الباب الثالث | رجوع الشيخ إلى صباه الباب الرابع في تلاحق الضرر الحادث عن الإفراط في الجماع قبل أن يعظم ويشتد المؤلف: ابن كمال باشا |
الباب الخامس |
يحتاج من أكثر من الجماع أن يقل من خروج الدم والتعب والتعريق في الحمام وغيره ويميل بتدبيره إلى ما يسخن ويرطب ويرفه ويقوى بدنه لأن الجماع ينزف الدم ويجففه ويضعفه ويخلخله فينبغي أن يزيد في الغذاء والشراب عند النوم والدعة والطيب والادّهان والاكتحال ويتدرج على الإكثار من الخبز السميد ولحوم الحملان والشراب الأحمر الذي له حلاوة وغلظ معتدل وليطيب طبيخه بالزنجبيل والدار صيني والدار فلفل ولا يشرب حامضاً ولا مالحا عفصاً وليزد في الاستحمام بالماء العذب المعتدل في السخونة ولا يعرق ويتنقل باللوز والسكر ويرتاض رياضه معتدلة ويتدرج إلى أن يستحم بعد الطعام ويزيد في نومه وفى وطائه ويمرخ بدهن الخيري أو دهن البان ونحوهما ويأكل المربيات المعتدلة كالشقاقل والجوز والأترج والحبة الخضراء ويأكل الأخبصه الرطبة كاللوزينج والقطائف والزلابية والعسل والسكر ويشم التمام والمرزنجوش وما أشبههما من تنشق بعض الأدهان فإن تأذى بالشم وضع منها على نافوخه أيضاً واستعطبها فإن هو مال إلى بعض الأغذية اللطيفة كلحوم الطير والجداء استدرك ما فاته من الرطوبة بالصبغة التي يصبغ بها وأن هو مال إلى التي هي أبرد كالسمك والبقول استدرك جميع ما فاته بالأصباغ التي تؤكل قبله واحده والأشربة التي تشرب عليه ولينظر إلى الأعراض التي تحدث به عن الإكثار من الباه أكثر وأعظم وأشد من برد البدن أو من يبسه أو من سقوط القوة أو من هيجان الحرارة الغريزية فيجعل أكثر قصده مقاومة ذلك العرض أما سقوط القوة عقبه فيتدارك بالأغذية الشريفة كماء اللحم الطيب بالشراب الريحاني ونبيذ الزبيب بالعسل العتيق والأبارج الطيبة واللطوخات واللخالخ بالماء البارد وهذا إنما يحدث عن الإكثار من الباه في الندرة وفى الأبدان الضعيفة كأبدان الناقهين والمسلولين وفى الأبدان التي يعرض فيها التحلل جداً كالمحمومين وفى الأبدان التي يفرط عليها الالتذاذ بالجماع كالعشاق والبعيدي العهد بالباه فينفع هؤلاء الاغتسال بالماء البارد جداً أن احتمل الزمان أو السخن وإما ذبول وسقوطها فينبغي أن يتدثر وينام قليلاً ثم يعمد إلى الغذاء القليل الكميه الكثير الغذاء كالبيض النيمبرشيت والخبز السميد والكباب ومتاء اللحم والقليل من الشراب ثم يتطيب وينام نوماً كثيراً فإن ذلك يعيد قوته إلى حالها وهذا النوع من سقوط الشهوة يحدث على الباه أكثر من النوع الآخر ويحدث كثيراً للمجامعين على الجوع والتعب وأما هيجان الحرارة الغريزية فيعلم أنها سريعة السكون وتولد البرد سريعاً حتى يكون البدن عقب سكونها أبرد مما كان قبل هيجانها اللهم إلا أن يكون البدن مشتعلاً بأخلاط فيه عتيقة قريبه من الالتهاب فإن الإفراط في الجماع جيد لاستعمال هذه الحرارة يقوم مقام السبب البادي للحركة والقصد من هذه الحالة والحالة الأولى أن يتقدم هذه الحرارة نافض ومتى رأيت البدن يعتريه عقب الجماع نافض فاحش فاستفرغه بالأغذية المسهلة للمرار الأصفر ثم عد إلى ترطيب بدنه بالتبريد حتى إذا سكن ذلك أجمع فأعده إلى تدبيره وأما أصحاب الأمزجة الباردة الرطبة فليكن الغاية في تسخينهم أكثر وأغذيتهم تسخن أما بالطبع وأما بالصبغة مما يخلط بها من التوابل وكذلك فليأخذ من المربيات المسخنة كالزنجبيل والفلفل المربى والمعجونات الحارة مثل المثرود تليوس ونحوه ويشرب من الشراب العتيق أو نبيذ العسل وهو أجود وبالجملة فإن هؤلاء يحتاجون إلى الأدوية الحارة المعروفة بأدوية الباه واحتمالهم لها وانتفاعهم بها بقدر حاجتهم وأحفظ لهم من الأمراض الباردة وأما المزاج الحار اليابس فليكن غرضك ترطيبهم وحفظهم قبل أن تشتعل بهم الحرارة الغريزية وذلك يكون بالأغذية الرطبة من البقول والفواكه وألوان الطبيخ والسمك الطري والبيض واللبن الحليب والاغتسال الكثير بالماء الفاتر والبارد والتمريخ بالأدهان المعتدلة وترك التعب والحركات والسهر ألبته والإكثار من شرب الشراب الأبيض الرقيق بالمزاج الكثير ونقيع الزبيب ولا يكون فيه عسل ويكون ما يأخذونه من أدويه الباه الأدوية الكثيرة الترطيب المعتدلة كإحساء النخالة والمتخذ من اللبن والترنجبيز ومانحوه من السمك المكبب والبيض والنيوبرشت ولحوم الرضع وأصباغ معمولة من اللوز والسكر وخبز السميد والتمر السمين المنقوع في اللبن الحليب ويستكثر من أكل العنب فإنه يرطب ترطيباً كثيراً يولد الدم الجيد ويكون ذلك سبباً للإنعاظ ويغزر الماء ويسلك به هذا النحو من التدبير وأما أصحاب الأمزجة الحارة الرطبة فقلما يضرهم الباه كثيراً منهم يضر بهم تركه حتى أنهم يحصل لهم الكآبة وسوء الفهم وسقوط الشهوة ووجع وثقل ودوران في الرأس وورم في أعضاء التناسل فمن حدث به من هؤلاء بعض هذه الأعراض فليستعمل الباه بالاعتدال ومن هؤلاء من يكثر الباه ويصيبهم من تركه هذه الأعراض فإذا هم أكثروا ضعفوا جداً وسقطت قوتهم وغارت أعينهم وأصابهم خفقان الفؤاد وبطلان الشهوة وضعف الاستمرار وأعراض رديئة وإن ضبطوا أنفسهم وأمسكوا عن الباه حدثت بهم الأعراض التي ذكرناها أولا ونالهم في النوم احتلام كثير وهؤلاء هم الذين مزاج أعضائهم مختلف ومزاج التناسل منهم حار رطب كثير يولد المنى في الغاية وأما قلوبهم وأكبادهم وأدمغتهم فضعيفة وهؤلاء ينبغي أن يتعالجوا بالعلاجات المجففة للمنى المقللة له، وأما أصحاب الأمزجة المعتدلة فينبغي أن تحفظ عليهم أمزجتهم بالأشياء المشاكلة من الأكول والمشروب وسائر التدبير الموافق وإذ قد تكلمنا في الأعراض التي تحدث عن الإفراط في الباه بحسب الأمزجة فلنذكر الأعراض الغريبة التي تحدث أحياناً فنقول أنه قد يعرض لبعض الناس رعده بعد الجماع تحدث من جنس الارتعاش لا من جنس الناقض فيسقى لهؤلاء الجوارش المعجون بماء المرزنجوش من نصف درهم إلى درهم بقدر قوة المرض فإن سكن وإلا فاسقهم الحنظل وقثاء الحمار والقنطريون وبرز الأبخرة والأشياء المحركة المنقية للعصب ويمرخ منهم الدماغ بالمسك والعنبر واللبان والطيوب الحارة القابضة ومرخه بدهن القسط ودهن النرجيل ودهن السعد والأبهل والنانخواه، وقد يعرض لبعض الناس بعد الجماع بخار رديء يصعد بمضرته إلى رؤوسهم كاللهب فتفور رؤوسهم وتصدع وتظلم أعينهم فهؤلاء إما أن يكونوا ليشربون الشراب إلا صرفاً فإنههم عن ذلك ومرهم أن يشربوا الشراب ويقو رؤوسهم بخل الخمر والماورد ودهن الورد يضرب بعضها ببعض ويكون الخل قليلاً وإن أفرط هذا العارض بهم فاجعل غذاءهم الحامض كالحصرم والسماق والخل وأكثر فيه من الكسفره فإنه نافع من صعود البخار إلى الرأس وشممهم الكافور وأسعطهم بدهن الورد ودع على رأس المصاب دهن البنفسج ومره أن يدخل الماء الصافي ويفتح عينيه فيه ويكثر النوم والشراب والحمام مدة فأما من عرض له عقبه إعياء شديد فليتدثر وليضطجع على فراش وطئ ولينم قليلاً ثم ليأكل غذاء قليل الكفاية مما يسهل نفوذه ويعاود الدثار والوطاء ولينم نوما طويلاً فإنه يذهب عنه الإعياء ويعود إلى الحالة الطبيعية وأن بقى شئ من ذلك قل أو كثر فليستحم ثم يأكل ويشرب الشراب الصرف