرتبة ومنزلة الصورة الأولى من الصورة التي في تلك المادة القابلة ذلك الموجود المفروض. فإن الصور والمواد تتساوق، فمتى ارتقت مادة ما أورتبة بصورة تحصل فيها، كذلك ترتقي الصورة مثل ذلك وعلى نفس النسبة. فإن بعد مادة مفروضة من المدة الأولى مثل بعد الصورة. التي لتلك المادة من الصور الأولى وفي منزلتها ورتبتها. مثال ذلك: الإبريق أولاً هو النحاس، ثم تراب معدنه، ثم الاسطقسات، ثم المادة الأولى. فالمادة الأولى من المادة الإبريق في المرتبة والمنزلة الرابعة كذلك الإبريق صورته أولاً هي صورة الإبريق المختصة به، ثم صورة النحاس، ثم صورة تراب المعدن التي بها صار تراب المعدن معداً ليكون منه النحاس، فصورة الاسطقسات التي هي الصورة الأولى هي في البعد والرتبة والمنزلة في الرابعة. فالصورة الأولى توصف أنها صورة الإسطقسات وتوصف أن منزلتها من الصور منزلة المادة الأولى من سائر المواد. شك: إذا تبرهن أن المادة والصورة الأولى غير كائنة ولا فاسدة، وأنها حاصلة بالفعل مادة وصورة، وكل ذي مادة وصورة جسم يرشد إليه بإشارة ولم تكن تلك المادة والصورة على مادة الاسطقسات وبالجملة فلا شيء من المواد الكائنة الفاسدة فما هي المادة والصورة الأولى الحاصلة بالفعل، ولم قيل للمادة الأولى المشتركة هذا يضي.
كلامه في النيلوفر
قال: إنما عرض للنيلوفر وأشباهه أن يظهر بطلوع الشمس وينغمس في الماء عند غيبوبتها، من قبل أن عنصرها غليظ بارد إلا أن بها رطوبة، وجوهرها من شأنه أن يقبل الانبساط. فلذلك إذا طلعت الشمس، وتحرك الهواء عنها، حرك الماء بنوع حركته فوصلت إليها تلك الحرارة، وانجذب ذلك الجوهر الحار، فمانعه الجو البارد، ولم يستطع التخلص عنه، فيتحرك علواً. لأن قوة ذلك الجوهر البخاري في الماء أشد من قوته في الهواء، وقوة الجزء البارد في الماء أضعف منه في الهواء. فلذلك يتحرك علواً حتى إذا صار في الهواء صار كأنه بين الجوهرين بالضد وعند ذلك ينفتح الزهر لأن انفتاح الزهر حركته حركة وارد فإذا غربت الشمس برد ذلك البخار وغرق، وفعل البارد بقوته على الحركة في الهواء، فانغلق الزهر، وتقبض النبات، وغاص الجزء المرتفع في الماء. وقد يتشكك متشكك فيقول: إن الشمس نسبتها إلى الأرض في المشارق والمغارب واحدة بالنوع. ولذلك إما أن تكون الحرارة الواصلة عنها إلى الأرض واحد، أو تكون الحرارة في الغروب أكثر، فيلزم من ذلك إما ألا تتحرك هذه الأشياء هذه الحركات المتقابلة أو يتحرك واحد منها، وتكون الحركة المقابلة وسط النهار. والجواب: إن الشيء الواحد يتحرك حركات متقابلة في مواد متقابلة مثل النار التي تذيب الذهب وتجمد الخزف. وأيضاً فإن الحركة إنما تلتئم بوجود المحرك والمتحرك، فأول النهار يحرك بحرارته التي يستفيدها لأن المتحرك عنه موجود وهو الحار بالقوة، وآخر النهار يحرك بالبرد لأن البارد بالقوة موجود في ذلك الوقت. وقد تلخص كيف ذلك في غير هذا الموضع. هذا ما وجد من كلامه في هذا وغيره. نسأل الله العظيم التوفيق في العلم والعمل وخاتمة خير في عافية. الحمد لله على إحسانه وصلى الله على سيدنا محمد الهادي إلى الرشاد وآله وسلم تسليماً وهو خير من توكل عليه.
ومن كلامه في البحث عن النفس النزوعية ولم تنزع وبماذا تنزع
بسم الله الرحمن الرحيم قال: والنفس النزوعية أما أن تكون جنساً لثلاث قوى وهي: النزوعية بالخيال: وبها تكون التربية للأولاد، والتحرك إلى أشخاص المساكن، والألف والعشق وما يجري مجراه. والنفس النزوعية بالنفس المتوسطة، وبها يشتاق الغذاء والدثار. وجميع الصنائع داخلة في هذه. وهاتان مشتركتان للحيوان. ومنها النزوعية التي تشعر بالنطق، وبها يكون التعليم والتعلم وهذه يختص بها الإنسان فقط. وإما أن تقال على هذه الثلاث بتقديم وتأخير. وبين أن كل حيوان فله النفس النزوعية المتوسطة وبها يشتاق. وقد يوجد من الحيوان ما ليس له شوق الخيالية. وشوق النزوعية المتوسطة متقدم بالطبع للنزوعية الخيالية، وظاهر أن كل إنسان على المجرى الطبيعي فله هاتان القوتان متقدمتان على النزوعية والناطقة بالطبع. وقد تبين في الثامنة أن كل متحرك فله محرك، ومحركة غيره، وتلخص هناك أجناس المحرك، والمتحرك قد يكون متحركاً بالطبع وقد يكون خارجاً عن الطبع، فالمتحرك بالطبع كالحار، وأما الخارج عن الطبع فكسهم المنجنيق. وكذلك المتحرك قد يتحرك خارجاً عن الطبع كالحجر إلى فوق، وقد يتحرك بالطبع كالحار بالقوة والجاهل إلى العلم. والمتحرك بالطبع أما من ذاته وهو ما كان محركه فيه، وأما من غيره وهو ما كان محركه خارجاً عنه. وأعني به أن يكون محركه به وجود ذلك المتحرك، من حيث هو ذلك النوع من الجواهر الجسمانية، حتى يكون به قوام ذلك الجوهر، ويكون ذلك داخلاً في حده كالحال في الحيوان. وهذا قد يكون طبيعياً وبذاته، وهو كأصناف الحيوان، وقد يكون صناعياً كالميكانة، والصناع فهو داخل فيها بالعرض وخارج عنها بالطبع. فهناك جرت العادة بتحديده وتلخيص القول فيه في موضع آخر. والمتحرك من ذاته فبين أنه منقوم من المحرك والمتحرك. وما كان غير متقوم من هذين الجنسين فليس بمتحرك من ذاته. مثال ذلك الحجر، فإن المحرك فيه ليس بذاته، لكنه فيه من خارج عن ذاته بالقسر، فإن الذي للحجر بذاته كونه أسفل. وإذا كان كذلك فليس بمتحرك، وإذا كان فوق فوجوده إنما هو له بقاسر يقسره، وإذا تنحى القاسر تحرك إلى أسفل. فلذلك يحتاج في الحجر ضرورة إذا تحرك أن يكون أسفل بالقوة، ولا يكون أسفل بالقوة إلا بأحد وجهين: أحدهما طبيعي وهو متى كان الحجر أرضاً بالقوة. والثاني غير طبيعي وهو متى كان بالفعل ناراً أو ماء أو هواء فكان فوق بالفعل، وأسفل بالقوة. وهذه القوة في النار من حيث نار بالطبع لأن النار بذاتها أن تكون فوق بالفعل، ويلزم ذلك أن تكون أسفل بالقوة من أجل الهيولى الأولى المشتركة. وقد تكون أسفل بالقوة، وهو إذا كانت أيضاً بالفعل، فأمسكها ماسك فوق فهذه القوة للحجر ليست طبيعية، لكنها بالطبع من أجل الهيولى. وقد بين أبو نصر في كتابه في الموجودات المتغيرة كيف يصير ما هو بالقوة الطبيعية. وأسفل، أسفل بالفعل، وكيف يتحرك بحركة محركة فليؤخذ علم ذلك من هناك. فإذن الأرض تحتاج إلى المتحرك. فأما الأرض إذا تحركت إلى فوق فهي أسفل بالفعل، وقوتها على فوق قوة طبيعية، لكن لا على أنها حجر. فأما قوتها إلى فوق وهي حجر فهي لها بالطبع، على وجه ما قد لخص في غير هذا الموضع، فتحتاج إلى محرك قاسر فإذن ما كان له المتحرك والمحرك طبيعيين، فهو متحرك بذاته، كحركة الحيوان المكانية، لأن ذلك لا يمكن إلا في الحركة المكانية فقط. وأما الاستحالة فليس يجتمع المحرك والمتحرك في شيء بالطبع. والفحص عن ذلك يليق بغير هذا الموضع كحركات الصنائع، مثال ذلك أن يكون الطبيب مريضاً، فها هنا يجتمع المحرك والمتحرك في شيء واحد، ويتطبب المريض من ذاته، لكن ليس ذلك بالذات لكن بالاتفاق. فليكن هذا مبدأ لما نريد أن نقوله فنقول: إن من البين المقر به أن الحجر إذا زال القاسر تحرك إلى أسفل، فكان هبوطه شافعاً لزوال القاسر، وزوال القاسر له مبدأ. وقد تبين في الثامنة أن مزيل القاسر محرك بوجه ما، فإن الحجر إنما تحرك بزوال العائق، فكلاهما محرك، لكن مبدأ الحركة كما تبين هنالك إنما هو مزيل العائق، وعند ذلك صار الحجر ما كان له أن يكون، فإن الثقل ليس بمحرك بطبيعته، إذ لو كان محركاً بطبيعته، لكان له محرك بالطبيعة، والمتحرك عنه إنما هو بالقسر. ومن هنا يتبين ما قاله أرسطو في الثامنة أن الجمادات ليس تفعل بل تنفعل. فأما كيف حرك الثقل الحجر فنحن نقول فيه: قد تبين في مواضع كثيرة أن الهيولى لا صورة لها، ولا هي شيء موجود بالفعل. وإنما وجودها أبداً بالقوة إحدى المقولات العشر، وهذا هو مرتبتها في الوجود. وبين أيضاً أن الموجود ينقسم إلى المقولات العشر، وإن الجوهر الكائن الفاسد قوامه بهذا الموضع الذي هو الهيولى الأولى، وبمعنى آخر هو به موجود، وهو الصورة. والهيولى يوجد فيها ضرورة أكثر من مقولة واحدة، فإنه ليس يمكن ن يوجد جوهر هيولاني خلواً من أعراض كثيرة، ومثل أن يكون ذا كم وذا أين وذا كيف إلى غير ذلك من أجناس المقولات العشر، لكن تتقدم في الهيولى ضرورة أحد أنواع الجوهر، ولذلك يوجد في الهيولى ما يوجد فيها من أنواع المقولات التسع، وقوام ما فيه المقولات التسع إنما هو بما في مقولة الجوهر، وما في مقولة الجوهر يوجد في حدود ما في المقولات التسع. ولا يمكن أن يكون شيء مما في المقولات وقوامه خلو من الجوهر، وبهذا يفارق الجوهر الأعراض، فإن الجوهر إنما هو معنى يوجد في المادة الأولى، والمادة الأولى إنما هي موجودة كما قلنا بأنها بالقوة وإنما هي بالقوة أحد الجواهر من حيث هي ما هي، فهي بالقوة أحد أنواع العرض من حيث هي جوهر ما، وكذلك هي بالفعل أحد الجواهر بذاتها وهي أنواع الأعراض فإنها جوهر ما. وقد يتشكك على هذا القول فيقال: إنها لا تكون بالقوة جوهراً غلا وهي جوهر آخر، لكن ذلك بالعرض لا بالذات، لأن ما بالقوة ليس بمفارق الموجود لأنه لو كان مفارقاً لكان ما بالقوة موجوداً بالفعل شيئاً واحداً وهذا بين بنفسه عند مزاولة الصناعة الطبيعية أيسر مزاولة. فليكن على ما بالقوة هـ?، وليكن بالقوة هو ح. أولاً، فيلزم من ح ومن ك آ، فإذن هـ هي بالقوة ح ك م ل على ترتيب. فإذا صار الفعل ح صار ك م ل. وسواء كانت الأعراض واحداً أو أكثر ف? ح آ، وليس توجد في هـ? بذاتها بل هي أحد أسباب وجودها آك في هـ? وي، وليس كذلك ح، فإن ح توجد في هـ? من غير أن يتقدم في هـ? وجود آخر بالذات. وأما أن هـ? إذا كان بالقوة ح كان عند ذلك في هـ? نوع آخر مجانس ل? ح، فذلك بالعرض لا بالذات. فليس ذلك النوع سبباً لوجود ح في هـ?. فأما أن هـ? تحتاج في كونها ح إلى سبب آخر وهو المحرك، فذلك إنما هو لشخص شخص من أشخاص الجواهر لما كانت صور الأشخاص متقابلة في هيولى واحدة بالعدد، ولم يمكن اجتماع المتقابلين معاً في وقت واحد، وهذا خارج عما قصدناه. ولتكن الهيولى الأولى هـ?، وليكن ك أين ما كأحد أنواع الفرق، وك ليس يوجد في هـ?1 دون سبب يتقدم وجوده في هـ?2، وإلا فتكون الأعراض مفارقة للجوهر، فليكن على ذلك المعنى المتقدم ح، ف? ح إن كان به قوام ك ف? ك في ح على المجرى الطبيعي، وإن كان ليس به قوامه ف ك في ح خارج عن الطبع، ووجوده فيها خارجاً عنه قسراً أو غير ذلك، ولنه أين فهو قسر ضرورة، إذ أنواع الأين متقابلة، وجنسها غير مفارق للجوهر، بل يلزمه التكافؤ ضرورة، وذلك بين لمن زاول هذه الصناعة أيسر مزاولة، فوجوده فيه إنما هو لعائق، إذ ليس ك ومقابلة من المتقابلة التي هي للموضوع بالسواء كالجلوس والقيام لزيد، فإذن يتقدم ك في هـ? وجود أخر وهو إما وجود ح?، وأما نسبة العائق إليه، وهو سبب على أنه جزئ مما به قوام ك، فليكن على العائق ق ف? ك يوجد في هـ? مع وجود ح أو ق ضرورة، وليس يمكن أن يوجدك في هـ? دون ح? أو ق ولا بالقول مثلاً فكيف بالوجود. فإذا زال ح، وزوال ح إنما يكون ضرورة بتغير وقد يكون بالطبع وبأسباب أخر، فستزول ك بزوال ح، إن زال ح دفعة زال هو دفعة، وإن زال شيئاً فشيئاً زال هو شيئاً فشيئاً فزوال ك مساو لزوال ح، لأن ك فرضناه عرضاً طبيعياً ذاتياً. وقد يتفق أن يزول ك وح باق، فإذا كان ك في ح بالعرض إن كان في هـ? يتقدم وجود ق، فبزوال ق يزول ك، وإن كان ق يزول شيئاً فشيئاً ساو ق زواله زوال ك فإن زال دفعة، وذلك ممكن ففي ذلك الآن يلزم زوال ك، لكن إن كان ك له ضد، وإن كان لا وسط بينهما زال دفعة، وليكن على ضده ل، ولأن ك فرضناه ل? ح خارجاً عن الطبع، فإذن ل? ح بالطبع صار ك في ح، إذ لا وسط بين ك ول، ولا يخلو ح منهما كالواحد والكثير والزوج والفرد. وإن كان بينهما أوساط فبين أن ح هو بالقوة ذلك الشيء الذي إليه يتحرك، لأن كل متحرك فهو بالقوة ذلك الذي إليه يتحرك، ففيه المتحرك ولأن ما هو بالقوة ل هو بالفعل ك، ف? ك منقسم، فإذن يجب ضرورة أن يكون في هـ? ل ويحتاج وجود شيء آخر يوجب ذلك، كما قلنا، وهو إما هـ? وإما ح، لكنه ليس هـ?، فهو ح، وهو الذي يوجب له أن يكون فيه ك، وبه يستأهل هـ ك، فلذلك يلزم ضرورة أن يكون ك في هـ? في الآن لكن لما كان ل وك متضادين منقسمين، لم يكن ذلك في الآن وكان في زمان، فلذلك وجد جزء على اتصال دون أن يكون في أحد الأجزاء أبين، وهذا هو الحركة. فإذن ح هو المحرك له على هذا الوجه. وقد يسأل سائل في ك ول، إذا كانا لا وسط بينهما، متى صار ك في ح، فإن كان في الآن الذي زال فيه ح?، وح? كان أبدا ك، فقد صار ح? هو ك ل معاً، وهما متضادان، وذلك لا يمكن. وإن كان آخر، وكل آنين فبينهما زمان، فقد كان ح خلواً من ك ول، وصار بينهما وسط، وذلك كله خلاف ما فرض والقول في هذا هو جزء من القول في الحركة. وقد تبين أن الحركة لا أجزاء لها في السادسة من السماع الطبيعي، وتبين أن الآن إنما هو للمستقبل لا للماضي، فلنفرغ عن القول فيه للناظر في التغير، إذ ليس ذلك من سبيلنا في هذا القول. فقد تبين إذن كيف تحرك الجمادات، وبالجملة فكل ما يتحرك أحد الحركتين المتقابلتين بالذات. وأما الأجرام المستديرة فليس نجد فيها لحركة من حركاتها مقابلاً، وقد تبين ذلك في المقالة الأولى من كتابه في السماء والعالم. وكل ما يتحرك حركة واحدة من الحركات المتقابلة فهو جسم طبيعي وصورته هي ح يقال لها طبيعية على الخصوص. وكل متغير فله مقابل واحد أو أكثر من واحد فقد يقابله السكون فقط. مثال ذلك التعلم، فإن مقابله البقاء على الجهل. وقد يقابله مع السكون تغير آخر كالصعود فإنه يقابله اللبت أسفل، ويقابله الهبوط وهو الحركة إلى أسفل. وقد تقابل الحركة الحركة على غير هذين الوجهين. وقد لخص ذلك في الخامسة من السماع. والحركة في المكان فلها أطراف متقابلة، وهي لكل جسم هيولاني، وهي أولاً للإسطقسات. ولكل واحد منها واحد من أصناف هذه الحركة بالذات، كالهبوط للأرض، والصعود للنار. وهي لسائر الأجسام من أجلها، لأن كل جسم هيولاني فهو إما واحد منها وإما مؤلف من أكثر من واحد. مثال ذلك أجسام النبات والحيوانات، فإنها مركبة من الأرض والماء، والزيت والشمع فهو مركب منهما ومن الهواء والدخان، والبخار من الماء والأرض، وقد لخص أصناف هذه أرسطو في مواضع كثيرة. وأما الأجسام الأخر التي لم تعط مبدأ أكمل من هذا من مبادئ وجود الاسطقسات، بل مبادئ وجود ما مجانس لذل، فليس لها من حركة المكان بل بالذات إلا هذان الصنفان فقط كالذهب والشمع، وأجسام النبات وأجسام الحيوان إذا فارقتها الأنفس، كخشب العرعر وخشب الأبنوس، ولذلك توجد لها سائر الحركات بالعرض، إما خارجاً عن الطبع أو قسراً. وأجناس الحركة المكانية ثلاثة: منها الجنس الذي طرفاه الصعود والهبوط. والثاني الجنس الذي طرفاه التقدم والتأخر. والثالث الجنس الذي طرفاه التيامن والتياسر. فهذه الأجناس الثلاثة هي أجناس حركة المكان البسيطة. فأما حركة غير هذه فهي مركبة مثل حركة الوراب فأما حركة الاستدارة للحيوان فإنما هي حركة على شكل كثير الزوايا، فتكون مركبة على جهة التشافع والامتزاج. وتلخيص ذلك خارج عما نحن بسبيله. والحركة في المكان تسمى في لغة العرب بعض أصنافها النقلة وهي الحركة الإرادية، وربما قيلت في الحين بعد الحين في كل صنف من أصنافها، فيطلق عليها الانتقال. والانتقال ما كان منه في الفوق والأسفل وقد قلنا فيه. وأما الجنسان الآخران فإنما يوجدان للحيوان خاصة، وليس يوجد صنف صنف منها لصنف صنف من الحيوان، كما وجدت أصناف الانتقالات للاسطقسات، بل توجد المتقابلات بالسواء للحيوان الواحد بعينه في العدد، لكن لا كل حين من الزمان. والسبب في اختلاف ذلك هو أن الفوق والأسفل محدودان بالطبع، فإن الأسفل هو المركز، والفوق مقعر فلك القمر أو جسم آخر دونه، ولا يمن في المركز أن يكون فوق ولا في مقعر فلك القمر أن يكون أسفل، فإن ماهيتهما تقتضيان ذلك. فأما اليمين فليس بمحدود في ذاته، فإن وجود المكان يميناً إنما هو بالإضافة إلى المتحرك، ولذلك يكون المكان الواحد يميناً لواحد ويساراً لآخر في آن واحد، ويكون يميناً ويساراً لحيوان واحد بالعدد، لكن في زمانين لا في زمان واحد. وكل حيوان فهو ذو جسم متميز الجهات، وكل ذي جسم متميز الجهات فللمكان الأول الذي هو فيه إضافات متميزة إلى الأمكنة الأخر، ولكل نوع من أنواع الحيوان أنواع من المكان طبيعية له. مثال ذلك أن الطائر له أمكنة في الهواء طبيعية، وأمكنة في الأرض، وقد توجد له في الماء. وقد لخص ذلك أرسطو في كتاب الحيوان. فأما هل أمكنته في الهواء مشابهة لأمكنته في الماء أم لا، فتلخيص ذلك لائق بالقول في حركات الحيوان المكانية. فقد وقفنا هـ القول على وجود المتحرك في الحيوان بالطبع الذي هو به حيوان، لأن كل حيوان فهو ذو جسم متميز الجهات، وأمكنته متميزة الإضافات بعضها إلى بعض. هذا الحيوان من جهة ما هو حيوان. وأكمل الحيوان تميز جهات هو الإنسان، لأن جهات كل جسم مستقيم ست. فأما النبات فقد تميز فيه الفوق والأسفل، لكن بخلاف وضع العالم، وسنقول فيه بعد هذا، وأما الحيوان غير الناطق فقد تميز في الساعي منه الإمام والخلف. فإن ذوات الأصداف ليست بساعية، وتميز في أكثر هذا اليمين واليسار، فما الفوق والأسفل فلم يتمي فيه، إذ الحيات مستورة ولا قوائم لها. وأيضاً فإن وضع. كان فوقه هو ظهره، والظهر في الإنسان هو وراؤه، والإنسان في جميع الموجودات الهيولانية تميزت فيه الجهات كلها، فإن أمامه متميز من ورائه، وفوقه من أسفله، ويمينه من يساره. وهذه الأجناس أعني أجناس الحركة المكانية، قد تكون بإرادة الحيوان وقد تكون بالضرورة. فأما بالضرورة فكهبوط المتردي من علو، فإن هذا أحد أصناف ما يقال عليه بالضرورة. وقد تلخص ذلك في علم الأخلاق. ونقل المريض عن مضجعه قد يكون بإرادة كحركة الإنسان إلى السوق. وأما حركة الضرورة في غير الجنس الأول فقد يكون المحرك للحيوان خارجاً عنه، وقد يكون في الجنس الأول مثل نقل المريض من البيت إلى الشرفة. وأمكنة الحيوان فإنها مع تحديدها بالإضافة إليه فلا بد لكل مكان من تحديده، فإن الركن مكان حددته الطبيعة، والمقبض مكان تحدد بالقبض. وتلخيص أصناف أمكنة الحيوان لا يليق بالقول في الحركات المكانية. تم القول الحمد لله على نعمه. ! ?ومن كلامه فيما يتعلق النزوعية بسم الله الرحمن الرحيم والله الميسر والمعين العادة إنما توجد للإنسان بالنفس النزوعية، فإن الذي يقبل العادة هو الجزء النزوعي والجزء العادي. والعادة أصناف تقال عليها العادة بتشكيك، فيجب أن نحصي الأشياء التي تقال عليها العادة، ونلخص بعضها من بعض حتى تتميز. الخشوع ومقابله لا اسم له في العربية فليسم الاستهانة. والخشوع للكمال من جهة أنه كمال، والاستهانة بالنقص من جهة أن نقص. لكن لما كان الكمال والنقص ليسا بذاتهما موجودين، بل أنهما حالان لحقتا الأمور، فكأنهما جنسان، فلذلك إنما يوجدان في موضوعاتهما، فكل كمال فيجب أن يخشع له. وهذه قضية أولى معترف بها عند الجميع، فأما أن هذا وذاك كمال فذلك مما يحتاج إلى تبيين. فقد يكون أمر ما عند قوم كمالاً، وعند آخرين نقصاً، وذلك بين لمن يتصفح الشرائع المختلفة والآراء والسير. وقد يكون شيء كمالاً عند شيء ونقصاً عند شيء آخر، وهذا هو الكمال بالإضافة. وهذه قد تكون وقتاً كمالاً ووقتاً غير كمال. لكن هذا ليس يقال له كمال، بل إنما يطلق عليه اسم الخير فإن الخير إما أن يكون مرادفاً للكمال أو أعم منه. والأشياء التي هي كمال قد تكون بالوضع وبالشرع، فتكون في بعضها الآراء المكتوبة والآراء المكتوبة تشتمل على الكمال بالوضع فتكون عند قوم ما، وعلى الكمال المشهور فتكون عند الجميع، وما بالوضع فمختلف. فما كان كمالاً عند قوم لا يكون كمالاً عند آخرين، وكذلك من نشأ في قوم لا تخشع نفوسهم لأمور يستهين بها آخرون. فلذلك إذا كان ما هو كال في الوجود وكان إنسان ما من قوم قد اعتاد إلا تخشع نفسه لذلك الذي هو كمال، ثم تبين له أن الأمر كمال لم تخشع له نفسه، ولا أكرمه، ولا رأي أنه حصل له شيء، فيكون ذلك العلم عند ذلك الإنسان مطرحاً لا يحفل به غلا من لزومه عن القول. وكما أن المرضى يحسون الحلو مراً ويرون الواحد كثيراً، كذلك مرضى النفوس يرون الكمال نقصاً ويرون النقص كمالاً، وكما أنه لا سبيل لهؤلاء المرضى إلى أن يحسوا الحلو أصلاً حتى يصلحوا، كذلك مرضى النفوس لا يمكنهم أن يروا الخير خيراً حتى تصح نفوسهم. وكما أن من المرضى من يحس الحلو مراً ويقضي عليه أنه مر، ومنهم من يحس أنه مر ويعلم أنه حلو ويقضي أن الآفة عنده فالأول واجب عليه أن يشتهيه وأن يطرحه والثاني ألا يشتهيه فقط وكلاهما لا يفعل عن الحلو ما شأنه أن يفعل عنه، كذلك مرضى النفوس يلحقهم هذا بعينه فلا يفعلون عن الخير، ولا يحركهم الخير، ولا تكون الصورة الروحانية للأشياء التي هي خير تحرك هؤلاء أصلاً، بل أن حركتهم فإلى الهرب منه. وأهل السنن المشهورة والموجودة في سني الستمائة للهجرة من تاريخ العرب فكلها توقع في النفوس أمراضاً، فلذلك لا يعرفون الكمال المتبرئ عن القوة، وإنما يعرفون السكون، وهو أذى بالقوة محضاً، وهذا يقترن به الشوق، فهم لذلك لا يشعرون، لأن الشوق ألم، ويعرفون من الكمال ما تقترن به الحركة لأن اللذة عند ذلك تكون. وإذا حصل الكمال وتم، لم يشعروا به. ولذلك لا يشعر الصحيح بصحته ولا يرى أنه أعطى شيئاً له قدر، ويشعر المرضى بها، فيرونها أعظم المدركات، إذ كانوا بالقوة أصحاء. والشعور بالسكون الكمالي، إن جاز أن يقال له سكون، لأنه سكون لا تقترن به قوة حركة فلذلك هو سكون على العموم، أمر فاضل جداً. فيجب أن نرتاض بالشعور به حتى يحصل ملكة، وهذا النوع إذا حصل ملكة كان له غناء في وجود إنسان عظيم القدر جداً. وهذا مما يجب أن يقدم فيوضع قبل القول في السعادة القصوى. وكما أنا قلنا في الأفعال، فكذلك يجب أن نفحص فنحصي على كم وجه يقال أن الفاعل يفعل، وكيف نحس الجزء النزوعي بالفعل. فإن النفس النزوعية تنفعل، وإنما نفعل لا بالنفس النزوعية، بل بجزء آخر هو بالفعل، لأن النزوعي بالقوة فقط. فقد يظن أن القول فيها لم ينقض في الكون والفساد، كما عرض ذلك في اليمين، فإن أرسطو إنما تكلم فيه في الآثار العلوية فيما لحق الجزء الكائن عن الاسطقسات، ولذلك قال في الخامسة عشرة من الحيوان أن القول في اليمين لم ينقض. وكل منفعل بل كل متحرك فهو بالفعل شيء ما، وهو بالقوة شيء آخر. فإنه لو لم يكن بالفعل شيئاً أصلاً لكانت القوة شيئاً موجوداً بالفعل، ولكان للهيولى الأولى صورة، وكان الإمكان قائماً بذاته وشيئاً قائماً بنفسه، وهذا ظاهر لمن زاول الصناعة الطبيعية أيسر مزاولة. والمتحرك هو جوهر ما، بل هو جسم ما، لأن كل متحرك منقسم. لكن ذلك هو للمتحرك بجهة متوسطة بين ما بالذات وما بالعرض. وأرسطو بعد ذلك فيما بالعرض، فإنه إن كان بالذات بوجه ما، فليس أولاً. والمتحرك بالقوة شيء ما بالذات وأولاً، وهو متحرك من جهة ما هو بالقوة، حتى لو وجد ما بالقوة شيئاً مفارقاً للأجسام لتحرك بنفسه، وصار ذلك الشيء إما جوهراً أو كيفا أو كما أو أينا أو غير ذلك من المقولات. لكن ما بالقوة يلزمه اضطرار كما قلنا أن يكون شيئاً ما بالفعل أحد المقولات، وهذه بالقوة أحد المقولات. فليكن ما بالقوة ووما بالفعل ح وبالقوة ك. وبين، لمن مارس العلم الطبيعي أيسر ممارسة، أن ما بالقوة من جهة ما هو بالقوة ليس تحت مقولة، وإن كان ما تحت مقولة، أي مقولة كانت، فهو موجود بالفعل. فالمقولات إذن تقابل ما بالقوة كما تقابلها ما بالفعل في ح وك إذا كانا تحت مقولة واحدة ف ح وك نوعان متقابلان. فإن كان جوهرين فلا اسم لهما. لكن قد يسميهما أرسطو وأبو نصر عند الحاجة إلى ذلك متضادين إلا أن المتضادين يحتاجان إلى موضوع واحد بالفعل وليس لهذين موضوع بالفعل. وإن كانا تحت أحد أنواع المقولات التسع، فما بالقوة موجود ضرورة جوهراً، فله وجود ثالث هو به موضوع ل? ح وك. ف? ح وك إن كانا تحت الكم فهما أكثر شبهاً للمتضادين من الصنف الأول. ولذلك يقال في النمو أنه حركة وأنه تغير أكثر مما يقال في التكون. وقد شابه أنواع الكم المتضادات في نحوين: أحدهما أنهما أنواع تقترن بها إعدام مجانساتهما كما وجد ذلك في صور الجواهر. والثاني أن لها موضوعات موجودة بالفعل قابلة لأنواع الكم، وليس لأنواع الجوهر موضوعات بل هي الموضوعات. بل أن قيل للمحرك موضوعات فبطريق التشكك. وإنما فارقت المتضادات في أن ليس لأنواع الكم طرفان محدودان ينطق عنهما، فإن أعظم الكلاب لا يمكن أن يكون له عظم الفيل، وأصغرها لا يمكن أن يكون له عظم نملة. فأنواع عظم الجواهر كثيرة مختلفة، وأطرافها غير محدودة. إلا أن يكون بالإضافة إليها، فيعرض لها تضاد كما يعرض لأطراف المزاج في الكيفية. وقد لخص ذلك في المزاج. فأما ح وك إن كانا كيفيتين، وكانا تحت واحد من أجناس الكيفيات الأربعة، فلهما موضوع موجود بالفعل، ويقترن بكل واحد من أنواع الجنسين عدم مجانساته، وفيهما نوعان طرفان لا بالإضافة بل بالإطلاق. ولا يمكن أن يوجد نوع أبعد من ذلك الطرف من مقابلة، وليس كذلك فيما هو كم. فليكن أصغر عظم، وهو الكلب مثلاً، عليه أ، وأعظم عظم عليه ح، وإنما وجد في أب وح? ود، فكل نوع من الكم يوجد في الكلب فهو أقرب من ح من عظم أمن د، وليس يوجد عظم أبعد من أمن د، ولو وجد ذلك لكان كلباً أصغر من د، وهذا لا يمكن. لكن إن فرضنا أحجراً فقد يوجد فيه أصغر من د، وليكن هـ? فعظم د أقرب إلى أمن هـ?. ف د ليس طرفاً في م إلا إذا كان م هو كلياً فهو نوع من الجواهر. فعظم أود ليس طرفين بالإضافة إلى الموضوع الأول الذي هو بالقوة، وهو الهيولى على التحقيق وبالذات، بل هما طرفان بالإضافة إلى الكلب، والكلب ليس بهيولي بل يجري مجراها، لكن جزاء من أجزائه هو هيولي. وأ وح ليسا طرفين من جهة إضافة لحقتهما فليسا إذن طرفين في الوجود، فإن كان شيء يوجد له أمر ما من جهة ما هو ذلك الشيء، فهو له في الوجود. وما كان يوجد فيه بحال ما، وكان ذلك الشيء يوجد ليس له تلك الحال، فليس يقال أنه كذلك في الوجود، بل أن كان له في الوجود فعلى طريق النسبة. وأيضاً فإن ح وك، إن كانا ليس تحت مقولة واحدة، فيمكن ضرورة أن يكون ح وك، وإلا كان د عدماً، ولم يكن شيئاً موجوداً. فغن كان لا يمكن ذلك، فليس ك وح أحدهما موضوع للآخر إلا كما يقال أن البر بالقوة بارد، لأن البر لا يلزم الحار في الماء وتلخيص هذه وإحصاؤها سهل لمن أراد ذلك، ونحن نكتفي بهذا التلخيص على طريق الرسم. فالمتقابلات كلها إذا كانت في موضوعاتها فيلزمها ضرورة فيها إعدام مقابلاتها. والإعدام أصناف، فمنها عدم الجوهر وعدم الكم وعدم الكيف. ولست أقول أن الجوهر يعدم أصلاً ولا الكم. فإن كان شيء ما ليس بكم كالعقل، فإن هذا سلب وليس بعدم. وقد لخص أبو نصر النحو الذي به يقال له عدم. والعدم ينسب إلى المقولة على نحوين: منها سلبها، كقولنا: السماء لا ثقيلة ولا خفيفة. ومنها رفع سلب نوع نوع منها عن موضوع يمكن أن يوجد فيه ذلك النوع، وهذا أحق باسم العدم من الأول، ثم يقال بعد ذلك النوع، وهذا أحق باسم العدم من الأول. ثم كتاب قاطاغورياس. وهذا النحو الثاني الذي ذكرناه هو الذي يذكره أبو نصر ويقول: أرسطو يعد عدم كل مقولة فيها، فعدم الجوهر في مقولة الجوهر، وعدم الكم في مقولة الكم. وبين بأيسر تأمل لمن زاول الصناعة الطبيعية أن المادة الأولى لا يمكن فيها أن نعرى من بعض المقولات حتى لا يكون فيها نوع واحد منها فأول ذلك الجوهر، وذلك مما تبين في الأولى من السماع الطبيعي، إذ لو عريت عنه لكانت المادة الأولى ذات صورة. ويليه الكم فإنه لوا جوهر واحداً هو، لأنه ليس بجسم، فما أبعد من ألف العظم مما لا ينقسم، فإنه إن كان كذلك وجد جوهر لا كم له وهذا محال. وقد تبين في أول السادسة من السماع ويتبين بياناً أكثر عند التأمل. ويجب أن تعلم أن العظم يقال على المستدير والمستقيم بتشكيك، وإن العظم المستدير ما كان له مركز، وقد لخصنا ذلك في تفسير معاني السابعة من السماع الطبيعي، ثم بعد ذلك في الهيولى جنس الكيف الانفعالي كالحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، ولذلك كل جوهر هيولاني فهو جسم. والجسم يقال بتشكيك على المتحرك باستدارة، وعلى المتحرك باستقامة، وهيولاهما ليست واحدة بالنوع، كما صورهما، بل تتناسب تناسب الصور. والمادة التي تقبل الحركة على الاستقامة هي الهيولى على التقديم، فأما التي تقبل الحركة المستديرة فهي أبداً موضوع، وليست بهيولى ولا مادة، بل إنما يقال لها هيولى ومادة بالمناسبة، كما يقال هذه موضوع بالشبه والمناسبة. فالهيولى الأولى لا تخلو من جنس الكيفية الإنفعالية، ولا يمكن تعريها منها، ولذلك إذا أراد أرسطو أن يدل على جميعها يقول كل جسم ملموس. وكذلك كيفية الكم الذي هو الشكل والصورة، وكذلك الأين، وكذلك الوضع، وكذلك المتى، وكذلك الإضافة. فهذه المقولات التسع بين من أمرها أن الهيولى الأولى لا تعري منها، لكن بعضها أبين من بعض. فأما الفعل والانفعال فقد تشكك فيه، لكن إذا تعقب أمره ظهر أنه كذلك. فأما مقولة له فإنها توجد لذي النفس، وقد يوجد في الجمادات ما يظن به أنه له، غير أنه إذا تعقب أمره ظهر أنه ليس تحت هذه المقولة. وكذلك اللون فقد يظن ببعض الأجسام أنها غير ذات لون كالهواء والزجاج، وأبين من ذلك الطعوم والروائح والمذاقات، فإن موضوعها قد يخلو من جميع أنواعها. لكن وإن كان ذلك فليست هذه موجودة للجوهر بذاته أولا، بل إنما توجد ثانياً، وبعد أن تتقدمها في الموضوع موجودات شتى تحت مقولة أخرى، وكأن هذه وإن لم تكن أنواعاً لتلك فهي كالأنواع. مثال ذلك الطعوم، فإنها وإن لم تكن أنواعاً للحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة فليست خارجة عنها لأنها حرارة لحقها أمر آخر صارت به تلك الحرارة نوعاً لجنس آخر، كما عرض في القول في الأكر المتحركة، فإن النظر فيها ليس هندسيا متأتياً للنظر الهندسي بل هو واقع تحت النظر الهندسي. وقد لخصنا ذلك في أقاويلنا في النفس. وقد تلخص ما قلناه على نحو آخر وهو أن كل جسم فهو مؤلف من صورة وموضوع. وموضوع الأجسام السرمدية يخص بالموضوع، وموضوع الكائن الفاسد يقال له هيولى ومادة وما شاكل هذه الأشياء وكل جسم فاسد فهو أسطقس أو مؤلف من اسطقسين فزائداً. وكل مركب من أشياء ففيه ما لتلك الأشياء، فالأشياء اللازمة للاسطقسات هي لازمة لكل جسم هيولاني، والأشياء اللازمة للاسطقسات من المقولات هي أنها جواهر، وإنها ذوات إعظام، وإنها ذوات كيفيات انفعالية، وإنها ذوات أوضاع وأيون، وإن لها متى، وإنها مضافات، وإنها تفعل وتنفعل. وكل جسم ففيه هذه الأجناس من المقولات ضرورة، وأما سائر ما يوجد للأجسام الهيولانية فهي راجعة إلى هذه. مثال ذل الخشونة والقحل والصلابة واللين والملاسة، فأما سائر ما يوجد للأجسام الهيولانية فهي راجعة إلى هذه مقال ذلك. فإنها ضروب من الرطوبة واليبوسة، فإن اليبوسة إذا لحقها عارض صارت خشونة وقحلا، ومن الرطوبة تكون الملاسة واللين، وقد ذكر ذلك أرسطو في الثانية من الكون والفساد. وكذلك الطعم والرائحة فإن هذين الجنسين منهما في الثانية من الكون والفساد. وكذلك الطعم والرائحة فإن هذين الجنسين منهما الرطوبة واليبوسة كالهيولى، وأما الألوان فالقول فيها قول آخر. وإذا تعقب الأمر فيها ظهر أن هذا الجنس يوجد للإسطقسات، واستقصاء ذلك في غير هذا الموضع. وقد تبين في السابعة من السماع أن الاستحالة إنما تكون في المحسوسات، فليقف من شاء على ذلك من كلام أرسطو هنالك، ومما قاله المفسرون فيه. فالفعل والانفعال إنما هما في الكيفيات الأولى وهي التي بها يكون الكون والفساد، وهي الأربعة. وقد عددت في مواضع كثيرة. وقد بينا نحن في مواضع غير هذه أن القوى تقال باشتراك على المنفعلة وعلى الفاعلة، ورسمنا كل واحد من هذين الجنسين، فالقوى الفاعلة هي ضرورة موجودة وإنها تقترن بموجود بالقوة، والقوى المنفعلة تصير ضرورة موجوداً، وتصير شيئاً ما مشاراً إليه بعد أن كانت غير موجودة لكنها تقترن بموجود. والحركة في المكان تناسب الانفعال، ولا فرق بينهما فيما نريد أن نقوله. وكل متحرك فله محرك، وكل منفعل فله فاعل. والحركة في المكان إنما تنسب إلى الحيوان خاصة، وإلى الأجسام المستديرة. فلنترك القول فيما يخص المستديرة، فإنه ليس تنسب لنا هذه. والحيوان إنما يقال أنه متحرك بذاته ومن ذاته في المكان خاصة، وذلك أن فيه المحرك وهي النفس، والمتحرك وهو البدن، وقد تلخص ذلك في الثامنة من السماع. فالمنفعل هو البدن، والفاعل القريب هو النفس، وهو النزوع. ولا يكون نزوع إلا بوهم، وقد يكون الوهم ولا يكون نزوع. والوهم حتى يكون له كالآلة، أو هو في المتحرك حتى لا تكون هيولى لذلك الوهم إلا بذلك النزوع، فإنه ليس كل هيولي لكل متحرك، بل لكل محرك بالطبع متحرك بالطبع، وقد ذكر ذلك أرسطو في الثامنة من السماع. فأما أن التوهم ليس موضوعاً للنزوع، فذلك كالبين بنفسه، فالنزوع إذن في شيء آخر، ولأن النزوع في محسوسه، فهو ضرورة حال في جسم، إذ لا يحس إلا جسم. هل هو صورة لذلك الجسم كالزجاج، فإنه إذا كان زجاجاً بالقوة، وذلك عندما يكون حجراً، فليس يمكن أن يتخذ منه آنية. فأما إذا صار زجاجاً بالفعل أمكن ذلك كالرطوبة في السمع، فهو حال في ذلك الجسم، ولذلك الجسم وجود ما آخر، فلنفحص عن ذلك. والمقدمات الخاصة بهذا النظر الذي تتخذ منه الدلائل عليه قليلة، ولكن ليس يجب علينا لذلك ترك الفحص. وفي أمثال هذه يقول أرسطو: أنا وإن علمنا أنا لا نبلغ من العلم بهذا الأمر كنهه، فلنبلغ منه قدر الكاد، وهذا إنما هو في التصور لا في التصديق. فنقول: إنه قد تبين في غير موضع أن القلب أو ما يقوم مقامه هو مبدأ الحيوان، وأنه ينبوع للحار الغريزي الموجود في البدن، وإن بالحار الغريزي تكون جميع الحركات الموجودة في البدن، وأعني بذلك الاغتذاء وضروب النزوع والتوهم والتفكر، فإن الهضم وإن كان في المعدة فهي كالكتابة، وإن كان القلم هو الذي رسم الأحرف فإن الراسم هو الإنسان. وبالجملة فالمحرك الأول هو الذي ينسب إليه الفعل كما تبين ذلك في ثامنة السماع، وقلناه نحن في رسالة الوداع. فإن المنصور هو الذي قتل عبد الله بن علي، وإن كان لم يتناول ذلك المنصور بيده وكان بعيداً عنه، فإن الآلة قد تكون متصلة بالفاعل، وقد تكون منفصلة. مثال ذلك الصائد هو الذي أخذ الذئب في الحبالة، وإن كان الصائد غائباً عن الحبالة عند وقوع الذئب فيها، وذلك أن الآلة إما أن يودع المحرك الأول فيها حالاتها تفعل فعلها فلا تحتاج ضرورة إلى اتصالها بالمحرك. وإما أن لا تقبل تلك الحال إلا وهي متصلة بالمحرك كالقلم.
رسالة لأبي بكر محمد بن يحيى في المتحرك
قال أبو بكر محمد بن يحيى قد تبين في السماع الطبيعي بالأقاويل التي تعطي اليقين إن كل حركة تكون عن أكثر من محرك واحد، وهي التي لا يتحرك فيها المتحرك بنفسه بل بغيره، فإنها منسوبة إلى المحرك الأول خاصة دون سائر المحركين، وذلك أيضاً بين قريب بنفسه. وهذه القضية الكلية الصادقة يعترف بها الجمهور عند أخذها في موادها، فلذلك يقولون قتل الرشيد جعفراً، كما يقولون قتل المنصور أبا مسلم، وإن كان القاتل الأقرب لجعفر مسروراً أو من ائتمر له، وقتل أبي مسلم المنصور بيده، ولا ينظرون إلى المحرك الأقرب ولا يحفلون به في ذم أو حمد، اللهم إلا فيما كان للأقرب فيه موقع اختيار، فلذلك هو في بعض الأمور يجري مجرى الأول، فإن الأول إنما يعتقد فيه أنه بهذه الصفة. فإنه قد تبين في الثامنة من السماع أن المحرك الأول على التحقيق هو محرك الحركة السرمدية، لكنه بالإضافة إلى حركة حركة من الكائنة الفاسدة بالعرض لا بالذات. فلذلك يقال اللوم والحمد على ما حرك بالعرض. ولذلك كان في الشريعة عقاب قاتل الخطا غير عقاب قاتل العمد. وأما الآلات فليس لها في وجود تلك الحركة حظ من حمد واحد أو ذم اللهم إلا في بعض أحوالها، وسواء كانت المحركات المتوسطات أجساماً غير متنفسة أو أجساماً متنفسة، ناطقة كانت أو غير ناطقة. وإن من ذم أو حمد المحرك القريب فهو، كما يذكر أفلاطون في الكلب، أنه يعض على الحجر الذي يرمي به ويترك الرامين اللهم إلا إن كانت الآلة المتنفسة بحيث يمكن أن يعتقد فيها أنها أول محرك. وهذا كله بين بنفسه ويقين معروف موثوق به. وظاهر أيضاً مما تبين هناك وتبين في كتاب الحيوان وكتاب النفس وما كتبناه نحن في رسالة الوداع، وفي أقاويل لنا غيرها أن المحرك الأول في الحيوان هو النفس. وهذا أيضاً أمر ذا تأمله الناظر أدنى تمل صح له وتبينه. وقد تلخص في الأقاويل التي كتبت في النفس أن المحرك الأول للحيوان هو النفس النزوعية، وهي صنفان متقابلان لهما فعلان متقابلان: أحدهما لا اسم لجنسه فلنسمه على الإطلاق المحبة، ومنها يكون الطلب والانبساط، وفي هذا الجنس تدخل الشهوة الغذائية والغضب وسائر الأصناف الأخر. والصنف الثاني الكراهية وبها يكون الهرب أو الترك وفيها يدخل الخوف والسأم والملال وما جانسه، وتبين هناك بالأقاويل البينة أن سبب هذه هي النفس الخيالية. وقد لخص هناك أصنافها. وهذه كلها توجد للإنسان إذا كان حيواناً، ويختص الإنسان بالحركة الاختيارية، وهي التي تكون عن النطق، وبها ينسب إلى الإنسان الخطأ والصواب، وبها يحوز الصنائع. وهذه أصناف قد لخصنا القول فيها في مسيرة المتوحد وتبين هناك أن الحركة الإنسانية الخاصة بالإنسان هي التي تكونه عن الأمور التي توجبها الروية الصادقة. وبين أن الروية إنما تكون ضرورة نحو أمر ما، وإنها نحو غاية ما، وهي الخير على الإطلاق. فإن هذا الخير هو معشوق بالطبع محبوب للكل، والحيوان البهيمي إذ لم يعط النطق وهو الذي يعرف الخير بالإطلاق جعلت له معرفة الخير مقترنة بالمواد وذلك بالحس وبالتوهم. فأما الإنسان فإنه يعرف الخير في مواده ويعرفه مجرداً. ولذلك متى اشتهى الإنسان شيئاً، ثم علم بوجه ما أن ذلك الشيء الذي كرهه خير، ترك ما اشتهى وطلب ما كره في ذلك الأمر، فإن لم يفعل ذلك كان ذلك من فعله سفهاً ولعباً وضلالاً وما شاكل هذه الأصناف، إذ ليس لهذا الصنف اسم يخصه، وكان فعله ذلك حيوانياً لا إنسانياً. وقد بينا ذلك كله في سيرة المتوحد. فالمحرك الأول على الإطلاق في الإنسان هو النفس وأجزاؤها، وأما الجسد فهو مجموع الآلات. فإن مجموع الآلة الطبيعية هو البدن، ولذلك الحيوان قد يموت ولم يعدم من جسده عضو، كما قد يغيب النجار ولا يعدم من آلاته آلة، غير أن الفعل لا يتم لها إذ المحرك الأول قد عدم. وقد بينا في سيرة المتوحد أن الإنسان يقال أولاً في المعرفة بالجنس للجسد ولذلك يسمى الميت حيواناً باسم الجنس للجسد، ونظن ذلك على طريق التواطؤ ولهذا السبب تكرم جثث الموتى. ويقال ثانياً على النفس. ولهذا يقول سقراط يوم قتل لمن حضره فتكفلوا بي مر يظن على خلا الكفالة التي تكفلني من الحكام، إلى سائر ما قاله في هذا الفصل، فإن سقراط يقول: إن الذي يكون في موضعه عما قليل ليس بسقراط لكنه جثة سقراط، وأما سقراط فإنه ذهب مبادراً مسرعاً. وقد تبين في تلك الأقاويل في رسالة الوداع تناسب المحركات التي في الإنسان. وإذ ذلك كذلك، فظاهر أن الخير موجود بنفسه غير مائت ولا بال، وأنه معشوق في الطبيعة، وأن الحركة عنه وإليه هي أفضل الأمور الموجودة للإنسان من جهة ما هو ذو جسد، فإن حصوله أفضل الأمور الموجودة للإنسان بالإطلاق، وأنه سواء عند وجوده له كان ذا بدن أو غير ذي بدن اللهم إلا من جهة ما يحرك، فإنه لا يمكن أن يحرك أو يكون ذا بدن، فإن البدن إنما كان ليحصل له هذا الخير، فهو آلته التي بها يتحرك، فهو له كالسفينة التي يتحرك بها الملاحون، فإذا حصل كان عند ذلك البدن آلة بها يحرك غيره، ولم يكن له في وجوده الأخص أثر اللهم إلا في وجوده محركاً، فإن كونه غاية وفاعلاً غير وجوده غاية، فلذلك متى ترك البدن كان غاية فقط. فإذا حصل من إنسان آخر في هذه الرتبة، كان عند ذلك هو جميع المتقدمين.
في الوحدة والواحد
يجب أن نفحص عن الواحد وأصنافه، وعلى كم نحو يقال، فإن ذلك يدخل الشك فيما تبين في المقولات أنها واحدة، وأن أرسطو مثلاً والفارابي واحد بعينه ذلك، وبالجملة في الأجناس والأنواع فائدته القول في هذا النحو في محمول القضية. فقد ظهر إذن في الإثبات الموجود في النفس أن النفس إنما ركبت بذلك هذا النحو من التركيب. وكذلك يجب أن نتجوز في العلم الطبيعي عندما نبرهن فيه على الأنواع التي لها شخص واحد، إما اللذين كالشمس والقمر، وإما الذي كالأرض، فإن الأرض أنما يوجد لها شخص واحد كلي، وهي تفني بأجزائها، وكذلك الهواء والأرض في ذلك أشد تغليطاً. فإن البيان على الكلي لا على الشخص، حتى لو كان للشمس مثلاً أشخاص كثيرة لكانت تتحرك خارج المركز، فعند ذلك تكون المقدمات ذاتية، وإن أخذت على أنها ذلك الشخص، لم تكن المقدمة ذاتية على هذا النحو، وكانت علمية بالعرض، وعند ذلك يمكن ن تكون هذه المقدمات، سواء كانت أول أو نتائج، نافعة في الحدود بالذات. وجنس العدد هو المجتمع من الواحد ومن الكثير. وأعني بقولي: المجتمع، المتقوم. كما يقال الحيوان يجتمع من المغتذي والحساس، وليس في العدد معنى غير هذين. ونجد الأعداد إذا تكثرت وجدت بذلك أمور كثيرة مختلفة، فأولها الزوج والفرد والجذر والمربع والمكعب، وبالجملة فالمجسم والمسطح والأول والمركب والمباين والمشارك والتام والناقص والزائد والمحاب وسائر ما يلزم هذه. فقد يجب أن ننظر كيف لحقت هذه اللواحق المختلفة أجناسها لما تركبت من معنيين. الواحد قد يكون شخصاً مشاراً غليه كزيد وعمرو وهذا البياض وتلك الاستدارة. وقد يكون صوراً روحانية كالإسكندر وتبع. وقد يكون أنواعاً، وبالجملة فأمور معقولة كالخمسة الستة والإنسان والفرس، وبذلك نقول أن القطوع ثلاثة وإن ذوات الأضلاع الأربعة خمسة أنواع. والواحد الموضوع للعدد الذي يجري منه مجرى الهيولى فليس بواحد من هذه ضرورة، بل هو معنى الوحدة في موضوع، سواء كان هيولانياً أو روحانيا أو معقولاً، لأن الوحدة مما يقال في موضوع، اللهم غلا فيما وجوده أنه واحد، فإن تبرهن ن شيئاً بهذه الصفة دلت فيه الوحدة على ما يدل الواحد. وظاهر أن ما هذا سبيله فليس موضوعاً لعدد، إذ لا يتكثر، فإن التكثر إنما يلحق الواحد من أجل الهيولى. فالواحد الموضوع للعدد فيه ضرورة أمر يجري مجري الهيولى. وإذا كان الواحد يلحق المعقولات فالمعقولات له تجري مجرى الهيولى. وظاهر هنا إن الواحد يقال باشتراك على المعقولات وعلى الموجودات الهيولانية. وقد تلخص في غير هذا الموضع أن الواحد يقال على المعقول بتقديم وعلى الهيولاني بتأخير، لكن ليس في الزمان، وتبين هنا مما قلناه، إذا نظر فيه يسر نظر، أن العدد يقال على الهيولانية بنحوي التقدم، وعلى المعقولات بالتأخير وعلى طريق النسبة. فلننظر في اللاحق للمعقولات، فالواحد المعقول هو متقوم من معقولين: أحدهما يجري مجرى الهيولى، والأخر يجري مجرى الصورة. وهذا غير مدفوع مما يوجد العقل، فإن العقل قد يكون موضوعاًن فإن الموضوع والمحمول هذه حال أحدهما من الآخر، فإن المحمول صورة الموضوع. وقد يكون ذلك المحمول موضوعاً كالحد الأوسط في الشكل الأول، وما أحسن ما شبهه أرسطو بالخط المستقيم المتساوي بعضه على بعض. وإلى هذا المعنى أشار أفلاطون عند محاكاته إياه بالدوائر اللولبية. وإن نحن فرضنا أن ذلك يعرض في معقول لزم من ذلك ما لا نهاية معاً في الوجود، وذلك محال لا مرية فيه. فإذن سننتهي ضرورة إلى عقل لا يمكن أن يوضع، فيعمل منه شيء. بل أن عقل فذاته حتى يكون معنى عقل ومعقول فيه واحداً. فهذا هو الذي يلزمه القول أن هناك شيئاً أو عقلاً وهو بهذه الصفة. وهذا القول رسم، فإنه لا يتقدم ذلك المعنى بأنه لا يعقل منه غيره، بل أن هذه كلها نسب تلحقه، وأعدام نسب تلحقه. والذي يظهر من القول نه أخص به فهو الحد الذي يجري مجرى نتيجة برهان، وهو المقام مقام الجنس، وهو المدلول عليه بقولنا عقل. لكن هذا ليس بجنس بل هو اسم مشترك مشكك، وإنه أخص من قولنا شيء، إذ الشيء ليس يدل على الهيولاني وعلى غير الهيولاني، وعقل يدل على ما ليس بذي هيولى، فإذن يدل من هذا الوجود على جهة يمكن أن يتصور بها بنحو أخص. وأما أي عقل هذا العقل، وكيف لنا تصوره التصور الأتم بحسب طباع الإنسان، وهل تصوره الأكمل هو بحسب طباعنا أو بحسب طبيعته، فإن كان بحسب طبيعته فهو تصور تام من حيث هو موجود، وإن كان بحسب طبيعته، فإن كان بحسب طبيعته فهو تصور تام من حيث هو موجود، وإن كان بحسب طباعنا كان التصور في نفسه تم، إذ لا يمكن أن يكون أنقص فإنه ليس بذي هيولى كالزمان والحركة والمكان وسائر الموجودات الناقصة. وما هل تصور الموجودات الناقصة الوجود بحسب طباعنا أو بحسب طبعها ففيه فحص وعويص. وأما الكاملة فقد لخص القول فيها أرسطو فيما بعد الطبيعة، وذكر ذلك مرسلاً في أول المقالة الأولى من كتاب الفلسفة الأولى، وقد ذكره أبو نصر وغيره وأرشد إليه. وهذا القول جرت العادة أن يقال في التصورات الناقصة أما لأنها ناقصة كذلك بطباعها، أو لأنها كذلك من أجل طباعنا، فنقول: إن المعقولات الأول التي تفيدنا إياها الطبيعة من غير سعي لنا في ذلك نعمده ولا تفكر، فهي المبادئ الأولى للفكرة والروية، وبها يسمى الجسم الموجودة فيه هذه إنساناً ناطقاً بتواطؤ، فهي المقولات. فإن أي حيوان لم توجد فيه هذه ما أنها فيه بالقوة وهو كذلك بالطبع كالجنين ساعة يولد، أو بالعرض كالحد أصناف المعتوهين، فإن ذينك ليس واحد منهما إنساناً بالإطلاق، فإن سمي إنساناً فعلى الجهة التي يسمي الجنين عند كمال الخلقة في الرحم إنساناً، وإنما هو إنسان متكون، والآخر إنسان خارج عن الطبع. فالمقولات هي تصورات لأمور موجودة في أجسام محسوسة، فكل واحدة منها صورة مجردة عن الهيولى، لكن لا تفيدها الطبيعة إلا مقترنة بموضوعاتها غير مجردة عنها وغير متصورة مكتفية بأنفسها، كما نجد ذلك عند الصبي أول ما يعبر عنها في نفسه، فيسال ويجيب، فإنه إذا سئل عن محسوس واحد بعينه كم هو وأين هو وكيف هو ومتى كان، أجاب عن كل سؤال بواحد من أنواع المقولات الخاصة بذلك السؤال أو أجناسها المتوسطة وأشخاصهم، ثم بعد هذه الحال تصير له حال أخرى، وهي التي تسمى الروية، فيركب ويفصل ويفتش، وبالجملة فهو في الحالة الأولى الطبيعية إنما يسلك العقل عنده على خط مستقيم غير متقسم، وكذلك ما لم تحصل له الروية النظرية، أو من العملية الجزء الذي تشارك فيه النظرية. فإذا حدث له شيء من النظرية فقد قسم الخط بنصفين، وثنى أحد النصفين على الآخر، وخرج العقل من سلوكه على دائرة إلى سلوكه على خط لولبي، وهو عند ذلك يجعل العقل شيئاً ما موجوداً أو يقيمه مقام الموجودات الهيولانية، ويكون العقل في حال وضعه مؤلفاً من شيئين: من المحمول وبه يصير معقولاً، ومن الحال التي بها صار معقولاً موضوعاً لا. فإن الموضوع إن كان هو والمحمول واحدا من جميع الجهات، لم يكن ذلك محمولا ولا هذا موضوعاً، ولا كان المؤلف منهما قضية، ولذلك لا يصدق ولا يكذب، وإنما يكونان اسمين مترادفين، وقد تلخص ذلك في كتاب الحروف. والمعقول يوجد موضوعاً بوجوده: أحدها عندما يحمل عليه حده أو أجزاء حده التامة. مثل قولنا: الكرسي جسم من خشب صنع ليجلس عليه، وقولنا: الكرسي جسم. والثاني عندما تحمل عليه الأعراض كقولنا: الكرسي طويل أو عريض. والثالث وعندما تحمل عليه الأحوال المنطقية كقولنا: الكرسي جنس متوسط. والرابع أو عندما نفحص عنه كيف وجوده المعقول، لا كيف وجوده الهيولاني. فإن الفحص عن وجوده الهيولاني، وهو وجوده في أشخاصه، يقف بنا على جسده، وفحصنا عن وجوده المعقول ليس يقف بنا على هذه، بل يقف بنا على ما هو العقل بالفعل، لأنه لا فرق عند ذلك بين وجود الكرسي وبين وجود الإنسان من حيث هما معقولان. وهناك وجوه أخر تعديدها فيما نحن بسبيله فضل لا يحتاج إليه، فلنقتصر من أصناف الحمل على هذه، ولنفصل القول فيها فعند ذلك يظهر لنا الحال التي حاكاها أفلاطون بالسلوك على الدوائر اللولبية، وأرسطو بانثناء الخط المستقيم. وجمع أنواع الحمل إذا أحصيت الإحصاء اللائق بهذا الفحص كانا: إما حمل موجود في مشار إليه على موجود مشار إليه كيف كان، أو يستند إلى مشار إليه، وأقسامه: حمل الجنس والفصل على النوع، وحمل الجنس على النوع. وحمل العرض على النوع. والحمل من طريق ما هو على الشخص. والحمل من طريق ما ليس هو على الشخص. أو حمل ما ليس مشاراً إليه على ما ليس بمشار إليه، ولا من جهة أنه في مشار إليه، بل من جهة ما تنزل المعقولات منزلة الموجودات، فيكون المعقول يجري مجرى الشخص، وذلك حمل الأحوال المنطقية على المعقولات الأول، كقولنا: الحيوان جنس والناطق فصل. وهذا يدخل في حمل العرض على الشخص، فليعد في القسم الخامس. والثاني حمل ما يجري من هذه من طريق أنها موجودات تتنزل منزلة الأشخاص. والدلالة على المعقولات من هذه الجهة غير معروفة في لسان العرب، وأحرى بأن يكون في سائر الألسنة، وهو في طلبنا هذا المعنى الكلي الذي نحمله على كثيرين. وأما ما يدل عليه لفظ إنسان أو فرس ما هو وما قوامه، فهو من جهة يعد في القسم الثاني، ومن جهة أخرى يليق أن يعد في الرابع. إلا أنه في القسم الثاني أحرى وأليق. وبالجملة فليعد قسماً بنفسه من غير تقسيم. كمل ما وجد من هذا القول. الحمد لله على نعمه.